أسلوبيّة التشكيلِ الشعريّ المعاصر

عند أديب كمال الدين

 

 

الكتاب: أسلوبيّة التشكيلِ الشعريّ المعاصر

عند أديب كمال الدين

المؤلفة: الأستاذة الدكتورة كريمة نوماس محمد المدني

ISBN :978-9933-662-08-0

الطبعة الأولى: 2021

تصميم الغلاف والإخراج الفني: دار امل الجديدة

 

سورية -دمشق

جوال 00963932472096-00963932002126-

هاتف: 00963112724292

E-mail:ammarkordia@yahoo.com

حقوق الطبع محفوظة: لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب أو تخزين مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله، على أي نحو، أو بأي طريقة سواء كانت (الكترونية) أو (ميكانيكية) أو بالتصوير، أو بالتسجيل أو بخلاف ذلك ، إلا بموافقة كتابية من المؤلف أو الناشر.

All rights reserved, Not part of this publication may be reproduced stored in a retrieval system, or transmitted in any form or by any means, Electronics, mechanical photocopying, recording of otherwise, without prior permission in writing of the publisher

 

 

 

 

 

 

 

 

أسلوبيّة التشكيل الشعريّ المعاصر

عند أديب كمال الدين

 

 

 

 

 

 

الأستاذة الدكتورة

كريمة نوماس محمد المدني

 

                  

 



 

 

كلمة في الكتاب

 

في هذا الكتاب ثمة قراءتان وليست قراءة واحدة: قراءة لشعر شاعر مبدع استطاع عبر تجربته الشعرية الطويلة أن ينماز عن غيره من الشعراء، فكان صوتا شعريا متفردا ذا خصوصية ميزته عن غيره من الشعراء، وهذا ماكان مدعاة لأن يكون شعره موضوع دراسة هذا الكتاب إذ اختارت الناقدة الدكتورة مجموعة من نصوصه جديرة بالقراءة والدراسة. أما القراءة الثانية فهي القراءة النقدية للباحثة المقتدرة الدكتورة كريمة المدني التي استطاعت بجديتها المعهودة وفكرها النير أن تسلط الضوء على التفاصيل الفنية في عملية التشكيل الشعري عند الشاعر أديب كمال الدين وهذا ما تجلى بوضوح في عنوانات الفصول والمباحث التي اعتمدتها في دراستها في شعر الشاعر, لقد كان مبتغى الدراسة كما يتضح من عنوانها (أسلوبية التشكيل الشعري المعاصر عند أديب كمال الدين) الإفصاح والكشف عن الآليات والطرائق التي استعملها الشاعر في عملية التشكيل الشعري ومثلما لا يخفى اقتران الأسلوبية والأسلوب في عملية الكتابة الأدبية بالفرادة الشخصية والأصالة، فإنه مما لا يخفى أيضا اقتراب شعرية الخطاب الأدبي بالقراءة الأسلوبية.

ومن هنا نقول لقد كانت الناقدة موفقة وهي تسمي كتابها بهذا العنوان كذلك حين وسمت فصوله ب(الشعرية) فكان للإيقاع البصري بآلياته المتنوعة شعريته، وللمفارقة الأسلوبية بتفاصيلها المتعددة شعريتها، كما كان للتوازي التشكيلي بمحدداته المعتمدة شعريته أيضا وكذلك الأمر بخصوص المتخيل الشعري في حدود آفاقه الجمالية..إنه جهد قيّم في كتاب جدير بالقراءة.

الاستاذ الدكتور

خضير عباس درويش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

الإهداء

 

إلى الذين ينسابون مثل الليل..

يبحثون عن سرٍّ آت.. خلفَ أحلامهم يتراءى

حلمهم البنفسجي..الذي غدا خريفا على شرفة الموت

شهداء العراق...

 

المؤلفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

المقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين.

أما بعدُ، فَإنَّ التجربة الشعرية المعاصرة تكمن فيها مثيرات الصورة الشعرية الجمالية, ويستجلى منها معالم الإبداع الشعري الحافل بالتشكلات اللغوية الانزياحية والدلالات الشعرية الإيحائية، ومن هنا تبرز جمالية اللغة الشعرية في أنساقها المختلفة التي يصنعها الشاعر المبدع بآلياته الشعرية المتنوعة، وقد مثلت تجربة الشاعر أديب كمال الدين الحروفية  خير مثال على ذلك، اذ شكلت شعرية المفارقة محورا هاما يرصد الوعي الشعري الجمالي للمغايرة النسقية  الحروفية العميقة واستعاراتها المكثفة ومجازاتها اللفظية الانزياحية التي تثري الحركة الشعرية بين النصوص. ومما حفلت به تلك القصائد الحروفية، جمالية التشكيل الايقاعي- البصري  الذي عدّ مرتكزا من مرتكزات القصيدة الحداثية عبر تقنياتها البصرية المتنوعة .

وقد تمت دراسة شعرية التوازي الحروفية وتمثيلها بصريا ومونتاجيا لخلق صور بصرية متوازية في التركيب والصورة والدلالة واستحضار المشهد البصري الحروفي عبر العلائق النصية الشعرية المؤثرة في ذهن المتلقي .

وقد انمازت تلك القصائد بجمالية المتخيل الشعري في لوحاتها واستعاراتها وانزياحاتها واسطوريتها ورمزيتها وسيميائيتها وحروفيتها المشفرة، اذ تمت دراسة فضاء المتخيل الشعري في صور الشاعر الحروفية التي مثلت تمفصلات سردية حكائية-أسطورية بحراكها البصري المكثف وفاعليتها التصويرية والقدرات التشكيلية الإبداعية لإثارة فعالية النصوص الشعرية وبيان مبتغاها.

واختتمت هذه الدراسة بقراءة رؤى التصوف في الاشارات الالهية واستشراف معانيها الصوفية البصرية ومشاهداها الدرامية.

ومن هذا المنطلق تعد التجربة الشعرية لدى- الشاعر أديب كمال الدين-  ثورة حروفية شعرية تعكس صورا مدهشة غاية في التماسك الشعري والإبداع النصي. حاولت هذه الدراسة جاهدة أن تكشف ثراء تلك النصوص الشعرية عبر الأنساق المتنوعة مبينة فاعلية الصورالمتنوعة في الرؤية الشعرية عند الشاعر.

 

نسال الله التوفيق والسداد.

 

الباحثة


 

 

أديب كمال الدين في سطور

 

أديب كمال الدين شاعر، ومترجم، وصحفي من العراق مقيم حالياً في أستراليا. ولد عام 1953 في محافظة بابل. تخرّج من كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد 1976. كما حصل على بكالوريوس أدب انكليزي من كلية اللغات- جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم الترجمة الفوريّة من المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا 2005.

أصدر 24 مجموعة شعريّة بالعربيّة والإنكليزيّة، كما أصدر المجلّدات الستة من أعماله الشعرية الكاملة. تُرجمتْ أعماله إلى العديد من اللغات كالإيطالية والإنكليزية والفارسية والأوردية والإسبانية والفرنسية والكردية. نال جائزة الإبداع عام 1999 في العراق. واخْتِيرَتْ قصائده ضمن أفضل القصائد الأستراليّة المكتوبة بالإنكليزيّة عاميّ 2007 و2012 على التوالي.

صدر 12 كتاباً نقديّاً عن تجربته الشعريّة، مع عدد كبير من الدراسات النقدية والمقالات، كما نُوقشت الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت أعماله الشعريّة وأسلوبيته الحروفيّة الصوفيّة في العراق والجزائر والمغرب وإيران وتونس والهند.

صدرت له المجاميع الشعرية الآتية:

- تفاصيل، مطبعة الغري الحديثة، النجف، العراق 1976.

- ديوان عربيّ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1981.

- جيم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1989.

- نون، دار الجاحظ، بغداد، العراق 1993.

- أخبار المعنى، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1996.

- النقطة (الطبعة الأولى)، مكتب د. أحمد الشيخ، باب المعظّم، بغداد، العراق 1999.

- النقطة (الطبعة الثانية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان 2001.

- حاء، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان 2002.

- ماقبل الحرف.. مابعدالنقطة، دارأزمنة للنشروالتوزيع، عمّان، الأردن 2006.

- شجرة الحروف، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن 2007.

- أبوّة Fatherhood، (بالإنكليزية) دار سيفيو، أديلايد، أستراليا2009.

- أربعون قصيدة عن الحرف، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن2009.

- أربعون قصيدة عن الحرف،Quaranta poesie sulla lettera (بالإيطالية: ترجمة: د. أسماء غريب)، منشورات نووفاإيبساإيديتوره، إيطاليا 2011.

- أقول الحرف وأعني أصابعي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2011.

- مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2012.

- ثمّة خطأ Something Wrong، (بالإنكليزية) دار ومطبعة Salmat، أديلايد، أستراليا 2012.

- الحرف والغراب، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013.

- تناص مع الموت: متن در متن موت (بالأورديّة: ترجمة:اقتدار جاويد)، دار كلاسيك، لاهور، باكستان2013 .

- إشارات الألف، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2014.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الأوّل، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015

- رقصة الحرف الأخيرة، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015.

- في مرآة الحرف، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الثاني، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016

- الحرف وقطرات الحب  LaLettre et les gouttes de l'amour (بالفرنسية: ترجمة وتقديم: د. ناجح جغام) دار جناح، فرنسا 2017.

- حرف من ماء، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2017.

- دموع كلكامش وقصائد أخرىLagrimas de Gilgamesh Y  OtrosPoemas

(بالإسبانية: ترجمة: جوزيبغريغوري، مراجعة وتقديم عبد الهادي سعدون)، دار لاستورا، مدريد، إسبانيا 2017.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الثالث، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2018.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الرابع، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2018.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الخامس، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2019.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد السادس، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2020.

موقعه الشخصي:      www.adeebk.com

 

 


 


 

 

الفصل الاول

 

 

شعرية المفارقة

 

رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك.

 

الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

مدخل مفاهيمي

 

يعد مصطلح المفارقة من المصطلحات والمفاهيم النقدية التي برزت في ساحة النقد العربي المعاصر وقد لامست البحث البلاغي القديم تحت مسميات كثيـرة([1]).

وهي تعد واحدة من الإمكانات الأسلوبية التي يقدمها الخطاب اللغوي والذي يكتسب بفضلها سمة الأدبية بأبعادها الجمالية، وبهذا يكون النص ممارسة دلالية ذات نظام خاص يعيد للكلام طاقته الفاعلة ضمن حيز الفضاء الذي يتصل فيه مبدع النص ومتلقيه، فالمفارقة لا تخرج عن كونها أسلوبا أو نمطا بلاغيا يوظفها المبدع ليقول قولا أو يتصرف تصرفا يحمل معنيين أحدهما ظاهري  والآخر باطني، بمعنى آخر تظهر بمصاحبة البنية السطحية والبنية العميقة([2])، وهي في ذلك تعني انزياحا داخليا تتأسس قاعدته المعيارية على هيأة نسق مميز يتلاشى النسق ليظهر نسق آخر يفارقه في خصائصه الصوتية والتركيبية والدلالية.([3]) وقد عرفت المفارقة بتعريفات كثيرة متشابكة مع بعضها, ولعل من أبرزها ما ذهب إليه أحد الباحثين من أنها ((عبارة عن لعبة لغوية ماهرة وذكية بين الطرفين صانع المفارقة وقارئها على نحو يقدم فيها صانع المفارقة النص بطريقة تستثير القارئ وتدعوه إلى رفض معناه الحرفي وذلك لصالح المعنى الخفي الذي غالبا مايكون المعنى الضد وهو بذلك يجعل اللغة يرتطم بعضها ببعض))([4]), بينما هناك من يرى المفارقة هي ((شكوك تتحول الى نوع من القلق مطلوب في الكناية ومن شأن هذا القلق ابقاء تلاعب الرموز وتعدد الدلالات قائما.))([5])

ويمكن أن تعد المفارقة فعلا تواصليا يتكون من جملة واحدة أو من جمل عدة، والفعل التواصلي يحتاج إلى متلق مركزي داخل النص مؤثر وفاعل أو متأثر ومشارك، ومتلق غير مركزي هو القارئ أو الجمهور.([6])

والشعرية هي انتهاك لغوي لأنساق لغوية تجاوزية في مدها الشعوري وتركيزها الدلالي فأن المعنى يبقى مفتوحا (لانهائيا). وهذا يعني ان الموضوع المتمثل او المعنى في الموضوع الجمالي لا يكون متعلقا، لأنه ليس بمعنى منطقي يقبل الترجمة إلى لغة النثر الواضحة المحددة وبالتالي فأنه لا يمكنا استنفاده، ورغم انه لا يستنفد فانه يكون مباطنا برمته في المحسوس، لان المحسوس هو عينه الذي يجعله غير قابل لان يستنفد حيث انه يمده بخصوبة لا تنضب وبذلك تقوم عليه بنية الموضوع الجمالي([7]).

ومن ابرز أنواع المفارقة التي رصدها البحث  في شعر أديب كمال الدين هي:

 

أولا: المفارقة التصويرية

تقوم المفارقة التصويرية على الإثارة الحركية التي تحققها بنية الصورة عبر التضاد اللغوي بين طرفي التشبيه أو عناصر الصورة المجسدة ليعبر عن حدة التكثيف الدلالي الذي يحرك الدلالات ويحفز مداليليها وحركتها النصية.[8]فتتأتي الصور متلاحقة الدفعات تقصر وتطول سريعة الالتفات، كثيرة التحول وكأنها تتساءل عن سرها وعن وصفها وعن هيأتها.[9]ومن ذلك ما رصدناه عند الشاعر أديب كمال الدين([10]):

اختفى الحرفُ في الرمال

وربما في البحر.

لكنه ترك لي نقطةً غريبة،

نقطة تنظر إليَّ بعينين مليئتين بالألم.

***

المرأةُ ذات المرآة

طارتْ فوق الغيمات.

والمرأةُ ذات السرير

سقطت في المستنقع.

والمرأةُ ذات النون

تاهتْ في الممرات الطويلة.

والمرأةُ ذات النار

ضاعتْ في جمر الهذيان

أمّا المرأة ذات الشعر الطويل

فقد حملتني بشعرها الطويل

حتى باب الحرف

ثم ألقتني في بئر النسيان.

نرى الشاعر أديب كمال الدين يجمع الصور اللغوية ليجعل منها صورا استعارية مكثفة لخلق كينونة مجازية تستهوي القارئ عبر خلق تلك الاستعارات التي يضفيها للحرف، فهو يربط بين الحرف والمرأة حيث يجعل كل حرف مالكا لصفة خاصة به فهو وصف مثير يصنعه الشاعر ليمزج بين هذه الصفات والحروف.

ونراه يصور مشهدا آخر في قصيدة له بعنوان([11]): (القصيدة لم تنته بعد)

في بيت الساحر

كانت عظامُ الموتى تصرخُ من الجوع

فيما كان العظمُ الكبيرُ يقرأ

قصيدة الكراهية.

هل كان عظم جلّاد

أم شاعر زنديق؟

***

كان حلم البارحة مثيرا جدا:

بدأ بمشهدِ الموتى وهم يقفزون

من نافذةِ القطار

وانتهى بمشهدِ اللصوص

وهم يهشّمون تمثالَ كلكامش الكبير.

***

القصيدة لم تنته بعد:

فالعظم الكبير لم يزل

يقرأ قصيدة الكراهية.

إن الصور الشعرية التي رسمها الشاعر في هذه القصيدة ((تعكس ما يحس به الشاعر من امتزاج بين الفكرة التي يريد التعبير عنها، والعاطفة التي تضيف إلى الواقع ما تضيفه))([12])فالصور المستعارة كلها بينت فضاء القصيدة عند الشاعر التي امتدت لتشمل انزياحية مليئة بالشعرية في نسبة الصراخ والحقد والكراهية للعظام ومشهد اللصوص والقطار فتنوعت صورها استجابة لتنوع الموضوع، فكان مستوى التأثير في القارئ عاليا عبر تلك الصور الاستعارية غير مألوفة.

وثمة حروفية نسقية ينماز بها شاعرنا في تصويره تلك اللقطات المغايرة في قوله:([13])

تؤلمني الأغنية

وهي تشيرُ بأصابع مبتورةٍ

إلى النَّجمةِ المُعلّقةِ في الأعالي.

فأتذكّرُ نبْضي الذي ماتَ في شارعٍ

لا يؤدّي إلّا إلى الخمرِ والدَّمع،

وأتذكّرُ ساعةَ أن يسمعَ رأسي

همهمةَ الرِّيح،

وأنظرُ إلى البدرِ قاسياً

في جمالٍ عجيب

وإلى النَّاسِ أشباحاً يتقافزون

من حائطِ الذاكرة.

تؤلمني الأغنية

حينَ سقطَ الحرفُ في بحرِ قلبي

وسقطتْ نقطتُه

ثُمَّ تلاشت المدن

واحدةً بعد أخرى

لتسرقَ الأفعى عشبةَ كلكامش

تشير الصور المتقدمة إلى إيحاءات ومداليل رمزية واسعة جالت في رؤى الشاعر عبر التلاعب بتلك الاستعارات واسناداتها المدهشة في الجملة الفعلية (تؤلمني الأغنية) التي نسب إليها الأصابع المبتورة، فقد تعمد الشاعر إلى تعميق اللحظة الشعورية عبر تلك المفارقات التي صنعتها الصور الاستعارية في (أتذكر نبضي الذي مات في شارع) و(سقط الحرف في بحر قلبي) . فهذه اللعبة اللغوية ((تخلق المفارقة بدهشة اسناداتها وغرابتها وحيازتها لمداليل عميقة تتعدى حاجز السطح اللغوي الى بنية الدلالة وعمق الاحساس والشعور المتوتر الذي ولد الحالة الشعورية وجسد منطوقها اللغوي))([14]).

ويقول في قصيدته (قصيدتي الصبية)([15])

وضعت القصيدة رأسها ما بين ركبتيها

وبكت كأي صبية.

فكّرتْ كيف ستعلنُ عن أسرارها:

هل ستمجّد البحر؟

سوف تُتهم بالطبيعية.

هل ستمجّد النار؟

سوف تُتهم بالمجوسية.

هل ستمجّد الحبَّ: أقماره وغواياته؟

سوف تُتهم بالإباحية.

***

استمر بكاءُ القصيدة ألف عام

حتى تحوّلت إلى ملاك عجيب

طار فوق البحر والنار،

طار فوق الحب: أقماره وغواياته،

طار فوق الحرف راقصاً كالدراويش،

طار فوق الشر والحقد،

طار فوق المحبة.

تحدث الصور الاستعارية في المقبوس الشعري المتقدم حراكا شعوريا مكثفا في توصيف القصيدة لأنها لامست صفات الانسنة من حركات الجسد والبكاء والحب والديانة والشعور وغيرها، ويبدو في هذا الحراك الشعوري المتدفق عبـر الاستعارات الوصفية أنها شكلت بؤرة التنامي في الحدث الذي صنع المفارقة لغاية التوصيف والرصد الشعوري الداخلي للشاعر وإحساساته العاطفية التي تفرض على المتلقي نسقا مغايرا من التفاعل في مضمرات النص, ويمثل هذا متغير أسلوبي في بؤرة التمفصل الرؤيوي للقصيدة وهي التمظهرات اللغوية المبتكرة التي تشي بزخمها الدلالي ونبضها الشعوري([16]).

ثانيا: المفارقة السردية:

مكمن هذه المفارقة تقوم على تقنية السرد بوصفها التقنية الأبرز في تكثيف حدة التوترات والصراعات الداخلية في بنية التشكيل الشعري.([17]) وتعد تقنية المفارقة السردية من محفزات القصيدة الشعرية الحداثية ذات الجدل الفني في اعتمادها أسلوب القص والحوار وعلى هذا تتميز قصيدة السرد بوحدتها العضوية التي تجعلها متماسكة لأنها تصدر عن نفس شعري واحد يلف أجزاء النص بأكمله([18]).

فمن ذلك قصيدة له بعنوان (ماضي المعنى)([19]):

جاء الماضي في الفجر الأبيض مرتدياً قبّعةً مغبرّة

ورداء أسود..

جاء الماضي لشوارع يعرفها

مثل امرأة تعرفُ هدهدها

ومكانا منحت فيه بلابلها للقتل.

***

الماضي خلف الباب. فهل؟

لكنْ مَن يضمن أن أبقى سهلا كالسُلّم

إذ يحضر طفلٌ مبتهجٌ بالموتِ وبالنسيان؟

***

جلس الماضي خلف الباب.

أكل الماضي خلف الباب ونام، استيقظ

عند الفجر وفكّر باللاشيء طويلا

وتزوج، مارس عادته الزرقاء.

مما نلحظه في قصيدته الفضاء الشعري المتخيل واسع جدا يتعدى حاجز المحدود فالصور السردية المتخيلة تفتح أفقها الشعري التأويلي اللا محدود بوصفها المحفز الأساس لإنتاج الشعرية عبر انسنة المفردات في لفظة (الماضي) ممتزجة بصور شعرية تشبيهية واستعارية لتعميق الرؤيا من خلال ربط الحدث الآني بالماضي فهو آت بصفة رجل يرتدي قبعة مغبرة بآهات الماضي وأوجاعه، وهو خلف باب مخيلته التي لم يغلقها فبات خلف الذاكرة الشعرية ليوصل للقارئ من أحاسيس شعورية وانعكاسات نفسية مرتدة من استرجاع الماضي وهذه ما تسمى بالصورة المركزة التي تقدم فكرة أو انطباعا أو صورة بين الأشياء([20]).

 

ومن أمثلة ذلك ماورد في قصائد الشاعر أديب كمال الدين المفارقات السردية، قصيدته (ذات اليمين وذات الشمال)([21])

لكثرة ما أحلم بلقائكِ

ليل نهار،

نبت لي جناحان من ريش الرغبة

ونقاط الحروف.

..

لكثرة ما أفكر بكِ

صار الحرف يغار منك

ويتهمني بنسيانه

ونسيان نقطته الوحيدة.

..

لكثرةِ ما كتبتُ عنكِ

بالأبيضِ الثلجيّ

والأحمرِ النّاريّ

والأزرقِ الخفيفِ أو المُوَسوِس

والأسْوَدِ الغُرابيّ

والأصفرِ الملآن بالآهاتِ والقُبُلات

والرماديّ الذي لا يكفُّ عن ملاحقةِ حروفي

ومحاصرةِ عناوين قصائدي،

ارتبكَ القُرّاء

وصاروا يقرأون قصيدتي

ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال.

 يعتمد الشاعر في قصيدته هذه على أسلوب التكرار في الأفعال السردية الشعرية التي يعيشها الشاعر مع حبيبته على النحو الذي نجده في مفتتح كل مقطع شعري (لكثرة ما أحلم بلقائك، لكثرة ما أفكر بك، لكثـــرة ما كتبت عنك)، حيث تتجه آليات السرد إلى تفعيل الحركة الشعورية لدى القارئ     وتكمن شعرية الصور السردية عبر تلك الانزياحات الموظفة في رمزية الألوان التي ألقى  بظلالها على القصيدة لتثري فضاء متخيله الشعري.

ومن أمثلة المفارقة السردية ما كتبه شاعرنا عن قصيدة الفجر([22])

القصيدةُ كأسٌ

قيلَ إنّها لا تسرُّ الناظرين.

وا حسرتاه.

وهي قُبْلَة

قيل إنّ نبيذَها مُحرّمٌ أو ممنوع.

وا خيبتاه.

وهي حرفٌ

قيلَ إنّه عاجز أن يفصحَ عن نَفْسه.

فكيفَ يفصحُ عن نقطتي التي امتلأَتْ بالأنين؟

وا................. أسفاه.

***

سأعلّم حرفي

كيفَ يمسح كلَّ شيء من الوجود

حتّى نَفْسه.

فهذا أسهل من الغوصِ أبدَ الدهر

في ذاكرةٍ ملأى بوميضِ السّكاكين

وعواءِ الذئاب

وصراخِ القِرَدَة.

***

سأعلّم حرفي كيف يرقص

على إيقاع حروف شعوب انقرضت

وبقيت صورها معلقة في الكهوف.

بتفاعلنا مع الشاهد الشعري نشاهد فاعلية النسق السردي من حيث الإيحاء والعمق والفاعلية التصويرية والنصاعة اللغوية([23])

فالشاعر جعل من عنصر الحرف نسقا سرديا يحوي حكايات تتمفصل عبر وظيفة الحرف بقوله (سأعلم حرفي كيف يمسح الوجود، سأعلم حرفي كيف يرقص على ايقاع الحروف..). الشاعر يعتمد فاعلية الوصف السردي في تحريك الحدث الشعري في تفعيل نسقية الحرف وتنامي الرؤية الشعرية العميقة للنص فالقصيدة عنده تشبه الكأس المحرم من النبيذ فهو لايستطيع أن يفصح عن حزنه الذي احتواه الحرف فكيف بأنين يجمع تلك الحكايات التي ضمتها النقطتين ومن هنا يمكن القول ان المفارقة انحراف لغوي يؤدي بالبنية الى ان تكون مراوغة وغير مستقرة ومتعددة الدلالات وهي بهذا المعنى تمنح القارئ صلاحيات أوسع([24]).

ثالثا: المفارقة التناصية:

تقوم هذه المفارقة على استحضار الإشارات النصية في سياق شعري مضاد للسياق الأصلي الذي انتزعت منه الإشارة النصية أو القول المتناص، وذلك لخلق مفارقة نصية بين السياقين،السياق القديم /والسياق الجديد لتعزيز الرؤية النصية بمدلولها المناقض.([25])

وتؤدي المفارقة التناصية الاشارية في قصائد الشاعر أديب كمال الدين دورها الجمالي والإيقاعي في تحقيق المفاعلة النصية فمن أمثلة ذلك قصيدته (موقف المهد)([26])

 

أوقَفَني في موقفِ المَهد

وقال: وضعتُكَ، إذ خلقتُكَ، في المَهد.

وكانَ مَهدُكَ على الماء

يتنقّلُ من نهرٍ إلى نهر

ومن بحرٍ إلى بحر،

والشَّمسُ تحيطُ به

ثُمَّ تغربُ إلى سوادٍ عظيم

والنَّجمُ يحيط ُبه

ثُمَّ يغرقُ فيه شيئاً فشيئاً،

وأنتَ في المَهد

تنظرُ وتبكي: إلى أين؟

وقلبُكَ فارغٌ كفؤادِ أمّ موسى.

ثُمَّ تكبرُ وتشيخُ وتهرم

وأنتَ في المَهد تنظرُ وتتأمّل

 

يحاول الشاعر عبر نسقه النصي المبني على المفارقة أن يكشف حقيقة ذلك الإنسان الضعيف وما يحتويه من واقع يغلفه بقصة النبي موسى (ع) باستدعاء تلك الحادثة في رمي موسى بمهده في النهر خشية من القتل، فالمفارقة النصية تنبني على معنى مؤداها أن الإنسان مهما كبر ووصل مرحلة من العلم  يبقى فارغا إزاء عظمة هذا الكون موظفا التشبيه (قلب ام موسى) في فراغه كفراغ الانسان مهما بلغ غاية من العلم والمعرفة  فتتمازجت الدلالات وخرجت بمعنى مستنبط من ذلك التناص مع الايات القرانية.

 

ومن ذلك أيضا قصيدته (غزل حروفي)([27])

هذي المَرّة

لن تكوني مثل كلّ مَرّة

امرأةً من لحمٍ ودم.

فلقد تعبتُ من دمكِ العاري وجحودكِ الأسطوريّ،

من خيانتكِ التي تشبهُ مشنقةً دون حبل.

وتعبتُ أكثر

من انتقالاتكِ المُرّةِ الحامضةِ بين البراءة والذنب،

ومن أغنيتكِ: أغنية الكأسِ والسكّين.

ولذا

هذي المَرّة

ستكونين امرأةً مِن حرف.

أُخرجُكِ متى أشاء

أمامَ جمعِ الوحوش

بيضاء مِن غيرِ سوء،

بيضاء لذّة للناظرين.

 

إن شعرية المفارقة الأسلوبية تبرز النسق التناصي كجزء فاعل في شعرية النص الشعري عبر توظيف حروفي يخلق صورة مفارقية مدهشة في تلك المرأة التي لا تشبه أي امرأة فهي غريبة بصفاتها وهي ذات طعم مر تارة  وحامض  تارة أخرى وليس من لحم ودم وهذا كسر للنسق المتعارف في مفارقة الصورة بين المر والحلو، لكن الشاعر كسر النسق بانزياح لفظي آخر لم يتبادر إلى الذهن، ثم يضفي صفات أخرى مقتبسة من القران الكريم حاول أن يجعلها أمام الآخرين الذين وصفهم بالوحوش بأنها (بيضاء من غيرسوء لذة للشاربين) فهو جمع بين صفة تلك اليد المباركة للنبي موسى حين خاطبه االله سبحانه بأن يخرج يده بيضاء من غير سوء وبين صفة النهر الذي وعد المتقين بالجنة وهذا مايمثل ذروة الإثارة والتحفيز وتكثيف ايحاءاته الشعرية([28]).

 

رابعا: المفارقة اللغوية:

تعرف المفارقة اللغوية أن وظيفتها النصية تكون من خلال العلاقة الجدلية الصاخبة التي تخلقها بين الأنساق اللغوية، بإسناد أوصاف إلى موصوفات لا تقبلها، وإسناد أنساق إضافية إلى مضافات من حقول دلالية متباعدة، تزيد هوة المفارقة بين الأوصاف فتزداد حدة المفارقة.([29]) وقد ذهب ميويك إلى أن هذا النوع من المفارقة هو أشهرها واغلبها([30]). فالمفارقة اللغوية تعتمد فاعلية الانزياح وكلما ازدادت درجة الانزياح حدة كانت المفارقة اشد عمقا وأكثر فاعلية في تكثيف الدلالات وتعميق معطياتها الإيحائية، عبر انفجار النص إلى ما هو ابعد من المعاني الثابتة في حركة مطلقة من المعاني اللانهائية والتي تنتشر فوق النص متجاوزة كل الحواجز.([31])

ولعل من أبرز الأمثلة في هذا الخصوص في قصيدته (ما قاله الحرف للشاعر)([32])

قالَ الحرفُ لشاعرهِ:

أعرفُ أنّكَ خلقتَ النُّقطة

كي تنقذني مِن سَأَمي، وحشةِ ساعاتي

ومِن موتي اليوميّ.

وأعرفُ أنّكَ خلقتَ النُّقطة

مِن ضلعي:

مِن طينِ الحُبّ

وعَسَلِ القُبلَة

ووميضِ العَين

ودمعِ الغيمة

ودِفءِ الشّمس

وعُري المرآة

وريشِ الأحلام.

لكنَّ النُّقطة تُقْلِقُني دَوْماً،

ترقصُ لي، تُفرحني حيناً،

لكنْ ما أن تصعد أعلى حلمي

أو تهبط أسفل فجري

حتّى يتغيّر معناي.

 

يمثل هذا النوع من المفارقة على أساس تراكم أو تكرار بعض الأساليب والمفردات النحوية والبلاغية المتوازية، اذ يخلق التوازي المزدوج مفارقة مدهشة تعمل على تكثيف الدلالات المقصودة وإيصال البعد الإيقاعي ابعد مدياته بتكرار تلك التراكيب المتوازية وانتظامها، فالشاعر يضفي صفة الانسنة عليه ليحاور الشاعر في صنع النقطة لتكون في (طين الحب، عسل القبلة، وميض العين، دفء الشمس، عري المرآة، ريش الأحلام) تتمثل في المثيرات الإضافية للموصوفات لذا تمثل المفارقة المتوازية هي شكلا من أشكال التنظيم النحوي يتمثل في تقسيم الحيز النحوي على عناصر متشابهة في  الطول والنغمة والبناء النحوي، فالكل يتوزع في عناصر أو أجزاء ترتبط نحويا وإيقاعيا فيما بينها.([33])

وثمة قصائد أخرى للشاعر أديب كمال الدين في هذا النوع من المفارقة تتمثل في قصيدته الرائعة (العقاب والبلبل والعصفور والهدهد)([34]).

يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تفهمينْ:

أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ بالغتْ في المحبّة

أُحرِقَتْ جيّداً

ثُمَّ ذُرّتْ رماداً صموتاً على وردةٍ عانسة،

وردة تاجها البحرُ أغصانها قُبْلةٌ

روحُها الليلُ: ليل النجوم التي تشتكي همّها للقبورِ الوحيدة.

أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ من يقينْ.

 ***

 يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تعرفينْ:

أنتِ مرثيةٌ طائشةْ

كلّما سارعتْ شفتي بالكلامْ

أبدلتْ حزنَها، لونَ أقراطِها ومواعيدها،

أبدلتْ قلبَها والقناعْ،

غادرتْ أرضَ حُبّي البريئة

قُمقماً مُدهشاً في المياهِ التي تحتويهْ

وهي مجنونة بالعناقْ.

أنتِ مرثيةٌ طائشةْ

وأنا قاتلٌ غرّرته الليالي التي لا تمرّْ

دونما طعنة أو ضحيّة.

 ***

 يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تشتهينْ:

أنتِ مرثيةٌ ماجنةْ

أو قصائد ملعونةٌ تحتوي صوتَها البربريّْ

كلّما مزّقتْ ميسماً فاتناً.

 

ان القيمة الأسلوبية لهذا النسق التركيبي المتجلي في السياقات النصية المفارقة اعتمدت خطا شعريا استهلاليا واحدا, فالجمل الفعلية مفتاح كل مقطوعة شعرية في قول الشاعر (يبدأ الشعر من حيث لا تفهمين\ يبدأ الشعر من حيث لا تعرفين\ يبدأ الشعر من حيث لا تشتهين) ثم يقابله نسق متواز في مفارقة الجمل الاسمية (أنت مرثية\ انت مرثية طائشة\ أنت مرثية ماجنة) فنشاهد هذا المشهد المتوازي الذي غلفته صور المفارقة اللغوية خلق كثافة ايقاعية ذات قيمة جمالية قادرة على منح اللغة قيمها الأسلوبية حتى يستطيع الشاعر البوح عما في دواخله من مشاعر ووعواطف ولذا قيل أن التوازي (كلما كان عميقا متصلا بالبنية الدلالية كان أحفل في الشعرية أو كان أكثر ارتباطا بالتشاكل المكون للنسيج الشعري في مستوياته المتعددة).([35])

ونجد مفارقة لغوية مدهشة مبنية على شعرية التساؤل الذي لم يجد جوابا له الشاعر في قصيدته الحروفية (جيم شين).([36])

هل للوحشة ذوائب أم أنياب؟

هل للوحشةِ تأريخٌ أم جغرافيا؟

هل للوحشةِ غناءٌ أم زعيقٌ أم أنين؟

هل للوحشةِ معنى؟

***

هل جاءت الوحشةُ من التراجيديا أم من الكوميديا؟

هل جاءت الوحشةُ من الكواليس أم من الكوابيس؟

هل كانَ الماءُ مُوحشاً

فانتحرتْ أوفيليا فيه،

أم كانتْ أوفيليا مُوحشةً

فأُصِيبَ هاملت بسهمِ الجنون؟

***

 الوحشةُ حبيبتي

هي التي اختارتني.

 

إن تقنية التوزاي المزدوج في النص واضح بصورة يكشف عن مفارقة لغوية ذات مداليل إيحائية منتظمة بصيغ شعرية متوازية تحتويها شعرية تساؤل غريب ذات طابع جمالي تأثيري يوجهها بقوة فاعلة لتحقيق استجابة القارئ عبر تلك الصور المتوازية اللفظية المبدوءة بالتساؤل في موقف شعوري تخطه القصيدة فهذا النوع من المفارقة (يمهد الطريق أمام أنظمة التأويل لإيجاد أسس أدبية من شأنها تعمل على تقنين المسافة بين هذا المعنى (اللغة) وبين القدرة المونتاجية مما يجعل المشهد الشعري متحركا بصريا وكأنه لقطة مونتاجية مركزة.([37])


 

خامسا: المفارقة الحوارية:

تقوم هذه التقنية على إثارة الإيقاع الجدلي الحواري عبر لغة مفارقة تشي بالتضاد والمفارقة بين الأحداث والمواقف والشخصيات وتتجلى تكويناته في حوار الشخصيات الواقعية والخيالية والحوار الداخلي المنولوجي في نفس السارد أو المسرود عنه والحوار الهامشي الذي ينتج عنه تعدد التأويل.[38] وتستند هذه المفارقة على مرجعيات تاريخية وفكرية ونفسية فتندرج فكرة المفارقة في هذا النمط على صراع قائم بين الخير والشر والحق والباطل والموت والحياة.

ومن أمثلة صور المفارقة الحوارية عنوان قصيدته (حوار مع طاغور).([39])

حينَ ذابت الشمسُ في النهرِ المُقدّس،

التفتَ إليَّ وقال:

حينَ تذوي الحروفُ القديمةُ على لساني

فإنّ حروفاً جديدةً مُنعشة

تنبثقُ في القلب

لتتكلّم عن العسل

والحُبِّ المليء بالجمر.

وحينَ تضيعُ آثارُ المسافرين المُنهَكين

فإنّ أرضاً جديدةً تبزغُ للتوّ

لتملأ العين التي اغرورقتْ بالدموع،

لتملأها بنورِ الفجر.

***

كانَ يوماً غامضاً

ذلك الذي زرتني فيه

ووسمتَ بعضَ لحظاتي بميسمِ الذهب.

وها أنذا، حينَ أفلسُ من المعنى،

أجلسُ لأذرَّ رمادَ حياتي

فتبزغ بعضُ اللحظاتِ الذهبيّة

تلك التي وسمتها بميسمِك

وأنتَ مسرعٌ

كملاكٍ يقفزُ من نجمةٍ إلى نجمة.

***

حينَ رحلَ الجميع

صوبَ الجسد

ورنين الجسد،

بقينا، أنا وأنتَ، جالسين

قربَ ضفاف الغانج والفرات،

نلعبُ بالمعنى وقصائد الألوانِ والفراشات،

نلعبُ بحبّاتِ الدموع،

نلعبُ برموزِ الوهمِ حتّى دهمنا المساء

وألقى القبض علينا

بتهمةِ تسوّلِ المعجزات

عند ضفاف الأنهار المُقدّسة،

بتهمةِ انتظارِ مَن لا يجيء أبداً.

***

ربّما وشيتْ بنا لحيتُكَ البيضاء

أيّها المُعلّم

فأصحابُ البنادقِ السريعة

والكروش المُندلقة

يكرهون اللحى.

ربّما وشيتْ بنا قصائدُكَ الكبرى

لأنّهم لا يحبوّن الشِّعْر.

ربّما وشيتْ بنا طفولتي المُمزَّقة

وفراتي الأبكم العظيم

وحروفي: حروف النقطة والهلال

ربّما لأنّهم يكرهون الهلال.

***

وهناكَ في الظلمةِ كتبتَ:

اللذّةُ أُكذوبةٌ واللذّةُ خلاص،

الليلُ شموعٌ والليلُ عبث،

المعنى لا معنى له

واللامعنى مليء بالمعاني العظام.

فارتبكتُ وقلت:

أيّها المُعلّم

يا صاحبَ الربيع والطفولة

يا صاحبَ العصفور والغراب

يا صاحبَ الديك والأفعى

يا صاحبَ الفجر والموت والرماد

يا صاحبَ اللصوص والمجانين والأنبياء

لنرجع إلى ضفافِ الأنهارِ المُقدّسة،

دعنا نرجع إلى الماضي.

قلتَ: هيهات

فالتاءُ ممتدّةٌ كقبر

والهاءُ أسطورةٌ من لحمٍ ودم.

ثُمَّ قالَ المعلّمُ بعدَ صمتٍ عظيم:

ارجعْ إلى الحروف

والعبْ معها كطفل.

انتظرها كما ينتظرُ المُتسوّلُ قطعةَ الذهب

وامشِ في أرضِها كالحمامة

وراقصها كما يفعلُ العندليب.

 

يمثل الحوار جوهر القصيدة الشعرية في بعض من محطاتها فهي تختزن ثيمة الحدث بين المتحاورين سواء أكان الحوار بين شخصيات حقيقية أو خيالية وهنا في هذه القصيد ة مثلت حوارية رائعة في صورة الشاعر الهندي (طاغور) و(الشاعر) عبر مفارقة رسمها في تلك الحوارية لتكون محفزا شعريا من محفزات الحدث الحواري متجسدة بغياب الشمس في النهر المقدس، مع صورة أخرى هي التي وسمها ب الحروف القديمة التي لا نعلم ماذا قصد بها الشاعر ليكون محلها حروفا منعشة جديدة ملئية بالحب والعسل والحياة، فهذا يعد ابتكارا شعريا حروفيا جسد فيه الشاعر قيمة الحرف ليكون صاحب وجود واثر في صنع جمالية الحياة. ولهذا فالعملية الشعرية هي، خلق وابتكار وربط علائق لغوية جديدة وتحفيز المعنى الحركي للحرف وليس انتهاء بالأبعاد الفراغية لفضاء النص مرورا بحركية المفردات والدوال وتداخل الأزمنة وانكساراتها بأتجاه تفكيك الفضاءات التي يحيل اليها الخطاب الشعري.([40])

وما يثيـر القارئ هذه الصور العلائقية التي تغلف فضاء المفارقة عبر التلاعب بالتشكيل اللغوي للدوال ويتمثل ذلك في تجسيد صورة (الجيم).([41])

 

كنّا في الدارْ:

أنا

وعذابي النائم كالجُثّة

وسط الدار

(وكذلك شخص لا أعرفهُ)..

قالتْ أشجارُ الليلْ

بالأسرار.

فَصَمتْنا

وكأنَّ الهول تداركنا

والتفَّ على جذعِ الكلماتْ.

لكنَّ الجُثّةَ قامتْ،

صَرختْ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ الأبيض،

صارتْ تندبُ وسط الدار.

3.

ماذا قالتْ أشجارُ الليلِ هناكْ

وبأيّ نسيجٍ مقطوعِ الكفّينْ

باحتْ بالأسرار؟

أيّة أسرارْ؟

ولماذا قامتْ تلك الجُثّةُ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ الأبيض،

نَدَبتْ وَعَوتْ؟

لم أفهم شيئاً.

 

فالعمق التأويلي لهذه المقطوعة الشعرية يشير إلى فضاءات تخيلية حوارية مدهشة في التعبير عن جراح الذات الداخلية بمفارقة لافتة تولد الدهشة التصويرية لدى المتلقي فبلغت قوة المفارقة في تلك الصور الإيحائية المتخيلة في (قالت أشجار الليل، قامت الجثة، شقّت كتان الجسد الأبيض، ندبت وعوت). فالتكثيف الإيحائي حقق درجة عالية من المفارقة الحوارية في النص الشعري.

 

خاتمة الفصل

1. تعد المفارقة تقنية أسلوبية تحقق غايات شعرية تكمن في الواقع الجديد والمفاجأة والدهشة التي تخلقها وفي الايحاء المتولد من تكثيف الصور الشعرية ذات المعاني والايحاءات العميقة.

2. تنعقد بنية المفارقة على علاقات التضاد بين الدوال الشعرية لتحقيق فضاء شعري من المتناقضات والثنائيات الضدية التي ترتبط بالموقف الفكري والوجداني الذي توحي به القصيدة الشعرية.

3. تمثلت في شعر أديب كمال الدين انواع متعددة من المفارقات تكمن في الاحتمالات الشعرية المفتوحة التي يفجرها النص الشعري في صور شعرية متضادة في انساقها اللغوية.

4. مثلت المفارقة التصويرية صورا شعرية تتجلى في مهيمنات اسلوبية- انزياحية متنوعة بين صور التشبيه والاستعارة معززة الصورة الجمالية وحيويتها الشعرية واستعاراتها المكثفة.

5.  مثلت المفارقة السردية في نصوص الشاعر تقنية فاعلة في إنتاج صور شعرية متضادة في سرد موصوفات شعرية حفزت المعاني الايحائية المعتمدة نسق السرد الشعري في جذب رؤى القارئ.

6. أدت المفارقة التناصية في شعر أديب كمال الدين دورها الشعري-الأسلوبي التحفيزي في تحقيق المفاعلة النصية عبر التمازج بين النصوص الدينية والتاريخية ونصوص الشعرية مما ادى الى خلق مفاعلة نصية بين الدلالتين.

7. تستمد المفارقة اللغوية في نصوص الشاعر أديب كمال الدين محفزاتها الشعرية من الأنساق اللغوية المتضادة في نسبة موصوفاتها ودوالها الى مدلولاتها غير المتوقعة  في انزياحات عالية الدقة مما يخلق فضاء شعريا متخيلا لتفعيل الرؤى الشعرية وطاقاتها التفاعلية عند المتلقي.

8. تأسس الحوار في شعر أديب كمال الدين على متضادات لغوية ذات جدل وحوار فني\ شعري يشي بالمفارقة الحوارية الى خلق حوارات شعرية في البوح عما يعتلج الشاعر من احاسيس ومشاعر ذات عمق تاريخي وموقف شعوري مكثف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

 

شعرية الايقاع البصري

 

 

لم يتمكن أحد، ولا حتى الشعراء، من قياس مقدار ما يمكن للقلب أن يحتويه.

 

زيلدافيتزجيرالد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

المحور الأوّل:

 

التشكيل البصري والسطر الشعري

 

إن النصّ الشعري المعاصر نصّ متماوج في تشكيل أسطره ومقاطعه الشعرية، ولذا انماز الشاعر المعاصر بتشكيل سطوره الشعرية بنسب متفاوته تبعاً لحالته الشعورية وموقفه الانفعالي، فلم يعد يلتزم بعدد معين وثابت من التفعيلات، ولهذا تتفاوت الأسطر الشعرية من مقطع شعري لآخر، فقد يضمُّ السطر الشعري تفعيلة واحدة، أو تفعلتين، أو اكثر ثلاث تفعيلات،الامر الذي يجعل لكل قصيدة شعرية خصوصيتهاويشمل هذا الأمر قصيدة النثر أيضا الخالية من التفعيلات.([42])

وهذا يدل ان القصيدة المعاصرة وقصيدة النثر بالأخص تعتمدُ في بنيتها التشكيلية الداخلية على تغاير واختلاف في مستوى بنية السطر الشعري فتارة تكون الأسطر الشعرية متفاوتة، وتارة أخرى متماوجة وأخرى متساوية وهذا يكون تبعاً للموجة الشعورية النفسية لدى الشاعر، وأمثلة ذلك كثير في شعر أديب كمال الدين وسنبدأ بالأسطر الشعرية المتفاوتة.

 

أولاً: الأسطر الشعرية المتفاوتة

ويعني به تفاوت الأسطر الشعرية تفاوتاً كمياً من حيث عدد الكلمات.([43])وقد تنوعت قصائد الشاعر أديب كمال الدين في أسطرها الشعرية بين المتماوجة والسردية  والحوارية.

1-        الأسطر الشعرية المتماوجة: والمقصود بالتفاوت السطري الموجي: (تفاوت أطوال الأسطر الشعرية، تبعاً لتفاوت الموجة الشعورية المتدفقة عبر كل سطر)([44])

وقد حفلت المقاطع الشعرية لشاعرنا كمال الدين بالأسطر بالشعرية المتماوجة لتجسيد صور الإيقاعات البصرية والنفسية، ومن القصائد الشعرية المتكئة على هذه الهندسة الإيقاعية- البصرية، في قصيدة (إشارة الصراخ).([45])

إِلهي

أنفقتُ العمرَ كله وأَنا أصرخ:

أنقذني

من الأرجوحة المتهرّئةِ الحبال،

من نهر الموتى،

من الحظ الأعرج،

من الشباك المُطلّ على الشمس المذبوحة،

من راية العبث السوداء.

.........

وأخيراً

حين وصلتُ أو كدتُ

إلى آخر أبواب عمري

صرختُ:

إلهي أنقذني من نفسي!

إن الموقف الشعوري المصوّر في المقطع الشعري أعلاه يعكس مسارات الأسطر الشعرية المتماوجة بين الطول والقصر عبر مسارات شعرية متكسرة بموجات صاعدة حيناً وهابطة حيناً آخر وهذا مرّده إلى بنية القصيدة المعاصرة التي تعتمد التوظيف الحرّ للكلمات  وعدم التزام الشاعر بنسق ايقاعي معين والتي تدُّل على الإحساس الداخلي والشعوري المتماوج لدى الشاعر.

ومن أمثلة ذلك التفاوت الموجي في الأسطر الشعرية في قصيدته ((صيحات النقطة))([46])

ومضةً

فلقد أتعبني الرقصُ فوقَ حبالِ اللغة

وفوقَ جبالِ اللغة.

ومضةً

فلقد تعبتُ من الرقص

مشياً على الرأس

ومشياً على الكأس.

وتعبتُ أكثر

من انتقالاتِ نقطتي المُرّة

وصيحاتِها: صيحاتِ الهنودِ الحمر

             وصيحاتِ أطفال الملجأ

             وصيحاتِ الدراويش!

المقطع الشعري في ((ومضة)) يعد بوابة للموسيقى البصرية عبرَ المزاوجة بين أسطر شعرية تتفاوت في طولها لَبثّ مواجيد شعورية ونفثات مرة تهبط وأخرى تتصاعد فأن جمالية الإيقاع البصري تتبدّى من بينه السطر الشعري ذاته وتناظره واختلافه مع السطر الذي يليه عبر هندسة ايقاعية- بصرية غاية في التناغم والانسجام([47]) فهذا التفاوت السطري جاء ليخلق تواشجاً مضمونيا لما يريده الشاعر عبر تلك الصيحات المتفاوتة في معناها وايقاعها، وأجمل ما كتبه الشاعر في إِشاراته المتفاوتة في ((إشارة المحنة))([48])

إلهي،

أنا لا أشبهُ أحداً.

أنا لا أشبهُ، أحياناً، حتّى نَفْسي!

 

رغم قصر المقطوعة إلا انه فيها استبطان رؤيوي عميق خلقه التفاوت المقطعي- الإيقاعي بين الهبوط والصعود وكأن الشاعر مدركاً هذا التماهي.

وحين نقرأ نصّه الشعري ((جاء نوح ومضى))([49]) نشاهد الزفرات الشعورية المتدفقة لتعميق حدة الإثارة لدى المتلقي عبر تلك الهندسة الإيقاعية- البصرية المتفاعلة مع الموجات الشعرية إذ يقول:([50])

النجدة!

نعم، يا صديقي الحرف،

دعنا نصرح الآن:

الـ.....   ن  ....   ج......... دة!

ربما سيسمعنا ذلك الرجل الطيب

أو مَن أرسله في مهمتِهِ العجيبة.

ربما سينتبه لنا

لا تمت الآن أرجوك!

انظرْ هذا رغيف خبز لك

وهذه جرعة ماء ايضاً.

...

لا تستسلم!

تمسكْ بحلمكَ وان كان خفيفاً كالغبار!

أرجوك

الـ...... ن...... ج........دة!

2-                        الأسطر الشعرية السردية المتفاوتة:

ويُقصد بمصطلح التفاوت السردي: تفاوت أطوال الأسطر الشعرية تفاوتاً بصرياً للدلالة على تسارع الموجات السردية، وتسجيل هذا التفاوت بإِيقاع صوتي متسارع مجسداً بصرياً، بأطوال سطرية تتراوح طولاً وقصراً لخلق التناغم الحاصل في التنسيق الشعري بالتدفق والامتداد والمد أو الجزر وإحداث المزاوجة الإيقاعية المتناغمة على المستوى النصي.([51])

ومصداق ذلك ما نجده في قصائد شاعرنا الكبير أديب كمال الدين إذ انمازت أغلبها بالطابع السردي المتفاوت في تقنياتها البنائية- الايقاعية في قصيدته السردية الطويلة ((قاف))([52])

لكثرةِ ما أفكّرُ بك

شاغلاً خلايا دمي بأسطورتك،

صرتِ تقفين أمامي

فلا أرى شروقَكِ ولا أتلمّسُ زورقَك.

***

أيّتها المُقمرة دوماً بحروفي

اتركْي لي شيئاً من الحروف

تعينني على بلواي.

***

لا الطلاسم نفعتْ،

ولا الدخان وفّى بعهده،

ولا اللام ذهبَ كما أُمِرَ ولا الشين،

لا الحروف افتتحتْ صرّةَ طفولتها ولا الشمس،

لا الشوارع،

لا الطرقات،

تنشأ حركة النصّ بمسارات سردية- متعرجة- متفاوتة مشكلةً الأسطر الشعرية، بممارسة إيقاعية- بصرية فهي أشبه بتموجات موسيقية تقارب ذاكرة القارئ عبر الأسلوب السردي ممتلئة بشاعرية فذة قادرة على التمثيل الحقيقي- الحروفي لذلك الحب الأسطوري فالقصيدة الحداثية لا تثير القارئ باللغة وايقاعاتها الموسيقية وحدها، بقدر ما تثيره كذلك من تشكيلات بصرية؛ ليكتمل المعنى وتتضح الرؤية([53]).

ومن أمثلة التفاوت السردي أيضا ما قاله شاعرنا الكبير في احتفالية الحروفي([54])

حينَ اجتمعنا عند نهر الفراتِ المُقدَّس

لنشربَ نخبَ اللغة.

كانَ النهارُ جميلاً

والشَّمسُ لم تُلَوّثْ بعد بالدم

أو بغُبارِ الحروب.

***

في غمرةِ الاحتفال

اقترحت الجيمُ أو النون

أن نطيّرَ نقاطنا في الهواء.

فصارَ لزاماً ونحن في بهجةٍ لا تُحدّ،

صارَ لزاماً على كلّ حرف

أن يطيّرَ نقطتَه

في حبورٍ جنونيّ

وَسُكْرٍ مُقدَّس!

ينظر التفاوت السردي عبر المقطع الشعري أعلاه في تفاوت الأسطر الشعرية في طولها وقصرها مشحونة بحكايات سردية تبعاً لطول الموجة الشعورية وقصرها، لتجيء إيقاعية النص مشحونة بالوجع والحزن لتغير حال البلاد من الحروب.

 

1-  الأسطر الشعرية الحوارية المتفاوتة:

المقصود بالتفاوت الحواري تفاوت أطوال الأسطر الشعرية تبعاً لطبيعة الحواس والشخصيات المتحاورة للدلالة على حجم الموجة الصوتية الحوارية المشكلة على المستوى السطري، وتسجيل الصوت الشعري تسجيلاً بصرياً؛ تبعاً لتمثلِهِ البصري على الصفحة الشعرية([55])

ويتجلى الحضور التشكيلي للأسطر الشعرية المبنية على الحوار في قصيدته ((نسيان معنى))([56])

وسألتُ الجمرةَ: ما النسيانْ؟

قالتْ: ريحٌ سوداءْ.

وسألتُ الجبلَ فقالَ: الدمْ.

وسألتُ الصحراءَ فقالتْ: هوذا التيه.

وسألتُ الفجرَ فقالَ: النومْ.

فكتبتُ قصائد مِن نومٍ ودمٍ، تيهٍ، ريحٍ سوداءْ

حتّى أنساكِ بسينِ النسيان.

لكنّي لم أصل النونَ ولم أصل السينَ القاسيةَ العينين ولا ياءَ اليّم.

وكتبتُ قصائد مِن فجرٍ وجبالٍ، جمرٍ ورمال

حتّى أنساكِ بياء النسيان.

ونشاهد أن الشاعر أديب كمال الدين وظفّ البنية الحوارية وفق أسطر شعرية متفاوتة تبعاً للأسئلة والأجوبة الافتراضية التي أنبنت عليها هندسة القصيدة وايقاعاتها البصرية, فهو تلوين أسطر شعري يتبع النفثات الشعورية التي يريد إيصالها لدى المتلقي في أسئلته الافتراضية للجمرة والجبل والصحراء والفجر ليصل إلى نسيان حبيبته.

ومن أمثلة ذلك أيضا، ما جاء من قصيدته ((درس الوهم))([57])

سألني الطبيبُ بعد أن أعيته حالتي:

هل أنتَ مصابٌ بمرض ٍما؟

قلتُ: نعم، أنا مصاب بمرض الشعر!

قال: لم أسمع بأعراضه من قبل!

قلتُ: إنه مرض الوهم:

مرضٌ يجعلني أفكرُ ليل نهار

أن أعيد ترتيب ذاكرة الماضي

لأجعل حرفي ملكاً سعيداً

وهو المشرد المنفيّ،

وأجعل نقطتي بهيجةً

وهي الضائعة ابداً!

إن التفاوت السطري الشعري المبني على الحوار لعبَ دوراً فاعلاً في تشكيل بنية القصيدة، لإبراز الإيقاع البصري المحتدم على مستوى الموجات الشعرية الحوارية عبر ذلك الحوار الافتراضي الذي دار بين الشاعر وطبيبه ليعكس تلك الاسقاطات والمشاعر النفسية التي يكابدها وما بثّه من رؤى شعرية ونزعات سيكولوجية مشيرا الى غربته وتخفيف ذلك التوتر الذاتي والصراع الداخلي.

    ويمكن ملاحظة ذلك التماوج الحواري وفق الشكل الهندسي الآتي:

سألني الطبيبُ بعد أن أعيته حالتي:

هل أنت مصابٌ بمرض ما؟

قلت: نعم إنه مرض الوهم.

 

ثانياً: الأسطر الشعرية المتساوية

عرّف احد الباحثين التساوي في الأسطر الشعرية: ((هو تساوي طول سطرين شعريين متواليين أو أكثر تساوياً تركيبياً وايقاعياً))([58])

وقد انمازت قصائد الشاعر أديب كمال الدين بهذه الهندسة الايقاعية التي المبنية على اسطر شعرية متساوية، إذ وجدناها تتجلى تلك التمظهرات في قصيدته الحروفية ((حاء))([59])

هل ينبغي كتابة القصيدة

من الأمامِ إلى الخلف

أم من الخلفِ إلى الأمام؟

من اليمين إلى اليسار

أم من اليسارِ إلى اليمين؟

أم من اليسارِ إلى اليسار؟

من الثلجِ إلى النار

أم من النارِ إلى الماء؟

من الماءِ إلى البحر

أم من البحرِ إلى الأرض؟

من نيويورك إلى بغداد

أم من بغداد إلى الجحيم؟

من الخرافةِ إلى النقطة

أم من النقطةِ إلى الجنون؟

نشاهد توظيف الشاعر للأسطر الشعرية المتساوية إذ جاءت متناظرة مع بعضها البعض في هندسة تشكيل بنيتها الإيقاعية الداخلية بحركات موسيقية تخلف التناغم والاتساق الذي ينمُّ عن وعي الشاعر أديب كمال الدين بضرورة بناء الهندسية الايقاعية ذات الأسطر الشعرية المتساوية في الذاكرة والتركيب.

ومن القصائد المؤسسة على بنية الأسطر الشعرية المتساوية قصيدته الرائعة في خطاب الألف([60])

النقطة أعجوبة

والهلال أضحوكة.

*

النقطة دم

والهلال جريح.

*

النقطة أنا المطوّق بالخيبة

والهلال أنتِ سوري وسَّجاني.

*

النقطة موتي

والهلال حبيبي.

*

النقطة جنيّة

والهلال تعويذة.

*

النقطة هروب

والهلال رقصة السحرة.

إن التساوي في الأسطر الشعرية- الإيقاعية- الاستهلالية تبدو واضحة للقارئ، التي يوظفها الشاعر في بنية قصيدته الداخلية عبر تشكيلاته البصرية في تكرار البنية التركيبية حول النقطة وتلويناتها المتنوعة في تعاقبها المنتظم على المستوى الإيقاعي والشعري البصري ((ما اشد السمعي والمرئي للشعر يعملان معاً، وينعكس عند القرّاء الصامتين وان التجربة السمعية لما هو مقروء تقوم بدور كبير في الموازنة بين المرئي والمقروء من اللغة))([61])

ونجد أبداع الشاعر أديب كمال الدين في قصيدته "ملك الحروف"([62])

النقطةُ دمعة

والحرفُ عين.

فما أسعدني أنا النائحة في كلِّ بيت.

النقطة حرفٌ

والحرف أبجديةٌ

فما أسعدني أنا بهلول الكلمات.

النقطةُ وداع

والحرفُ إشارة الكفّ الأخيرة.

فما أسعدني أنا مُفرّق الجماعات

وهادم اللذّات.

النقطة زيفٌ

والحرف نهرٌ

فما أسعدني أنا المقتول على نهر الفرات.

النقطةُ لقاء

والحرفُ قُبَل.

فما أسعدني أنا المُراهق الخطير.

النقطةُ سكّين

والحرفُ رصاصة.

فما أسعدني أنا المُهَلْوِس الأكبر.

إن النسق الشعري السطري المتساوي عبر أبيات القصيدة يعد أشبه بترسيمة إيقاعية- بصرية يفتتحها الشاعر بالنقطة لتكوين ثيمة القصيدة، المحورية ولازمتها التكرارية وهذا يمثل الشاعر الحداثي الذي انماز بابتكار الأشكال البصرية الإيقاعية المتساوية تارة والمتنوعة تارة أخرى مما يثير المتلقي بتلك المغامرة في الإبداع الشعري المعاصر.

 

 

 

 

 

 

المحور الثاني:

 

التشكيل البصري ومساحة البياض

 والسواد وعلامات الترقيم

 

من يقرأ قصائد الشاعر أديب كمال الدين يلحظ غناها بالمتحولات البصرية تبعاً لامتداد الرؤية الشعرية والموقف النفسي الذي يمرُّ به وحجم الاحساس الشعوري الداخلي الذي يكابده. فمن أمثلة ذلك قوله في موقف الألف:([63])

أوقفني في موقف الألف

وقال: الألفُ حبيبي.

إن تقدّمت حرفاً،

وأنت حرفٌ،

تقدمتُ منكَ أبجديةً

وقُدتُكَ الى أبجدية من نور.

وقال: سيُسمّونكً ((الحروفي))

فتبصّرْ،

فالليل طويلٌ والراقصون كُثر،

وهم أهل الدنيا وأنت من أهلي.

فكيف سيكون بصَرُك؟

وكيف ستكون بصيرتك؟

لقد وضعٍ الشاعر المتحول البصري منذ مفتتح القصيدة بعد عبارة أوقفني في موقف الألف "وهي علامة ايقونية لافتتاح بنية التساؤل المبنية على الحوار بين الشاعر الحروفي والآخر عبر أبجدية مشفرة، اذ وضع النقطتين الشارحتين بعد عبارة "الألف حبيبي" ليقود ذلك الألف إلى أبجدية نورانية يُفتتح بها مقطع قصيدته الحروفية (الألف)، فهذا الانتقال من متحول بصري إلى آخر في القصيدة تمثلُ ومضة شعورية لدى الشاعر في حقيقة الإنسان المتبصر الذي يدرك حقيقة وجوده لا للعبث والرقص واللهو ليصل إلى استفهام عبر مقطعه الشعري الممتد ((فالليل طويل والراقصون كُثرُ))

فكيف سكون بصُرك؟

وكيف ستكون بصيرتك؟

وكيف ستختار نجمتك؟

وفي مقطع شعري آخر نشاهد قد اعترى الشاعرَ تيار هائل من موجات التساؤل المتباينة، اذ يقول في موقف الخطأ:([64])

أوقفني في موقف الخطأ

وقال: أنت خطأ يتكرر.

كلما انتهى الى الحقّ

عادَ فوراً الى الخطأ.

ما أن تُشفى من خطأ يا عبدي

حتى يتداركك خطأ أكثر قسوةً

وأكثر رماداً.

كيف يحدث هذا ودمعتك لا تفارق عينَك؟

كيف يحدث هذا وشمسي تُحيطُ بقلبك؟

كيف وقد عبرت سبعاً من لغات الجمر؟

تكشفُ قراءتنا للنصّ الشعري عن توظيف تقنية الموسيقى البصرية- الإيقاعية، إذ نشاهد علامات التنقيط والتوقف والتساؤل، أعطت فسحة واسعة من التأمل والتسكين الإيقاعي عبر اسئلة يوّجهها الشاعر لنفسه وللآخر فهو يستمد تلك الطاقة الشعرية من فضاء مشحون بالخطأ مستمر بامتداد وجود ذلك الانسان لكشف الذات الإنسانية المخطئة وتكرار ذلك الخطأ وامتداده ولم يعد أي مسوغ لتبرير ذلك الخطأ عبر اسئلة متباينة متماوجة يكشفُ عنها نقاب التلقي فهي تظهر بتجليات متنوعة يضيء بها الشاعر ردهات قصيدته في موقف الخطأ وهذا يكشف عن الثقافة الإيقاعية- البصرية التي يمتلكها شاعر في توظيف تلك العلامات الايقونية لصنع جمالية نصوصه الشعرية. وتحفل قصائد الشاعر كمال الدين بالإيقونات البصرية القائمة على بنية التساؤلات والتي تعد ركائز ايقونية بصرية تكشفُ عن عمق إنتاج القول الشعري وإِثارة بصرية لدى القارئ ولعل من أمثلة ذلك قوله في موقف الصبر:([65])

أوقفني في موقف الصبر

وقال: الصبرُ امتحان عظيم

فماذا ستفعل يا عبدي؟

أعرفُ أن كلماتك سترتبك

وينهارُ معناها

مثل جبل من الثلج

وستدمع عيناك مثل طفل ضائع

في السوق

أين منك إِرادة يوسف الصديق؟

وأين منك حلم يعقوب

وقد ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم؟

وأين منك، قبل هذا، صبر نوح وإبراهيم وأيوب؟

وأين منك صبر مَن أرسلته رحمة للعالمين؟

وأين منك صبر الأولين:

صبر علي والحسين؟

أين وأين وأين؟

إن هاجس الشاعر الحداثوي في التغيير جعل منه شاعراً يكثر من التساؤلات في نتاجه الشعري اضافة الى مساحات البياض التي يتركها الشاعر ليجعل للقارئ فرصة التأويل المثالي عبر فضاء مفتوح ملبد بالأسئلة تنسج خيوطه التناصات القرآنية ومنها استلهام قصص الأنبياء, النبي يوسف (عليه السلام) ويعقوب وحزنهما والنبي نوح وإبراهيم وأيوب، ونبيّ الرحمة الإنسانية نبيناّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وختاما بصبر الائمة الطاهرين (علي والحسين) (عليهما السلام)، فهذه الإيقاعات البصرية تقع تحت تأثير (المتحول البصري) الذي يطال كل هذه الإيقونات الشعرية، وهذه العلاقة تفرز قلقاً نفسياً يجسدها الشاعر في أشكال إيقاعية- بصرية متنوعة.

وتقف بنية الحوار بوصفها تقنية بصرية يستلهما الشاعر في مواقفه المتنوعة، إذ يقف في موقف الحرف:([66])

 

أوقفني في موقف الحرف

وقال: الحرفُ حرفي والنقطةُ نقطتي

فكيف لك أن تفهم سرّ خلودي

وأنت الذي يحملُ الموت

في نبضةِ القلب؟

وكيف لك أن تتجلى في ملكوتي

وأنت الذي يبكي على جرعةِ ماءٍ

ورغيفِ خبز؟

 

ان التشكيل البصري في توظيفه تقنية البياض/ السواد وعلامات التنقيط تعد من التقنيات الحديثة التي اعتمدتها القصيدة المعاصرة في بنيتها النصية، لذا نشاهد شاعرنا في مواقفه تتوهج لديه تلك التقنيات، وها هو في موقفه مع الحرف عبر فضاء تعبيري مفتوح يدلُ بلا شك على دفء الشعور الروحاني الذي يعيشه شاعرنا إذ يقول:([67])

 

أوقفني في موقف علي

وقال: ياعبدي

هذا رجلٌ من خاصتي

أعطيته من العلم باباً،

ومن الزهد محراباً،

ومن الشجاعة سيفاً،

ومن البلاغة نهجاً،

ومن الحقّ حاءً وقافاً

ويعدُّ عنوان المقطوعة الشعرية ((موقف علي)) نافذة بصرية يتم الأطلال منها على مشهد يفيضُ إيمانا وتناغماً عاطفياً يسرحُ فيه خيال القارئ للتعرف على ميزات وكرامات خُصّ بها الإمام علي (عليه السلام) من الله (سبحانه وتعالى) فجاءت العلامات الإيقاعية- البصرية محتشدة بالقيم الدلالية والروحية لصفات الإمام (عليه السلام) ومن هذا المنطلق تشترك علامات الترقيم في بناء النصّ اشتراكاً فعّالاً لا يقلّ أهمية عن الدور الذي يقوم به الحرف مع الكلمة او الكلمات في تجاورها. فهي مساندة للسياق الشكلي الذي تتبناه القصيدة المعاصرة.([68])

والجدير بالذكر أن علامات الترقيم لا تفارق قصائد أديب كمال الدين فهي جزء من شعرية قصائده إذ نرى فسحة الفضاء المفتوح والتأمل، إذ يقول في موقف الباب([69])

أوقفني في موقف الباب

وقال: البابُ أبوابٌ يا عبدي.

هناك بابٌ للفجر،

وباب للمغرب

ثم بابٌ للدمعة،

والصرخة،

او الصرخة،

والسكين

ثم باب السؤال،

والمُحَال،

ثم باب الخمرة.

ثم باب التوبة.

ثم باب الجوع،

والفقر

والحرب.

ثم باب الموت.

ثم باب الحساب،

وهذا التجلي الشعري يكون فيه مساحة واسعة للعلامات البصرية- الايقونية ضمن مقتضيات نصيّة تقفُ وراء الرؤية والإدراك الشعري إلى ما يثيره الشاعر عبر قصيدته البصرية للتدليل على ثبات المعاناة وثقلها المتوازي فهو يطرق باباً ويترك بابا عبر أداة العطف ((ثم))، إذ تمتلئ البؤرة المركزية- الإيقاعية- البصرية بدلالاتٍ محتشدة بالمعاني المتضادة في الخمرة، التوبة، الجوع، الحرب، الموت، والحساب... لاستقطاب القارئ إلى مساحات الفضاء لتأويلها عبر تلك الأبواب التي طرقها الشاعر لتضيء الخلفية الشعورية الكامنة ورائها. لذا اتكأ الشاعر في أغلب قصائده البصرية على صور مشفرة شغلت القارئ بفك شفراتها، فمن أجمل ما نجده في الموسيقى البصرية لقصائده في ((خطاب الالف)):([70])

حرفي حرفٌ عجيبٌ

يبحث في الماضي والمخبوء،

يبحث في الغيمة والشعاع،

يبحث في الظاهر والباطن

ويضيعُ فيك

كما يصنعُ الخاتَم في البحر

أيتها الكافٍ

أريد نبأَ، ماءً، طائراً، نورا

أريد

أتوسلُ

أجثو

فانظري- أيتها الكريمة- إلى كفي الممدودة بالطلاسم إليك.

ومن القصائد ايضاً ذات الايقاع البصري الممتلئ بعلامات التعجب والمساحات البيضاء التي يترك تأويلها للقارئ في قصيدته "إشارة الاسرى" ([71])

إلهي،

بعد نهاية الحرب،

خرجنا نلّوح بأيدينا

مرتبكين حدّ الموت

مثل أسرى خرجوا توّاً من أقفاصِ الأسر

كنا نلوّح: لمن؟ ولماذا؟

هل رآنا أحدٌ ونحن نلوّح هكذا؟

هل اهتم أحدٌ بمشهِدنا المرتبك المُرعب؟

.......................................

........................................

لماذا أُسرِنا، إذن، يا إلهي؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الثالث:

التشكيل البصري- والمونتاج الشعري

 

إن مصطلح المونتاج الشعري مصطلح نقدي معاصر يرافق تقنيات القصيدة الشعرية المعاصرة، وهو فكرة مقتبسة من المونتاج السينمائي، لتغدو القصيدة المعاصرة مشابه في هندسة إيقاعها وصراعها ودراميتها للمونتاج السينمائي الدرامي، وقد أشار أحد الباحثين المعاصرين إلى هذه الفكرة بقوله: ((إن تركيب المفردات في اللغة يماثل تركيب اللقطات في الفيلم على أسس بنويّه واحدة... ومن هنا يمكن تعريف المونتاج بأنه: فن صياغة وتركيب وترتيب الصور، اللقطات في تسلسل فني لتؤدي دلالة بصرية ذات مغزي فكري وفني يجسد مضمون النصّ المراد تصويره للمتلقي، المشاهد)).([72])

وهذا أمرٌ يمتن العلاقة بين النصّ الشعري وقارئه عبر هذه التقنيات البصرية المونتاجية في تحريك الحدث الشعري وتصويره كمشاهد بانورامية تدل على حدة الصراع والتوتر في تصعيد الفعل الشعري للمشهد([73])

وقد تنوعت مشاهد اللقطات المونتاجية في شعر أديب كمال الدين فوجد منها المونتاج الحدثي التراكمي والمونتاج الومضي.

 

أوّلا: المونتاج التراكمي

ويُقصد به المونتاج المبني على تقنية التراكم إذ يقوم الشاعر بتراكم اللقطات بشكل مكثف بدفعة واحدة؛ دلالة على أهمية الحدث، ومحفزاته البصرية ومسبباته الشعورية للقطة لا تكاد تنتهي([74])

ونجد أمثلة ذلك كثير في شعر أديب كمال الدين في ((جنة الفراغ)) ([75])

قبل أن تعترفي بسرَّكِ

أيّا يكون هذا السرّ،

وقبل أن احترق تماماً

وأتحوّل الى كومة من رماد

سأحاولُ النسيان

ولذا سأجلسُ قبالة الفرات

وأبكي كأمّ أضاعت وحيدَها

علّ الفرات يقوم من رقدتِهِ الكبرى

ويعيدني الى نفسي.

فالمشهد واضح منذ اللقطة الأولى التي يصورّها شاعرنا لتجسيد تلك المعاناة التي لا يستطيع نسيانها في مشاهد تصويرية ((سأجلس قبالة الفرات، وأبكي كأمّ أضاعت وحيدها...)).

ومن أمثلة ذلك ايضاً في قصيدته ((حقائب سود))([76])

لماذا تركتني يا سائق القطار

لماذا هربتَ وملأتَ كلّ شيء

بالبخار والضجيج؟

لماذا تركتني أصرخ

كالطفلِ الضائع

وسط وحشة المحطة؟

لقطة شعرية وكأنها تصوير سينمائي لإثارة الدهشة والتشويق لدى القارئ في ذلك الطفل الضائع الذي تركه القطار وهو يصرخ خوفا وورهبة من الوحدة.

 

ثانياً: المونتاج الومضي

وهو المونتاج المبني على تقنية الومضة الشعرية أو القصيدة البرقية والومضة الشعرية لحظة أو مشهد أو موقف أو إحساس خاطف، يمرُّ في المخيلة أو الذهن ويصوغه الشاعر بألفاظ قليلة جداً ولكنها محملة بدلالات كثيرة، وتكون الصياغة مضغوطة إلى حدّ الانفجار([77])

وأمثلة هذا المونتاج كثيرة في شعر شاعرنا ، إذ نراه يقول في ومضة السريعة ((موقف الأنا)).

يقول شاعرنا في ومضته الشعرية الأنوية.([78])

أوقفني في موقف الأنا

وقال: يا عبدي كم أذلتكَ الأنا!

أناك هي ثقب روح

أناك ثقبُ جهنم في جسدك

هي من يُفيد فيك ما خلقته

في أحسن تقويم

لتردّه في سرعة البرق إلى أسفل سافلين

فنشاهد أن المونتاج الومضي في قصائد أديب كمال الدين يمنح شعره ايقاعاً- بصرياً ومضياً عبر تلك اللقطات السريعة الشعرية في محاكاة الافتراض بين العبد وربّه.

ومن ذلك أيضاً في ومضته الشعرية: ((إِشارة نهاية الحرب))([79])

إِلهي،

خرجتُ من الحرب منتصراً،

حرب الطغاة والأوغاد والأصدقاء

خرجت منتصراً

أجرُّ جثتي بيدي في الطرقاتِ

ليل نهار!

 

خاتمة الفصل

1- ان التشكيل البصري- الايقاعي في القصيدة المعاصرة يشكل جزءاً اساسياً ومهماً في بنية اللغة الشعرية الداخلية لها، اذ لا تخلو قصيدة معاصرة في بنيتها من هذه الهندسة البصرية- الايقاعية.

2- مثلّتْ قصائد الشاعر أديب كمال الدين قصائد إيقاعية- بصرية لاحتوائها على التشكيلات الإيقاعية- البصرية المتمثلة بحضور علامات البياض والسواد والترقيم والتعجب والاستفهام.

3- ان هذا التشكيل البصري- الإيقاعي للقصيدة المعاصرة وفي قصائد أديب كمال الدين يمثلُ انعكاساً لمكنوناتها الدلالية والذي يسهم إسهاما فاعلاً في رسم صورها الجمالية ومقاصدها الدلالية التي يريد إيصالها للمتلقي.

4- إن التشكيل الشعري وتفاوت الأسطر الشعرية بين الطول والقصر والتساوي أحياناً يمثل الإِثارة التشكيلية البصرية والهندسية الإيقاعية دليل على وعي الشاعر بأهمية هذا التنوع التشكيل- الايقاعي- البصري ليؤدي دلالة بصرية ذات مغزى عاطفي وفكري.

5- مثّل التشكيل الشعري والمونتاج من أبرز تقنيات القصيدة البصرية- الايقاعية المعاصرة وقد حوت قصائد الشاعر على هذه التقنية البصرية بنوعيها ((المونتاج التراكمي والمونتاج الومضي)) لإنتاج نصّ شعري تفاعلي بين الشاعر وقارئه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

الفصل الثالث

 

 

شعرية التوازي

 

كنْ مثل القمر، اخرجْ من خلف الغيوم، وأنر العالم.

 

حكمة صينية

 

 


 


 

 

المدخل:

 

شعرية بنية التوازي الأسلوبية

ان الشعرية عملية وعي أسلوبي تتأسس في ضوء الإدراك الجمالي الذي يثيره النصّ الشعري لدى القارئ، محققاً فاعليته في الوصول الى المعنى، وكشف رؤاه ودلالاته ومن هنا عُدّ التوازي ظاهرة شعرية- اسلوبية من تقنيات القصيدة الحديثة والمعاصرة في بنيتها النصية، فهي المسؤولة عن توزيع العناصر اللغوية والفنية والدلالية داخل بنية النصّ الشعري.

وعُرّف التوازي في الدراسات النقدية الحديثة بإنه: ((تماثل قائم بين طرفين من السلسلة اللغوية البنية بحيث يكون بينهما علاقة متينة إما على اساس المشابهة او على اساس التضاد))([80]).

ويرى أحد الباحثين ان الشعر العربي هو شعر التوازي اذ يمثلُ المنزلة الأولى بالنسبة للفن اللفظي([81]) ومن هنا تظهر أهمية التوازي في بنية النصّ الشعري اذ ان بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر([82]).

والتوازي من المقومات الأسلوبية التي تنشأ نتيجة ترديد وحدات صوتية متساوقة في النصّ فيمنحه نمطاً خاصاً من الإيقاع يتجلى في نسق من التناسبات المستمرة على مستويات متعددة: منها مستوى تنظيم البنُى التركيبية وترتيبها ومستوى تنظيم الأشكال والمقاولات النحوية وترتيبها ومستوى تنظيم المترادفات المعجمية.

ولا يقتصر أثر التوازي في الهندسة اللفظية للمفردات وانما يتعداها الى البنيات التعبيرية فتختلف طبيعة درجاته وعلائقه تبعاً لضرورة آليات نموّ النصّ وتناسله المحكومة بسيرورة الجذب والاشتباه والاختلاف، ولهذا عُدّ التوازي خاصية لصقة بكل الآداب العالمية قديمها وحديثها شفوية كانت أم مكتوبة([83])

ويعد التوازي من محفزات القصيدة الشعرية عند شاعرنا أديب كمال الدين، اذ تتضمن موقفاً أو فكرة محددة تتجدد فاعليتها بقدرتها على انشاء سطور شعرية متوازية عبر تلك المقابلة بين الانساق وايقاعها المتوازن مما له دور بارز في خلق وايجاد ورسم صورة التلاحم والانسجام الايقاعي والتركيبي وتحقيق توازنها في النسق الشعري.

وقد حلفت قصائد الشاعر أديب كمال الدين بنية التوازي التي غدت بنية دلالية كبرى عبر تلك المتواليات المتوازية على تنوع أصنافها.

 

أولاً: التوازي التراكمي

وعُرّف بإِنه التوازي الذي تأتي فيه الأسطر الشعرية بزيادة على السطر الشعري الذي تتوازى معه([84]).

وقد كثر هذا النوع من التوازي في نصوص الشاعر أديب كمال الدين، اذ يقوم الشاعر بتكرار البنيات المتوزاية في بناء هندسة القصيدة الشعرية، مما يمنحها فاعلية دلالية في تعميق المعنى والصورة الشعرية، ومن أمثله ذلك في قصيدته التأسفية على ما ضاع من سني عمره اذ يقول:([85])

وا أسفاه يا حروفي الغامضات.

وا أسفاه  يا نسائي الضائعات.

وا أسفاه يا أقنعتي التي لا تكفُّ عن فضحي.

وا أسفاه يا سنيني التي يلاحقُ بعضُها بعضاً

    نلحظ التعادل النسقي في البنيتين المتوازيتين الذي تبعه زيادة في معنى في السطرين الشعريين الأخريين وصولاً الى البنية المتوازية الكبرى في استجلاء المعنى من التأسف والضياع التي يشعر به الشاعر اتجاه سنين العمر التي لا تعوّض ويقول أيضاً:([86])

حبيبتي:

أيّتها النقطة،

أيّتها الحمامة،

أّيّتها الصخرة المُلقاة على حافةِ النهر،

أيّتها الوردة الطيّبة،

أيّتها الابتسامة اللذيذة كقيمرِ الصباح،

أيّتها الدمعة: اللؤلؤة،

كيفَ أجدُكِ الليلة؟

فقد بُني النصّ على نمطٍ من العلاقات النحوية- التركيبية التي بدورها عكست نسقاً بنائياً قائماً على ترديد البنية التركيبية الموحدة وعبرها استطاع الشاعر ابراز مجموعة من صفات محبوبته هي التي مرة يسميها النقطة، ومرة بالحمامة وتارة بالصخرة وأخرى بالوردة. وقد ازدادت الأسطر الشعرية سطر بعد آخر،فبعد ان افتتح قصيدته بكلمة وبعدها كلمة أخرى ازداد المعنى الشعري بالسطرين التاليين ثم ليختمها بكلمة اوضحت المعنى بأنها اللؤلؤة.

ويقول شاعرنا في (ابجدية البحر)):([87])

الماءُ يعلو ثُمَّ يعلو

والموجُ مُختالٌ فخورْ

والبحرُ أخرجَ رأسَه حتّى يرى ما قد جرى.

لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بَطُلتْ، أسنّتُها البعادْ.

لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.

 في النص اعلاه انساق شعرية متوازية تبدأ سطر شعري ثمُ تزداد في المعنى والفكرة والتركيب، فالشاعر عمل عبرَ هذا الاجراء الاسلوبي لإبراز المعاني بشكل يُعلي من شأن الفكرة التي يريد التعبير عنها ليرسم صورة البحر الهائج والموج المتلاطم ((فالتوازي كلما كان عميقاً متصلاً بالبينة الدلالية كان أحفل بالشعرية أو كان أكثر ارتباطاً بالتشاكل المكون للنسيج الشعري في مستوياته العديدة))([88]).

 

ثانياً: التوازي التلاشي

وفيه يكون السطر الثاني أقلّ من السطر الأول من ناحية التركيب، أي تأخذ الأسطر الشعرية بالتناقص كلما ابتعدنا عن السطر الأول([89])وأُضيف التناقص لايكون على طول الاسطر الشعرية وانما كذلك في اكتمال الفكرة والمعنى، فمن أمثلة ذلك ما يقوله شاعرنا في ((محاولة في البهجة))([90])

هكذا كنتُ صحراء فكان الحرفُ جَمَلاً

هكذا كنتُ ضياعاً فكانت النقطة معنى،

هكذا كنتُ حتى امتلأتُ،

هكذا طرتُ أنا وجَمَلي

طرتُ كغيمةٍ من نور.

في النصّ الشعري أعلاه نشاهد تقنية التوازي القائم بين كل سطرين شعريين حتى توصلك إلى خاتمة الفكرة المراد إيصالها إلى المتلقي في صورة تشبيهية رائعة في تحليق الشاعر مع حرفه الى ((غيمةٍ من نور)) فإيقاع التراكيب المتوازية تدرجت حتى تلاشت الى المعنى الختامي التشبيهي، مما أدى الى ازدياد فاعلية النص الشعري وتماسكه وتلوين الايقاع؛ لان هذه ((التراكيب ذات طابع جمالي تأثيري، الى جانب طبيعتها المعنوية والعلائقية))([91])

ومن قصائد المتوازية الذي تتلاشى الفكرة حتى تصل نهاياتها: قوله في ((لغة منقرضة))

نظرتُ الى الحرف([92]).

كان شاباً مليئاً بعنفوان العشقِ

وكانت النقطة

مراهقة مثل عاصفة من العشق.

وبقيتُ أنظر

أنظر

أنظر

ومن ذلك أيضا حين يخاطب حرف النون ليجعلها مستقبلاً وحاضراً وماضي اذ يقول:([93])

الماضي يحاصرني فأقولُ النون

والحاضر يحاصرني فأقول النون

والمستقبل فأقول النون

ان القيمة الاسلوبية لهذا النسق التركيبي تتجلى في المماثلة النحوية والصرفية بين السياقات النصية المعتمدة على الخط التركيبي نفسه، فنلاحظ توازي السطرين الشعريين ثم تلاشى حتى المستقبل، فهذه التراكيب المتوازية أسهمت بإثارة توازٍ دلالي، فضلاً عن التوازي الايقاعي، فقيمة التوازي تتحدد بفعل تلك ((العلاقات الصوتية الدلالية، وليس فقط الى تركيب الجمل او ترتيبها)).(1)

 

ثالثاُ: التوازي الذروي

هو التوازي الذي تكون فيه الأسطر الشعرية التالية للسطر الشعري الأول ومكملة له، وملحقة له([94])، وكثيرة هي القصائد الشعرية ذات التوازي الذروي([95]):

ثمّة خطأ في الحرفِ وآخر في النقطة

وفي ساعةِ الرملِ أو ساعةِ الصخر

وفي الذكرى، والموعدِ، والسكّين

وفي المفتاحِ، وبابِ البيتِ، والمطر

وفي القُبلةِ، وكلمةِ الأسف

وفي رغبةِ شفتيكِ وشفتيّ

وفي كلمةِ: "أحبّك"

وكلمةِ: "وداعاً".

ان دلالة النص الشعري المتقدم تتصاعد شيئاً فشيئاً عبر توالى الجمل الاسمية المجرورة، اذ التراكيب المتماثلة ذات تناظر موقعي موحد ينسجم مع روح الشاعر وذاته المغتربة، وهي قصدية شعرية ذات استرسال وتدفق مقطع شعري متوازن يستمع ثم يضيق ليصل الذروة في الحدث، وهي صورة من صور ايقاع النصّ لتحقيق التأثير في المتلقي، وهكذا تتوزع اللقطات الشعرية عبر هذا الاسطر المتوازية حتى تبلغ ذروتها في كلمتي ((أحبك)) و((وداعاً)).

ومن أمثلة ذلك أيضا قوله في ((سؤال النقطة))([96])

بعتُ اللاشيء مقابل طفولتي

واللاجدوى مقابل صباي

واللامعنى مقابل لذتي

واللا مستقر مقابل جُثتي

لكنْ بدل أن تبتهج اسطورتي

أطلقتْ عليَّ النار!

ان التوازي المتحقق في هذا النص عبر هذا الاسلوب الاجرائي بين التراكيب المتماثلة نحوياً وصرفياً، خلق كثافة صوتية ايقاعية ذات قيمة جمالية قادرة على منح اللغة الشعرية قيمتها الاسلوبية  في خلق نسيج تركيبي- دلالي متناسق يمنح الايقاع قيمة معنوية اذ استطاع عبرها الشاعر البوح عما يكابده في دواخله، وبهذا يحقق التوازي ((المتعة الجمالية المتوخاة التي تُنمي قدرة القارئ على المواصلة في انتاج الصياغة الدلالية للنصّ))([97])

ولعل شاعرنا يصل الذروة في قصيدته الشعرية ((إِني أنا الحلاج))([98])

لا تقتربْ!

إنّي أنا الحلّاج

اسمُكَ اسمي

ولوعتُكَ لوعتي

ودمعتُكَ دمعتي

ووهمُكَ وهمي

وصليبُكَ صليبي.

أرجوك

إنّها النار التي لا تُبقي ولا تَذَر

فلا تقتربْ منها أيّهذا البشر!

ان هذه التراكيب الشعرية المتوازية يزيد من حركية الايقاع المتناغمة التي تثير القارئ في ما يحدث تجربة شعرية توظف النفس الشعري الصوفي متخذة من شخصية الحلاج مثالاً لها، مما يحدث أثراً جمالياً- إيقاعيا تتحرك إيقاعاته المتوازنة في جوّ من التصوف حتى يصل ذروته ((النار)) التي لا تبقى ولا تذر، لذا فإِن ((القارئ للشعر المعاصر يستشفُّ تلك التوقعات النفسية التي تنفذ الى صميم المتلقي محدثةً اهتزازاً في تقبل هذا الشعر والتناغم معه في تذوق يحبطُ بكلية النصّ الشعري صورة وخيالاً ودلالات وتشكيلاً خطياً- ما يسجله القارئ هو الحرية المطلقة التي يملكها الشاعر في تشكيل نصهّ الشعري...))([99])

 

رابعاً: التوازي التناوبي

وُيقصد به ان الشاعر المعاصر يوظف في نصوصه الشعرية أكثر من نوع من انواع التوازي فتأتي مقاطعه الشعرية متوازية ومتنوعة في الوقت ذاته([100])ولقد حوى شعر أديب كمال الدين هذا النوع من التوازي، فمن ذلك شعره في (أُنثى المعنى))([101])

كم مِن بحرٍ يفصلنا؟

كم مِن مرآةْ؟

كم مِن سنةٍ ألقتْ فيها القبض على كتفينا؟

كم مِن لغةٍ صمتتْ في منتصفِ الفعلِ الفاعلْ

ويقول ايضاً في المقطوعةِ نفسها:([102])

الباءُ لها شكلُ الألفِ المذعورْ،

شكلُ التاءِ الممتدّةِ ما بين اللاشيء،

شكلُ الجيمِ المجنونةِ بالجنّة والجنّْ.

ولها هاءُ همومي،

واو وعودي،

حاءُ حنيني،

طاءُ طيوري،

ياءُ دعائي.

الباءُ لها شكلُ الكافِ وأوعية اللام

ولها دائرةُ الميمِ الحمراء ونون الخالقْ.

ويقول: شاعرنا في موقف السجن:([103])

أوقَفَني في موقفِ السِّجن

وقال: يا عبدي دنياكَ سجن.

فمِن سجنِ الشَّهوةِ إلى سجنِ الفتنة،

ومِن سجنِ الشِّرْكِ إلى سجنِ اللعنَة،

ومِن سجنِ الرغيفِ إلى سجنِ الماء،

ومِن سجنِ الفقرِ إلى سجنِ الدينار،

...

يا عبدي

حَرّرْ نفْسَكَ بمحبّتي.

فلا حُريّة لكَ إلّا معي.

لا حُريّة لكَ إلّا في مملكةِ العارفين

 

خامساً: التوازي البصري

المقصود بـ(التوازي البصري) هو التوازي القائم على المساحة الفراغية المتوازية بين أطوال الاسطر الشعرية لتحريض المتلقي على إِدراك التنظيم البصري بين مساحة البياض والسواد من جهة، وبين أطوال الأسطر الشعرية وتناظرها من جهة أخرى([104])

وأمثلة هذا التوازي كثيرة في قصائد شاعرنا أديب كمال الدين ليترك مسافات التأويل للقارئ تعكس حالات الشعور الوجداني الذي يمرّ به الشاعر:

اذ كتب ((محاولة في الذكرى))([105])

لا أكتمكِ

بعدكِ تحوّلتُ إلى صفرٍ جارح

وضياعٍ مؤبّد

وشِعْرٍ يحبّه الناسُ ولا أحبّه

لأنّه نزيف، نزيف مركّز فقط.

لا أكتمكِ

بعدَ ليلتكِ الخضراء

صارت الليالي شظايا.

وبعدَ سريركِ البضّ

صارت الأسرّة منايا.

وبعدَ غرفتكِ المُعلَّقةِ بالسقف

صارت الغرفُ سراديب.

ان هذا الترديد للتراكيب نفسها في كل مقطع من مقاطع النصّ منح النصّ قيمة أسلوبية وقدرة ايحائية صوتية- وايقاعية اذ تمتد تقنية التوازي البصري في تتبع مسارات النصّ الشعرية عبر لازمة تكرارية ((لا اكتمك)) للتعبير عن رؤية عميقة في دواخل الشعر، مما يجعل هذه المساحة البصرية عبر توازي المقطوعات ذات ارتداد داخلي للإيقاع الشعوري في نفس الشاعر، فالهندسة البصرية عبر مقاطع الشعر المتوازية لها قيمة فنية وإيقاعية في تحفيز الرؤى الشعرية لدى المتلقي.

وتتوارد الأمثلة في نمط التوازي البصري في قصائد الشاعر ولا شك في ذلك لأنه قصائده تمثل القصيدة المعاصرة التي تتبع كل التقنيات الحديثة في بناء النصّ الشعري، اذ يقول في ((جنة الفراغ)).

آه يا شبابي([106])

موعدُكَ الثاني فسدَ اللحظة

وموعدُكَ الثالث فسدَ الآن

وموعدُكَ الأول ميّتٌ بالفطرة.

*

آه شبابي

دمعٌ.. دال

دمعٌ.. ميم

دمعٌ.. عين

دمعٌ.. نون.

*

آه شبابي

حُبّ ولا معنى

معنى ولا حُبّ.

حاء بلا باء

باء بلا حاء.

نون جاهلة وباء مذبوحة.

يتضافر هذا النمط من التوازي بشكل عمودي مع التوازي (النحوي- الصرفي) ليتحقق عبر ذلك تضافر اسلوبي- بصري ضمن انماط التوازي المرصودة، فالنص يكشفُ عن صور للشباب التي يرسمها الشاعر مبتدئة بعينه ((آه)) وهذه الازمة في التوازي تخلق مفارقة عميقة الابعاد تغلف النص الشعري لتفجّر طاقته الايحائية خدمة لرؤى الشاعر وتفعيلها، فالتوازي البصري عبر تلك المسافات البصرية حقق غرضاً ايقاعياً ودلالياً لان التوازي ينظم اللغة بصورة ايقاعية توفر التوازن بين عناصر الكلام من جهة الموسيقى والمعنى لتحقيق تعادل ايقاعي- بصري، ولتحقيق تعادل معنوي، واما في الغالبِ فلتحقيق التعادلين معاً.


 

سادساً: التوازي الطباقي

ويُقصد به ان يقوم النصَّ الشعري الثاني أو الجملة الشعرية الثانية بالتضاد مع السطر الشعري الأول([107])

  ومن نماذج التوازي الطباقي التي وردت في قصائد أديب كمال الدين([108])

أكلتُ الحاء، كانَ طعمها عسلاً.

وأكلتُ الباء، كانَ طعمها حنظلاً.

ولذا لم أستطعْ أنْ أحبّ كما ينبغي.

***

أيّتها القريبة جداً

أيّتها البعيدة جداً

أقلقني القاف،

دمّرني الحاء،

***

أيّتها المصطنعة

في حركاتها وسكناتها،

في ألفاظها وإشاراتها،

في أثوابها وألوانها،

يتميز هذا النمط من التوازي بإِظهار صورتين متضادتين ترسمان موقفاً نفسياً معيناً، او تبرزان منحى جمالياً، او تعالجان موقفاً خاصاً لتكون ذات أثر بالغ في المستوى الشعوري للمتلقي.

وفي النص المتقدم يبدو ان التوازي الطباقي قائم بين ركنين متوازيين يستندان الى صورتين متضادتين فبرز السياق النصي لهذين التركيبين في الوحدات المتضادة في السياقات.

 

كان طعمها عسلاً ***   كان طعمها حنظلاً

أيتها الغريبة جداً ***    أيتها البعيدة جداً

حركاتها ***   سكناتها

ألفاظها ***   إشاراتها

فعبر تلك المتضادات تم إنتاج صيغ تعبيرية تحمل طاقة إيحائية تحرك الجوّ الشعوري للنصّ، وتدفع باتجاه تأمل بنياتها الدلالية، فتصبح الكلمات المتضادة على الرغم من اختلافها صوتياً، الا أنها أكثر إثارة للمتلقي وأكثر ثراءً في الإيحاء والدلالة

ويقول شاعرنا في موقف الشوق([109])

أوقفني في موقفِ الشَّوق

وقال: أحَسِبتَ أنّكَ اشتقتَ إليَّ وحدك

وبكيتَ دمعاً ثقيلاً

وكتبتَ حرفاً وكلمةً وقصيدةً وكتاباً؟

أراكَ، إنّي أراك

في حيرتِكَ تتردّد

وفي سؤالِكَ تنهار

وفي غربتِكَ تتشظّى

وفي يومكَ المرّ

تغربُ ثُمَّ تشرق

ثُمَّ تحترقُ ثُمَّ تغرق

ثُمَّ تزّلزلُ ثُمَّ تنجو

ثُمَّ تطفو ثُمَّ تنام

ثُمَّ تموتُ ثُمَّ تحيا

لترتّلَ القرآنَ ترتيلا.

نرى ان الشاعر يبدأ فكرته عبر بنية التوازي المتضادة في التشكيل الثنائي المتوازي المتضاد ليبرح بأيامه المرّة الصعبة التي يعانيها في وجدانه من آلام الغربة والضياع والحسرة، فمرة يغرب وأخرى يشرق وتارة يحترقُ ومرة يغرق ومرة يموت واخرى ينجو ولم يكن له منقذ سوى ترتيله لآيات القرآن الكريم، ولهذا فالتوازي الطباقي هو أشبه بالمنبه الأسلوبي والإيقاعي والدلالي، فضلاً عن كونه نسقاً تركيباً مبيناً على تشابه البنيات واختلاف المعاني([110])

 

خاتمة الفصل

-  ان شعرية التوازي يتمثل تقنية جمالية- ايقاعية يحققها التعادل النسقي المبني على التشكيلات اللغوية المتوازية للأسطرالشعرية-(افقياً- وعمودياً) لخلق حالة شعورية- انفعالية تثير المتلقي.

-  يمثل التوازي تقنية فاعلية من تقنيات القصيدة المعاصرة في بنيتها النصيّة ضمن أنماط معينة من التماثلات الصوتية والتركيبية والدلالية المكونة لنسيج النصّ الشعري.

-  تنوعت اشكال التوازي في قصائد الشاعر أديب كمال الدين، فمنحت النصوص الشعرية وظيفة جمالية موسيقية تعتمد بلاغة التكثيف الايقاعي والتعميق الشعوري.

-  مثّل التوازي التراكمي تقنية ايحائية- ايقاعية تتوازى فيه الأسطر الشعرية ثم تزداد وصولاً الى نقطة ارتكاز الحدث في الفكرة الشعرية.

-      وفي التوازي التلاشي والذروي تتباين الأسطر الشعرية المتوازية حتى تتلاشى في عرض اللقطة الشعرية.

-  وفي التوازي البصري يخلق الشاعر مسافات بيضاء بين الأسطر الشعرية المتوازنة لخلق مساحة للتأويل تناسقاً مع الفكرة الشعورية التي تحققها الأسطر الشعرية المتوازية.

 

 


 

 

الفصل الرابع

 

 

شعرية المتخيل الشعري

 

لا تتمنَ تحقيق النجاح فحسب، بل أرغب أيضا في أن تزيد من قيمتك.

 

البرت اينشتين


 


 

 

مدخل مفاهيمي

 

تعود جذور هذا المصطلح إلى نظرية المحاكاة عند الفلاسفة الرومان والإغريق اذ تحدث عنه كل من سقراط وأفلاطون, حين نظر افلاطون الى جمهوريته فرأى ((ان الشاعر التراجيدي محاك وهو كغيره من المقلدين يبتعد ثلاث مرات عن الملك ومثال الحقيقة))([111]). اما ارسطو فقد تحدث عن مفهوم المحاكاة في كتابه (فن الشعر) التي شكلت جوهر نظرية الشعرية عنده لتأسيس قانون شعري بكيفية ما ([112])؛إذ أخرج أرسطو نظرية المحاكاة من دائرة الفلسفة إلى عالم الشعر. ورأيه أن المحاكاة تمثل فن الشعر فهي تمثل عنده ((من جهة اولى _محاكاة الأشياء والافعال الانسانية في نطاق الطبيعة، ومن جهة ثانية- محاكاة خارج نطاق الطبيعة، أي محاكاة الخيال))([113]).

اما في النقد العربي القديم فهي موجودة جذورها وتمثللاتها في مؤلفات الناقد البلاغي عبد القاهر الجرجاني وحازم القرطاجني وكانت مركز التمثل الشعري الخيالي عندهم يرتكز في الصور البلاغية من التشبيه ةالاستعارة والمجاز والكناية.([114])

اما مفهوم المتخيل الشعري في النقد الحديث فهو بدأ في الثمانينات وهو مؤداه ))العالم الممكن الذي تقترحه النصوص الأدبية، وهو عالم لا يختلف كثيرا عن العالم الذي يعتقد انه عالم فعلي، الذي يفيد مفهوم المتخيل قد استعمل بوصفه تصورا ذهنيا يحدد شبكة من العلاقات التي لاتتناقض مع ما يتصور كونه قابلا لأن يحدث فعلا في الواقع ))([115]) ويمكن القول ان المتخيل هو تقديم او عرض خيالي، ليشمل الكيانات والأحداث وحالات الواقع أي مجموع  الأفعال والأشياء التي يتركز حولها انتباهنا أثناء العملية الخيالية في ظل إطار زماني ومكاني (إطار العالم المتخيل).([116])

ويرى الدكتور حسين خمري ان المتخيل هو مصطلح مرادف لمفهوم النص ومفهوم الخطاب، لأن النص الأدبي يتكون من مجموعة من العلامات (الرموز اللغوية) تنتظمها بنية فنية وذلك للتعبير عن واقع معين.([117])

ومن هذا المنطلق يرى بارت أن النص لا يخلد لكونه فرض معنى واحدا على أناس مختلفين، وإنما لكونه يوحي بمعان متخلفة لقارئ واحد وتظل رموزه مدعاة للتساؤل والتأويل عبر أزمنة متعددة وأمكنة وظروف متمايزة.([118])

وبهذا التصور فأن المتخيل الشعري يفتح مداليل الجملة الشعرية،لتخلق تصورها، وإبداعها بالتئامها بالنسق اللغوي التشكيلي المناسب.([119])

ويمكن القول أن علاقة المتخيل بالواقع علاقة جمالية، وتصير وظيفة الفن أو الأدبي الوصول إلى حالة من التناغم والانسجام([120])

ولذا مثلت أغلب قصائد الشاعر أديب كمال الدين جماليات شعرية متخيلة، فكان منها الاسطوري.

 

المتخيل الأسطوري

يقصد به جمالية الحدث الشعري الذي ينبني عليه المتخيل الأسطوري من حيث، العمق والامتداد، والكثافة والإيحاء,وتبعا لهذا يمتاز هذا المنزع في المتخيل الشعري بالاعتماد على ما تبثه الأساطير من رؤى ودلالات في تعميق المغزى وانتاج الدلالات([121])، فالمتخيل يتجلى ((من خلال تقديم أو عرض خيالي، ليشمل الكيانات والأحداث وحالات الوقائع، أي مجموع الأفعال والأشياء التي يتركز حولها انتباهنا اثناء العملية الخيالية في اطار زماني ومكاني (اطار العالم المتخيل))([122]),وبذلك تحاول شعرية المتخيل ان تمد الصورة بتلك القوة الخلاقة التي تتجاوز نمطية تقديم المعاني الجاهزة، لتصبح اشارات نصية تحيلنا على دلالات قرائية متعددة.([123])وبهذا يكون المتخيل صفة الفن التي تعطيه قيمة يدركها المتلقي، لأنه نتاج عمليات عقلية بامكانها ان تنتج مالايوجد في الواقع، وما يستسيغه احيانا، ويتجلى ذلك من خلال صدم أفق الانتظار، ومع ذلك تبقى هذه المعرفة التخيلية مهما بعدت لا تتناقض مع المعرفة العقلية، انما تنهض عليها من خلال ادراك الصور الحسية.([124])

ولعل من ابرز الصور الشعرية المتخيلة التي رصدها البحث في قصائد الشاعر أديب كمال الدين هي مبثوثة في مجاميعه الشعرية المختلفة، ففي (أية أغنية هذه ) يسطّر الشاعر أروع صور شعرية يتخللها القص الأسطوري فمن ذلك [125]:

تؤلمني الأغنية

وهي تشيرُ بأصابع مبتورةٍ

إلى النَّجمةِ المُعلّقةِ في الأعالي.

فأتذكّرُ نبْضي الذي ماتَ في شارعٍ

لا يؤدّي إلّا إلى الخمرِ والدَّمع،

وأتذكّرُ ساعةَ أن يسمعَ رأسي

همهمةَ الرِّيح،

وأنظرُ إلى البدرِ قاسياً

في جمالٍ عجيب

وإلى النَّاسِ أشباحاً يتقافزون

من حائطِ الذاكرة.

تؤلمني الأغنية

حينَ سقطَ الحرفُ في بحرِ قلبي

وسقطتْ نقطتُه

ثُمَّ تلاشت المدن

واحدةً بعد أخرى

لتسرقَ الأفعى عشبةَ كلكامش

ويموتَ أنكيدو من المللِ والسَّأم

وتسقطَ الحانةُ على رأسِ صاحبةِ الحانة

ووصاياها الطيّبة.

تلاشت المدنُ وهي ترى أبناءَها

يبكون وهم يشربون

من دمِ بعضهم بعضاً،

يبكون وهم يحلفون

أنّهم كلّهم كانوا ضحايا.

نشاهد أن الحدث الأسطوري يمنح النص الشعري مؤثرات جمالية تخيلية تتعدى حاجز المحدود إلى اللامحدود عبر ذلك التوظيف للرمز الأسطوري (كلكامش وانكيدو), فالشاعر يثيـر القارئ بتلك الصور المتخيلة فضاء ألم الأغنية ذات الأصابع المبتورة، والناس الأشباح الذين يتقافزون من حائط الذاكرة والحرف الذي سقط ونقطته في بحر قلب الشاعر وتلاشت مدنه الى أن يدخل عالم أسطوري في سرق الأفعى عشبة كلكامش وموت انكيدو، فبهذه اللقطة الأسطورية تتضح رؤية الشاعر بألم ووجع وانهيار لكل ما يملك من مقومات نفسية يعيشها فهو لا عشبة ولا حياة بل الموت والسأم والفراق فهم كلهم أمسوا ضحايا يشربون من دم بعضهم بعضا والوطن الذي أصبح خرابا ومدنا منهارة.

ويرتقي الشاعر إلى عالم الأسطورة عندما يضع قصيدة لكلكامش عنوانها

(دراهم كلكامش)([126]):

1.

في حديقةٍ أصغر ممّا ينبغي،

قدّامَ لحيةِ كلكامش في المتحفِ العراقي

وفوقَ عشبٍ أكلهُ الحنينُ الرطب

ومزّقهُ الدمع

وتحتَ غروبٍ أثقل من الحجر،

ضيّع الطفلُ دراهمه السبعة،

فبكى.

يا إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟

2.

تلكَ التي اسمها الحياة

متلفّعة بعباءةِ السوادِ والحلم،

بعباءةِ الفقرِ والتعاسة

هي مَن أعطاني الدراهمَ التي ضاعتْ سريعاً.

كانَ لقاءً عابراً

يشبهُ حياةً عابرة

وكانَ أنكيدو عابراً

يشبهُ أفعى عابرة

سرقت السرَّ كما يزعمون

تشبهُ كلكامش العابر هو الآخر.

يا إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟

أمِن أجل الدراهم حقاً؟

3.

صغرت الحديقة

(هي في الواقع أصغر ممّا ينبغي)

وكبرَ الطفل

وتزوّج

وهاجر

وكتبَ حرفاً عجيباً

وماتَ أو كاد

لكنّه لم يزلْ ينظر إلى الحديقة:

أينَ هي الدراهم يا إلهي؟

كلّ درهمٍ كانَ اسمه السعادة.

وكلّ درهمٍ كانَ اسمه العيد

أو الغيمة

أو الشَّمس

أو البحر

أو قُبْلَة الأمِ مُتلفّعة بالسواد.

كلّ درهم

كانَ عبارة عن سرٍّ وَجَدَهُ كلكامش

ثُمَّ ضيّعهُ معي في الحديقة.

4.

بعدَ أربعين عاماً

كتبتُ رسائل مستعجلةً إلى كلكامش

ليعينني على استرجاع دراهمي الضائعة.

فوجدتُ تمثاله الحجريّ

دونَ لحية طويلة تغطّي صدره.

فانتبهتُ إلى أنّ كلكامش

قد زوّرَ تمثاله ليعيشَ بعيداً عن السرّ،

ربّما بعيداً عن التعاسة

ولكن ليسَ بعيداً عن دراهمي السبعة.

5.

مَن يعرفُ السرَّ يا إلهي؟

مَن يعرفُ كيفَ ضيّعَ كلكامش سرَّه؟

ومَن سرقهُ منه؟

مَن يعرفُ كيفَ ضيّعتُ دراهمي السبعة

قربَ الحديقةِ التي تقعُ تحتَ لحيته

أو قدّامَ لحيته؟

مَن سرقَ دراهمي يا إلهي؟

6.

حتّى أنكيدو الذي ماتَ لأسبابٍ غامضة

لم يعرف السرّ.

تتمثل في هذه القصيدة الشعرية صورا شعرية متخيلة حكائية تحيل على أمور كثيرة منها الذات بحيث يصل الفاعل الشعري داخل الذات الشاعرة إلى استشراف كل صور الوجع والألم والضياع، فتثير الرؤى الأسطورية متخيلات شعرية اعتمدت توظيف  الحدث الأسطوري مع كلكامش وانكيدو فما أصعب حين يصل الإنسان إلى ضياع وغربة في حياته ويبقى يبحث عن السر الذي استودع فيه أسباب الحياة والسعادة  عنده معتمدا شعرية تساؤلية مفتوحة التي تؤدي إلى تكثيف دلالات الحدث الأسطوري وبهذه الإشارة الأسطورية إلى البطل انكيدو تتوثق الرؤى وتتضح معناها، ليبقى ضائعا يبحث عن دراهمه التي لا يعرف مكانها وسر وجودها حتى انكيدو البطل، فتوظيف هاتين الأسطورتين لكلكامش وانكيدو اللذين يمثلان السلطة والخلود والعلاقة بينهما ورغم سطوتهما لم يستطيعا الحصول على أبدية الخلود. وهكذا هي الحياة نبقى نبحث عن الجاه والمال لكنهما ضائعين فلا خلود لهما. فحاول الشاعر المزج بين همومه الذاتية فاستنجد بالأساطير كمدلول رمزي أسطوري إلى عالم بعيد.

وتتوالى القصص الأسطورية في ذهن الشاعر حتى وصل الأمر إلى (الجراحة الأسطورية )([127]).

جراحة أسطوريّة

1.

كانَ لي قلبان.

ماتَ أحدهما

لأنَّ كلبَ الدهرِ قد عَضّه مُبكّراً

أو لأنّه سقطَ مِن درجِ الطفولةِ البريء

أو لأنَّ قطارَ الحرمانِ سحقهُ دونَ رحمة.

والثاني كانَ مُتورّماً

بالحزنِ الأسْوَد

والقلقِ الأزرق

والعبثِ الأصفر.

2.

في صالةِ العمليات

نجحَ الأطبّاءُ في إزالةِ الأورامِ وهم يضحكون

مِن غرابةِ الألوان:

أسْوَد، أزرق، أصفر.

وحينَ انتهوا مِن ضحكهم الأبيض،

فرحتُ

لأنني للمرّةِ الأولى

صرتُ أضعُ يدي على صدري،

صرتُ أضعُ يدي

على موضعِ القلبِ في صدري

دونَ أن أبكي.

إن التشكيل النصي للقصيدة الشعرية تتمثل في ذلك المتخيل الذي رسمته مخيلة الشاعر في جعل قلبين له أحدهما مات للظروف المتباينة التي عاشها عبر الأنساق اللغوية التي ذكرها من (عضة كلب الدهر، سقط من درج الطفولة البريء,سحقه قطار الحرمان)فكان محفزا لشعرية متخيلة لحدث سردي شعري وفيما كان قلبه الثاني قد تعرض لعملية جراحية لإزالة تلك الوان الألم ومن هنا تعبر هذه الألوان عن كثافة المعنى في مجريات القصيدة التي وضحت لنا الإحساس التراجيدي الذي يمثله الشاعر عبر مساحات من الألم والوجع.ولذا يبدو أن المتخيل الشعري هو لب الرؤيا ومنتوجها النصي وهو مجموع الكليات المحتملة والتصورات وهو افتراضي، وكامن، ومتعدد، وجوهــــــــــــــــــري.([128])

ومن تلك الصور المتخيلة أيضا في مدونة الشاعر بما تثيره من رؤى ومضامين تخيلية شعرية في قصيدته (صَبي)([129]).

1.

في الشارعِ المليء بالعماراتِ العالية

هبطَ الطائرُ العملاق.

هبطَ حتّى لامسَ الأرضَ فهربَ الجمهور،

هبطَ وسطَ دوّامةٍ من الريح.

كانَ قويّاً

يطيرُ بلونٍ أسْوَد،

يطيرُ بجناحين ثابتين من الحديد.

صرخَ الجمهورُ وولّى بعيداً.

لكنّي اقتربتُ من الطائر

- كنتُ صَبيّاً بمعنى الكلمة -

لأمسكَ بيدٍ واحدةٍ بجناحِ الطائر

فارتفعَ بي قليلاً

لأسقطَ، مِن ثمَّ، على الأرض

وسطَ ضحكاتِ الجمهور.

2.

ها أنذا أعودُ إلى المكانِ ذاته:

الشارعِ المليء بالعماراتِ العالية.

لم أجد الطائرَ العملاق،

لم أجد حتّى اسمَ الطائر،

لم أجد الجمهور،

لم أجد حتّى

ذلك الصَّبيّ الذي هو أنا.

فارتسمَ خيطٌ من الأسى

على وجهي

وخيطٌ من الدهشة

وأنا أرفعُ يدي

- مثلما فعلتُ قبلَ نصف قرن -

لأمسكَ بجناحِ الطائر،

الطائر الذي أعلمُ علمَ اليقين

أن لا وجودَ له أبداً.

نلحظ أن الشاعر يستشرف الصور التخيلية بتتابع نسقي حكائي في ربط اللقطات المشهدية وتتابعها شعريا وهذا دليل أن القصيدة المشهدية تعتمد التكافؤ الفني بين المشاهد، ضمن ما يسمى صيرورة الصورة _الحركة او الصورة المشهدية - الحركة أو الصورة المشهدية التي يضاف اليها عنصر القوة البصرية والحركة [130].كان قد رسمها الشاعر في مخيلته مع بواطنه الانفعالية المتراكمة منذ الطفولة فهو يروي حلما يستحضره دائما بين صور الماضي والحاضر، وهاهو حلم يراود كل الصبية بطائر كبير يحلق بجناحيه حول المدينة ويهربون  الناس خوفا منه والصبي الذي يحلم بالشجاعة يمسك بجناحي ذلك الطائر العملاق ثم يصل إلى واقع مقنع إنه لا يمكن له ان يتحقق ذلك، وهنا ينقل الفضاء الشعري من صورة التخييل إلى الواقع عندما تحول الحياة دون تحقيق كل احلامه حتى أحلام الطفولة.

وتكمن فاعلية القصيدة المتخيلة بتفاعلها مع مخيلها الوجودي الذي يخلقه الشاعر على مستوى التخييل الذهني الذي بقي حالما به ففي (حرف بأربعة أجنحة) يصرح أنه شاعر لا يجيد سوى التخييل حتى في الحب:

 

لأنّي لا أجيدُ شيئاً سوى الإقامة في الخيال،

لذا يُخيّلُ لي أنّي أحببتُكِ،

أحببتُكِ حدّ الجنون.

وقبلَ هذا وبعده،

يُخيّلُ لي أنّي قد رميتُ قصّةَ حُبّنا

من نافذةِ القصيدة،

أعني من نافذةِ الجنون.

*

حُبّنا أغنيةٌ هائلة

ماتَ شاعرُها المسكين

قبلَ أن يستمعَ إلى لحنِها المُذهل

وهو ينتقلُ من غيمةٍ إلى غيمة

ومن نهرٍ إلى نهر

ومن شَفةٍ إلى شَفة.

*

حُبّنا أغنيةٌ لا معنى لها

لأنّها وُلِدَتْ في زمنِ الشظايا

فتحدّثتْ كثيراً عن العواصفِ والزلازلِ والدخان

ونسيتْ أن تتحدّث عن القُبْلَة،

أعني القُبْلَة تحتَ المطر

حيث تكونُ شفتاكِ العالم

مِن أقصاه إلى أقصاه.

*

حُبّنا خرافة اخترعتُها

حتّى لا تنتحر حروفي

ولا تلقي نقاطي نَفْسها

من جبلِ المجهول.

*

سأتذكّركِ كأيّ مجنونٍ

نسي اسمَه وعنوانَ بيته

لكنّه لم ينسَ طفولتَه التي غرقتْ أمامه

في الفراتِ الغريب

ولا شبابَه الذي ذُرَّ رمادُه سرّاً

في دجلة الأعاجيب.

*

تعرّفتُ بعدكِ إلى الكثيرِ من النِّساء.

كنَّ بخفّتِكِ نَفْسها:

خفّة لاعبِ السيركِ الذي يمشي فوقَ حبلٍ من النّار،

ورعونتِكِ نَفْسها:

رعونة الطاغيةِ الذي يَهْوَى إشعالَ الحروب

وتبادلَ الأسرى

لكنْ لم يملكن، بالطبعِ، كرمَكِ الأسطوريّ،

كرمكِ الذي فتحَ عليَّ بابَ جَهنّم على مِصْراعيها.

*

حُبّنا يشبهُ فجراً

أُلْقِي عليه القبض بتهمةِ التسوّل

مع أنّ جيوبه كانتْ ملأى بليراتِ الذهب.

*

حُبّنا طائرٌ بأربعةِ أجنحة:

جناحٌ أحمر للرغبة

وجناحٌ أصفر للشوق

وجناحٌ أسْوَد للموت.

وهناكَ جناحٌ رابع

لا أتذكّرُ لونَه أو معناه.

ربّما هو  أزرق

وربّما هو للنسيان.

*

البارحة

طرقتُ بابَ الماضي

فخرجَ لي رجلٌ يشبهني تماماً

ويرتدي ملابس تشبهُ ملابسي تماماً

إن الشاعر أديب كمال الدين يملك ذاكرة تخيلية باهرة وعجيبة يتمازج فيها أفق النص مع الصور الشعرية يتحدث فيها عن فلسفة الحياة بكل أنواعها من السعادة والحب والوجع والألم والصبر، فالشعر عالم واسع وخيالي يبث فيه الشاعر كل ما يعتريه من حقائق وأحلام وهنا يجسد صورة الحب الخيالية بإشارات ترميزية تنسجها جماليات الصور الاستعارية والتشبيهية ممزوجة بألوان الطيف والخيال، فالمتخيل الشعري الراهن يتجاوز المتخيل المألوف، بسبب ماتصنعه الآلة الذكية من رسوم وصور باهرة (لوحات، تشبيهات، مجازات، استعارات، تمثيلات، متداخلة، تشكل اللامنتظم، ذلك انها تتجاوز المنسق والمتسق والمنسجم.))([131])فهو يصرح ان حبه هو:

 حُبّنا خرافة اخترعتُها

حتّى لا تنتحر حروفي

ولا تلقي نقاطي نَفْسها

من جبلِ المجهول.

فهو يؤطر نصوصه الشعرية بصور خيالية ليمنح تلك النصوص لذةالشعرية وجماليتها ويثير القارىء بتلك الغرابة والدهشة.

ان الواقع المكتنف بالألم الذي عاشه وعانى منه الشاعر، فلما يجد مخرجا منه الا بالولوج الى عالم الاسطورة واسقاط تلك الهموم وهذا ما تمثل في قوله:

(قطعة ذهب)([132])

حينَ ماتَ حُبّي أَمامي،

دونَ سببٍ مفهوم،

صرختُ

فامتدَّتْ صرختي عبرَ السّاعات

والأيّام والسّنين

حتّى أيقظتْ حرفي من نومه

فجلسَ في منتصفِ الليلِ عارياً أمامَ المرآة

وبدأَ يكتبُ مرثيّتي عبرَ السّاعات

والأيّام والسّنين.

*

كانَ حبُّكِ قطعة ذهبٍ وجدتُها في الطين

فركضتُ إلى النّهرِ لأغسلها

لكنّها سقطتْ من يدي

فرميتُ جسدي خلفها.

ولأنَّ النّهر كانَ بعمقِ سبعة آلافِ عام

لذا غرقتُ

وكانَ غرقي ضروريّاً

كما يبدو من سياقِ الكلام.

*

لكتابةِ كابوسٍ رائع

ينبغي على الشَّاعرِ أن ينتحر

أكثر مِن مرّة.

*

في طفولتي ضعتُ في السّوق،

ضعتُ ألف عام

حتّى أعادني كلكامش إلى نقطتي وحرفي،

وربّما أعادني أنكيدو.

لكنَّ أنكيدو مات

فماتَ كلكامش حزناً عليه.

ولذا ضعتُ مرّةً أخرى،

وكانَ الضياعُ - وا أسفاه - أبديّاً.

وتتعمق الصور الشعرية المتخيلة عند الشاعر حين يجعل مصير حبه الخيالي بين اسطورتين معروفتين هما (كلكامش وانكيدو) هذا النزوع يجعل قصائداه ذات حكايات خيالية عميقة فهذه الهموم التي يسقطها على الشخصيات الاسطورية, فكما ان انكيدو فارق حبيبته كذلك الشاعر فارق احبائه ووطنه بهذه المقاطع الشعرية فكان دليل التأزم النفسي والاغتراب الروحي والمكاني. ولهذه تعد ((الاسطورة الأس الجمالي في المتخيل الشعري، خاصة عندما تكون الأسطورة مراوغة في حدثها الشعري- الأسطوري المجسد لتكون عامل استثارة وجذب للمتلقي لتلقي النص تلقيا جماليا)).([133])

 

 

خاتمة الفصل

- ان الشاعر اديب كمال الدين شاعر معاصر ذو نزعة حداثوية لذلك جاءت صوره الشعرية ذات قصص اسطورية متخيلة ليبث خلالها اوجاعه وحزنه وآلامه.

- مثلت الأسطورة عند الشاعر أديب كمال الدين بنية شعرية متخيلة في خلق مثيرات ومحفزات شعرية ذات مقاصد رؤيوية متعددة.

- ان حداثة الحركة الشعرية المتمثلة بكسرالانساق اللغوية وتجاوز المألوف عبر تلك الانزياحات النسقية والتركيبية التي تستثير الشعرية وصورها المتخيلة.

- ان القصيدة الحروفية الحداثوية للشاعر أديب كمال الدين تمثل نمطا خاصا من توظيف الحروف في حكايات أسطورية ذات فضاءات شعرية ايحائية منفتحة على مرجعيات تراثية واسطورية وشعبية ذات غنى وثراء وفاعلية شعرية ترفد المعنى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

الفصل الخامس

 

 

شعرية التبئير الصوفي

 

في إشارات الألف

 

 

 

أبحث عن حياة جديرة بالحياة

آليف شافاق / كاتبة وروائية تركية


 


 

 

إن مساحة النصوص الإبداعية المعاصرة تتماثل بتعالق موضوعات  متنوعة شعرية وأسلوبية في تشكلات صوفية متنوعة بأساليبها تنطلق عن وعي شعري- إبداعي يكون فيها حراك الشاعر حول رؤاه ونظرته المختلفة للحياة، وتستحوذ على فضاءات عميقة الإيحاء،بتشكيلات نسقية مثيرة للقارئ، ولذا جاءت تلك الصور الشعرية في منظورها الرؤيوي وكثافتها الشعورية الإيحائية بأبهى مشاهد تصويرية- صوفية تعززها الرؤى الصوفية وتحفزها المدلولات  الشعرية

ومن هنا ارتأى البحث أن يسلط الضوء على أهم المرتكزات الجمالية والأسلوبية الصوفية في رؤى الشاعر،فجاءت شعرية التساؤل عنده مفعمة بالأسئلة التأملية الصوفية المثيرة المحفزة للإجابات الشعرية.

أما المحور الثاني اهتم بدراسة نسقية التناص فهي تقنية مونتاج شعري ذات فاعلية بصرية متناصة مع النصوص المقدسة وظفها الشاعر في تأملاته الصوفية.

 اما المحور الثالث فقد سلط الضوء فيه على تقنية المفارقة التي تستحوذ على فضاءات شعرية - صوفية ذات علائق نصية

وفي المحور الرابع  تمت دراسة جماليات الانزياحات التصويرية المدهشة في اصطراعات الشاعر مع الواقع بصور انزياحية متصفة بالومض العاطفي الروحي الصوفي.

 


 

المحور الأول: تبئير شعرية التساؤل

تعد بنية التساؤل الفلسفي شكلا من أشكال التعبير الشعري المعاصر فرغبة الشاعر في معرفة الأشياء وتطلعه للتغيير وتمرده على الواقع بكل أنواعه جعله يكثر من التساؤلات في نصوصه الشعرية،لان في السؤال رغبة الشاعر((في كشف رؤى جديدة في عالم الشعر,عن لغة جديدة تتأبى الجاهز من أساليب القول والانفتاح على بلاغات الشعر الجديدة، الذي يبنى فرادته لبلاغات الماضي وأطره التقليدية))([134])

فتتعمق الرؤية الشعرية بتأملات وانساق صوفية متنوعة.

وتتبدد أسئلة الشاعر المكثفة في مساحات المتن الشعري بشفرات شعرية متغايرة، فهو في إشارة الحرب لا يدرك ما الذي يفعله لشعوره بضياع كل شيء مما يثير دهشة القارئ حول نزعات صوفية خالصة يوجه شكواه لله تعالى بأسئلته الكثيرة:

 

إشارة الحرب([135])

إلهي،

توقّفَ الملكُ عن إعلان حربه الجديدة

حينَ سمعَ بمقتلِ آخر جنديّ

في جيشه المهزوم.

إلهي،

هل أشبهُ هذا الملك المجنون؟

أم أشبهُ هذا الجنديّ المقتول؟

أم أشبهُ هذه الحرب التي لم تحدثْ أبداً،

أعني هذه الحرب التي تحدثُ كلّ يوم؟

نجد في المقطوعة أعلاه حوار الشاعر مع نفسه الضائعة مبني على التساؤلات الغريبة والجدال الصاخب بينهما وسط تلك الصراعات التي تحدث فهو لا يعلم يشبه  من بين ملك يعشق الحروب او جندي ضحايا تلك الحروب اما ماذا؟ فتلك أسئلة وجودية تثير فوضى الحياة ودمارها في نفسه وتحفز الرؤية الشعرية التي يبلور معناها بأسئلة كثيرة لا يصل الى جواب منها سوى البحث عن الوجود المثالي بعيدا عن فوضى الحياة.

ونجد عمق الرؤى الصوفية عنده في تساؤلاته المشفرة عن هويته الغامضة في إشاراته الحروفيه السين([136]):

 

إشارة السِّين

إلهي،

رأيتُ السِّينَ تفّاحةَ حُبٍّ

تبسّمتْ إليَّ وأشارتْ.

لكنّي تذكّرتُ حرفَكَ الأعظم

فاحرنجمتُ

ونزلتُ من الدرجِ أجرُّ خطاي

مرتبكاً محروماً مذهولاً.

إلهي،

من بعد سنين وسنين،

أسأل: هل كنتُ محظوظاً

إذ فارقتُ التُّفَّاحة وسطَ السِّين

وأنا الجائعُ حدّ اللعنة؟

هل حفظني المشهدُ هذا

مِن مشهدِ ما لا يُقال؟

هل آواني حيّاً

وأنا أركضُ مذعوراً في واقعةِ الزلزال؟

لكنّي من بعد سنين وسنين

أنامُ سعيداً وسطَ الشَّارع،

وسطَ كوابيس السِّين:

إذ أضعُ على الأرضِ جسدي

لكنْ مِن دونِ رأس،

وأضعُ على الأرضِ رأسي

لكنْ مِن دونِ عينين أو شفتين.

نجد الشاعر أديب كمال الدين يرتقي في تحولاته الاشارية الى شفرات حروفية، فأتخذ من السين رمزا تأويليلا لفك شفرات تأملاته الروحيه مع إيقونة التفاحة التي قصد بها المرأة والتي زادت المعنى كثافة وإيحاء باستحضار حرف الله الأعظم في نفسه وهو يقاسي اشدحالات الجوع والحرمان  بكل أنواعه والخوف الروحي  وسط كوابيس السين التي لم يفصح عنها بمفارقات عجيبة، لإثارة دهشة القارئ وهو يرسم صورة تخييلية في خاتمة قصيدته النثرية، ولذا فان مثل هذه التأملات الصوفية تعمق الرؤية الشعرية عبر الاستغراق بالرموز الصوفية التي تعزز المعنى جماليا عبر أسئلة تستثير القارئ.

ونجد في مقطوعة أخرى يتحدث عن فلسفة صوفية غريبة يربطها بآهاته ومعاناته من الواقع الأليم فأصبحت تلك الحروف دوال يبعثر فيها مايعتري دواخله بانزياحاترؤيوية خيالية فنراه يقول في إشارة البحر([137]):

 

إشارة البحر

إلهي،

ماذا فعلتُ

كي أنفقَ العمرَ كلّه مع البحر؟

وكيفَ أنجو منه

وهو الذي يحيطُ بي

كما تحيطُ جدرانُ السِّجنِ بالسّجين؟

كيفَ أنجو منه

وهو الذي يتعرّى أمامي

بألوانه الباذخة

وأمواجِه الغامضة

فأذهبُ إليه كالمسحورِ حيناً،

وكالضائعِ حيناً،

وكالمجنونِ أحياناً أخرى؟

كيفَ أنجو منه

وهو الذي غرقَ فيَّ

قبل أن أغرقَ فيه؟

غرقَ في أعماقي السَّحيقة

حتّى صرتُ كلّ ليلة

أموتُ غريقاً

فأحملُ جُثّتي على خشبتي الطافية

يخلق الشاعر مثيرات علائقية بتحولات نسقية ينم عن عمق التجربة المكثفة بالأسئلة المفتوحة ذات انزياحات منسجمة مع المعنى الذي قصده،فهو يجعل من الجدل الوجودي المغلف بشحنات دلالية تصويرية ذات بؤر نصية عميقة إذ جعل من دال البحر إيقونة الحياة والموت،فوراء هذه الجدليات المغلفة بالأسئلة تكمن الحقائق المطلقة دافعة الى اكتناه المعرفة والحقيقة.([138])

ونجد إشارة الشاعر االصوفية بلغت قمة الاستغراق في معناه حين يشكو لله سبحانه في اشارته الروحية للشجرة:([139])

 

إلهي،

هل للشَّجرةِ لغة وحروف؟

وبماذا تتكلّمُ حينَ يسقيها الفلّاح؟

وبماذا تصرخ

حينَ يجيءُ الحطّاب

ليقطّعها إرباًإرباً

ذات صباح؟

تشاهد الرؤى الصوفية عند الشاعر تتجلى في رؤيته للشجرة وكأنها تشكو حالها للشاعر بتفاعلها مع مخيلته  الوجودية وتبئير مستوى الرؤية عنده والمعنى النصي.لمنح الدال لمفهوم الشجرة تعددا دلاليا وانفتاحا تأويليا في صيرورتها النصية بمتخيل الشاعر الإبداعي.([140])

 

ثانيا: المحور الثاني – تبئير شعرية التناص

إن فاعلية الصور الشعرية تزداد عمقا وإيحاء بتوظيف الشاعر لمخزون ثقافي لتعالقات التراث والنصوص المقدسة ومحاكاة الشاعر لها،لأجل خلق المفاعلة النصية وموازاتها ضمن النسق الشعري الذي يريده الشاعر فتكتسب الدوال الشعرية محايثتها للواقع بالمعاناة والوجع الذي يكابده الشاعر بشفرات صوفية ،فأتخذ الشاعر أديب كمال الدين من مكابدات وصبر النبي أيوب عليه السلام رمزا له في:

 

إشارة نوح([141])

إلهي،

أفنيتُ العمرَ كلّه

أنتظرُ نوحاً

رغمَ أنّي أعرفُ أنّ نوحاً

قد جاءَ ومضى.

هكذا فأنا منذُ ألف ألف عام

أجلسُ على الشاطئ وحيداً

أرسمُ فوقَ الرملِ سفينةَ نوح

أو غرابَ نوح

أو حمامةَ نوح

أو ابن نوح

أو صيحات نوح.

وحينَ أتعبُ حدّ البكاء

أرسمُ رجلاً يشبهني تماماً

يجلسُ على الشاطئ

ليرسمَ نوحاً وينوح!

فالقصيدة تحقق نسقيتها الاستدعائية باكتنازها قصة النبي نوح (عليه السلام ) من دلالات وإيحاءات مما يرفع وتيرة الحدث الآني وتلازمه مع الماضي في تحمل الاهات والهموم والبلاء،وماعليه الا يتحلى بصبر أيوب، فالدوال الحروفية تفتح القراءة التأويلية لصراع الشاعر وزهده وصبره وما فيه من علامات خفية مما يوحي بشفرات مغلقة من الهموم والآلام والأوجاع. ومثل ذلك أيضا ما تكررت إشارته لسفينة نوح(عليه السلام).

 

إشارة الحِبال([142])

إلهي،

أفنيتُ عمري

وأنا أمشي على حَبلين:

قدمي اليمنى

تمشي على حَبلٍ من نار،

وقدمي اليسرى

تمشي على حَبلٍ من دموع.

وإذ ناديتَ عليَّ فرحتُ

إذ سأدخلُ في ميمِ الموتِ قليلاً

لأنفذَ مِن ثَمَّ

إلى تاءِ الموتِ الطويلة

كسفينةِ نوح.

حينئذ،

وحينئذ فقط،

سأنسى الحَبلين

وستستريحُ قدماي للمرّةِ الأولى.

نعم،

ففي سفينةِ نوح

ليسَ هناك من حِبالٍ

سوى حِبال النُّور.

فالفضاء النصي الذي يملأ القصيدة بلغة حروفية تعايش الألم والقلق حول فلسفة الحياة الذي بقي حائرا في كيفية العيش فيها،فهي ذات فاعلية تصويرية،ليبدو المشهد في لقطة عرفانية ينتظر الرحمة الإلهية فيلجأ إلى استدعاء شخصية النبي نوح (عليه السلام) لأنه رمز للصبر والتحمل والزهد والشعور العرفاني وهذا ما يسمى ب (لحظة توتر تعترض زمنين،الآن والآتي، اي لحظة ثنائية.. تنبع من الاحساس بأن الان واقع قلق يفتقر الى مكونات حيوية لايتحقق بدونها تناغم بين الإنسان وعالمه...)([143]).

ومن أمثلة الاستدعاء الدينية الأخرى في إشارته الحفلة التي استحضر فيها أوجاع الأنبياء (عليهم السلام).

 

إشارة الحفلة([144])

إلهي

إذ دخلتُ إلى حفلتي

لم أجدْ رغيفاً ولا شموعاً،

لم أجدْ ماءً ولا مائدةً ولا ضيوفاً.

فكانَ عليَّ أن أهيّئ الرغيفَ والشموع

والماءَ والمائدة

والضيوف

بحرفٍ مُحمّديّ

وقلبٍ عيسويّ

وسؤالٍ إبراهيميّ

وصبرٍ أيوبيّ

ودمعٍ يعقوبيّ

وامتحانٍ يوسفيّ.

وكانَ عليَّ أن أحتفلَ مِن ثَمَّ

معَ ما هيّأتُ وحيداً

وأحمل تابوتي مِن ثَمَّ وحيداً.

إن صدمة الشاعر في هذه الحياة ومفارقتها الكبيرة عنده يجعل من الحياة حفلة لكنها مغايرة تماما للحفلة الحقيقة فهي فارغة من كل ما تتضمنه الحفلة فهو تصوير بؤري مكثف جدا للحياة التي يخرج منها الإنسان فارغا سوى تابوت يحمله، وتتجلى تلك الصفات الروحانية الصوفية  بتجلي الشاعر في ارتباطه واستحضاره بآهات الأنبياء الذي ذكرهم في مقطوعته الشعرية لتمركز بؤرتها في مفارقة عجيبة (احمل تابوتي مِن ثم وحيدا)، ففي هذا المقطع تتقاطع تتداخل الصور الروحية وتصبح أكثر ثراء وترميزا، اذ يستعمل الشاعر من حيث البناء الأسلوبي- تقنية التفريق- نظرا لكثافتها التعبيرية وقدرتها على رسم الحدث وتجسيده بدقة متناهية لتعميق دلالة الموقف الدرامي الرمزي بين الشاعر والحياة([145]).

ونجد في مقطع شعري آخر يوظف قصة النبي يوسف (عليه السلام) فهو يستحضر قصة الذئب فيقول في اشارته لما حدث:

 

إشارة لما حدث

إلهي،

لم ينصفني

أولئك الذين ضيّعوني في الصحراء

وتركوني للذئبِ رفيقاً

أندبُ حظّي ليلَ نهار،

ولا

أولئك الذين سلبوا ملابسي فيها

وتركوني أمشي العمرَ كلّه

عارياً مثلما خَلقتَني.

ولم ينصفني

أولئك الذين جاءوا من بعد

وقتلوني

بسيوفهم الصدئة

وخناجرهم المسمومة،

ولا

أولئك الذين رأوني

في آخر العمر

شحّاذاً أبكي على بابِك،

فاستكثروا عليَّ ذلك

فَمَثَّلوا بجثّتي فرحين

وبحروفي مسرورين!

ان مما يعمق فاعلية التناص البؤري عند الشاعر هو توظيفه  لثيمة الحدث ففي هذه المقطوعة الشعرية قد جعل ثيمة الذئب محورا لكل الأحداث التي عاشها الشاعر فهو تبئير إشاري مركزي في التعالق بين حياته التي يعيشها وبين حياة النبي يوسف (عليه السلام) في صعوبة التعايش بينه وبين مجتمعه وبين يوسف واخوته.

ونجد حالة الفرار العرفاني عند الشاعر تكتمل في اشاراته الالهية في الهروب، فيقول.([146])

 

إشارة الهروب

إلهي،

الحرفُ عصا

أهشُّ بها على أيامي الراقدة.

لكنَّ أيامي خرجتْ عليَّ من رقْدتِها

وصارتْ تهشُّ عليّ

فأهربُ من ساعةٍ إلى ساعة،

ومن شهرٍ إلى شهر،

ومن سنةٍ إلى سنة،

ومن دهرٍ إلى دهر.

تتمركز الدلالات الشعرية في المقطع أعلاه حول تقنية التبئير الاشاري للنبي موسى (عليه السلام) عبر استحضاره للعصا التي يهش بها فجعلها الشاعر حرفه المشفر ليهرب من عالمه المرعب الذي مافتيء يدور في متاهات هذه الحياة وعالمها المرير، وثيمة الاستحضار عند الشاعر هي العصا التي استعملها النبي موسى للهش بها على غنمه وهي إشارة نصية حروفية مركزة جدا.

 

ثالثا: نسق شعرية المفارقة

وتتمركز الرؤية الشعرية حول حركة الدوال المتضادة لأجل تبئير الصورة المركزية حول الصفات الروحية والعرفانية للشاعر ولذلك يقوم التبيئر المتضاد على )) الجمع بين الأضداد، وعدم الربط بين السبب والنتيجة، ويقوم كذلك على التناقض وارتطام الحقائق ببعضها وكسر التوقع...))([147]) لتظهر مثيرات الصورة الشعرية التي تقوم على المتضادات المختزلة المعنى بدوالها اللغوية بين عالمين مختلفين، ولتبين قلق الذات الشاعر ورعبها اتجاه الواقع ولجوئه الى الأمان الإلهي عبر تلك المناجاة الالهية.

فمن ذلك ما نجده في:

 

إشارة الرأس([148])

إلهي،

ركضتُ مرعوباً

وأنا أحملُ بين يديّ

رأسي المقطوع

لأنجو من وكْرِ الشياطين.

كانتْ ركضةً هائلة

أنفقتُ من أجلِها العمرَ كلّه

حتّى نجوتُ في آخر المطاف.

نعم، نجوت

لكنْ مِن دونِ رأس!

يتمركز تبئير المفارقة في الصورة الشعرية التي رسمها الشاعر عبر اللقطة المشهدية في دوالها الإيحائية حول طرفي المفارقة وتبدو صورة الشاعر وهو يستغيث بالإله يحمل رأسه مقطوعا مرعوبا من منظره، لكن كيف ينجو من غير رأس؟ فقد لعبت الدوال المفارقة دورا فاعلا ومحوريا في تنامي المعنى السيميائي للنص اذ كشفت بنيته الضدية عن ذات قلقة مرعوبة تعاني انكسارا كبيرا في العيش بواقع مرئي محسوس لا يرى منه سوى انه يقطعون رأسه، وهي هذه الذات المشتتة بين واقعين واقع القلق والرعب وواقع اللجوء الى الله الامان. وقد كشف التضاد على قلق الذات الشاعرة وانكسارها وتوترها أمام صخب الآخر نتيجة جمعه بين المتناقضات تارة وإحساسه المتناقض بالأشياء المحيطة به تارة أخرى، اذ اعتمد الشاعر على الصور الحركة المشخصة.([149])

ويبدع الشاعر في صوره الروحيه الصوفية بتقنية المفارقة عبر الإشارات الإلهية في:([150])

 

إشارة الرُّعب

إلهي،

في آخر الأرض

ثمّة صخب حيوانيّ مُرعب،

ثمّة حرمان مُرعب،

ثمّة قتلى في كلِّ مكان.

والقتلى لا يدفنهم أحدٌ

ولذا يمشون

كما لو كانوا أحياء.

نلاحظ النص يتماهى في سيرورته المتضادة في صنع صورة الدهشة التي تصدم القارئ بتشكيلها ضمن نسقها المفارقاتي في الدوال التي وظفها الشاعر في نصه موسعا حيز الدلالات الى رؤى عميقة بعيدة المرمى ليصل الى أبعاد الحياة وجدلها الوجودي في دواله الاشارية (ثمة قتلى في كل مكان، والقتلى لايدفنهم أحد، ولذا يمشون، كما لوكانوا احياء.) وفق منظور نصي عميق بأنساق متضادة في الرؤى والعلائق النصية، وهذه المفارقة تعتمد مفارقة الصدمة النفسية على استجلاب كلمة في آخر القصيدة تحدث صدمة نفسية لما فيها من صفات أخرىكونها غريبة عن السياق وغير متوقعة ومحملة بشحنة نفسية بذاتها اعتمادا على ما يختزنه وعي القراء من انطباعات مشتركة اتجاهها([151]).

ومن أمثلة ذلك أيضا في نسق المفارقة حين عبر الشاعر عن قمة مناجاته الصوفية في إشارته الرائعة المنفى:([152])

 

إشارة المنفى

إلهي،

قالَ لي أصحابي:

إنّكَ في المنفى!

فضحكتُ لأنّي لا أعرفُ غيركَ وطناً.

وأنتَ معي في الليلِ وفي الفجر،

في الحربِ وفي السِّلْم،

في الدَّمعةِ والضحكة.

فكيفَ أكونُ، إذن، في المنفى؟

تتمثل نسقية التبئير المفارقاتي في النص أعلاه على الصورة المتضادة بين المنفى الحقيقي للشاعر والمنفى المادي الذي يراه الآخرون بأنه في منفى لتغربه وبعد عن وطنه وفق نسق تصويري مبني على الانزياح المغلف بالمتناقضات من الدوال الحرب والسلم والضحكة والدمعة لتعميق حدة المفارقة عند القارئ فشتان بين المنفيين، فالمنفى الحقيقي عند الشاعر هو اللجوء الى الله سبحانه الذي يراه في كل مكان وزمان، ولذلك عُدّت المفارقة من محفزات التشكيل اللغوي الفني بهدف إثارة المتلقي عبر التلاعب بالأنساق اللغوية والابتعاد في تشكيلها النسقي وفق منطق تخييلي شعري عميق يعتمد المراوغة في كسر الأنساق ومده التخييلي وأبعادها الاسنادية المثيرة([153]).

ومن أمثلة نسق المفارقة مانجده في رائعته الاشارية في اشارة الليلة

 

إشارة الليلة([154])

إلهي،

الليلةَ شارفتُ على نهايةِ زلْزَلَتي.

ولذا سأنامُ طويلاً،

سأنامُ عميقاً،

وسأحلمُ

أنّ الفجرَ سيوقظني

بهدوء من نومي،

أنّ الفجرَ سيوقظني

بهدوء من موتي الأبديّ.

مايثير القارئ في هذه المفارقات التشكيل الأسلوبي للألفاظ وطبيعة الروابط العلائقية بينها في اكتنازها الشعري الجديد لخلق رؤية شعرية مفارقية في المعنى والتحليق بفضاءات انزياحية  مدهشة في سياقاتها النصية بأسناد الشاعر الالفاظ بعضها لبعض من دون ترابط معنوي بها في المعنى لكسر النمط المألوف كما في التشكلات الاتية:(سأنام عميقا، وسأحلم، ان الفجر سيوقظني بهدوء من موتي) ولذا تعد هكذا قصائد ممانعة لغويا او محاججة في حراكها الجمالي الذي يتحول من مثير جمالي او محفز جمالي الى آخر، فكثافة المحفزات الجمالية في القصيدة من محفز جمالي الى آخر ومن متحول أسلوبي الى آخر هو مما يثير الرؤية الجمالية ويخلق قوتها الفاعلة..التي ترتقي بشعرية الرؤية.([155])

 

المحور الرابع: التبيئر الانزياحي التصويري

إن شعرية النصوص الإبداعية تتشكل من نسق من الاستعارات اللغوية المدهشة التي تكمن في تحولاتها البصرية وكثافتها الإيحائية ومباغتتها الانزياحية المدهشة ومنظورها الرؤيوي العميق مما يعمق شعرية القصيدة ومحفزاتها الجمالية وقد عرفه أحد النقاد بأنه: التمركز المشهدي حول صورة معينة، تمثل بؤرة الحركة التصويرية،ومحور استقطابها للصور والدلالات الأخرى، على نحو يؤدي تبيئرها المشهدي الى خلق تآلف تصويري حول دائرة البؤرة المركزية التي تفعل المشهد النصي بكامله.([156])

ونرى الشاعر أديب كمال الدين يرتقي في رؤاه الصوفية إلى حد الإدهاش في المشاهد التصويرية ذات الانزياحات العميقة ليحقق الارتواء الروحي ومدى تعلقه بالمخلوق وابتعاده عن الدنيا وملذاتها، وأمثلة ذلك النوع كثيرها نجدها تمتلئ في الإشارات الإلهية (الالف)، فكانت إشارة الصراخ

 

إشارة الصراخ([157])

إلهي،

أنفقتُ العمرَ كلّه وأنا أصرخ:

أنقذْني

من الأرجوحةِ المتهرّئةِ الحبال،

من نهرِ الموتى،

من الحظِّ الأعرج،

من الشبّاكِ المُطلِّ على الشَّمسِ المذبوحة،

من سريرِ اليتيمِ المُطلِّ على باحةِ اليُتم،

من خطى عابرِ السبيلِ الذي عبرَ القارّات،

من رايةِ العبثِ السَّوداء،

من رغيفِ العسلِ المخلوطِ بالسُّمّ،

من سفينةِ القرصان المليئةِ بالعظامِ والذهبِ والنِّساء العاريات،

من ترّهاتِ مدّاحي الملوكِ الظَلَمةِ والطغاةِ السَّفلة،

من شوارع الدخانِ والضجيجِ والصهيل،

من زلازل القافِ وعواصف النُّون،

من الرغبةِ في شنْقِ السِّرِّ المكنون.

وأخيراً

حينَ وصلتُ أو كدتُ

إلى آخر أبواب عمري،

صرختُ:

إلهي، أنقذْني من نفْسي!

واضح من عتبة عنوان المقطع الشعري الاشاري فالشاعر يستصرخ ويندب عمره في متاهات هذه الحياة ومواجعها التي وسمها على امتداد مقاطع القصيدة ومحاورها التصويرية بسمات سلبية اتجاه الواقع وصعوبات الحياة ومايعانيه من ضغوطات نفسية وكشف سيرورة الواقع المظلم الذي مرة يراه  كالأرجوحة المتهرئة او نهر الموتى او سرير يتيم او خطى عابر السبيل او العسل المسموم وغيرها من الصفات الاخرى التي تعكس رؤية مظلمة للحياة في عين الشاعر، فجاءت استصرخاته وصراعاته ممزوجة بأوجاعه وغربته عبر ذلك الخط الشعري ألانزياحي الذي اعتمده الشاعر على مقاطع  قصيدته، وتعد انزياحات الشاعر أديب كمال الدين سمة أسلوبية مائزة في شعره تعكس نجاح تجربة الشاعر في ابراز سماته الاسلوبية ملامح تنتسب الى ادائه الشعري، ولهذا كان تركيب الجملة الشعرية ملمحا أسلوبيا مائزا يميز شاعر عن غيره مضيفا على كلامه سماته الاسلوبية المائزة.([158])

ومن أمثلة ذلك أيضا مانجده في إشاراته للحلاج

 

إشارة الحَلّاج([159])

إلهي،

حينَ ارتبكتْ حاءُ الحَلّاج

في باءِ محبّتِكَ الكبرى،

ارتبكَ الحَلّاجُ وأتباعُ الحَلّاج

وارتبكَ علماءُ بغداد

وخليفتُها والنَّاس.

وحينَ ذُرَّ رمادُ الحَلّاج

في دجلة،

ارتبكتْ دجلة.

إلهي،

من بعد ألف عام،

جئتُ إلى دجلة

وسلّمتُ عليها بحاء الحَلّاج

لكنَّ دجلة لم تردّْ عليَّ،

فعرفتُ أنَّها لم تزلْ

في ارتباكٍ وذهول.

 

عبر قراءتنا لقصيدة الشاعر في اختلاجاته الروحية - الصوفية جعل للحلاج خصوصية في إشاراته لكونه مشهورا بتصوفه فأراد أن يقترب منه في تمركز ثيمة التصوف وتعميق الصورة الشعرية الروحية عنده على صعيد الحركات والمشاهد التصويرية وتعمق مدلولاتها النصية المستحضرة في نصه الذي انماز بإنزياحات مدهشة للبحث عن السر الالهي الذي لم يكتشفه الحلاج ولا من تبعه ولا حتى دجلة الذي ذُرّ فيه جسده.

ومن تلك الاشارات الروحية التي اوحى بها شاعرنا هي (إشارة العارفين)([160])

 

إشارة العارفين

 

إلهي،

الإشارةُ الوحيدةُ التي لها شمسٌ وقمر

هي التي تشيرُ إليك.

وهي التي لا وجود لها ولا حضور

إلّا في قلوبِ العارفين:

في قلوبِ الذين أبكاهم الفراق،

وزلزلَهم المنفى،

وأغرقَهم الليل،

ودفنَهم الحرمان،

فماتوا وهم في حبورٍ عظيم!

وتتجلى إشارات الشاعر الصوفية وخلجاته الروحية في تلك الثلة الخاصة الذي يتمنى ان يكون منهم الذين اسماهم ب (العارفين) فهم من يدركون الوجود الحقيقي لخالقهم وخوفهم وبكائهم لخشيتهم منه، وهذا ما أحدثته الصور الانزياحية بمؤثراتها المتخيلة عبر حيثيات الصور في (زلزلة المنفى، وغرقهم ودفنهم بالحرمان). فالأسلوب الذي وظفه الشاعر في تبئير الصورة الانزياحية خلق قوة فاعلة حضورية في تحفيز الرؤية الشعرية الصوفية.

وتكمن قيمة التجاورات النسقية وتفاعلاتها النصية في كم الانزياحات المشهدية التي يوظفها الشاعر في نصوصه العرفانية ونلمح قوة ذلك الحضور في إشارتيه الحروفية (هل) و(إشارة العين).([161])

 

إشارة هل

إلهي،

هل سأبقى

على هذا المنوالِ أناجيك

وأنا أتمزّقُ من جبلِ الحُزْنِ على صدري

ومن بئرِ الحرمانِ في قلبي،

أتقطّعُ شوقاً

أو حزناً

وأذوبُ، أذوبُ، أذوب

حتّى أتحوّل إلى حرفٍ

أو نقطة؟

 

إشارة العين

إلهي،

هذي العين

اجعلْها لا تنظر إلّا إلى نونِك،

لا تنظر إلّا إلى نقطةِ نونِك.

ونجد تفاعل النصوص التصويرية ذات النزعات الروحية عند الشاعر تبلغ كثافة رؤيتها العرفانية بحروفه التي جعل منها عتبات لمقاطعه الشعرية والتي فيها استدراج موحيات صورة التصوف وتحقيق جماليتها الانزياحية وحراكها الدلالي المركز عبر الذوبان والحرمان والمناجاة فبهذه الدوال الحروفية نلحظ خصوصية النسق التفاعلي المشهدي-  التصويري عند الشاعر أديب كمال الدين في تمركز صور التصوف والعرفانية بدواله الحروفية والنقطة والحرف فهي تقنية اسلوبية _ شعرية انماز بها شاعرنا.

وربما تتجلى عمق شعرية ألانزياحي التصويري في اشارة الشاعر لحرفي الكاف والنون، ولكن ماذا قصد بهذين الحروفين؟ سنشاهد ذلك عبر الوقوف على محطته الاشارية: إشارة الكاف والنُّون([162])

 

إلهي،

إذ زلزلني مَن زلزلني،

رفعتُ إليكَ كفّين باكيتين

فرأيتُهما، وأنا وسطَ ذهولٍ هائل،

تجوسان غيومَكَ الكبرى

وسماواتكَ السبع العظمى

ثمَّ تعودان إليَّ مِن الشَّجرة

بكتابِ النُّورِ على النُّور

ومواقف مَن قاسى وتعذّبَ مِن قَبْلي

في العَلَنِ وفي المستور.

إلهي،

كانَ ذلك يوم ظهوري

شمساً من حرف

ونقطةَ روح.

كانَ ذلك يوم خروجي منتصراً

أحملُ كافاً في كفّي اليمنى

وأحملُ، في كفّي اليسرى، النُّون.

نجد إيحائية الصورة الاستعارية المجسدة والكاشفة عن علائقية الأنساق الحروفية التي جعل منها الشاعر متنفسا لايصال تأملاته الصوفية وواقعه الوجودي المقلق بمنظورات نسقية شعرية جديدة في تحفيز الدوال الحروفية ووضعها في استجرار الحدث الشعري الذي أوصله للنصر واالفوز في مكمن الرؤية الروحية عبر حرفي (الكاف والنون) فعمق بهما نسقية الصورة الشعرية وانسنتها جاعلا منها ميزان انتصاره وتحقق رؤاه.

بل يبحث القارئ في الاشارات الالهية عن سر جمعه للدوال الحروفية في اشارته (الميم والواو والتاء)([163])

 

إشارة الميم والواو والتاء

إلهي،

أنفقتُ عمري بحثاً عن الأجوبة

مثل شحّاذ يستجدي من العابرين رغيفاً

ليلَ نهار،

مثل بحّار ضاعَ وسطَ البحرِ وحيداً

في زورقه الذي تتناوب

على حراسته الأمواجُ العاتية

ووحوشُ الماء،

ولم أحظَ بشيء.

سألتُ الشَّمسَ والأفلاك

والنُّجومَ وكتبَ النُّجوم

ثُمَّ سألتُ الفلاسفةَ والحكماء

واللاهين والمُهرّجين والمُهَلْوِسين.

فلم أجدْ مَن يعينني على ضياعي المكتوب

سوى الحروف،

سوى الميم والواو والتاء.

فأنفقتُ ليلي ونهاري

ألعبُ معهنّ لعبةَ الكاهن

ثُمَّ لعبةَ المجنون

ثُمَّ لعبةَ المصلوب.

وحينَ بلغتُ من السَّأمِ عتيّاً

ركبتُ في مركبِهنّ

وكانَ وثيراً، مريحاً،

بل أكاد أقول: مُدهشاً،

غير أنّه غَطّى

 - وا أسفاه -

وجهي بترابٍ ثقيل.

 

نلمح عبر اشارته هذه الى البحث عن الروح الصوفية التواقة الى الوجود المثالي فيصل مرحلة التعالي الروحاني المطلق عبر بحثه عن مثيرات من شفرات مغلقة لا توصله عما يريد البحث عنه، فكل تساؤلاته اثارت جملة من الإيحاءات وشعوره التأملي الثائر على ماهيات الوجود الزائل عبر صوره الانزياحية التصويرية المدهشة متخذا نسقية التشبيه في صورة الشحاذ الذي يستجدي رغيفا للعيش أو بحارا أضاعته الامواج او نسقية التساؤل الذي رافقته على مدى رحلته االصوفيه في الاشارات الالهية.

 

 

 

 

 


 

 

الخاتمة

 

اولا: تمثل إشارات الألف الإلهية عند أديب كمال الدين منظومة شعرية خالصة لبث مواجيده الروحية والعرفانية بتنوعاتها الحروفية ومقصديتها الدلالية.

ثانيا: وظف الشاعر أديب كمال الدين تقنيات عدة لإرسال تأملاته الصوفية لتصبح القصيدة الحداثية عنده ذات النزعات العرفانية قصيدة تشكيلية جديدة في تقنياتها وأساليبها ولجذب اهتمام القارئ وشد تواصله الرؤيوي للشعر المعاصر لتحقيق منتوجه الشعري العرفاني.

ثالثا: تمثلت سيرورة نسق التساؤل غاية في الإثارة والدهشة الصوفية وبيان حركتها الشعرية ذات الشفرات الحروفية التي لم يجد جوابا لها بما تختزنه الذات الشاعرة من توتر إزاء انكسارات الحياة ومصاعبها ومتناقضاتها التي مثلت ركيزة التوتر النسقي في اشاراته.

رابعا: تعد تقنية التناص واستدعاء الرموز الدينية من محفزات بنية القصيدة الاشارية عبر المتتاليات النصية وقدرتها على المزج واستجرار الحدث بين الماضي والحاضر لاستنباط مداليلها العميقة المغلفة بأحداث الماضي بما تستحثه من رؤى تستحث المتلقي لنسقية الربط والتشكيل.

خامسا: ان التقنية البصرية ذات المفارقات الاشارية  حققت نسقا دلاليا فاعلا في تماوج الدوال الحروفية وتكثيف مساراتها العرفانية عبر تحفيز الانساق الشعرية المتضادة وتكثيف حراكها الدلالي المشفر.

سادسا: اما تقنية التصوير الانزياحي والإدهاش الاسنادي فقد مثل أعمق المحفزات الشعرية الروحية- العرفانية عند الشاعر في اشاراته الحروفية المتنوعة لخلق درجة الانزياحات المتجددة في مغامرات شعرية تصويرية مدهشة وخلق صور بصرية من الاستعارات المتنوعة.


 

 

ثبت المصادر والمراجع

 

1.   أساليب الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة أسلوبية جمالية): د. عصام شرتح، ط1، عمان، دار المعتز،2018.

2. الاسلوبية الصوتية في شعر أدونيس: د. عادل نذير بيري، دار الرضوان للنشر والتوزيع، عمان. الأردن، ط1, 1433ه, 2012م.

3.   إشكالية الحداثة في الشعر العربي الحديث: عبد الله ستار, دار رند، دمشق، طبعة الاولى، 2010.

4.   الأعمال  الشعرية الكاملة: أديب كمال الدين: المجلد الرابع, منشورات ضفاف، الطبعة الأولى، ه1439, 2018م

5. الأعمال الشعرية الكاملة: أديب كمال الدين: المجلد الخامس, منشورات ضفاف، الطبعة الأولى،1440ه, 2019م.

6.   الأعمال الشعرية الكاملة: أديب كمال الدين: المجلد الأول,منشوراتضفاف، بيروت، 1440ه, 2019م.

7. الأعمال الشعرية الكاملة: أديب كمال الدين: المجلد الثاني, منشورات ضفاف، لبنان، الطبعة الأولى، 1437ه, 2016م.

8.    الأعمال لشعرية الكاملة: أديب كمال الدين: المجلد الثالث، منشورات ضفاف، لبنان، 1439ه,2018م.

9. آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر: خليل الموسى،  منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، ط1، 2010.

10. انفتاحات النص الشعري - إشكالية التحويل.. فضاء التأويل: د. محمد صابر عبيد، تر محمد مردان، عالم الكتب الحديث، أربد - الأردن، الطبعة الأولى،2015 م.

11. بلاغة الخطاب وعلم النص: د. صلاح فضل، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1992م.

12. تجليات الحداثة في شعر بلند الحيدري: سلام مهدي رضيوي اطروحة دكتوراه،جامعة البصرة، كلية التربية،2011.

13.  تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص): د. محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 1986م.

14.  التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث: محمد الصفراني، النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي، بيروت- لبنان، ط1، 2008.

15.  التلقي والتأويل (مقاربة نسقية): د. محمد مفتاح، دار النشر المركز العربي، لبنان، 1994م.

16. التوازي في قصيدة محمود درويش (عاشق من فلسطين): د. غانم صالح سلطان، بحث منشور في مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، المجلد الأول ، 11، العدد 2, لسنة 2011.

17.  التوازي ولغة الشعر: محمد كنوني،  مجلة فكر ونقد: المغرب، 1999.

18.  توترات الإبداع الشعري: حبيب مؤنسي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، الطبعة الأولى،2009.

19.  جدل الحداثة في نقد الشعر العربي: خيرة حمرة العين: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1. 1996.

20.  جدلية الخفاء والتجلي دراسة بنيوية في الشعر، كمال أبو ديب، دار العلام لملايين، بيروت،ط2 1992.

21. الحداثة في صدمتها الجمالية (دراسة في شعرية القصيدة عند علي جعفر العلاق)د.عصام عبد السلام شرتح، ط1،دار المعتز الأردن،2017.

22. حداثوية الحداثة: عصام شرتح (شعر بشرى البستاني أنموذجا) دراسة تأسيسة في ماهية الجمال الشعري - البصري، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2014 م.

23.  شعريات المتخيل اقتراب ظاهراتي: العربي الذهبي، شركة المدارس، الدار البيضاء، 2000 م.

24.   الشعرية العربية: علي احمد سعيد:دار الآداب، بيروت،ط1, 1994م.

25. شعرية القصيدة العربية المعاصرة (دراسة اسلوبية): د. محمد العياشي كنوني، عالم الكتب الحديث، اربد، الاردن، الطبعة الاولى، 1431 ه،2010 م.

26.  شعرية المتخيل عند احمد الغوالمي: رسالة ماجستير، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، سهيلة زرزار، 2007.

27.  علم المعنى (الذات - التجربة - القراءة ): رحمن غركان: دار الرائي،  دمشق ن ط1، 2008.

28.  عن حدود الواقعي والمتخيل: عبد اللطيف محفوظ عبر الموقع www.mdrsty.net.p=7062_286k.

29.   فضاء المتخيل مقاربات في الرواية: حسين خمري: ط1, منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002م.

30.  الفضاء المتخيل والتاريخ في رواية كتاب الأمير (مسالك ابواب الحديد ) واسيني الأعرج:العلمي مسعودي،دراسة بنيوية سيميائية، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي ورقلة / الجزائر، 2016.

31. فلسفة الجمال في فضاء الشعرية العربية المعاصرة: عبد القار عبو، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، الطبعة الأولى, 2007 م.

32.  فن الشعر: احسان عباس:، دار الشروق, بيروت، الاردن، 1996م.

33.  في المصطلح النقدي: د. احمد مطلوب، المجمع العلمي العراقي، 2002م.

34.  في تقنيات التشكيل الشعري واللغة الشعرية: د. ثائر العذاري، ط1، دار رند دمشق، 2011.

35.  قراءات جمالية في بنية القصيدة الحداثية: د. عصام عبد السلام شرتح، دار المعتز، الاردن، الطبعة الأولى، 1439 ه، 2018 م.

36. اللغة الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة في الاساليب الشعرية ): د. عصام شرتح: ط 1، دار المعتز،عمان، 2018م.

37.  مدارات نقدية في اشكالية النقد والحداثة والإبداع: فاضل ثامر، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد.

38.  مدخل إلى قراءة النص الشعري: محمد مفتاح  مجلة فصول، مج16، العدد1، السنة 19997.

39.  مركزية النص الشذرة جوهر القصيدة: أدهم سامي، مجلة كتابات معاصرة، ع66,

40. مصطلح المفارقة والتراث البلاغي العربي القديم:د. محمد سالم قريميدة، جامعة الزاوية، المجلة الجامعة / العدد السادس عشر، المجلد الاول، فبراير _ 2014 م.

41.  المفارقة في الشعر العربي الحديث: ناصر شبانة,المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الاولى، 2002 م.

42. المفارقة وصفاتها: دي سيميويك، تر د. عبد الواحد لؤلؤة،موسوعة المصطلح النقدي، المؤسسة للدراسات والنشر، 1993 م.

43. المفارقة ومستوياتها في السرد الحكائي في العصر العباسي:د. محمد ونان جاسم,تموز،دمشق، الطبعة الاولى، 2018  م.

44. مفاهيم الشعرية:د.حسن ناظم، دراسة مقارنة في الاصول والمنهج والمفاهيم، المركز العربي الثقافي، بيروت، الطبعة الاولى، 1994 م.

45.  المقام الشعري بين الواقع والمتخيل (دراسة نصية لقصيدة عاشق من فلسطين)بشار ابراهيم، جامعة بسكرة، مجلة قراءات،

46. المونتاج الشعري في القصيدة العربية المعاصر، حمد محمود الدخوري، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1، 2009م.

47. نظرية اللغة الأدبية: خوسيه ماريا ايفانكوس: ترجمة حامد ابو احمد، سلسلة الدراسات النقدية (2), دار غريب للطباعة، القاهرة., 1991م.

48.  النقد والاسلوبية بين النظرية والتطبيق: عدنان بن ذريل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1989 م.

 

 


 


 

 

فهرس المحتويات:

 

تقديم الكتاب                                                           5

مقدمة الكتاب                                                          9

الفصل الاول                                                          15

شعرية المفارقة                                                        15

الفصل الثاني                                                          43

شعرية الإيقاع البصري                                                43

الفصل الثالث                                                          71

شعرية التوازي                                                         71

الفصل الرابع                                                           91

شعرية المتخيل الشعري                                                91

الفصل الخامس                                                        111

شعرية التبئير الصوفي في إشارات الألف                             111

الخاتمة                                                                139

ثبت المصادر والمراجع                                                141

 

 



[1]- ينظر مصطلح المفارقة والتراث البلاغي العربي القديم: 78

[2] - المصدر نفسه: 78

[3]- المصدر نفسه:77

[4]- المفارقة وصفاتها:47

[5]- المفارقة في الشعر العربي الحديث: ناصر شبانة:46

[6]- ينظر المفارقة ومستوياتها في السرد الحكائي في العصر العباسي:د. محمد ونان جاسم:50

[7]-  ينظر حداثوية الحداثة: 15

[8] - ينظر حداثوية الحداثة: 17

[9]-  ينظر توترات الابداع الشعري: 89

[10]-  الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس:189

[11]- الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 202- 203

[12]-  في المصطلح النقدي: د. احمد مطلوب: 207

[13]- الاعمال الشعرية الكاملة المجلد الرابع: 201

[14]- حداثوية الحداثة: 18

[15]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الثالث: 57

[16]- ينظر حداثوية الحداثة: 23

[17]-  ينظر حداثوية الحداثة: 47

[18]-  ينظر حداثوية الحداثة: 48

[19]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الاول:185 - 186

[20]-  ينظر انفتاحات النص الشعري - اشكالية التحويل.. فضاء التأويل: 104

[21]- الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 241

[22]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 254- 256

[23]- الحداثة في صدمتها الجمالية: 159

[24]- ينظر المفارقة في الشعر العربي الحديث: ناصر شبانة: 46

[25]-  ينظر حداثوية الحداثة: 71

[26]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع:25

[27]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الثاني: 181

[28]-  ينظر قراءات جمالية في بنية القصيدة الحداثية: 27

[29]-  حداثوية الحداثة: 44

[30]-  المفارقة وصفاتها: 67

[31]- فلسفة الجمال في فضاء الشعرية العربية المعاصرة: 125

[32]- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 181- 182

[33]-ينظر نظرية اللغة الأدبية: 201

[34]- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الأول: 209- 208

[35]-  بلاغة الخطاب وعلم النص: 279

[36]-  الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الثاني: 157

[37]-  ينظر المونتاج الشعري في القصيدة العربية المعاصرة: 65

[38]-  ينظر حداثوية الحداثة: 30

[39]-  الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 193

[40]-  ينظر قراءات جمالية في بنية القصيدة الحداثية: 124

[41]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الأول: 249

[42] - ينظر حداثوية الحداثة: عصام شرتح، 151. ط1، دار غيداء، عمان، 2015.

[43] - ينظر التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث: محمد الصفراني  النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي، بيروت- لبنان، ط1، 2008 ،172

[44] - التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث: 172.

[45] - الأعمال الشعرية الكاملة:- مج، 4، 224.

[46] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج2، 324.

[47] - ينظر حداثوية الحداثة: 155.

[48] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج4، 209.

[49] - الأعمال لشعرية الكاملة: مج3، 124- 125.

[50]-  المصدر نفسه

[51] - حداثوية الحداثة: 156.

[52] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج1، 5- 51.

[53] - حداثوية الحداثة: 156.

[54] - م. ن: 158.

[55] -ينظر حداثوية الحداثة: 158.

[56]-  الاعمال الشعرية الكاملة: مج 1- 168

[57] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج4، 121.

[58] - التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث: 176.

[59] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج2، 166.

[60] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج1، 88.

[61] - اشكالية الحداثة في الشعر العربي الحديث: عبد الله ستار، 135- 136.

[62] - العمال الشعرية الكاملة: مج2، 131.

[63] - ينظر الاعمال الشعرية الكاملة: مجلد الرابع، مواقف الألف: 12.

[64] - ينظر الأعمال الشعرية الكاملة: مج4، 23.

[65] - الأعمال الشعرية الكاملة: مج4، 30.

[66] -الأعمال الشعرية الكاملة: مج4، 36.

[67] - الأعمال  الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 62.

[68] - ينظر المونتاج الشعري في القصيدة العربية المعاصرة: حمد حمود الدوخي:102

[69] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج4، 73.

[70] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج1، 85-86.

[71] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج4، 281.

[72] -التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث: 25.

[73] -ينظر المونتاج الشعري في القصيدة العربية المعاصر: 81، حمد محمود الدخوري، اتحاد الكتاب العرب، دمش، ط1، 2009

[74] -حداثوية الحداثة: 254.

[75] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج1، 63.

[76] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج2، 341.

[77] -آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر: خليل الموسى، 54؛ منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، ط1، 2010.

[78] -الأعمال الشعرية الكاملة: مج4،84.

[79] -الاعمال الشعرية الكاملة: مج4، 247.

[80]- شعرية القصيدة العربية المعاصرة (دراسة اسلوبية): 144.

[81]- التلقي والتأويل مقاربة نسقية: 149.

[82]- التوازي ولغة الشعر، مجلة فكر ونقد: 184، 1999، 78.

[83]- التلقي والتأويل (مقاربة نسقية): 149، قصايا الشعرية:108

[84]- المدارات نقدية: 232.

[85]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج2: 31.

[86]-الاعمال الشعرية الكاملة:مج 3: 55

[87]- الاعمال الشعرية الكاملة: مجلد الاول:222

[88]- بلاغة الخطاب وعلم النص: 279.

[89]- مدارات نقدية: 249.

[90]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج2، 98.

[91]- تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص): 26- 27.

[92]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج4، 193.

[93]- النقد والاسلوبية بين النظرية والتطبيق: 277.

[94]- مدارات نقدية: 232.

[95]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج3، 227.

[96]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج2، 60.

[97]- الاسلوبية الصوتية في شعر أدونيس: 227.

[98]- الاعمال الشعرية الكاملة 9: مج3، 237.

[99]- فلسفة الجمال في فضاء الشعرية العربية المعاصرة: 145.

[100]- ينظر التوازي في شعر محمود درويش: 373.

[101]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج1، 150- 151.

[102]- الأعمال الشعرية الكاملة: مج1، 151.

[103]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج4، 87.

[104]- ينظر حداثوية الحداثة: عصام شرتح، 303.

[105]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج2، 50.

[106]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج1، 68- 69.

[107]- ينظر التوازي في لغة القصيدة العراقية الحديثة:50

[108]- الاعمال الشعرية الكاملة: مج1: 64

[109]- الاعمال الشعرية الكاملة: 4، 32.

[110]- مدخل الى قراءة النص الشعري: مجلة فصول، مج16، العدد، السنة 19997، 259.

[111]-  ينظر فن الشعر: احسان عباس: 18، دار الشروق, بيروت، الاردن، 1996

[112]-  ينظر شعرية المتخيل عند احمد الغوالمي: رسالة ماجستير، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، سهيلة زرزار، 2007. 54

[113]   ينظر مفاهيم الشعرية: حسن ناظم: 21

[114]-  ينظر الشعرية العربية: علي احمد سعيد: 8, ط1, دار الاداب، بيروت، 1994

[115]-  ينظر عن حدود الواقعي والمتخيل: عبد اللطيف محفوظ ، ينظر شعرية المتخيل عند أحمد الغوالمي:19

[116]-  ينظر شعريات المتخيل: العربي الذهبي: 159

[117]-  ينظر فضاء المتخيل مقاربات في الرواية: حسين خمري: ط1, منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002, 44

[118]- ينظر المقام الشعري بين الواقع والمتخيل (دراسة نصية لقصيدة عاشق من فلسطين ): بشار ابراهيم، جامعة بسكرة، مجلة قراءات، 2010، 22

[119]-  ينظر الحداثة في صدتها الجمالية (دراسة في شعرية القصيدة عند علي جعفر العلاق ): د. عصام عبد السلام شرتح، ط1,دار المعتز، عمان الاردن، 2018 ، 65

[120]-  ينظر فضاء المتخيل: حسين خمري: 54

[121]-  الحداثة في صدمتها الجمالية: عصام شرتح: 20- 21

[122]-  شعريات المتخيل: العربي الذهبي: 159

[123]-  ينظر شعرية المتخيل عند أحمد الغوالمي: 12

[124]-  ينظر الفضاء المتخيل والتاريخ في رواية كتاب الأمير (مسالك ابواب الحديد ) واسيني الأعرج دراسة بنيوية سيميائية،رسالدة ماجستير، جامعة قاصدي ورقلة / الجزائر، 2016,22

[125]-  ينظر الاعمال الشعرية الكاملة المجلد الرابع، 201- 202

[126]-  ينظر الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الثالث: 126

[127]-  ينظر الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 179- 180

[128]-  ينظر جدل الحداثة في نقد الشعر العربي: خيرة حمرة العين: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ط1. 1996, 165

[129]- ينظر الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الثالث: 84- 85

[130]-  الحداثة في صدمتها الجمالية (دراسة  في شعرية القصيدة عند علي جعفر العلاق ): د. عصام شرتح: 130- 131

[131]-  ينظر مركزية النص الشذرة جوهر القصيدة، أدهم سامي: مجلة كتابات معاصرة، ع66,ص21- 22

[132]-  ينظر الأعمال الشعرية الكاملة: المجلد الخامس: 353- 354

[133]-  الحداثة في صدمتها الجمالية: د. عصام شرتح: 22

[134]-  تجليات الحداثة في شعر بلند الحيدري: سلام مهدي رضيوي:اطروحةدكتوراه،جامعة البصرة، كلية التربية،2011،85

[135]-  الاعمال الشعرية الكاملة، المجلد الرابع: 113

[136]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع:217

[137]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 127

[138]-  ينظر قراءات جمالية في بنية القصيدة الحداثية: د. عصام عبد السلام شرتح:ط1،دار المعتز للنشر، الأردن،2018،96

[139]- الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 314

[140]- ينظر الحداثة في صدمتها الجمالية (دراسة في شعرية القصيدة عند علي جعفر العلاق )د.عصام عبد السلام شرتح،ط1 الاردن،دار المعتز،2017،106

[141]-  الاعمال الشعريةة الكاملة: المجلد الرابع: 212

[142]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 235

[143]-  ينظر جدلية الخفاء والتجلي دراسة بنيوية في الشعر، كمال ابوديب، دار العلام لملايين،بيروت،ط2، بيروت 1992، 263

[144]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع:223

[145]-  ينظر اللغة الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة في الاساليب الشعرية ): د. عصام عبد السلام شرتح، ط1، عمان، دار المعتز،2018، 114

[146]-  الاعمال الشعرية الكاملة:المجلد الرابع: 284

[147]-  اللغة الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة في الأساليب الشعرية )د. عصام شرتح:57

[148]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الر ابع: 268

[149]-  ينظر أساليب الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة أسلوبية جمالية ): د. عصام شرتح، 21 - 22.

[150]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 303

[151]-  في تقنيات التشكيل الشعري واللغة الشعرية: د. ثائر العذاري، ط1، دار رند دمشق، 2011، 19

[152]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 310.

[153]-  ينظر حداثوية الحداثة (شعر بشرى البستاني انموذجادراسىة تأسيسية في ماهية الجمال الشعري - البصري، د: عصام شرتح، ط1، 2014دار غيداء للنشر والتوزيع، عماد، الاردن، 44

[154]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 302

[155]-  ينظر قراءات جمالية في بنية القصيدة الحداثية:دعصامشرتح: 139

[156]-  اللغة الشعرية عند بدوي الجبل (دراسة في الاساليب الشعرية ): د. عصام شرتح: 51 - 52

[157]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 224

[158]-  علم المعنى (الذات -  التجربة -  القراءة ): رحمن غركان: دار الرائي، دمشق ن ط1، 2008، 218

[159]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 233.

[160]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 243

[161]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 300، 301

[162]-  الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 320

[163]- الاعمال الشعرية الكاملة: المجلد الرابع: 258

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home