قراءة في مجموعة أديب كمال الدين: (أربعون قصيدة عن الحرف)

أربعون تعويذة على طلسم الحرف

 

عبداللطيف الحرز

 
 

 

   يمنح الشاعر أديب كمال الدين وصفَ العقود لمجموعته الجديدة المكتوبة في عامي 2007 و2008 تحت عنوان {أربعون قصيدة عن الحرف} في محطة لمسيرة طويلة من الاشتغال تحت نصب الحرف وجدارية النقطة. وقد يكون من الضروري فيها الآن التساؤل عن قيمة النقد الذاتي للصورة الشعرية من قبل الشاعر, بما يقدمه من صياغات غير مألوفة وتعبيرات ذات طابع خصوصي. لاسيما وقد بات (الحرف) يتخذ شبه قناع أسطوري لشخصية  الشاعر ربما يصل حد التطابق ما بين الشاعر وحرفه:

{ لم تعد، أيّها البسيط مثلي

والضائع مثلي

والساذج مثلي،

تتحمل وحشةَ هذه الرحلة التي لم نهيئْ

لها أيّ شيء

ولم يخبرنا أحد

عن مصائبها التي لا تنتهي.

انتظرنا – أنا وأنتَ – طويلاً سفينةَ نوح.

جاء نوح ومضى!

لوحّنا له طويلاً

بأيدينا

وقمصاننا

وملابسنا

ودموعنا الحرّى.

لوحّنا له بيتمنا الأبديّ

وبضياعنا الأزليّ.

لوحّنا له بطفولتنا العارية

وبشمسنا الصغيرة التي تغيّر طعمها

وأصبحتْ بحجمِ ليمونةٍ ذابلة.

لوحّنا له بكلّ شيء يُرى

وبكلّ شيء لا يُرى.

(....)

نعم، يا صديقي الحرف،

دعنا نصرخ الآن .. ص7}

 

   في المجموعة يظهر امتداد لغوي لمجموعات أخرى  للشاعر أديب كمال الدين مثل (شجرة الحروف) و(ما قبل الحرف ما بعد النقطة) حيث نجد ذلك الحرص على قابلية النص للترجمة بدون خدش أو خيانة تلك التي تقع فيها عملية النقل بشكل إجباري. حيث إن للشاعر حضوراً مستمراً في الاصدارات والنشاطات الأسترالية المكتوبة باللغة الانكليزية. وهذا ما يجعل كمال الدين يجهد لجعل كتابته كلاماً تاماً وليس كلاماً ناقصاً. اذ إن جملة من الشعراء يعتمدون على متممات خارجية لتبيان أو تكملة المعنى وتطويره مثل النغمة وطريقة الإلقاء أو بعض الاشارات الخارجية الأخرى. أديب كمال الدين يسعى إلى جعل كتابته ذاتاً مستغنية بنفسها عن اي رابط خارجي يكون مُعتمداً لإيضاح المقاصد. بيد أن المجموعة تؤكد على أن التواصلية اللغوية هنا هي استنساخ وتواصل للذات المُهددة بالضجر والعزلة والموت والفناء :

 

{في الطريقِ إلى الموت:

الموتِ القديمِ المقدّس،

فاجأني موتٌ جديد

موتٌ لذيذٌ بطعمِ السمّ

موتٌ لم أحجز له موعداً أو مقعداً.­­ ص22}

 

 

  بخلاف الحرف حيث متعة الكتابة والقراءة وجماعية الفهم والتفهيم ونقل المشاعر والبقاء. هكذا سيكون انقاذ الحرف والتواصل معه, هو إنقاذ للشاعر نفسه وتجديد للشعور بإمكانية التألق وغبطة الشعور بالتفوق:

{ نعم،

ذلك مجدك أيّها الحرف.

فالقراصنةُ كلّهم يجيدون كراهيتك

لأنّكَ اقترحتَ نقطةً للجمالِ والحبّ

وحأولتَ أن تؤسس

- ولو في الخيال-

بحراً جديداً

لا يجيد القراصنةُ الإبحار فيه. ص16}

 

  ثمة محاولة في العزاء وفي تصوير مؤاخاة بين الطرفين وفي الهوية والمعاناة والتي تمثّل أحد أركان الاشتغال الشعري لدى أديب كمال الدين الأساسية. في هذه المجموعة أيضاً ثمة تكرار في مفردات سبق أن اشتغل عليها الشاعر أكثر من مرّة، وهي هنا تتردد كثيراً مثل: الجنون, الهذيان, المنفرد, الطفل, اللذة, المرأة, الموت. كما تحوي المجموعة جزءاً من يوميات الشاعر وسيرته بدءاً من قصيدته (سلاماً عمان) وانتهاءً بقطارات مدينة سدني الأسترالية. هذا بالاضافة إلى اتكاء أكثر على البنية القصصية الحوارية للنص على النحو الذي يجعل القصيدة أحياناً أشبه بقصة قصيرة. وهذا واضح من كثرة استخدام الشاعر للنجوى والمونولوج والدايلوك. وقد تمت صياغة ذلك باعتماد وافر على  رموز التراث الديني والأدبي: كلكامش, أنكيدو, أتونابشتم, الأفعى, تولستوي، الامام الحسين, بودلير,..الخ.

 

   بالطبع فإنّ مسيرة  شعرية طويلة كهذه قد أنجزها الشاعر أديب كمال الدين، وكتب من خلالها 10 مجاميع شعرية، لابد أن تحدث حولها انقساماً بين مَن يرى أن هذا فرط الحاح على فكرة معينة, يشكل نوعاً من المبالغة التي آن للشاعر في أن يفكر بابتكار أخرى سواها، وبين مَن يرى أن ممارسة الشاعر تمثل نوعاً من الوفاء للفكرة وتعميقاً لها. وفوق هذا وذاك يتم انجاز تحويل الشعر إلى موضوع محدد فكما أن هنالك شعراء خصصوا كتاباتهم  لتتمحور على العشق أو المدح أو الحماسة, يتحقق لدينا  هنا موضوع جديد هو الحرف ذاته. فقد باتت التجربة الحروفية الآن بمستوى عقيدة شعرية انصهر الشاعر أديب كمال الدين بها بشكل يومي وعملي حتى باتت هي أناه الواقعية لينتهي الشعر من ذوقيته اللغوية إلى سمو حياتي حقيقي ليتم الخلاص والانتقال من التعبير إلى الرؤية. تلك الرؤية التي ترى أن فتح طلسم الحرف هو أمر أساسي لقراءة طلسم الوجود والحب والموت والحياة.

 

*****************

أربعون قصيدة عن الحرف- شعر: أديب كمال الدين– عمّان 2009- أزمنة للنشر والتوزيع.

 

 الصفحة الرئيسية