اعتذار

 

شعر: أديب كمال الدين

 
 

 

(1)

حين ذابَ ثلجُ شتاءِ القصيدة

فاضت الورقةُ البيضاء

بالحروفِ والنقاط.

(2)

كي أشفى من مرضِ حبّك

جربّتُ كلّ شيء

بدأتُ بالكيّ والنار

وأدمنتُ كأسَ الخمرةِ وشوارع التشرّدِ الخلفيّة

وعطفتُ على طلاسم السحر

وجنّه وجنونه ودخانه

ثم لبستُ خرقةَ الصوفيّة

حتى انتهيتُ إلى الموت

إلى بوابةِ الموتِ الحديديّة

لكنّي لم أشفَ أبداً!

شيء عجيب

جربّتُ كلَ شيء

كي أشفى من مرضِ حبّك

ولم أجرّبْ

مرّةً واحدة

أن أراك!

(3)

في البلدِ البعيد

أجلسُ في مقهى مظلمٍ منعزل

لأستحضر صورتكِ التي دفنتُها

بيديّ

قبل أربعين عاماً

وسط الرماد

ووسط نار التنّور الذي اشتعل

فجأةً

وكادَ يقضي عليَّ إلى الأبد.

(4)

في حياتي

قرأتُ الكثيرَ من قصائد الشعراء الموتى

حتّى امتلأتُ باليأسِ والموت

فمتّ.

في حياتي القادمة

سأقرأ الكثير

من قصائد الشعراء الذين لم يولدوا بعد

علّي أحيط بأسباب الحياة

إلى الأبد.

(5)

كنتُ أخاف أن أراك

وأرى سريرك

لأنني أعرفُ أنه قد ارتحل

ذات اليمين وذات الشمال

وأنّ عصافيره قد ماتتْ

منذ زمن بعيد

ولم يبقَ إلاّ الغراب

ناعقاً منذ أربعين عاماً

بخاءِ الخسارةِ والخيانة،

بغينِ الغروبِ والغبار.

(6)

وهكذا قبل أن أموت

كنتُ ذكياً بما يكفي لأعتذر للغراب

وأعتذر للشتاءِ وللورقةِ البيضاء

وأعتذر للخمرةِ والتشرّدِ والسحرِ والتصوّف

وأعتذر للبلدِ البعيدِ وللمقهى المظلمِ المنعزل

وأعتذر للرمادِ والنار

وأعتذر للشعراء الموتى والأحياء

وأعتذر لليأس

وللسريرِ الذي قادني

من منفى إلى منفى

ومن حرفٍ إلى حرف

وأعتذر للعصافير التي ماتتْ منذ زمن بعيد

وأعتذر للحياةِ وأسباب الحياة

وأعتذر للموتِ مرّةً واحدة

وإلى الأبد!

 

 

الصفحة الرئيسية  

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة