قراءة في مجموعة: "أربعون قصيدة عن الحرف"

أديب كمال الدين وملامح السخرية اللاذعة!

 

د. عدنان الظاهر

 

 تُعجبني كثيراً مداعبات أديب كمال الدين التي يمزج فيها السخرية بالنكتة البارعة مستوحياً روافده التراثية المتعددة الوجوه والأزمان والأشكال. أما إذا استدار ليواجهَ نفسه ومشاكله الخاصة منها والعامة فإنه الحزن الشفيف الصريح المعجون والمُداف كذلك بما تختزن ذاكرته الشعرية والتأريخية وما سمع وما قرأ من مآسٍ وقعت على أرض العراق منذ أقدم الأزمنة .

  لا يزال الشاعر ـ كدأبه ونهجه السابق ـ يتخذ من الحرف والنقطة مرتكزات يتكئ عليها ويدور حولها وعموداً فقرياً يقوم عليه بناء قصائده معنىً ومحتوىً. فمتى يقتنع الأستاذ أديب بأنَّ حروفه ونقاطه قد نضب معينها وأخذ بريقها يخفت ويخبو رويداً رويداً؟ أم أنَّ فيها شُعلةً أبدية خفية خاصة لا يعرفها ولا يتحسسها إلا رجلٌ شاعرٌ مثل شاعرنا أديب ؟ إنه عليم بأسرار المتصوفة وعلم السيمياء وهنا ـ كما أخالُ ـ سبب إصراره على نهجه هذا وعدم رغبته بالتخلي عنه. أيخشى فراغاً هائلاً إذا ما تنازل عن نقاطه وحروفه لا يدري كيف يملأه وبمَ يملأه ؟ ليس هناك في فن الشعر قوالب جاهزة أبدية فإنها تتبدل وتتطور حسب نواميس الحياة وقوانين الكون فلا ثباتَ ولا دوام لشيء في الدنيا.

قصيدة (صديقي تولستوي)

هل أبدأ بمداعبات أديب وعتاباته الطريفة التي ضمّنها قصيدته (صديقي تولستوي)؟

إنه قرأ الأدب الروسي كما درس الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد ويقيني أنه شاهد فيلم { آنا كاريننا } المأخوذ من قصة تولستوي الشهيرة التي تحملُ هذا الإسم . تنتحر هذه السيدة بإلقاء نفسها أمام قطار قادم فيغضب أديب على تولستوي ويعتب كيف تموت سيدة جميلة متميزة مثل آنا كاريننا ؟ أليس هذا منتهى الشهامة والمروءة من قِبَلِ شاعر عراقي تجاه سيدة روسية ليست مثله مسلمة ولا تعرف أو تتكلم لغته العربية؟ إنه الإعجاب ! الإعجاب  كالحب ، أو إنه أول الحب . فهل تُرى أُخِذَ شاعرنا بجمال الروسية المنتحرة أم تُرى صُعِقَ بالطريقة التي ماتت فيها مثرومةً تحت عجلات قطار مندفعٍ نحو هدفه بأقصى سرعة ؟ أم إنه مزيج من الرومانس الفني ـ الأدبي ـ الشخصي  والتراجيديا العالمية ؟ ماذا قال الشاعر أديب معاتباً صديقه تولستوي ؟

(( ليس من حقكِ ،

يا صديقي العظيم تولستوي ،

أنْ تُلقي بآنّا كارينينا

ـ بطلة روايتك ـ

تحت عجلات القطار !

كيف سمحتَ لعجلات القطار

أنْ تُقطِّعَ أصابعَ آنّا المُترفة

ووجهها المضيء بالعذوبة والرقّة والجمال

وشعرها الفاتن

وجسدها الذي عشقه كلُّ مَنْ رآهُ ؟ )) .

إنه مفتون إذاَ بجمال وجه وجسد السيدة القتيلة ومعه حق ، فلقد كانت الروسية بالفعل جميلة حسب توصيف كاتب الرواية وحسب اختيار مخرجها فيلماً أو مسرحيةً . الجمال الطبيعي يستهوي ويغوي الشعراء قبل وأكثر من غيرهم خاصةً تلك النُخبة منهم الشديدة الحساسية والذائبة في رقتها والتائقة للجمال أينما كان وحيثما كان يطلبونه ، كما نطلبُ العلمَ ، حتى لو كان في الصين .

بعد أنْ يترك الشاعرُ صديقه الروسي تولستوي جانباً ينصرف لنفسه واصفاً مأساته وما عانى وما حلَّ به جرّاء مقتل حبيبته المنتحرة السيدة الروسية آنا كارينينا فنسمعه يقول :

(( ليس من حقكِ ، يا صديقي العزيز ،

أنْ تقتلَ آنّا

أمام عينيَّ المثقلتين بالدموع

وقلبي الغاطس في الأسى

وجسدي الذي يفنى بهدوءٍ

في أقاصي الدنيا )) ...

تحوّل الشاعر الرقيق من رثاء القتيلة إلى رثاء نفسه غارقاً بالدموع [ العيون ]غاطساً بالأسى [ القلب ] فانياً بهدوء [ الجسد ] . العين تبكي والقلب يأسى والجسد يفنى . قد يسألُ سائل : تُرى ، أتمثّلُ آنّا كارينينا للشاعر امرأةً أخرى غابت عنه لسبب أو لآخر أو غيّبها الموت أو خسرها في مطالع شبابه بإجبارها على الزواج من غيره ؟ أكانت هذه إحدى زميلات دراسته الجامعية أو إحدى قريباته ؟ إذا جعل تولستوي بطلة روايته الجميلة تموت إنتحاراً مأساوياً أمام عيني الشاعر ، فكيف جوّز هذا لنفسه أنْ يجعلَ القاتلَ صديقاً له ؟ ما كان تولستوي عدواً للشاعر لذا لا يجوز فيه قول المتنبي :

ومن نكدِ الدنيا على الحُرِّ أنْ يرى

عدوّاً له ما مِن صداقتهِ بُدُّ.

أليست هذه قصيدة مداعبة طريفة إختلط فيها الخيال بالرؤية البصرية بالدموع والحزن والأسى على فقد حبيب غريب على الشاعر بعيد عنه زماناً ومكاناً حاضراً في شريط سينمائي أو على خشبة مسرح؟

 

من إبداعات أديب كمال الدين الأخرى :

قصيدة (بكاء)

في القسم الكبير الأول من القصيدة رثاءٌ وقصف طعام وإسراف في مديح شاعرٍ متوفى ثم ثمّةُ طفل جلس بين هذا الرهط المنافق لا يفقه شيئاً مما قالوا من رثاء لأبيه ولا ما مدحوا. لم يفهم هذا اليتيم معنى [[ بزَّ في شعره ]] ولا معنى [[ لا يُشقُّ له غبار ]] ! كيف وقع اختيار الشاعر أديب كمال الدين على هاتين العبارتين دون سواهما مثالين على عجز فهم الطفل اليتيم لما كان الراثون لأبيه يقولون؟ أحسب أنهما من بقايا ذكريات الشاعر نفسه وأنه ـ ربما ـ مرّ بتجربة مماثلة في طفولته . أقرأهما وأسمعهما معه فأُحسُّ بدفء خاص فيهما فأضحك من التعبير الأول [[ بزَّ في شعره ]] ويلازمني الصمتُ حيال التعبير الثاني [[ لا يُشقُّ له غبار ]] . كلامٌ كهذا كبير وكثير على طفل تحمّل ما تحملَّ طوال جلسة الرثاء وكيل المديح المنافق ثم لم ينلْ شيئاً من ذلك العشاء الفخم الدسم [[وبكى كذلك على عشاء لم يذقْ منه لقمةً واحدةً ]]... كما قصَّ الشاعر علينا في القسم الثاني من هذه القصيدة . لماذا جعل الشاعرُ الطفلَ اليتيم محروماً من طعام حفل رثاء أبيه؟ هل منعه أحدٌ من الوصول إليه أم إنه هو نفسه زهد فيه وعافته نفسه لأنَّ الحفلَ والمناسبةَ وما قيل من كلام وضعت أمامه صورة وجه أبيه الراحل الذي لم يعدْ يراه أو يسمعه وقد أصبح في عداد الموتى ؟ هل أراد الشاعر أنْ يقولَ للناس أنْ لا من فائدة ترجونها من إقامة أمثال هذه الحفلات والمهرجانات على أمر مرَّ وانقضى وانتهى وقد وقع ما وقع ؟ نقرأ القصيدة معاً :

(1)

(( جلسَ الصبيُّ وسطَ حشدٍ كبير من الشعراء :

كانوا يرثون والدَ الصبيِّ الذي مات

دون مقدمةٍ أو بسملة

وتُرِكَ الصبيُّ في غربة مُثخنةٍ بالأسى .

أفرطَ الشعراءُ في مدحهم لأبيهِ

قالوا كلاماً بليغاً

لم يفهم الصبيُّ منه كلمةً واحدة .

قالوا : لقد كان شاعراً

بزَّ في شعره القدماءَ والمحدثين

شاعراً لا يُشقُّ له غبار .

قال الصبيُّ في سرّه :

( ما معنى بزَّ في شعره ؟

وما معنى لا يُشقُّ له غبار ؟ )

ثم أكمل الشعراءُ أمسيتهم

بتناول عشاء فخمٍ أعدّهُ رجلٌ مُحسنٌ وغريب .

وبدأوا يتناقشون في الكأس والطاس

بل أنَّ بعضهم صار يضحك بفمٍ أدرد

لآخرَ يُلقي طرفةً داعرةً

بصوتٍ خفيض)).                                                                  

هل كان القصد الرئيس للشاعر هو السخرية من الشعراء المنافقين الذين يكيلون المديح للموتى لكنهم لا يلتفتون إلى طفل يتيم جلس بينهم ولا يعيرونه الاهتمام المطلوب ؟ كانوا مشغولين بإشباع أحشائهم ولم يحسّوا بحاجة هذا الطفل للطعام !

  (2)

(( حين غادر الشعراءُ في آخر الأمسية

بكى الصبيُّ بكاءً مرّاً .

بكى على أبيه

وعلى فراق أبيهِ

وبكى من كلامٍ لم يفقهْ منه شيئاً

وبكى ، كذلك ،

على عشاءٍ لم يذقْ منه

لُقمةً واحدةً ! )).

هذا موقف حقيقي شجاع واضح الدلالة . وذاك موقف جبان منافق فيه دجل وكذب وفيه رياء وصخب . هناك صخب ملاعق الطعام وربما تبادل أنخاب الكؤوس وصخب النقاشات والضحك < حتى بدون أسنان > وهنا مع الصبي صخب لكنه من نوع آخر : صخب بكاء وصخب تسكاب دموع جارية فشتّانَ ما بين الصخبين!

نجح الشاعر أديب في كل ما رمى إليه من هذه الصور المتناقضة التي فضح فيها نفاق البعض من بني البشر وتقديمهم تافه الأمور على خطيرها والقليل الأهمية على الأكثر أهمية دليلَ عمى وتهافت النفوس وضِعَتها . كما أفلحَ في إقامة التوازن النفسي والفني الدقيق بين المقطع الأول الكبير من القصيدة والمقطع الصغير الثاني ، ومعادلة صبيٍّ صغير في الفعل والوضع [ بكاء ربما لا يسمعه الحاضرون ] لمجموعة صاخبة مرائية ثرثرت دجلاً ثم جلست لتناول طعام شهيٍّ سخيٍّ أجاد به عليهم رجلُ مُحسنٌ ... أي تصدّق على هذا الرهط المنافق فأشبعهم بعد الذي قالوا من كلمات رثاء بحق المتوفى . فهم إذاً مرتزقة وقطط تعاني من جوع فتقول ما تقول لإشباع حاجة دنيوية رخيصة . طفلٌ واحد باكٍ ضد مجموع صاخب يدجِّلُ ويكذبُ وينافق . هل يمثل هذا الصبي في إحتجاجه الباكي أغلبية الناس المغلوبين على أمورهم والذين يشكلون الكتلة الصامتة الكبرى التي لا حولَ لها ولا قوة فيما يجري حولها وبالقرب منها من أحداث بعضها خطير الشأن تاركةً الأمور للذين يجيدون فنون الخطابة المرائية والذين يتقنون تمثيل الأدوار واللعب على الحبال مما نرى في عالم السياسة في هذه الأيام وفي هذا الزمان ؟

قصيدة (قرد الصحراء)

وهل في الصحراء قرود ؟

إنها حقاً قصيدة طريفة يمكن إدراجها ضمن ما يُسمّى بقصص وأدب الأطفال . ولكنْ مهلاً ، إنَّ فيها رموزاً وتورياتٍ بالغة العمق والدلالة . لا يتكلم شاعرنا إعتباطاً أو للتسلية واللهو . إنه رجلٌ ملتزمٌ وغايةٌ في الجدية والحزم .فهل من سبيل للكشف عن رموزه في هذه القصيدة وما قال من توريات ؟ لنتفحص أولاً أبطال القصة وهم : ملك وقرد وضيوف إمّعات ثم غابة فيها قرود. عنوان القصيدة يكتنز الدلالة الكبرى ، أعني أنَّ حياة وبلاط الملك ولهوه وضيوفه ما هي في آخر المطاف إلا حياة جافة خَرِبة لا ماء فيها ولا من أثر للحياة : إنها مجرد صحراء . ثم إنَّ قردَ الملك هذا يملُّ هذا البلاط ـ الصحراء فيتوق للعودة إلى محيطه الطبيعي: الغابة. وإنَّ القرودَ ، قرودَ الغابة التي لم ترَ حياة قصور الملوك، لا تسيغُ ولا تتقبلُ مضغ فاكهة الذهب من موز وتفاح وعرموط. الطبيعة فوق كل شيء وهي أقوى من كل شيء! نقرأ القصيدة بحضور صاحبها الشاعر أديب وموافقته على دمج الكثير من الأسطر مع بعضها تحايلاً على الطول وتجنباً للإطالة:

(( حين أتوا به من الصحراء إلى الملك

أُعجبَ به الملكُ جداً

إذْ لم يرَ قرداً يرقصُ من قبلُ بهذه الخفة وهذا الإحتراف !

ولذا أصبحَ تسلية الملك الأولى صباحاً ومساءً مساءً وصباحاً

بل صار الملك يصحبه ليقدّمَ رقصته أمام زوجاته السمينات أو ضيوفه الإمعات .

وحين يُصيبُ القردَ المللُ يؤخذُ إلى الغابة البعيدة

ليلتقي بأصدقائه القِرَدة فيعرض القردُ عليهم مزهوّاً هدايا الملك :

موز ذهبي تفاح ذهبي عرموط ذهبي.

تفرحُ القِرَدةُ لمنظر الفاكهة العجيبة وتحاولُ جاهدةً أنْ تمضغَ الموز الذهبي

والتفاح الذهبي والعرموط الذهبي .

وحين تفشلُ في مضغها ترمي القِرَدةُ الفاكهةَ الذهبيةَ على الأرض وتتسلقُ الأشجار

لتطلقَ أصواتاً مُنكرةً ساخرةً من قرد الملك الذي يشعرُ وقتئذٍ

بالخزي من نفسه ومن الأصدقاء القِردة ،

ومن الملك وهداياه : الموز الذهبي والتفاح الذهبي والعرموط الذهبي ! )).

كان الشاعرُ شديدَ الحرص على تأكيد طبيعة معدن الفاكهة ، الذهب ، وعلى نوع هذه الفاكهة وهي ثلاث : موز وتفاح وعرموط ... فهل هي من بين فاكهة الشاعر المفضّلة أم إنها بعضُ آثار وبقايا أماني الطفولة المحرومة؟

قصيدة (سلاماً عمّان)

  بين مأساة صبي يتيم يبكي جائعاً مظلوماً وقصة قرد الملك المدلل الذي يأكل الموز الذهبي والتفاح الذهبي والعرموط الذهبي ويتوق أبداً للرجوع إلى عالم الغابة موطنه الأصل... بين هاتين المفارقتين يضعنا أديب كمال الدين أمام محنة العراقيين رجالاً ونساءً الذين غادروا العراق إلى عمّان  بحثاً عن الأمان والعمل أو التجارة أو الدراسة خلال فترات زمنية متفاوتة موجاتٍ موجاتٍ إعتباراً من أواسط سبعينيات القرن الماضي. واشتدت موجات النازحين هذه بعد وأثناء الحرب العراقية الإيرانية [1980ـ 1988] لتأخذَ مداها الأقصى بعد حرب "تحرير الكويت" [ 1991 ] والحصار الشهير الذي ضُرب على العراقيين. كان الشاعر واحداً من بين أولئك النازحين الهاربين من جحيم العراق إلى العاصمة الأردنية عمان ومكث هناك عدة سنين [  لا أعرف عددها ! ] قبل أنْ يُسعفه الحظ فتسمح له السلطات الأسترالية (مع نخبة أخرى من زملائه وأصدقائه بين شاعر وكاتب وأستاذ جامعي وغيرهم ) بالهجرة إلى أستراليا بالتنسيق مع منظمات دولية مختصة بشؤون اللاجئين [[ والضائعون يبكون على أبواب السفارات الثلجية ]] . لذا فإذا تكلم أديب عن عمان تلك الحُقبة التعيسة فكلامه كلام خبير وشاهد عيان شاهد كل حاجة وعايشها وعانى منها وليته يكتب عنها كتاباً خاصاً بالتعاون مع باقي زملائه الآخرين .

فضلاً عن دقة وصفه لحاله في عمّان الهجرة والضياع واللايقين والتشرد وربما الجوع والفاقة... فضلاً عن هذا كرّس وقتاً وخصص مجهوداً متواضعاً لرسم لوحات معبّرة تصور وضع عمان العام وجمالها وجبالها ونعومة نسائها وهو الخبير بفن جمع النقائض ووضعها وجهاً لوجه لتكبير ملامح القبح أو الجمال حسب مشيئته وهاجسه الشعري. سأختار الكثير مما قال الشاعرُ في عمّان وليس كل ما قال:

(( سلاماً يا سلّة الحلم والحرمان!

سلاماً يا من جلستِ على التلِ

وتركتِ خلفكِ الفقراءَ يرقصون في الوادي

والغرباء يفترشون الساحة الهاشمية

والضائعون يبكون على أبواب السفارات الثلجية

والمحرومون واللصوص والعاطلون يبحثون عن رغيفك اليابس!

سلاماً يا من تبكي على الماء وتبكي الغيمة وتبكي على اللذة وجسد اللذة.

سلاماً على جمالكِ الجبلي وعلى فقركِ الأزلي.

سلاماً على غربائكِ الذين ضاعوا جميعاً واحداً بعد الآخر )).

تكرير لفظة { سلاماً } هو أسلوب في الشعر قديم كان الشاعر الشيلي بابلو نيرودا من رواده الأوائل حيث وضعها مرفوعةً ، سلامٌ ... ، في أوائل أبيات قصيدته الطويلة الشهيرة { أنشودة أو نشيد السلام } . كما انتهج الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري هذا النهج في قصيدته { المقصورة } التي نشرها أواسطَ عام 1947 فكرر لفظة ( سلامٌ ) في أوائل البعض من أبيات هذه القصيدة :

سلامٌ على هَضباتِ العراقِ

وشطّيهِ والجُرفِ والمنحنى

سلامٌ على قمرٍ فوقها

عليها عليها هفا وإليها رنا

سلامٌ على جاعلاتِ النقيقِ

على الشاطئينِ بريدَ الهوى

سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ

تناثرُ من حولهنَّ القُرى

سلامٌ على بلدٍ صُنتهُ

وإيايَّ من جفوةٍ أو قِلى.

أجلْ، رسم الشاعر أديب بعض ملامح مدينة عمّان الأردنية وذكر موقعها الجغرافي واسم إحدى ساحاتها الشهيرة [الساحة الهاشمية] التي جاء ذكرها في العديد من كتابات العراقيين الذين شاركوه الحقبة العمانية تلك . ولم ينسَ شحّة الماء في عمان وقلة المطر [[ سلاماً يا من تبكي على الماءِ وتبكي على الغيمة ]] .

سمعتُ الكثير عمّا عانى العراقيون والعراقيات في عمّان [ وربما في عواصمَ عربية أخرى كالقاهرة ودمشق ] خلال تلكم الفترة الأكثر حراجة في تأريخ العراقيين قاطبةً ولا سيّما المثقفون والمؤهّلون علمياً والأدباء والصحافيون والشعراء وكان لي فيهم أصدقاء ومعارف كانت تصلني منهم بين الحين والحين تحيات وسلامات وتمنيات وكنتُ عاجزاً عن مدِّ يد العون لهم لشديد أسفي . ليتهم أنْ يجتمعوا اليوم ليكتبوا سفر ضيم تلك الحُقبة .

يلمِّحُ الأستاذ أديب في بعض أشعاره وكتاباته تلميحاتِ خفيفة كثيرة الأدب يشكو فيها من عراقيين أساءوا له في عمّان أو لم ينصفوه أو أنكروا جميله عليهم دون أنْ يذكرَ أسماءهم. قال في قصيدته هذه [[ سلاماً على لصوصكِ الذين سرقوا دمعةَ عيني في وضح النهار]].

وأنا أُنهي كلمتي الشديدة التواضع في ديوان (أربعون قصيدة عن الحرف) أُلفتُ نظر محبي شعر أديب كمال الدين إلى قصيدة (دراهم كلكامش) . إنها توليفة حلوة بين بعض هموم الشاعر والأسطورة السومرية المعروفة.

************************************

"أربعون قصيدة عن الحرف" – شعر: أديب كمال الدين / الناشر : أزمنة للنشر والتوزيع / عمّان ، الطبعة الأولى 2009

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home