تناص مع الموت

شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

1.

في الطريقِ إلى الموت:

الموتِ القديمِ المُقدَّس،

فاجأني موتٌ جديد،

موتٌ لذيذٌ بطعمِ السمّ،

موتٌ لم أحجزْ له موعداً أو مقعداً.

2.

في حضرةِ الموسيقى التي تندلق

لتكتبَ حاءَ الحياةِ وباءَ الحُبّ

ينبغي أن أكتبَ شعْراً

مليئاً بالبحرِ والطيور.

لكنّني،

ولسببٍ غير واضحٍ أو مفهوم،

أكتبُ عن الموت.

ربّما لأنّ الموت هو نديمي الوحيد

أو صاحبي الذي يحسنُ الرقصَ قربي

حينَ أنهارُ وسطَ الطريق.

3.

"مرحى" قلتُ للموت!

هل قلتُ للموتِ: "مرحى"؟

أم إنّه الموت

قالَ لي في برود:

"أهلاً وسهلاً"؟

4.

في أفريقيا يقرعون الطبول

حينما يحضرُ الموت

وفي الأسكيمو يطلقون الطيور

وفي بلادِ الكنغرِ يعزفون الموسيقى البهيجة.

ربّما لأنّهم يظنّون الموتَ طبولاً فقط

أو طيوراً فقط

أو موسيقى عذبة تبهجُ السامعين!

5.

مَن سيصدّق أنّ الحرفَ الذي حملَ المعجزة

سينهارُ أمامَ الموت

على هذهِ الشاكلة؟

ومَن سيصدّق أنّ النقطة،

النقطة التي واجهت الأعاصيرَ والنارَ والزلزلة

ستبكي في حضرةِ الموت

مثل أعمى أضاعَ الطريقَ إلى البيت؟

6.

لكَ المجد يا إلهي

خلقتَ الموتَ ليكنسنا في هدوءٍ مريب

مثلما تكنسُ الريح

أوراقَ الشجرِ المُتناثرة على الأرض.

لكَ المجد أيّها الموت.

لكَ المجد أيّتها الخاتمة.

7.

قالَ لي الحرف:

لا تأبه كثيراً

فالكلُّ سيموت،

حتّى الموت نَفْسه سيموت!

قالَ لي الحرفُ ذلك

وأفردَ جناحيه

ليحلّقَ كالنسرِ وسطَ السماء.

أمّا النقطة

فتحوّلتْ إلى غيمةٍ عظيمة

رحلتْ باتجاهِ البحر البعيد.

كم تمنّيتُ أن تأخذني معها

ولا تتركني بين يدي الأشباح،

الأشباح الذين أحاطوا بي

كما أحاطَ اللصوص

بدرويشٍ نصف عار

ونصف مجنون!

 

 

1.

إلهي

غنّتْ ربّةُ المعبدِ الحبَّ والحبَّ كلّه

ورقصت الحلمَ والحلمَ كلّه

لتكتبَ فوقَ لوحِ الوجود

السرّ وسرّ السرّ.

فَمَن لي،

إلهي،

بقلبٍ يتحمّلُ كلَّ هذا الجمال

وهذا الجنون؟

2.

رقصتْ وغنّتْ.

فغنّى معها كمانُ الجسد

صاعداً مثل أفعى.

ودمدمَ الطبلُ: طبلُ الجسد

كاهناً يتلو آيةَ الزلزلة،

عاشقاً يجرّبُ أن ينتحر

وقت الغروب في دجلة العابثة.

وضحكَ الناي: ناي الجسد

نافورةً تبعثُ للأطفال

ماءً من الوردِ والمسرّة.

ورقصَ الدفُّ: دفُّ الجسد

ساحراً يستبيحُ بحراً من اللذّةِ والقُبَل.

ورقصَ الضوءُ: ضوءُ الجسد

شاعراً يكتبُ النون

ليختمها بنقطةِ الكون

نافثاً سرّها إلى آخر الأرض

ومطلقاً طائرَ الروح

إلى سمواتكَ السابعة!

3.

إلهي

رقصتْ ربّةُ المعبد

ساعةً واحدة.

فَرقصتُ من فرحٍ وجنون

سبعين عاماً

وكتبتُ عنها سبعين كتاباً

وتبتُ سبعين مَرّة

ومتُّ سبعين مَرّة

ولم أزلْ أراقصها

أو أراقص صوتَها أو حلمَها

درويشاً نصفه نارٌ ونصفه طين!

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home