فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير

دراسة في مجموعة " أخبار المعنى" لأديب كمال الدين

 

واثق الدايني

القسم الثاني

 

 رغم انّ ( ميم الماضي ) و ( راء الرغبات ) و( شين الشمس ) و ( سين سريراللذّة ) قدمت الحرف الأول رمزاً دالاً لما يليه الاّ انّ كلّ حرف يشير الى ( شيء ) ما يتعلق بهذا الذي يدلّ اليه ويرتبط به وانسلخ منه . إن ( تأويل ) هذه الحروف وغيرها يأخذ أكثر من صورة معرفية وسلوكية ولغوية ، وعلى نحو خاص التورية البلاغية . وتقترن الصورة المعرفية بالفلسفة والصورة السلوكية  بالتصوف والبلاغية بالتورية ، حسب محتوى النظم في الديوان كله وسياقاته العامة . ففي قول الشاعر : ( مَن يفتح ميمَ الماضي ؟) يمكن تأويل حرف ( الميم ) فيه فلسفيا ب ( المثال والمثالية ) ، ( الميتافيزيقيا ) ، ( المدلول ) ، ( الماهيّة) ، ( المطلق ) ، ولكن بلغة التصوف تصير: ( مجاهدة ) ، أما بلاغة التورية فتجعل منها : ( الموت ، المجهول ، المعجزة ) وأما حرف الراء في قول الشاعر فيمكن تأويله الى الفلسفة مذاهب ( الرمزية ) و ( الرومانسية ) ولكن بلغة التصوف يصير ( الروح ) وبلغة التورية ( رهاب ) ، ( رحيل ) ، ( رأي ) . ثم تأتي عبارة : (سين سريراللذّة ) وتأويل الحرف فيها فلسفيا يمكن ارجاعه الى ( سيرورة ) ، ( سبب ) ، ( سببية ) وفي لغة التصوف يتحول الى كلمة ( سرّ ) و ( قدس الله سرّه ) وتورية ينقلب الى ( سلام ) و (سقوط ) . وأما في جملة ( شين الشمس ) فإن حرفها الأول يتبع في الفلسفة مذهب ( الشك ) وفي التصوف ( شهادة وشهيد ) وفي التورية ( شرق ومشرق ) . لم يخرج عن قاعدة المختصر بالحرف الأول الاّ ( الميم ) في جملة ( مَن يفتح ميمَ الدم ؟ ) الاّ ان تغير موقعه لا يؤثر في رمزية الحرف نفسه بقدر ما يخرجه عن قاعدة الأختصار( الانكليزية ) جزئيا . ولاضير في هذا التغيير ، بل انه عكس مسحة جمال صياغية تضاف الى المسحة العامة التي تتسم بها الأبيات كلها في هذا المقطع الا ان ثمة ترجيح للتورية على الفلسفة والتصوف في ( ميم الدم ) بتأويله الى ( الموت ) أو ( المجهول ) أو ( المعجزة ) . اذ ان ( فتح ميم الدم ) بوصفه ( موتا ) يصير وقاية منه ودفعا له ، وبوصفه ( مجهولا ) يصبح : سبر أغواره والكشف عن خباياه ، وبوصفه معجزة يتحول الى محاولة الايقاف بها وتحقيقها رغم كل شيء وأي ثمن بما في ذلك الدم !

- يتحول الشاعر ( على نطاق محدود ، تلقائي أو مقصود ) الى استعمال الحروف الرامزة استعمالاً رمزياً دالاً كما في ( ب ) أعلاه الاّ انه يمنح هذا الاستعمال بعداً ( شكلياً ) رائعاً بوضع الحروف الرامزة أمام القارىء طالباً منه ( التصرف بها ) خارج تأويلها أو معه ، فإذا جمعت هذه الحروف بعضها الى بعض منحتك كلمة ( دالة ورامزة ) بقوة لتضيف الى النظم غموضاً جديداً غاية في الجمال . نقرأ في منظومة حوارية المعنى ) المقطع الآتي لهذه الغاية :

( ح ) (( سأكون قريبا ًمن ايقاعكَ يا فجرا ً

يُحْملُ فوق الرمح

سأكونُ الراء ، أنا الراء

منذ طفولة أمطار المعنى في قلبي

و أكونُ الألف ، أنا الألف

منذ شروق الشمس الى غيبوبتها المرّة ..

وسط الامطار  ..

سأكون ُالسين ، أنا السين

منذ مجيء الهدهد من سبأ  الناس )) ( ص 39 )

- لاحظ الحروف : ( الراء ) و ( الألف ) و ( السين ) وجمعها : رأس ، ودلالته الشهادة والحقيقة والقمة ، وكأن هذا ( التأويل ) يشرح محتوى المقطع كاملاً ! الاّ ان هذا التأويل لايمنع التعامل مع ( النص ) بصيغ - وليس بصيغة واحدة – أخرى فنتعامل مع الحروف واحداً فواحداً : (فلسفياً ) و ( صوفياً ) و ( تورية ) ونتعامل مع نظم كل بيت بما يناسب : جمالياً قد يرى القارىء نفسه ( أسير ) قول الشاعر ( منذ مجيء الهدهد من سبأ الناس ) فيحار في معناه المدهش الغامض ! واذا عاد الى مادة بحثنا الأساسية : كلمة ( المعنى ) فقد يعاني من تأويل ( أوتوقراطي ) وحتى ( ألوقراطي ) ازاء عبارة ( أمطار المعنى ) وما يزخر به هذا النظم من مجازات واستعارات .

_ في تطبيق أخير ، نقرأ حرف ( النون ) في بيت من منظومة ( نون المعنى ) . اذ يقول الشاعر :

( د ) (( انتبهوا

إذ تسرقني ( النونُ) إلى عريي اليومي ، أضيعُ و أفنى

انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحثُ عن معنى ! )) ( ص 33 )

_ في التأويل الفلسفي يبدو( النون ) ناموساً وفي التصوف يمكن ارجاعه الى النهاية السرمدية : الخلود وفي التورية يمكن اعادته الى المرأة أو النوم والأولى أكثر رجحانا ، ثم نلاحظ  (الرأس ) وقد وضِعَ على الرمح مما يؤول كما ذهبنا اليه في مثال ( ح ) أعلاه : الشهادة والحقيقة والقمة وجميعها يكمن في ( اله ) التي تبحث عن معنى ونسمح لأنفسنا القول هنا : يبحث عن سبب لما يجري ويسأل عن غاية له بتأويل سياسي – مجتمعي – انساني عام .

   التأثير الأسلوبي في النظم المبحوث 4 – 4

- مهما تكن درجة " استقلالية " النظم المبحوث وابداعه ثمة تأثر واضح بما هو أكثر فصاحة وأعمق بلاغة في بناء الجملة واعلان مضمونها أو اخفائه ، ولايشكل هذا التأثر مثلبة ، هنا ، بقدر ما يؤكد النجاح في التفاعل مع أنماط اسلوبية ( خالدة ) بتكوينها الجُملي . الاّ اننا نعترف ان هذا التأثير أخذ شكل المحاكاة في عدد من المواقف ازاء عدد من الآيات القرآنية ، أي انه تأثر بالنظم القرآني العظيم فهو تأثر خاص جداً رغم انه محدود الأبعاد .

- ربما يأتي التأثر بالاسلوب القرآني من طريقي الوعي والاختيار المسبق فيبدو واضحاً عبر ( مايجري مجرى المثل ) على لسان المتأدبين من الشعراء والمرهفين من الأدباء ، وربما يأتي عفوياً تلقائياً ومتناثراً في القصيدة الواحدة أو بين القصائد المتعددة بسبب ( تعمّق ) الشاعر في متابعة المحتوى القرآني وأسلوبه الاعجازي الخارق . يمتع نظم أديب كمال الدين في سياق هذا المبحث بالخصيصة الثانية تماماً مع انه قادر على ان يطلق الخصيصة الأولى على هيئة نظم مدروس وممنهج من غير عفوية أو تلقائية فضلاً عن النظم الشعري بالنهج الحديث .

- تبدو نسبة التأثر الأسلوبي محدودة طبقا لما أوضحنا أعلاه في نظم أديب كمال الدين في ( أخبار المعنى ) الاّ ان هذه ( المحدودية ) تعكس جمالاً تميزه القلة . إذ أن المحاكاة الشكلية تصحب معها تغايراً دلالياً أراده الشاعر لنفسه من خلال الأسلوب القرآني العظيم ، فهو مثلا ، في قوله :

(( وابيضّت عيناي من الذل )) ( أخطاء المعنى ص 12 )

انما يحاكي قوله تعالى في وصفه النبي يعقوب عليه السلام :

(( وابيضّت عيناه من الحزنِ فهو كظيم )) ( يوسف 84 )

الاّ انّ مدلول الشاعر في نظمه ليس علاقة مضامينية بالآية الكريمة ، انما يفترق عن الآية في الموضوع والغاية معا . بيد ان الشكل المقتبس منح النص الشعري روحاً جديدة في المحتوى فضلاً عن الشكل ( فالعمى الأبيض ) يأتي من هول الاستجابة الانفعالية أحيانا ، وهذه الاستجابة تقرّب المنظوم الشعري في نسج الآية الكريمة من دون ان نشعر بالاختلاس أو السرقة ! هنا في الواقع يكمن جمال التعبير أنْ تحاكي ولايبدو عليك أنك تحاكي فتبدو متأصلا في رصف الكلمات وتحديد غائيتها .

- مع المحاكاة تظهر سمة الاستعانة بالمفردات العربية ( القديمة ) أو ( المهجورة) كزهرات تتوزع على نوافذ النظم في الديوان كله ، قليلة متباعدة ، جميلة وملفتة للنظر ، دافعة الى التقصي والعودة الى الأصول ومعجماتها ، للتذكير: افرنقع ، احرنجم ، تعتع ، العرجون ... الخ . فليس كلّ قديم مندرس في ( نظر) الديوان ! وان احياءه ليس متعذراً ولو بين الشعراء.

- فيما يأتي خلاصة ( مفيدة ) مما تيسر استخلاصه من الديوان مكملاً ما مضى من المكونات قبل الدخول في مادة التحليل وأشكاله ونتائجه :

( أولا ) المحاكاة القرآنية في النظم المبحوث 

1- أخطاء المعنى ص 12

( أ ) كانت أرضُ اللهِ تغرّد فيك

(( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )) ( النساء 4- 97 )

( ب ) وابيضّت عيناي من الذل

((وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم )) ( يوسف  12- 84 )

2- أنثى المعنى ص 21

( أ ) لا تأتمري أيتها النخلة

(( قال ياموسى إنّ الملأ يأتمرون بكَ ليقتلوك )) ( القصص 28- 20 )

3- راء المعنى ص 35 و 36

( أ ) فاستقمْ أيها الموت

( ب) فاستقم ياحنيني الطفولي

(ج ) فاستقم أيها السيف

((فاستقمْ كما أمرت ومن تاب معك )) ( هود 11- 112 )

4- دال المعنى ص 46

( أ ) اشتذّ رمادي واشتعل الرأس جنونا

(( قال ربّ اني وهنَ العظمُ مني واشتعلَ الرأسُ شيبا )) ( مريم 19 – 4 )

( ب ) قمتُ أهشّ على كلماتي

(( قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي )) ( طه 20- 8 )

( ج ) فار الحرف كما التنور

(( فاذا جاء أمرنا وفار التنور )) ( المؤمنون 23- 27 )

5- شمس المعنى ص 62

( أ ) زلزلت الريح على بابي مطراً وحشيا

(( إذا زلزلت الأرض زلزالها )) ( الزلزلة 99 – 1 )

6 – أغنية المعنى ص 68

( أ ) يزرع أشجار الظلمة وسط الأمطار وزلزلة الماء

(( إذا زلزلت الأرض زلزالها )) ( الزلزلة 99 – 1 )

( ثانيا ) كلمات قديمة ومهجورة

1- أنا وأبي والمعنى  . ص 14

( أ ) افرنقع غيم شتاء الروح

2- أنثى المعنى  . ص 23

( أ ) واحرنجم فيها فعلُ الجزم ، صفاتُ العاشق

3 – نون المعنى . ص 31

( أ ) وانتبهتْ لعذابِ العرجون

4- دال المعنى . ص 46

( أ ) افرنقعت الساعات

5 – نسيان المعنى . ص 54

( ا ) وشربت ُالخمرة حتى تعتني الكأس

6 – ضحك المعنى  . ص 74

( أ ) لاجدوى هربت سيدة الجسد الطافح بالحب

نحو المدن المؤودة باللامعنى

5 – المعنى عرضا وتحليلا

5 – 1 العرض نظما : حمل ديوان أديب كمال الدين " أخبار المعنى " ضمن قصائده الأبيات والمقاطع الآتية التي احتضنت كلمة ( المعنى ) اثباتاً ونفياً وتركيبا . نعرضها مع ذكر اسم النظم المستلة منه ورقم الصفحة كما يأتي للأهمية :

1- موت المعنى

وأختار لموتي معنى ، وأضمّخه بالطيبِ وأنشره في السرّ على أكتافي .  ص 5

2- أخبار المعنى 

ومرّت ْسبع لاهية لا تعرف بيتاً أو عنواناً أو معنى ،..

أشكو معناي المقتول الى الكلماتِ  الفضّةِ : لاجدوى .

يبقى الجسدُ المدهوشُ عنيفا ً لا يعرف للموت طريقاً أو معنى .

عذبني المعنى .قاد المعنى بيتي نحو المنفى ،

 ألقى القبض على أسئلتي ، أودعني حجرات المنسيين. ص  8

فأشيخ سريعا ًوأنا بين طفولة اسماء صباي ، ويدعوني

تفاحا ًمرّا ً، يدعوني فأجوس المنفى : منفى الرمل و منفى القبـر

ومنفى المدن الموءودة باللامعنى حتى أصل الغيمات  . ص 9

3 - أخطاء المعنى

 وارتحتُ إلى ميسمكِ المفتوحِ كشقّ التفاح

كنتُ أوزع خطأ مضغوط الشفتين ومرتجف المعنى  . ص 10

ونبوخذ نصر يرسم روح المعنى في قلبي

صرخات الجدّ المحمول على رمح المعنى ص 11

كانت أرضُ اللهِ تغرّد فيك

وأنا أعتذراليوم إليك : الى

خطأ في اللهجة من خطأ في المعنى ..

خطأ في البهجة أو خطأ في الدمعة

خطأ في خطأ في خطأ الرأس

خطأ في خطأ الرمح الداخل في الرأس . ص 12

4 – أنا وأبي والمعنى

الغيمُ  يجيء و يذهبُ

والفجرُ يطرز حرف الدهر فلا معنى أبداً .

لامعنى لاعادة مشهد حب مكرور ملتهب ، لا معنـى . ص 13

قام الساحرُ بالرقص ،  اختط ّ لنا أرضا ً تكفي لكلينا قـال :

هنا نرقص ـ واختطّ  بجانبها أرضا ً أصغرَ -  وهنا سنموت

علينا بالرقص لأنّ المرأة شيء باطل 

والطفل كذلك ، والسيف قويّ ، والمعنى مكتنز في الرقـص

فارقصْ ! ص 14

 5 – أنثى المعنى

 الباء ُ جمال وحشيّ

الباءُ : الليلُ  بلا أحداق  و نجوم

الباء ُ : فراش مكتظ ّبالمعنى . ص 21

6 – نون المعنى

لامعنى لي إلاّ في حرفي

انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحثُ عن معنى !     ص 33

7 – حوارية المعنى

لا معنى يولد إلاّ من موتي

لامعنى يزهو إلاّ في قتلاي . ص 38 .

سأكون قريبا ًمن ايقاعكَ يا فجرا ً

يُحْملُ فوق الرمح

سأكونُ الراء ، أنا الراء

منذ طفولة أمطار المعنى في قلبي . ص 39

8- صراخ المعنى

 أبكي ، أتدثر بالصمت وأغفو

وأقومُ وأدعو وأصومُ ، أناشد باب المعنى

بكلام اللامعنى . ص 44

9- دال المعنى

أقفرتُ من المعنى ، وزّعتُ ثيابي للفقراء .   ص 46

10 – باء المعنى

واقول الألف ولا معنى .. ص 50

فأرى في منتصف الليل

كلكامش يسأل كالأعمى عن معنى الباء

أنكيدو يبكي بدموع من طين  .          ص 52

11 – نسيان المعنى

يانون

ياسين القسوة ، ياء اليم

*  قال الأول ُ: يسألُ أحد عن معنى النسيان ؟! لماذا ؟!

*  قال الثاني : عبث عبث  .

* قال الثالث : هي ذي ... الكأس  .

* قال الرابع : كن فيكون .

* قال الخامس : معناه  الدهر.     ص 54

وبقيت ِأمامي جسدا ًحياً يتبعني في موتي  ..

يكتبُ سفسطتي وعنائي  ..

ويناقش دولاب َالفجر، سرير اللذّة ِ، باب المعنى .. ص 55

12 – ارتباك المعنى

 مرتبكا ًمذعورا ً

كان المعنى قدّامي و ورائي

يبحثُ عن معنى لطلاسمي العظمى !       ص 57

 13- خيانة المعنى

حاصرني المعنى باللامعنى  ...

أجلسني في تاء الموت قليلا  ..

اطفأ نوري مرتبكا ً، قال بأنّ العين

سقطتْ في نكد ِالدنيا ..

فهلمّ الساعة نخرجُ ، نخفي موتا ًمن نور

فخرجنا في الظلمة . أعطاني المعنى سيفا ً..

قال : اقطعْ رأسك !

ففعلت !

وضع المعنى الرأسَ على الرمح

ومضى يحمله في الطرقات

وسط صهيل الناس .   ص 58

 14 - ايقاع المعنى

وامتدّ الجسدان بنا أخذانا للاّمعنى

غمرانا في إيقاع الحاء

تركانا نُذبح نُؤسر ، نُـقتـَلُ من فرط اللذ ّة

فتساءلتُ كدرويشٍ أعمى عن معنى المعنى

وتساءلتُ كطفل ٍعن معنى الماء  !     ص 59

15 – رومانسية المعنى

ويخلط  أقواس َالحبّ بثوب مسرّتها ،

يشعلُ نهديها كي يخطفها  للأعلى ويحلّق مذهولاً ثملا ًو شـديد

المعنى . أنتِ معي ، كفّك كفّي ، عيناك بعيني والليل يموء ويفتح

عينيه بعيدا ً نحو الأقصى . يالطفولة أعضائي ونعومة أغنيتي حد

دخول المعنى في اللامعنى .. ص 60

16 –  شمس المعنى

وعلى باب الشمس ِ

أبيعُ ثيابي مبتهجا ًو ثياب َالطفل ِالنائم ِ في أعضائي

أمضي مستترا ً يتبعني  المعنى  .  ص 60

 17 – زمن المعنى

زمن كالقاربِ  يسقط ُ من أعلى الشـلال

ويمضي من يوم ٍحتى يوم ٍ ، من سنة ٍ حتى سنة ٍ ، من

قرن ٍ حتى قرن ٍ ، يتجلّى بوذيا ً في الأدنى ، صوفيّـا ً

في الأعلى ، ملكا ًفي المعنى ، رأسا ً يُحْمَلُ فوق الرمح

الى أقصى الاقصى . ص 64

 18 -  نص المعنى

كان المعنى يرقصُ مدهوشا ًمـن عري الحرف ِ و عري 

 الجسد ِ الطالـع منك فقمتِ  إلى أحرفـه بنجـوم ٍ من

 جمـروسيوف من نار ٍ. حاصرتِ خطاه بقاع المسرح حتى

 ضحك المعنى

 .......................

كيف يصير ُالطارىء ملكا ًوالقاتلُ سيّدَ لعبة ِ أطفال ٍ فرحوا

 بشموس طفولتهم ياسيدة ًقتلتْ نونا تبحثُ عن صاد المعنى .. ص 66 

19 – اضاءة المعنى

 سأضيء المعنى  : أتقمّصُ في السر ّ دما ً  سيقود

ظلامي و مُحبّاً أفنى العمر بدولاب الموتى ينتظرُ الطيرَ

يجيء من الأقصى  بأناشيد النون . أضيء المعنى كافاً

في هيئة ساحرة ٍ تستحضرُ هيبةَ خيباتٍ و جلالة قتلى

ووساوس أرملةٍ  و ظنون  حروف ٍ وجرارا ً من طين

كـُسِرتْ  في عيد طفولتي القصوى قرب دماء الأجداد .

أضيء المعنى  فجرا ً من فتنة ِ ميسمكِ الغامض في شفتي

وسط رمالٍ عارية ٍ .  سأضيء المعنى أحشاء غامضـة

التكوين و وهما ً يتجلّى . سأضيء المعنى  قصةََ  سـيدةٍ

تنمو وسط صحار ٍ و سيوف ٍ و فرات ٍ قادتني للحــبّ

وقادت جسدي للحب ّ فأمسى لدهور  فوق البحر يجـيء

ويمضي ،  يمسكُ  كلّ  شموس  الدنيا  تشــرقُ  ليلا ً

وتذوب دما ً ونجوم الكون تغور ترابا ً ،  يخفي ســفنَ

الناس بأزرقنا العالي و سواد التالي تمخر مأسـاة سـلام

الموتى .  سأضيء المعنى  نونا ً لاتفنى ، تــاءً تتجلّى ،

ظاءا ً من رمل ٍ ، ألفا ً من  نور ، راء ً من حبّ همجيّ

عذّبني فوق الجمر طويلا ًفيكون المعنى أن أنتظرالمعنى . ص 67

20 – بيت المعنى

للمعنى  بيت خـَر ِب .  للمعنى  باب أدخلهُ ،  بهـدوء

أسطوري ، أخرج  من  بين ثيابي سكيناً غامضة ً وأفتشُُ

عن لحم عذابي وأقطـّعه بحروفي المرّة وسط هدوءٍ أعمى

لأدندن في كأسي  : للمعنى  بيت ، سكين ، لحم ألـِـق.

للمعنى قمر ، موت . للمعنى أعداء شرسون ، وللمعنى 

ربّ و ملائكة و نجوم  . ص 68

21 -  أسماء  المعنى

الجمع ُ يصفـّق  سخفا ً، فأنا لم أعلن أبدا ًعن

 أسماء دمي ، لم أعلن عن أسماء المعنى.     ص 69

 22– عري المعنى

أولمتُ لأعضائي فاكهة َ لفجر فجاء الموتُ سريعا ًوانقلب المعنى

في فنجان لغاتي .

الشِعْرُ  يغنّي  في فرح  أسطوري  خيبتـَهُ  و يقوم يقبّل

 دمعي  كي  نقتـل شيئا ً يدعى  المعنى . ص 70

23 -  ماضي المعنى

خلفي المعنى ، قدّامي المعنى . ص 73

24 –  ضحك المعنى

لاجدوى  ...

هربتْ سيدة ُ الجسد  الطافح  بالحبّ ْ

نحو البحر العاري بفحيح الأجساد ، أنين الرغبات  .

نحو المدن  الموءودة  باللامعنى   ... ص 74

25 –  كاف المعنى

قال الأخضرُ  حين  تقبـّل موتي  اليومي ّ  ..

وحرماني الأزلي ومقتلَ شمس طفولتي الذهبيّة  ..

في باب المعنى  :

خذ ْ من كافي  حائي .

فإن شئتَ الكاف إليك َ تكون دليلا

لتقودكَ نحو الأخضر : نحْوي يا أعمى

نحْوي فالكاف تجلـّتْ و بدتْ ثاقبة المعنى . ص 78

26 – وصول المعنى

ووصلت ُ إليك أخيراً يا معناي .

صاح فراتُ الأجدادِ

المكتهلين بموت اللا معنى : انتبهِ اليوم لسر ّالحـرفِ

بموضعها وتموضعْ  فيها واثمرْ  فالعمرُ  حديث  خرف

يهذي . يهبط ُ فجرّ من قلبي . أهبط ُ حتى الشــارع ،

في  بيت القبلاتِ الثكلـى أودع معناي  وأصعد ُحتــى

دجلة ذات الجسد  العذب الشفتين فلا تعطينـي إلاّ  مـا

تعطي سيّدة  للبعل ِ ،  فماذا  أفعل  ؟ دوّخها  مَن  يملك

سارية َ الأسمنت  و سارية  الدينار  فلا تخفي  وجع  الضائع

مثلي .  أمسكتُ  بأنهاركِ  مستترا ً فرأيتُ  بعيدا ً  أبعد

منكِ  و أقرب  منّي  نهرا ً أسود  يصفرّ عليه   الناسُ  من

الخوفِ  طويلا ً ، نهرا ً أبيض  يسودّ عليه  الناس ُ من

الصحراء ، ونهرا ً عذبا ً شاهدتك ِ فيه بلا ثوب ٍ نائمة ً

منتصف  الليل  تئنّين الى المعنى 

قام  بأمطارك ِحتى شفيتْ صحراؤك ِ من أمراض ِ الدنيا  ،

 قام  الرأس ُ إليّ

أخيرا ً ، قبّلني  ، صاح َ بأعضائي  فتنبّهتُ  من المــوتِ

إليك ، وجدتُـكِ عارية ً قربي  . رجع َ الرأسُ  إلى

جـسدي  ، قال  أنا  المعنى .  فبكيـت  . ص 81

 

 

  استقراءات المعنى ومعنى الاستقراءات في النظم المبحوث  2 – 5

- تظهر النصوص المعنية  في 5 – 1 بصفتها ( نظما موحدّا ) أو قصيدة متصلة ( توليفية ) ان استعمال كلمة ( المعنى ) حمل معه صيغا كثيرة من الأشكال والمضامين ومن ثم الغايات . لذلك فان استقراء كلمات ( المعنى ) يقود الى معرفة معنى الاستقراء الذي يفرضه النص الشعري علينا هاهنا ليس في اختيار هذه القاعدة مايثير التساؤل اذا ماقرأنا أول ( بيت ) يتضمن كلمة ( المعنى ) اذ هو :

(( وأختار لموتي معنى ، وأضمّخه بالطيب وأنشره في السرّعلى أكتافي ))

( موت المعنى ص 5)

ثم انتبهنا الى آخر ( بيت ) يحتوى الكلمة ، اياها ، اذ هو :

( أ ) (( رجع الرأس ُ الى جسدي ، قال : أنا المعنى . فبكيت )) ( وصول المعنى ص 81 )

- أن يبدأ الشاعر نظمه بالموت وينتهي بعودة الحياة نقض لقانون بيولوجيا الحياة وبعث لقانون فلسفة الحياة ازاء الحياة نفسها من حيث هي : انسان وعلاقات وحقوق وغايات وآمال وتضحية وثورة ، ومن حيث هي وعي الوجود وكينونة الانسان في ذاته الصغرى صوب الحقيقة العظمى .

- بين الموت بداية ، والحياة نهاية تستقر صفوف من معاني ( المعنى ) الرامزة على نحو خاص  : الرامزة أدبا وفكرا ، والرامزة تقليدا ، والرامزة غموضا مزدوجا ، والرامزة غاية وتقديرا ، والرامزة تصوفا ، والرامزة بلاغة . بل ان ستة من انواع ( الغموض ) التي ذكرها (وليام ايمبسون ) وعددها سبعة ( راجع 4- 3- 1 ) تجدها في هذا النص المتصل مكرورة على غير انتظام ، أي عشوائية ( تلقائية ) غاية في الانسياب والبساطة ، غاية في الغموض معا . اما استثناء النوع السابع من الغموض (( قد يكون للكلام معنيان متناقضان فعلا فيكشفان عن انفصام جوهري في ذهن المؤلف )) فما وجدنا ذلك في الشعر موضع بحثنا ، بل حتى البدء بالموت والانتهاء بالحياة ليس تناقضا ، بل نقض للمألوف ورفض له في سبيل البحث عن لماذا الحياة وكيف نحيا .

- ان تأكيد الغموض في ( النص المتصل ) لاينفي الوضوح الشامل ، كما ان الجمع بين ( الغموض ) و ( الوضوح ) أي ( ازدواج المعنى ) الى ( فردية المعنى ) يلقي ضوءا على جمال الأسلوب الشعري وغائيته كما في قول الشاعر أديب كمال الدين :

( ب ) ((الغيمُ  يجيء و يذهبُ والفجرُ يطرز حرف الدهر فلا معنى أبداً .

لامعنى لاعادة مشهد حب مكرور ملتهب ، لا معنـى. )) ( أنا وأبي والمعنى ص 13 )

- في البيت الأول احتمالات متعددة في ( المعنى ) : الغيمُ  يجيء و يذهـبُ ! من هو الغيم هذا فضلا عن السحاب ؟ والفجرُ يطرز حرف الدهر ! أيّ فجر هذا ؟ فجر اليوم أم فجر الحياة والانسان ؟ ثم ماهو ( حرف الدهر ) هذا ؟ انه تسامٍ وتصاعد في التأويل (الأوتوقراطي ) : ( القبلي أو البعدي ) وعندما ينفي الشاعر هذه المتضمنات: ( فلا معنى أبدا) يعود ( ليوضح ) الغامض و (يبسّط ) المعقّد بنفي مشهد الحب المكرور من حيث خلوه من المعنى ، معنى التكرار، وليس نفي الظاهرة نفسها ، والظاهرة هنا ( ليست غير مقبولة ) انسانيا ففاقد الشيء لايعطيه، الا ان من يملكه يستزيد منه ويستزيد ! بيد ان شاعرنا ألغى صفة ( المعنى ) الدال من ( تكرار ) الظاهرة لأنه يدرك عبر تجربة او علم ان ( الملل ) قادم والضجر مقبل قطعا حتى في الحب ان صار رتيبا ومكرورا .

- في هذين البيتين وغيرهما تظهرملكة العقل على كامل هيئتها ، اذ يغيب ( اللاوعي ) تماما ويحل محله ( الوعي ) اطلاقا ويلتقي شاعرنا كمال الدين مع الدكتور هدسن ( راجع 2- 1- ب ) لأنه جعل من ( المعنى ) كيانا ذهنيا مرئيا وملموسا ، ثم يلتقي معه في جعله مفهوما Concept  عندما يقول شعرا :

(ج ) (( يشعلُ نهديها كي يخطفها للأعلى ويحلّق مذهولا ثملا ًو شديد المعنى ))

( رومانسية المعنى ص 60 )

اذ رغم أنها حالة تأويلية صحيحة الا انها تمثل معنى محددا على شكل مصطلح مفاهيمي تماما . ثم يلتقي معه عندما جعل ( المعنى ) اجراءً بقوله شعرا :

( د ) ((فإن شئتَ الكاف إليك َ تكون  دليلا

لتقودكَ  نحو الأخضر : نحْوي  يا أعمى

نحْوي فالكاف تجلـّتْ و بدتْ ثاقبة المعنى ))    ( كاف المعنى ص 77 )

- هنا أيضا لايتقاطع مفهوم الاجراء مع التأويل ( الأوتوقراطي أو الأقراطي ) ( لمعنى المعنى اجراء ) الا ان تحديد شكله البنيوي انطبق على تعريف هدسن او مفهومه للمعنى في تعبير ( ثاقب المعنى ) كما ان التقاء هدسن جعل له موضعا بين منظري العرب فاذا كان ثمة تأمّل ازاء ماذهب اليه ثعلب (راجع ( 2- 2 )) من ان ( المعنى والتفسير والتأويل واحد ) فانما هو بصدد الكلمات والتعبيرات الدالة من غير كلمة ( المعنى ) نفسها ، وان أي معنى او تفسير أو تأويل انما هو ( أللوقراطي ) بالضرورة مما يقال عنه ( مااصطلح الناس عليه ) وليس مايراه او يصفه شخص لنفسه ( أوتوقراطي ) . فالنحاس ما صار معدنا مرة ونارا بلا دخان مرة الا بما اصطلحت عليه العرب . اذن هما معنيان ، ولكل منهما تفسير ، ولكل ( منّا) ان يؤول على اي معنى يريد كلمة النحاس عندما تأتي في شعر او نثر ان لم يقف السياق في صف الباحث لتحديد المعنى المباشر ! و ( اجتهاد ) الشاعر في منح الكلمة المعنى الذي يريد : مسألة فيها موقف قبل ان تكون مسألة فيها نظر !

نقرأ أبيات كمال الدين الآتية ونتابع معنى النسيان على انه الدهر :

( ه ) (( يانون ، ياسيف القسوة ، ياء اليمّ

قال الأول : يسأل أحد عن معنى النسيان ؟! لماذا ؟!

.............................

قال الخامس : معناه الدهر )) ( نسيان المعنى ص 54 )

- ربما تقول انه ليس ( المعنى ) القاموسي الموثق بل هو معنى مجازي رامز وهذا صحيح ولكن المعالجة ( اللغوية – التاريخية ) تثبت ان النسيان سمة انسانية ، بل ان الإنسان كلمة مشتقة من النسيان ! وان النسيان يحدث بعد تذكر واستذكار ، وان الاستذكار والنسيان ( موطنهما ) الزمان بصفة الدهر وان الدهر محيط بالاحداث ، جديدها وقديمها وكل قديم معرض للنسيان وكل جديد مؤهل ليحل محله حتى يحل جديد آخر فيصير نسيانا ! لذلك فالدهر نسيان والدهر ذاكرة وذكرى واستذكار أيضا ! ولكن ليس بارادة الشاعر أديب كمال الدين بل بفطنته وابداعه في ربط ( الأشياء ) فيما بينه حدثيا وعضويا سويا ، أي انه يمنح ( المعنى ) بعده الحياتي العضوي بإتقانه المناورة باطار ( معنى المعنى ) عمليا ومن غير تنظير . من هنا فإنه يضيف جديدا بحق الى دراسة المعنى ومعنى المعنى بإسلوبه الشعري وكفى به اسلوبا ! كما ان هذا الجديد انطلق من التطبيق قبل التنظير ، لأن الأخير يمدنا بالرأي الآتي على لسان اي . دي هيدسن : (( ان اؤلئك الذين يهاجمون معيار المؤلف ( في تحديد المعنى ) أو أيا من أشكال التأويل الفردية الأخرى يلاحظون – بحق – انه ليس بوسع أحد فرض معيار لغوي اعتباطي للتأويل . فلا أحد يمكنه ان يفعل ما فعله

Humpty – Dumpty

حين أخبر " أليس " ان بوسعه ان يجعل الكلمة – اي كلمة – تعني مايريده لها ان تعنيه )).

ولكن في النص المقتبس السابق نجد ( المؤلف ) ( شاعرا ) ونجد فرصة تحليل العلاقة بين المعنى الذي أراده الشاعر والكلمة المفسرة متاحة كما فعلنا . اي ان الشاعر لم يفرض معيارا لغويا اعتباطيا للتأويل من هنا صار ممكنا : وضْع المعنى الذي أراده للنسيان من حيث هو الدهر!

- بوصف المعنى ( موصوفا ) تحيط به عشرات ( الصفات ) لتحدد للمعنى ( وظيفة ) في متن كل صفة مما توثقه المعجمات المتخصصة نستبين ( المعنى الضمني ) أو ( ظل المعنى ) أي المعنى الاضافي الذي توحي به كلمة المعنى أو شبه جملة ( اللامعنى) في الابيات الآتية :

( و ) (( لامعنى لي إلاّ في حرفي ))

      (( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) ( نون المعنى ص 33 )

( ز ) (( لامعنى يولد إلاّ من موتي

     (( لامعنى يزهو إلاّ  في قتلاي )) ( حوارية المعنى ص 38 )

- ولقد نتفق في تأويل ( و ) : (( لامعنى لي إلاّ  في حرفي )) ببساطة ، بل قد نتفق جزئيا ونختلف جزئيا ازاء ( و ) (( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) الا اننا نقف حائرين ازاء النظم في ( ز ) (( لامعنى يزهو إلاّ  من موتي )) فقابل المضمون الآخر في التالي له ، على محمل نفسي واجتماعي (( لامعنى يزهو إلاّ  في قتلاي )) بأن يكون الشاعر مقتولاً وقاتلاً للحياة . انّ ( المعنى الوجداني او العاطفي ) عند القارىء لن يكون واحدا ، فالموقف الانفعالي من كلمة ( الموت ) المقترنة باللامعنى قبلها يبعث احساساً متغيراً عند ( الناس ) اذ أن هذا التخصيص او الاستثناء ( بنفي وجود المعنى إلاّ مع الموت ) في الحالتين سويا يدفعنا الى تقصي المعنى الذي سيولد ويزهو بهذه الوسيلة شديدة الغرابة ، شديدة التراجيديا بل ان احساس ( الباحث ) يذهب الى تحويل ( قتلاي ) الى ( قتلاه ) في ( ز) فيصير موت الشاعر ثمنا لظهور ( المعنى ) فضلا عن قتلى ( المعنى ) هذا ، وهذا منطق مألوف في التضحية الفردية والجماعية من أجل ( قضية ) . إلاّ  ان اشكالية الجمع بين ( التضحية ) و ( الجرم ) مسألة شائكة في الحياة والتاريخ ، ثم ان ( ظل المعنى ) الذي يتعين البحث عنه يجعل من موت الشاعر ( تضحية ) ومن ( قتلاه ) الذين يقفون في طريق ( الغاية – القضية ) الساحبة ، حتى يظهر المعنى ، ثمنا أو وقودا أو شرطا لزهو المعنى هنا ، يصح القول اننا كنا نبحث في المعنى اللغوي للجمل من حاصل جمع ( المعنى القواعدي ) و (المعنى المفرداتي ) المرتبط به . أما تحويل هذا السياق الى البحث عن ( معنى المعنى ) في هذين النظمين فإننا ندخل في المعنى المفرداتي عن طريق فكّ الرمز البلاغي وتأويلاته ( الاوتوقراطية ) أو ( الأللوقراطية ) وهو ليس من مهمتنا في هذا البحث حسب منهجه . إلاّ ان الوصول اليه يعني اننا حققنا ( المعنى الكامل ) للأبيات بإضافة المضمون الاجتماعي الى التفسير اللغوي . مع هذه الومضة السريعة نشير الى موقف ( جومسكي ) من العلاقة بين النحو و ( المعنى والدلالة ) في ( 2- 1- ز ) . اذ ان البيت ( و ) في الاقتباس السابق :

(( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) يمثل حالة قواعدية صحيحة الا ان المعنى  الذي يحاور فيه جومسكي ضمن السياق العام غير موجود هنا الا اذا انتقلنا الى ( البلاغة ) فالسياق البيولوجي العام لايسمح ( للرأس المقطوع ) ان يبحث عن شيء ما في ( المعنى ) أو في غيره ! وهكذا تبدأ رحلة المعنى المجازي وتبدأ بحل لغة التشبيه في كلمة (إله ) ثم حل مشكلة الاله الذي ( يبحث ) ولايستطيع ايجاد مايبحث عنه ومن بعد ذلك نستقرعلى كشف سر المبحوث عنه : المعنى ، كناية عن ( ؟ ) حيث ينطلق التأويل ( الاوتوقراطي ) بقوة بل يتجه الى اتجاهات كثيرة ، في الوقت نفسه نستذكر الثمن لايجاد هذا المستتر أو الكشف عنه : الموت على جوانبه التي عرضناها في أعلاه . ان مايذهب اليه جومسكي وآخرون في ذكر البنية العميقة   Deep Structure  ضمن البنية الظاهرة  سواء في حالتي المبني للمجهول ازاء المبني للمعلوم أم في حالة التلاعب بالكلمات ( بلاغة ) Words play  يتوافق  تماما مع هذا النص بل يمد جسوراً نادرة بين البنية والدلالة لا تخفى .

 

 

يتبع

 ****************************

محاضرة أُلقيت في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بغداد 2 - تشرين أول -1996

ونُشرت في "الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية"- إعداد وتقديم د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2007 - ص 257 - 276

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home