الحضور القرآنيّ والصوفيّ في (مواقف الألف)

 للشاعر أديب كمال الدين

 

د. فاضل عبود التميمي - جامعة ديالى

    يحضر النصّ القرآني الكريم، والأجواء الصوفيّة في المجموعة الشعريّة الموسومة بـ(مواقف الألف) التي أصدرها الشاعر(أديب كمال الدين) عن الدار العربيّة للعلوم: ناشرون في طبعتها الاولى 2012، وكأنّ المجموعة صدى لهما جمع بين دفتيه أنماطاً من حضورهما النصيّ معلناً عن درجة انغمار الشاعر في الأجواء القرآنيّة، والصوفيّة معاً.

 

   ويقيناً أنّ المتلقي يستطيع أن يكشف عن حضور النص القرآني بدءاً من عتبة الصفحة السادسة التي جعلها الشاعر حرّة من دون أنْ يسمّها، فلا هي بالمقدمة، ولا بالاستهلال، ولا بالتوطئة، ولكنها جاءت بعد صفحة (المحتويات) مباشرة  ليعلن من خلالها الشاعر لحظة البدء التي يشرع منها المتلقي في قراءة الأشعار، وتلقي جمالياتها.

   لهذه(العتبة) وظيفتان: الأولى تتمثل في جلب انتباه المتلقي، وشدّه إلى موضوعات القصائد، والأخرى التلميح بأوجز القول إلى فضاء التجربة الشعريّة في المجموعة بعد أن تواجه عينا المتلقي (سورة النور) بآيتها الخامسة والثلاثين حاملة شحنات اشراقيّة متدفّقة الدلالة: (الله نور السموات والأرض...)، ثم أعقبها بنصّ الآية الرابعة والثمانين من سورة يوسف: (وتولّى عنهم وقال يا أسفى على يوسف...) جامعا بين نصّين  قرآنيّين ليدل بهما على افتتانه بما فيهما من دلالة تمارس تأثيرها المباشر في متنه الشعري، فالنصّان الكريمان يحملان بهجة الحضور القرآني في قصائد المجموعة.

  وعندي أنّ النصّ الأوّل قد فعل ما شاء له من فعل تأثيري في لغة المجموعة، ونسقها الشكلي، أمّا النص الثاني فكان تأثيره خاصّاً في الوضع النفسي الذي يعيشه الشاعر منفيّاً في (البلاد الغريبة)على حدّ تعبيره، مستلهما صورة الوالد وقد ابيضّت عيناه حزناً على فراق ولده، بالإحالة على النص القرآني حمّال الوجوه.

   وكان الشاعر قد أشار في قصيدة المفتتح إلى أنّه أوقف هذه المجموعة التي أطلق عليها اسم (كتاب) في: (مدح ملك الملوك ذاك الذي يقول للشيء كن فيكون)، في لفتة شعريّة أخذت من نور القرآن لتحيل على الذات الإلهيّة في لحظة صفاء نفسيّ تذكّر بمقامات المتصوفة والمريدين.

   أمّا تأثير الشكل القرآني لسورة (النور) فقد كان بائناً في طريقة الكتابة الشعريّة لأكثر من قصيدة استلهمت دوران النسق القرآني القائم على الربط بين نهايات النصوص، وابتداءاتها، أي أنّ اللاحق من الكلام يصبح بدءا للسياق في تكراريّة تشير إلى تجدّد الطاقة الدلاليّة والصوتيّة للكلمة المكرّرة: ((مثلُ نُورهِ كَمِشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ دريُّ...))، فتكرار:(المصباح)، و(الزجاجة) في النصّ الكريم تسميه البلاغة العربيّة بـ(التعانق)، وقد ظهرت ملامح نسقه التعبيري واضحة  في قصيدة: (موقف الألف):

ستصعدُ يا عبدي درجاً..

كلّ درجةٍ بألف،

وكلّ ألفٍ بمائة،

وكلّ مائةٍ بكفّ،

وستحتار أيّها أقرب........ص14.

وفي مقطع من قصيدة (موقف النون) الذي يقول فيه:

ثُمّ علمَ أنّ كلّ دمعة هي سجدة

وكُلّ سجدةٍ هي طائر سعد

وكُلّ طائر سعدٍ هو نون....ص37

وكذلك في قصيدة: (موقف إبراهيم) التي يظهر فيها تأثير النسق الكتابي للقرآن الكريم  محدّداً في الأسطر الآتية:

من واقعةِ السؤالِ إلى واقعةِ الخَلْق،

ومن واقعةِ الخلقِ إلى واقعةِ النار،

ومن واقعةِ النارِ إلى واقعةِ هاجر،

ومن واقعةِ هاجر إلى واقعةِ العطش،

ومن واقعةِ العطشِ إلى واقعةِ زمزم،

ومن واقعةِ زمزم إلى واقعةِ إسماعيل،

ومن واقعةِ إسماعيل إلى واقعة البيتِ العتيق.....ص46.

    إنّ (تعانق) لواحق النصوص بأوائلها في نصوصه السابقة من شأنه أن يحقق قدرا واضحا من التناسب الأسلوبي الذي تجري فيه الدلالة جريانا متّصلا، لكنّ التأثير القرآني الأكبر يظهر واضحاً في المجموعة في سياقين مهمين:

الأول: يمكن دراسته على وفق التناص الظاهر:

   وهو من أوضح أشكال التناصات التي وجدتها في مجموعة: (مواقف الألف) إذ تدخل النصوص القرآنيّة في شعر المجموعة لتشكّل تناصّاً خطيّاً همّه الإرتقاء بالأسلوب الشعريّ، والإحالة على مرجعيّة النصّ الخارجيّ التي تتعلق بلغة القرآن الكريم المشيرة إلى نواهي الذات الإلهيّة، ومقولاتها نحو قول الشاعر من قصيدة: (موقف الألف):

ولكنّ الوقت ليس وقت تأمّل،

فاقرأْ واصعدْ

وفي كلّ صعود

قل: اللهمَّ مالكَ الملكِ تؤتي الملكَ مَن تشاء

وتنزع الملكَ ممّن تشاء....ص15.

    ففي هذا النص استدعى الشاعر الاية: 26  من سورة آل عمران استدعاءً ظاهرا ليشير الى سلطة النص القرآني الذي مارس تنصيصاً كاملاً في مساحة الشكل التعبيري للقصيدة على الرغم من أنّه كان مسبوقاً بتقديمٍ شعريٍّ كان بمنزلة الافتتاح للنصّ القرآني الكريم.

    وكذلك ما جاء في قول الشاعر في قصيدة: (موقف نوح):

واستوتْ على الجُوديّ

وقيلَ بعداً للقومِ الظالمينِ....ص45

   الذي حضر فيه جزء كامل من الآية: 44 من سورة (هود) محاطاً بصياغة الشاعر التي تجعل النص القرآني مهيمناً على دلالة الشعر، ومحيلاً على فكرة التناص الظاهر، أو التنصيص بمفهومه الدقيق.

  ومثل هذا التناص ورد كثيراً في المجموعة، أشير فقط إلى مثالين منه، وأترك ما تبقى بسبب ضيق المقال، ففي قول الشاعر:

فرأى ِمنَ النورِ ما رأى

فكانَ قابَ قوسين أو أدنى.....ص53 تحضر الآية 9 من سورة (النجم) حضوراً كاملاً، كما هو الحال في قول الشاعر:

ولنْ تخرجَ منها

حتّى يلجَ الجملُ في سَمِّ الخِياط....ص81 الذي حضر فيه جزء من الاية: 40 من سورة (الأعراف) تامّاً، والمجموعة حافلة بأمثلة كثيرة من هذا التناص لا أجد ضرورة إلى تكرارها.

الآخر: يمكن دراسته على وفق التناص المستتر:

    وهو تناص يعمد فيه الشاعر إلى إذابة الأنساق القرآنيّة في سياقات القصائد بعد أن يضيف إليها شيئاً من لغته لتبدو الصورة الشعريّة مزيجاً من لغتين مختلفتين تشتركان في إقامة نمط من التشكيل الشعري الحواري كما في قول الشاعر:

كيف سأسقيكَ من أنهارٍ من عَسلٍ مصفّى،

أنهارٍ لذّة للشاربين

لا فيها لغوٌ ولا تأثيم؟

وكيف ستجلس في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟.........ص13.

    الذي أعدّه مثالاً واضحاً للتناص الخفيّ مع القرآن الكريم، فالسطر الأوّل فيه جاء بناؤه النصيّ قريباً من قوله تعالى في الآية 15 من سورة (محمد): (وأنهار من عَسلٍ مصفّى)، وكان السطر الثاني قد أخذ شكله النصيّ من الآية السابقة: (وأنهار من خمر لذّة للشاربين)، فيما السطر الثالث تناص مع الآية 35 من سورة (النبأ): (لا يسمعون فيها لغواً ولا كِذّابا)، أمّا السطر الأخير فقد استمد صيغته من الآية:55 من سورة (القمر): (في مَقعدِ صدقٍ عند مَليكٍ مُقْتَدِر)، فالتراكيب الشعريّة في النصوص السابق أخذت صيغها، ودلالاتها النهائية من القرآن الكريم اقتباساً لا تنصيصاً.

   وكذلك الحال في قول الشاعر في قصيدة: (موقف الوحشة):

وذكّر الناسَ

فالناس سُكارى

وما هم بسُكارى.

ذكّرهم بقافي وقرآني.........ص22.

     الذي حضرت فيه معالم الآية: 2 من سورة (الحج): (وترى الناسَ سُكارى وما هم بسكارى) محاطة بصياغات الشاعر التي تجعل النص القرآني وسط تعبير شعريّ لا تكتمل رؤيته الفنيّة إلا باستدعاء نصّ خارجيّ يحيل على فكرة التناص المستتر، ويعمل على بلورة أسلوب شعريّ مزدوج الدلالة.

أو في قوله:

أوقفني في موقف عيسى

وقال: يا عبدي...

أرأيتَ إلى مَن كلّم الناسَ 

في المهدِ صبيّا.........ص51

    الذي يشير إلى التداخل النصي مع الآية: 29 من سورة (مريم) التي نصّها: (قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا) فالتناص في شكله النهائي كان قريبا من النص القرآني، فهو تركيبي يحيل على إظهار الدلالة القريبة من دلالة النص الأوّل، وفي المجموعة تناصات خفيّة أخرى....

   وكان الشاعر- كما رأينا- قد افتتح مجموعته بقصيدة سمّاها (مفتتح)ص11 لتكون بمنزلة المقدّمة الخاصّة بالكتاب: المجموعة، حاول من خلالها أن يحدّد أهمّ الأفكار، والمضامين التي تسوح في متنها، ولي أن أشير إلى ندرة المقدّمات التي تكتب شعراً لتكون مفتاحاً علنيّا يلج عبره المتلقي إلى متن الكتاب، أو القصائد.

   يقول الشاعر في مستهل:(القصيدة: المقدمة):

اقتَبَستُ من النِّفَّريّ جُملةَ البدء

ومن دمي جُملةَ المنتهى.... ص11.

  في إشارة واضحة إلى خضوع قصائد الشاعر لعالم (النِّفَّريّ) الصوفي الذي تمور في فضاء دلالاته شبكة المعاني الخاصّة التي تتداول أفكار المتصوّفة، ومصطلحاتهم، وانحيازهم الدائم نحو النور الربّاني:

هو الحَيُّ الباقي،

والكلُّ فناءٌ مطلق،

إنّ اسمي هو الحَيّ القيوم.....ص23.

   ففي هذه الأسطر الشعريّة الثلاثة وردت ألفاظ الصوفيّة الشهيرة:(الحيّ الباقي)، و(الفناء المطلق)، و(الحيّ القيوم)، مؤكّدة حضور الأجواء الصوفيّة في شعر الشاعر، واندماجها في معالم صوره، ووردت في المجموعة نفسها الإشارات الصوفيّة الآتية في قصيدة: (موقف الاسم):

أوقَفَني في موقفِ الاسم

وقالَ: ما اسمكَ يا عبدي؟

قلتُ: النقطة.

قالَ: بل الحرف والنقطة جزءٌ منه.

ثُمَّ قال: ما اسمك؟

قلتُ: الحرف.

قال: بل الحُروفيّ والحرفُ جزءٌ منه.

ثُمَّ قال : ما اسمك؟

قلتُ: الحروفيّ.

قال: بل الصُوفيّ والحروفيّ جزءٌ منه.....ص28.

أو في قوله من قصيدة: (موقف السجن):

يا عبدي

حرّر نفسك بمحبّتي

فلا حرّيةَ لكَ إلا معي.....ص78.

    فتحرير النفس بمحبة المطلق وجه من وجوه الهمّ الصوفيّ الذي يشترط للحرية خضوع العبد لسماء محبته، ووردت في ص84 من المجموعة ألفاظ: (الظاهر)، و(الباطن)، و(التجلّي)، و(الغوث)، وهي من ألفاظ الصوفيّة بلا شك لتؤكّد وله الشاعر بالطقس الصوفيّ ،فضلا عن أنّه- الشاعر- جاء بحروف القرآن الكريم المقطّعة تلك التي وقف عند رموزها الصوفيّة كثيراً، وعدوها سرّاً من أسرار الله تعالى في القرآن:

بشمسِ الفجرِ في كهيعص نوري

وحم كتابي

وطسم عرشي وجلالتي وحضوري

كيف يحدث هذا؟... ص90.

   وكان الشاعر قد أشار في سطر من سطور المقدّمة: القصيدة إلى أنّه: كَتَبَ كتاباً في مدح ملكِ الملوك...ص11، قاصداً بالكتاب مجموعته الشعريّة: (مواقف الألف) وقد اقترح لها في البدء عنوان: (لوعة عابر سبيل) ثم تحوّل إلى عنوان آخر: (نقطة شوق وحرف أنين) ليكون أكثر قرباً من فضاء تجربته الشعريّة القائمة على استثمار شكل الحرف العربي، وطرائق التصويت به جماليّاً، لكنّه بعد أن تأمل سبعين مرّة في سنّارة السنين تأمّل (صيّاد اصطاد سمكة في بطنها ليرة ذهب)- آخذا جوهر الحكاية من كتاب ألف ليلة وليلة - سمّى الكتاب للمرّة الأخيرة: (مواقف الألف).

  والعنوان:(مواقف الألف) الذي يشير تركيبه النحوي إلى غياب المبتدأ (هذه)، وحضور الخبر وهو مضاف، و(الألف) مضاف إليه مجرور، وقد لحقته (أل) التعريف مفيدة التخصيص: أي أنّ (المواقف) التي جاءت على سبيل التنكير أصبحت معرّفة  بإضافتها إلى الألف عنوانٌ استعار الشاعر جزأه الأوّل (مواقف) من كتاب (النِّفَّريّ) شائع الصيت: (كتاب المواقف) الذي حققه المستشرق: (أرثر يوحنا أربري)، ونشرته دار الكتب المصريّة في القاهرة 1934، أمّا جزؤه الآخر (الألف) فهو حضور للحرف الاوّل من الأبجديّة العربيّة التي افتتن الشاعر بجماليّة تصويتها ورسمها.

     و(كتاب المواقف) الذي صارت الإشارات إليه تتوالى من النقاد، والشعراء الساعين إلى بلورة أسلوب للحداثة الشعريّة ليس في العراق وحده، وإنّما في الثقافة العربيّة كلّها، كان الشاعر المفكّر (أدونيس) قد ذهب فيه مذهباً خطيراً حينما بحث في دراسة رائدة عن التشابه النصيّ بين الصوفيّة والسرياليّة، فأخذ بالنِّفَّريّ وأدخله في فضاء الحداثة المعاصرة  مشيراً إلى أنّ أسلوب النِّفَّريّ في (المواقف أو المخاطبات) يدخل في باب الشعر من أوسع أبوابه، فهو أكثر شعريّة في نثره من شعراء نظّامين لا يجيدون غير رصف الكلمات، ثم وصل الأمر إلى أنّ كثيرين عدّوا (النِّفَّريّ) شاعر قصيدة نثر محتمين بنصوصه، ومقولاته الصادمة لكل وعي ثابت، ومحافظ ،يسعى إلى التقليد المجرّد.

   هل كان الشاعر أديب كمال الدين ممّن حمل لواء الشعر متجها به نحو تجربة (النِّفَّريّ) الصوفيّة ؟.... بالتأكيد فجملته الشعريّة الإستهلاليّة السابقة: ( اقتبست من النِّفَّريّ جملة البدء) تحيل على ذلك، وتكرار ألفاظ الصوفيّة يؤكد ذلك أيضاً، وكان النِّفَّريّ في كتابة (المواقف) قد عنون مواقفه كلّها بهذا اللفظ مضيفاً إليه ألفاظاً أخرى استلّها من عوالم تجربته الصوفيّة نحو: موقف العز، والقرب، والكبرياء، وأنت معنى الكون، والموت، واستوى الكشف والحجاب، والبصيرة، وغيرها.

   فعنوانات (النِّفَّريّ) السابقة، وغيرها بأنساقها الشكليّة، والمضمونيّة أخذت طريقها إلى: عنوانات (مواقف ألف الشاعر)، التي جميعها ابتدأت بلفظ (موقف) مضافاً إلى لفظ آخر اختاره الشاعر من عالمه الشعري، بدءاً من قصيدة (مواقف الألف) الأولى في المجموعة التي أخذت المجموعة اسمها لتمرّ بمواقف أخرى من خلال(54) قصيدة كلّها ابتدأت عنواناتها  بكلمة (موقف)، آخذة من(النِّفَّريّ) جملة البدء لتحيك مواقفها الخاصّة المتأمّلة في عالم الحرف: موقف الألف، والاسم، والحرف، والنون، والكلام، والكتابة، والبيت، والدائرة، وعالم الأنبياء والأولياء: موقف نوح، وإبراهيم، ويعقوب، والخضر، وعيسى، والمصطفى، وعلي، وكربلاء، وكميل، فضلاً عن العوالم الأخرى التي تجري الدلالة فيها متّكئة على: موقف الخطأ، والرحيل، والمهد، والظلام، والوحشة، والصبر، والشوق، والحيرة، والغربة، والجسد، والروح، والحلم، والخوف، والعزة، والأين، والباب، والمطر، والماء، والسجن، والحاجب، والنهر، والطائر، والسجدة، والأنا، وغيرها ممّا لا مجال لذكرها.

   وكان (النِّفَّريّ) قد استهل مواقفه كلّها بعبارة كانت لازمة نصيّة تكرّرت في الكتاب يقول فيها: (أوقفني...) مشيراً إلى الذات الإلهيّة، وتجلّي صوتها البهي في خطابه الصوفي، يقول في استهلال: (موقف الكبرياء):

(أوقفني في كبريائه وقال لي: أنا الظاهر الذي لا يكشفه ظهوره، وأنا الباطن الذي لا ترجع البواطن بدرك من علمه....)...(كتاب المواقف) ص3

وقال في موقف القوة:

(أوقفني في وصف القوة ، وقال لي: هي وصف من أوصافه القيوميّة

وقال لي: القيوميّة قامت بكل شيء)....(كتاب المواقف) ص124

وكان مجموع (مواقف) (النِّفَّريّ) في الكتاب(77) موقفاً ابتدأها بموقف العزّ، وانتهى فيها بموقف الكنف، وفي نصوصها النثريّة تتألق اللغة آخذة جمالها الشعري من إفضاء الذات الهائمة في بحر التصوّف العميق، وهذا عين ما فعله الشاعر أديب كمال الدين في استهلال قصائده التي تبتدئ بـاستهلال القصيدة الأولى: (أوقفني في موقف الألف)، لتنتهي  باستهلال القصيدة الأخيرة :(أوقفني في موقف الجنّة) مؤكّدا عبرها استهيامه الخاص بالخطاب الصوفي .

  وهكذا تظهر عناية (الشاعر) بالنصّ القرآني الكريم ،وبالنصّ (الصوفي) في تفاعليّة ثقافيّة تعطي انطباعا واضحا عن تمازجيّة نسقيّة هي أدخل إلى فضاء الشعر الذي يتبنى علاقات منفتحة على وهج (الكتابات) الأخرى التي يتمظهر في أنساقها صوت الشاعر الرافض لكلّ إشكالات الحياة بهدف إعلاء صوت الإنسان، وتأكيد تحولاته العابرة لحدود الشكل، والمقيمة في المعنى.

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home