جماليات  الحرف العربي في القصيدة

تجربة أديب كمال الدين نموذجاً

 

 

 

د.حاتم الصكَر

 

 

 

 

 

لعل اكثر الإنزياحات والتحولات التي أدت إليها الحروفية العربية هو توسيع مدى العناية بالخط والحرف، والإنتقال بهما من التعامل التقليدي والحقل المهني الضيق للخط كحرفة إلى التعامل الجمالي الأوسع، والإلتفات للطاقة الجمالية والرمزية في الحرف العربي خارج نطاق الوظيفة الخطّية أوالمعنوية .وقد جاء ذلك التوسيع للتعامل ليشمل الفنون التشكلية رسماً وزخرفة ونحتا ، فشهدت اللوحة الحروفية العربية تحولات تركيبية : تستثمر كينونة الحرف العربي وجمالياته لتقوية عناصر النصوص جمالياً. وهذا ما عكف عليه  التشكيليون الحروفيون بآستضافتهم للحرف العربي، لا كمعنى أو وظيفة جملية، بل كعنصر بصري يؤازر الدلالة الكلية للصورة  البصرية، انطلاقاً من الإعتقاد (بأن الدراسات اللسانية اقتصرت على البعد الألسني للخط باعتباره وسيلة تدوينية، دون أن تدرس جانبه المعرفي ، وهو ما يؤكده الفنان شاكر حسن آل سعيد  من إن الحرف العربي له شخصيته، وهو ليس مجرد وسيلة لغوية وبذلك يكون الخط العربي متجاوزاً وظيفته اللغوية)(1) وكأنه بهذا التلخيص يعيد بلغة معاصرة ماكان قد أكده ابن عربي بقوله (إن الحروف تعمل بأرواحها لا بصورها)(2)

وكان ذلك التوسع الوظيفي والجمالي يرافق انفتاح الفنون وزوال الحدود بين الأجناس والأنواع الفنية والأدبية في العصر الحديث، رغم أن هناك تجارب سابقة لكنها قليلة للمزج بين الخط والحرف في منتجات فنية موازية خارج إطار الخط التقليدي.

إن انفتاح الخط والحرف على التجارب التشكيلية أنقذ فن الخط من الإندثار، بعد أن خف الاهتمام به أو كاد بسبب الاعتماد على الطباعة الآلية التي يتيحها الكومبيوتر، وقلة استخدام الخط بالطريقة المعتادة التي تُظهر زينة الحرف وهيبته. (3)

 

القصيدة الحروفية

 

ومن التوسيعات التي تمدد فيها الحرف العربي من فن الخط والحرفة المعروفة، دخوله في القصائد بكيفيات متعددة .وهذا التوسيع دلالي أو مفهومي،فالتجربة الحروفية في القصائد  تتوخى تأكيد المضامين المتعالية فلسفياً ، والمتمحورة حول التصوف والتقشف اللفظي والأدائي، ما يمنح الحرف بأبعاده الدلالية قوة المعنى وبلورته. وهذا ما تكفّل به الشعراء العرب مستمدين ذلك من مؤثرين بارزين،هما:

- التراث الخطّي العربي وفلسفته المتمثلة في تأويل الحروف وربطها بالحالات الإشراقية والوجد الجواني للروح ..وهو ما تمثله أدبيات المتصوفة العرب ومؤلفاتهم وتصنيفاتهم في الحرف ومعانيه وتأويلاته .

فلقد عرفت العربية مجموعة طيبة من محاولات تأويل الحرف وتقليب إمكاناته الرمزية، وذلك بتأثير التصوف الأسلامي والفلسفة .وأمثلة ذلك ما ضمته كتب مثل الفتوحات المكية لإبن عربي، وكشاف اصطلاحات العلوم والفنون للتهانوي، وبعض شطحات الحلاج وكلماته  في الطواسين وأشعاره، و كتاب التعريفات للسيد الجرجاني وغيرها...

- والحداثة وتيارات التجديد التي تحث على تبدل المراجع ،والبحث عن طرق جديدة للتعبير الشعري والأسلوبية النصية. وهكذا يلتفت الشعراء إلى الكنز الحروفي الذي تحمس له مجددون عالميون، تنبهوا للقيمة الرمزية للحروف ،وإمكانات استثمارها جمالياً في النصوص الشعرية.وقد شهد الشعر الفرنسي على سبيل المثال مثل تلك المحاولات في اللعب بالحروف، واستنطاقها لإبراز طاقتها الرمزية في ترتيب جديد، أو تأويل صورتها البصرية الخارجية ، وإعطائها مرادفات لونية تثيرها في النفس عند تأملها بخيال شعري.(4)

وللتعامل الجمالي مع الحروف تجارب عربية متناثرة ومتباعدة ، لكننا سنتوقف عند تجربة شاعر من جيل السبعينيات الشعري هو أديب كمال الدين (العراق1953-) الذي أوقف تجربته الشعرية على الجمالية الحروفية في وعي وإدراك مسبقَيْن للقيمة الرمزية للحرف كعنصر وجودي وحياتي(5)، فكانت دواوينه خلال مسيرته الشعرية مكرَّسة لتقليب دلالات الحرف والإحتفاء الجمالي به، مواءَمةً مع الحالة الإشراقية الجوّانية التي يعيشها على المستوى الشخصي، فكانت الحروف بمثابة (اكتشاف لجوهره الشخصي) إذا ما استعرنا خطاطة الملتقى الحالي والمقدمة بعنوان (جوهر).

ولعل حالة أديب كمال الدين حالة نموذجية للإصرار على استخدام الحرف، واسثتمار طاقاته الروحية العميقة على مستوى الدلالة، وطاقته الجمالية على مستوى التشكيل والبنية. فقد أصدر أديب كمال الدين تسعة عشر ديوانا ً تستمد قصائدها من جماليات الحرف ودلالاته الروحية والرمزية.

وقد تحول إلى الإستخدام الحروفي المطلق والحصري في شعره بعد ديوانين مبكرين. ومنذ ديوانه الثالث (جيم) الصادر عام 1989 حتى ديوانه الأخير (حرف من ماء)2017 لم يغادر أديب كمال الدين منطقة الحروفية الكتابية. وكانت عناوين دواوينه تشي بذلك، نذكر منها للتمثيل فحسب:

- (نون) 1993)النقطة)1999(حاء) 2002(شجرة الحروف)2007( مواقف الألف)2012( في مرآة الحرف)2016 وديوانه الأخير( حرف من ماء)2017

 مدخل :شجرة الحروف

ولكن لماذا هذا التشبث بالحرف وسيلة وحيدة للتوصيل الشعري؟

يجيب كمال الدين في حوار صحفي (تأمّلتُ في الحرف العربي خلال رحلة شعرية امتدت أكثر من أربعة عقود ولم تزل متواصلة، وعبر كتابة المئات من القصائد الحروفية التي اتخذتْ الحرف قناعاً وكاشفاً للقناع، وأداةً وكاشفةً للأداة، ولغةً خاصةً ذات رموز ودلالات وإشارات تبزغ بنفسها وتبزغ باللغة ذاتها، عبر هذا كلّه أخلصتُ للحرف عبر عقود من السنين حتي أصبح قَدَري الذي لازمني وسيلازمني للنهاية)(6)

 وهكذا كان تميز الشاعر العراقي أديب كمال الدين بين زملائه من شعراء جيله  السبعيني هو عكوفه على تجربة التزيين الحروفي لقصائده كمقترح لأسلوبية خاصة به، وأوغل في التجربة الحروفية تعضده موروثات الكتابة الإشراقية الصوفية وتجارب الشعراء والكتاب الصوفيين في تأمل الحرف، لا في مهمته اللغوية كجزء من كلمة تؤدي وظيفة معنوية أو دلالية بل بما توحي من مشاعر وآثارِ تلقٍ تمس الأحاسيس، وتتمثل الأثر فتخلق الإيحاءات في النفس وتعلي الإدراك الجمالي للعالم الذي يزعم  الموسيقيون وعلماء الرياضيات أنه  مكوَّن من عدد ونغم ، يتوافقان ويخلقان هذا التوازن الإيقاعي في حركة الكون. وتحاول الحروف أن تحدَّه بحدودها ؛ فتغدو ذات أشكال وهيئات خاصة هي التي يناجيها ويستلهمها المتقشفون والزهاد والمفكرون في النفس البشرية.

وربما أخذ بعض النقاد على أديب كمال الدين انغماسه في التجربة الحروفية  وانحصاره داخل إطارها المتكرر، وكأنه استراح لها  نهائيا. ولكنه يجد نفسه متوافقاً وصادقاً مع تجربته، وبقناعةً تؤكدها تفوهاته في حواراته ومقالاته، ولديه ما يبرر اتخذه الحروف وسيلة للتعامل مع الأحداث والموضوعات والمضامين، وقد كتب ديوانه (شجرة الحروف) ليجمع الحروف المعشوقة كلها في شجرة واحدة، والديوان مجموعة قصائد لا تقف عند الهوية الحروفية التي أراد الشاعر تكريسها لنفسه كعلامة فارقة لشخصيته الشعرية ، بل تتعداها إلى موضوعات شعرية أخرى كالتأمل في ما آل إليه الوطن ، وما ملأ أرضه من دم وما يتعرض له من مآسٍ.

ولكن ما شجرة الحروف هذه التي يتفيأ ظلها الشاعر؟

ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى.

ولذا أنبتُّ هيكلي العظميّ في الصحراء

وألبستهُ قبّعةَ الحلم

وحذاءَ طفولتي الأحمر

وعلّقتُ عليه

طيوراً ملوّنةً اتخذتْ شكلَ النون

ثُمَّ وضعتُ عليه

بيضةً صفراء كبيرة

اسمها النقطة! ( 7)

واضح أن الشاعر يقيس العالم بوجوده الحروفي ويسترجع طفولته بهذا المعيار أيضاً، فتتحد البراءة الأولى للطفولة وكأنها براءة الحرف قبل أن تسلبها الاستخدامات النفعية في وجوده اليومي، ضمن عملية  تشكل الكلمات وتأدية المعاني كما يريدها الإنسان في سياق رغباته ومصالحه.

ولكن في هذه التجربة الحدسية ليس ثمة يقين مؤكد، فيغدو الرجوع إلى شجرة الحروف ذات الوجود الافتراضي–الحلمي جزءاً من مقاومة شرور العالم وقسوته. فالنص الحروفي(نص القلق النفسي المتأزم بالمفهوم الوجودي للعبارة ، طالما أن الشاعريبحث في فضاء المعرفة وفي فضاء الحلم عن مرفأ آمنٍ لنقطة النفس القلقة التي قد تفيض على نقطة النون وهمزة الألف في بعض المكاشفات الصوفية) (8)

ورغم أنه تخيل الحروف شجرة نفترض أن بعض ثمارها أقرب من سواه،  نراه لا يميز بين الحروف في التراتب التفضيلي عند الاستخدام الشعري، فيقول في حوار أخير معه (ليس هناك من حرف قريب وآخر بعيد. الحروف كلّها تحاول أن تجيب على سؤال الحياة والموت، والحيرة واليقين، والجمال والقبح، في احتراقها المتواصل عبر ومضة القلب وصرخة الروح) (9 )

يدافع كمال الدين عن تشبثه بالحرف وسيلة مطلقة للتعبير، ويبرر ذلك بطريقة العارفين من المتصوفة والمتأملين في  كنه الحرف وسره، فيستعير لغة العرفانيين الذين يرون الفناء في المحبة دليل الإخلاص للحقيقة .وذلك الفناء عندهم هو أعلى مراتب الوجد.وهو يحيل العارف جاهلاً ،لأنه يبدأ دورة علمه من جديد : (فالحرف كما أرى شبكة لصيد البهجة والألم العظيم. الحرف، قبل كل شيء، سرّ عظيم لا يعرفه حق المعرفة إلا القلة. وكلما ازدادوا معرفة به ازدادوا معرفة بالعالم، وكلما ازدادوا معرفة بالعالم ازدادوا جهلاً بأنفسهم وبالشعر وبالحرف)( 10) 

لقد صدر  أحد عشر  كتاباً  نقدياً مخصصاً  للتجربة الحروفية للشاعر، كتبها نقاد وباحثون أكاديميون. وتم تسليط الضوء على ما تضمنته تلك التجربة من أبعاد رمزية وجمالية......(11)

ولكننا توقفنا لغرض الدراسة وحصر الدلالات على النصوص التي تعكس الوعي الحروفي لدى الشاعر وطريقةَ تَمثُّلهِ للجماليات الحروفية من خلال  ثلاثة من دواوينه هي (أقول الحرف وأعني أصابعي) و(مواقف الألف) و(نون). مع استشهادات متناثرة من دواوين أخرى.

وذلك يستلزم تأمل عدة محاور للبحث في تجربته الشعرية الحروفية:

1- المراجع المؤثرة في تجربته:

 ووجدناها تتلخص  في الإحالات القرآنية من السور والآيات، و في كتابات تتناول جماليات الحرف ورمزيته  لمحيي الدين بن عربي لاسيما الفتوحات المكية وترجمان الأشواق، وأبي حيان التوحيدي بوجه خاص في الإشارات الإلهية ،وثمة جماليات مستخدمة بتناص غير مرئي مباشرة مع الأدبيات الشعرية والنثرية الصوفية لشعراء وكتّاب ؛ كالحلاج في قصائد منسوبة له، والنفّري في المواقف والمخاطبات .

وعلى سبيل التطبيق نعاين ديوانه(مواقف الألف) (12) الذي يبين لنا بجلاء ومباشرة استفادة الشاعر من النفّري في (المواقف والمخاطبات) الذي يقوم على اللازمة المعروفة (أوقفني ...وقال).

يضم الديوان أربعة وخمسين موقفاً، كل  قصيدة تعنون بموقف مع إضافة شيء إليها؛ مثل موقف الألف، وموقف الإسم، وموقف الخطأ...إضافة إلى عتبة افتتاحية ذات دلالة عنوانها (مفتتح) يصرح فيها بما اتخذ من أسلوبية أدائية ،حيث اقتبس من النفري عمود الديوان أو هيكله الأساسي:

اقتَبسَتُ مِن النِّفَّريّ جُملةَ البَدء

ومِن دمي جُملةَ المُنتهى.

وما بين الجُملتين

بعينين دامعتين

وقلبٍ يشبهُ شجرةَ الأمل

كتبتُ كتاباً في مدحِ ملكِ الملوك،

ذاك الذي يقولُ للشيء كُنْ فيكون (13)

إذاً لم يكن مرجع الشاعر هو (المواقف والمخاطبات) فحسب، فما دام يريد كتابَه مديحا لملك الملوك=الله الذي يقول كن فيكون، فهو داخل في تناص مرجعي صريح وضمني مع الآيات القرآنية، لاسيما تلك التي ترد فيها مفردات ومعان تلقفها الصوفيون في كتاباتهم الإشراقية كالنور مثلاً .وهذا ما تؤكده عتبةٌ افتتاحية وموجّهُ قراءة ٍشديد الأثر، حيث استعان بآيات من سورتي النور ويوسف. وهذا موجود في ديوان (نون) حيث تتصدر النصوص آية (ن. والقلم وما يسطرون)(14)

وفي العنونة يصارح الشاعر قراءه بأنه غيَّر تسمية الكتاب - والكتاب  مفردة مقصودة الدلالة حيث لم يقل (ديواناً) ليقرب من البوح والنثر المتوهج وجدانيا، لاسيما والأشعار كلها مكتوبة كقصائد نثر- .وفي الحقيقة يريد الشاعر أن يهيئ القارئ لتلقي موجهات نورانية تضعه في سياق النص. فيزعم أنه أراد تسميته لوعة عابر سبيل، فعدّله إلى نقطة شوق وحرف أنين، ثم اصطاد (ما يشبه سمكة ذهبية بسنارة السنين فسمّاه: مواقف الألف/ في اقتفاء أثر التائبين والتائهين والعاشقين) (15) 

ويمكن لنا ملاحظة تكرار الألف قرابة عشر مرات في الجملة الشعرية الأخيرة.

ويصرح الشاعر بأن القرآن كان أكثر المراجع تأثيراً في استلهامه الحرف. فيقول:

( إن حروفيتي في أصلها قرآنية. فالحرف حمل معجزة القرآن المجيد ولا بدّ لحامل المعجزة من سرّ له، كما أن الله سبحانه وتعالى أقسم بالحرف في بداية العديد من السور الكريمة) (16)

وهذا واضح يمكن التمثيل له بالقصيدة التي ختم بها (مواقف الألف)، وعنوانها(موقف الجنة) حيث ضمّنَ آياتٍ قرآنية ًمن سورة الأعراف، وسورة ياسين:

أوقَفَني في موقفِ الجَنّة

وقال: هذه هي الجَنّة.

فانظرْ إلى رحمةِ ربّك

كيفَ أحاطتْ بك.

ادخلْها فأنتَ مِن المُكرَمين

وقل: الحمدُ للهِ ملء السَّماوات والأرض.

فأنتَ ما دخلتَها يا عبدي

بألفِكَ بل بقافي،

ولا بمحبّتِكَ بل بمحبّتي لك،

ولا بصبرِكَ بل بصبري عليك.

ادخلْها وقلْ:

الحمدُ للهِ الذي هَدانا لهذا

وما كُنّا لنهتدي لولا أنْ هَدانا الله.

وقل: سلامٌ قولاً مِن ربٍّ رحيم.(17)

 

 

إن المرجعية القرآنية هنا مباشرة وصريحة ، وفي مستوى الإستخدام الحروفي أضفى حرف الألف مكانة بشرية للشاعر ربما تكون مشتقة من حرف اسمه الأول: أديب، فيما كانت قاف الله هي التي أدخلته الجنة بقاف قوته وقدرته.

ويمكن تسمية مراجع أخرى تدور في فلك المرجعيْن السابقيْن وهي كتابات الصوفية ومفردات العشق، والتضحية من أجل المحبوب. وما يفعله أديب كمال الدين هو سلخ تلك المفردات والحالات السياقية لها ؛ليضعها في غزل وأوصاف تقترب من الإستخدام الدنيوي، لاسيما فيي أعماله الأخيرة - رغم أنها جاءت في الأعمال الأولى-.ففي ديوانه (أقول الحرف وأعني أصابعي) يجسّد من الحروف شخوصاً تحاور بعضها:

قالَ الحرفُ الحكيمُ للنقطةِ الشاعرة:

تعالي إليّ!

فأجابت النقطة:

بل أنتَ تعال إليّ!

قالَ الحرفُ:

إن جئتكِ عشقتك

وأصبحتُ ساحراً،

وأنا لا أحبُّ السِّحِر.

فأجابت النقطة:

إن جئتكَ ذبتُ فيك

وأصبحتُ نبيّةً،

والنُبُوّة لا تصلحُ للنساء! (18)

 

إنه يتماهى مع التجربة الحروفية في بعدها الصوفي، وما ضمته أدبيات الصوفية من أشعار في العشق الإلهي ، فيقرر في ديوانه (نون) انْ لابد للشاعر من أن يعشق:

ينبغي للشاعرِ أن يعشق

حتّى يتعرّف إلى الشمسِ وهي تشرقُ ليلاً

وإلى الهلالِ وهو يصبحُ نوناً من غيرِ نقطة

وإلى النقطةِ وهي تصبحُ سِحْراً

يضيءُ فحمةَ الليل.(19)

 

يحاول الشاعر هنا أن يموّه تجربته العشقية أو هفوَ روحه  للعشق وصبواته بالقول: إن ذلك العشق ضروري للشاعر. وفي سياق الأسباب يورد ما يبعده عن دائرة الحب الجسدي أو البشري، فيجعل الهدف هو الكشف ورؤية الحقيقة ممثلة بالشمس المشرقة ليلا! والنقطة اتي تضيء بسحرها دجنة الليل!

إذا كان الشعراء الوصافون قد شبهوا الهلال بنون لجينٍ=السري الرفاء، أو زورق فضة أو منجل فضة=عبدالله ابن المعتز،فإن كمال الدين لايراه في جماله المتعالي إلا حروفياً فيجسده نوناً تعوزها النقطة.(20)

2- رمزية الحرف ودلالاته الشعرية

توخينا بجانب المؤثرات والمراجع  قراءة القصائد بهدي الجمالية الحروفية للخط العربي ، وكينونة الحرف ودلالاته الرمزية.وما يتيحه التناص الشعري وتحويل الحروف إلى عناصر نصية مكتوبة ومتخيلة ومصورة في القصيدة. بالإضافة إلى الموقف الفكري للشاعر أو الإستراتيجية النصية في استخدامه للحرف العربي. ومقارنة النصوص بعدَّةٍ تأويليةٍ مرجعها الحرف وامتداداته الممكنة في النسيج النصي الشعري.

و سبيلنا لإنجاز هذه القراءة هو تفحص العناصر التالية:

- الإستخدام الشعري على مستوى التناص البنائي مع الحرف.وأعني به استثمار الشاعر لهيئة الحرف وأبعاده المعنوية .

- الإستخدام الدلالي .وهو الكشف عن العمق الروحي لاستلهام الحروف، وتأكيد مطابقتها للحالة الوجودية أو الكينونة الخاصة بالشاعر.

- تأويلات الحروف والإنزياحات الصياغية التي جرت لها في المدونة الشعرية لأديب كمال الدين.

- التحوير والتوسيع الدلالي والرمزي للحرف عبر ترحيله من مكانه أو مكانته في الفكر الحروفي والخطي ، إلى مديات شعرية جديدة ومبتكرة.

وقد اخترت في هذه المرحلة من الدراسة ديوانيه (مواقف الألف) و(نون) لقناعتي بأن لهذين الحرفين في العالم الرمزي للحروف العربية مكانة كبيرة ، تحف بوجودهما منذ القدم. وهما كذلك مؤشران لعلاقة الشاعر بالله وتجسيد الشوق الصوفي له. فالألف هو أول حرف من اسم الشاعر، كما أن النون هي الحرف الأخير . والألف هو المبتدأ أو بداية التكوين بينما تكون النون مستقراً للكينونة الخليقية. وهي منتزعة من (كن فيكون) التي وجدنا الشاعر يرددها منسوبة لقاف القوة الإلهية.

هكذا يكون لهذين الحرفين موقع حيوي في الفكر الحروفي وفي القصيدة الحروفية كما في اللوحة. وقد أشار دارسو تجربة كمال الدين إلى استخدامه لدلالات الحروف شعرياً ،فأقرّوا كون الحرف قد أصبح (عند الشاعر الصورة الناطقة لما يجول في أعماقه من أسرار وخفايا، فحملت تلك الحروف دلالاتٍ ومعاني تختلف من لفظة إلى أخرى) (21) ولكننا بالمقابل سننتزع الخط الحرفي من وظيفته التقليدية ليؤدي مهمة جديدة في النص ،تكتشفها القراءة التي يقول عنها الدكتور مصطفى الكيلاني في كتابه عن تجربة كمال الدين (تقتضي  القراءة أن لا نتعامل مع هذا الخط تعامل الكتابة  ،وما في الكتابة  من توظيف نفعي، ولكن الخطوط في تشكلها تلهج  بكوامن ذاتية  وهواجس فكرية هي أصداء واقع معيش، مهزوزة صوره وأركانه.) ( 22)

لقد غدا الحرف معلّماً أو مريداً:

حينَ يجلسُ الحرفُ قبالتك

لا تتكلّمْ قبلَ أن يبدأ الكلام.....

وحينَ يشتعلُ الحرف

من الموتِ والحُبّ

ضعْ إصبعَكَ على شفتيكَ علامةَ السكوت

وابدأْ كتابةَ القصيدةِ فوقَ الماء! (23)

 

هذا الصنيع الفني يمكن تسميته (أنسنة الحروف) التي رأيناها في نصوص أخرى تتحاور  وتقيم علاقات  مع بعضها ، أو يحاورها الشاعر ويستنطقها كالبشر:

تحتَ شجرةِ الكلمة

جلسَ الحرفُ والنقطة

وقبَّلا بعضهما بعضا

 

حين تعلَّمَ الحرفُ سرَّ القُبلة

صار عاشقا

ثمَّ شاعرا

ثمَّ مجنونا ( (24)

وهو في ذلك يجسّد النظر الصوفي للحروف بكونها عندهم كما يقول التهانوي (خزائن الله الكامنة في غيب الغيوب...)(25)

 يلاحظ الدارسون أن أديب كمال الدين  (ألحّ في أكثر نتاجاته الشعرية على الحروفية الرمزية (الألف والنقطة) ثم وظَّف غيرهما ليجسد حالة التوهج والعشق)(26).

لكنني أرى أن اهتمامه الأول - كما بينت سالفاً- كان بحرفيْ الألف والنون، أما النقطة فهي ذات رابط بصري قوي بالنون التي لا قيمة لها بدون نقطتها. لذا شبهها كمال الدين في نص استشهدنا به سابقاً بالهلال الذي يصبح نوناً بلا نقطة.

إن النون ذات قيمة مركزية في الشعر الحروفي .وقد شخّص ذلك الدكتور عبدالقادر فيدوح حين درس حروفيات كمال الدين معللاً ذلك: (لأن هذا الحرف في نسق مكاشفة المتصوفة يعد حرفًا نورانيًا، وسر ديمومة التواصل نحو الشفق الأعلى)(27)

ولكن النقطة من ناحية أخرى ذات مكانة مهمة في الفكر الصوفي بحسب نظرية الفيض الإلهي.فهم يرون العالم خطاً مكوناً من مجموعة نقاط ، وإذا أنت وقفت عند أية نقطة فأنت في الخط نفسه .

يرى الدكتور مصطفى الكيلاني (إنّ النقطة، بالمنظور الحروفيّ العربيّ القائم على الدلالة العِرفانيّة التشكيليّة الرمزيّة الإيحائيّة، هوالحضور ،رغم ضآلته وصفته العارضة داخل دفْق الحركة في انسيال الوجود أو انسيابه. لذلك نزعت الكتابة في قصائد “النقطة” لأديب كمال الدين إلى انتهاج سبيل “المحاولة” تليها محاولة بل محاولات لاستحالة حصْر النقطة في نظام تدليليّ واحد، إذْ يتحكّم سِياق الاستخدام في كُلّ من الظهور العلاميّ  والأداء الدلاليّ).(28)

ويرى باحث آخر أن  حرف "النون" في شعر أديب (يرمز إلی الکون، ونقطتها ترمز إلی الشاعر، وأحياناً يرمز هذا الحرف إلی سفينة نوح، ونقطتها إلی النبي نوح، وأحياناً ترتبط بالنبي يونس وقصة الحوت المعروفة ) ( 29)

لكنني مقتنع بعد دراسة نصية لشعر كمال الدين أن النقطة - وإن تكن ذات حضور مميز وستراتيجي في شعره -  تابعة لوجودها مع الحروف الأخرى والنون خاصة. صحيح أنها تعيّن هوية الحرف وتعطيه وجوداً جديداً بعد التنقيط ،لكننا نراها تابعاً، والوجود النوني (كن) هو الأسبق في الدلالة على العالم.

في موقف النون من (مواقف الألف) ، يقول:

أوقَفَني في موقفِ النّون

وقال: اعلمْ أنَّ النّونَ هي السَّفينة

والنقطة نقطة ذي النّون يا عبدي.

واعلمْ أنَّ النّونَ هي المرأة

والنقطة هي المَسرّة.

واعلمْ أنَّ النّونَ هي الدنيا

والنقطة هي الشَّمس.

ثُمَّ قال: إنّ مَن عرفَ النّونَ فقد أبصر. (30)

يدرك أديب كمال الدين مستويات التعبير المتاحة في الحرف من الناحية البنائية  فيقول: (وجدت أنّ للحرف العربي ما يمكن تسميته ب(المستويات). فهناك المستوى التشكيلي، القناعي، الدلالي، الترميزي، التراثي، الأسطوري، الروحي، الخارقي، السحري، الطلسمي الإيقاعي، الطفولي) (31) . وذلك أمر يحدده السياق. ويعطينا قناعة بأن الشاعر يحرر الحرف مرتين: مرة من وجوده الوظيفي الدال على المعنى، ومرة داخل هذا الإستخدام المتحرر من الوظيفة فيطلقه ليدل على عدة معانٍ بناء على السياق المستخدم فيه.  

إن الحرية التي يمنحها التناص بكونه استضافة نص أو حياته في نص آخر جديد زمنياً ستجعل الشاعر يشكل من الحروف هيئات مختلفة. فالتناص هنا (لعبة يمارسها الشعر مع الحرف بالحرف). كما تشخص الدكتورة حياة الخياري في كتابها عن نون كمال الدين. (32) وتستقصي نون القصيدة المستمدة تشكيلياً من نون السرد القرآني: فلك نوح وذي النون في بطن الحوت ونون القسم القرآني. لكننا نلاحظ عدم تقيد أديب كمال الدين بالصدى الصوتي والتماهي أو التداعي الحروفي المعتاد، أي الاسترسال في ذكر نونات محسوسة. فهو يتكلم عن حرف ويورد مسميات لاوجود لذلك الحرف فيها.ما يعني في القراءة التأويلية محاولة التحرر من الترتيب او التنضيد الشكلي للحرف .والإنطلاق في أفق روحاني يوجد أو يشكل للحرف هيئة حسية ورمزية جديدة.

في (موقف الألف) يفتتح الشاعر النص بهذين البيتين:

أوقفني في الألف

وقال: الألف حبيبي(33)

وكلمة حبيبي لا ألف فيها. وكان بإمكان الشاعر أن يرسخ الوجود العياني للالف بكلنة مثل أناي، وهي ذات مدلول صوفي. وكذلك في قصيدة أخرى يصف الألف بأنه الموكَّل بفضاء الله:

أيّها الألف

سيشتمُ همزتكَ شاعرُ الملوكِ الظَلَمة(34)

وإذا كانت حركة الألف والنون (تتردد في  مدونة الشاعر أديب كمال الدين بين شد وجذب) (35)  فإن النقطة تكون الوليد الملازم لامتزاجهما الجسدي.

وسيظل ذلك التلازم يرافق الشاعر حتى الفناء حيث يقول:

الزمنُ توقّف.

فخرجتُ لأعيد للزمنِ روحَه المسروقة

فوقعتُ في الممرِ فانكسرَ ألفي وسالَ دمُ نوني.(36)

إنه لم يجد لتقريب انكساره للقارئ سوى هذين الحرفين اللذين يرافقانه في نهايته المتخيلة ، فصار انكسار الألف ومسيل دم النون علامة على انطفائه وانكساره.فهل من تماه أشد وأقوى من هذا؟

خاتمة

أقمنا دراستنا لحروفيات الشاعر أديب كمال الدين على  افتراض أن التوسع الجمالي والفني للخط والحرف، لامس دائرة الشعر أيضاً .فكانت القصيدة الحروفية تتصادى واللوحة الحروفية في استمداد الطاقة الرمزية والدلالية للحرف وجمالياته، واستثمار التناص مع نصوص الآيات القرآنية وكلام المتصوفة وأشعارهم، وما يمكن أن يؤديه داخل النص الشعري من مهام غير تقليدية. وقد ساعد إيقاف الشاعر جل قصائده في دواوينه  على الحروفية في تلمس تعامله الجمالي والدلالي مع الحرف؛ فوجدنا أنه وإن خصَّ الألف والنون والنقطة كتابع لامتزاجهما في هيئة الوجود، باهتمام كبير، لم يهمل الحروف الأخرى. كما أنه لم ينطلق من الجانب الصوتي للحرف بل من دلالته ورمزيته وما يوحي له من تداعيات روحية متأثراً بمراجع  سميناها ، وتدركها  القراءة لأنها قائمة على الإشراق الروحي والبوح الجواني، وملامسة هواجس الروح وأسئلتها وقلقها .

 

 

الهوامش والإحالات

1) نزار شقرون:شاكر حسن آل سعيد-الحقيقة في الفن،دائرة الثقافة والإعلام-إدارة الفنون - الشارقة،

2008  ،ص 41. ويضيف  شقرون ( إن اقتفاء أثر الخط العربي وربطه بالهاجس الفني المعاصركان وليد استقراء عميق وتأويلي لأصول هذا الخط الفنية والحضارية) نفسه ،ص206

2)   ابن عربي :الفتوحات المكية ، دار صادر، ضبطه ووضع فهارسه: أحمد شمس  الدين ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999مج2،ص448

 وتضيف د.إيناس حسني مؤكدة ذلك بالقول:(الحرف العربي ليس مجرد وسيلة لنقل النص، فهو جميل في ذاته دون أن يكون جزءاً من كلمة، ومعاصر وحداثي..وتتمتع بالمرونة..) ،  ينظر كتابها :الحرف العربي في الفن الحديث،دائرة الثقافة والإعلام ،الشارقة 2013، ص11

3) عرضتُ وناقشتُ بعض معوقات الحضور الجمالي للخط العربي وأزمته الراهنة في كتابي أقوال النور -قراءات بصرية في التشكيل المعاصر،دائرة الثقافة والإعلام،الشارقة2010، ص58-59.

4) أمثلة ذلك في كتاب المغامرة السريالية -مقالات ونصوص،اختارها وترجمها عدنان محسن، منشورات الجمل ، بغداد -بيروت، 2016.

وتنظر : قصيدة رامبو(حروف العلة) التي تتداعى فيها خيالاته حول العلاقة بين الحرف واللون .آرتور رامبو:الآثار الشعرية ، ترجمة ودراسة كاظم جهاد، دار آفاق للنشر،القاهرة و منشورات الجمل، بيروت كولونيا2007،ص297

وسردياً تأثر كتاب كثر بالجمالية الحروفية العربية.وقد حذا بورخس في قصته ( الألف) حذو ابن عربي فقد رأى بورخيس ألفا  مشخّصاً ذا وجود عياني  ،ورأى ابن عربي   ألفاً منيراً ج2 الفتوحات ، وكلاهما تجلى له الحرف في هالة ضوئية. ( ينظر :عائشة زمام ، تجليات «ألف» ابن عربي في قصة «الألف» لبورخيس)،مجلة نزوى،1يوليو-تموز-2012

وتذكر الدكتورة إيناس حسني عدداً من التجارب لفنانين أوربيين وصينيين تأثروا بجماليات الحرف العربي واستلهموه في أعمالهم.ينظر كتابها: الحرف العربي في الفن الحديث، سابق،ص21 وما بعدها

   5)  حوارحديث مع الشاعر أجراه: علي جبار عطية، جريدة الإتجاه الثقافي-وزارة الثقافة -بغداد، 8/6/2017 .

6) الحوار السابق ، نفسه  

وتذكر الدكتورة حياة الخياري في كتابها عن نون كمال الدين، أن الشاعر الحروفي ،وتعني أديب كمال الدين يعتمد الحرف أسّاًّ رمزياً  عليه تنبني القصيدة ، ومسباراً وجودياً تنبني عليه نظرته إلى العالم وأشيائه. أضف نوناً: قراءة في (نون) أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت 2012

7) أديب كمال الدين، شجرة الحروف، دار أزمنة ، عمّان2007

 8) د.حياة الخياري: أضف نوناً ،سابق، ص140

9) حوار مع الشاعر أجراه عزيز البزوني، صفحة ألف ياء- جريدة الزمان، بغداد-لندن، 15/10/2017

10) نفسه، وقد ذكر الشاعر ذلك في حوار علي جبار عطية معه، سابق

( 11) يمكن معاينة هذه الكتب وبعض الدراسات الأخرى في موقع الشاعرأديب كمال الدين   .www.adeebk.com

12) أديب كمال الدين: مواقف الألف،ا لدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت 2012

13) نفسه، ص112

14) أديب كمال الدين: نون، موقع الشاعر أديب كمال الدين، دار ضفاف، بيروت2015

15) مواقف الألف، مفتتح، ص11

16) حوار علي جبار عطية مع الشاعر ، سايق

17) مواقف الألف، سابق، ص94

18) أديب كمال الدين: أقول الحرف وأعني أصابعي، الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت،2011ص49

19) أديب كمال الدين: نون، قصيدة قاف ،سابق

20) قال السريّ الرفّاء

كأنّ الهلالَ نونُ لُجينٍ                     غرقتْ في صحيفةٍ زرقاءِ

وقال عبدالله ابن المعتز:

انظرْ إليه كزورق من فضة             قد أثقلته حمولة من عنبرِ

وأيضاً:

كمنجلٍ قد صيغ من فضةٍ              يحصد من زهر الدجى نرجسا

21) إبراهيم خزعل العبيدي: التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين،  المركـز  الثقافي للطباعة والنشـر،بابل- دمشق القاهرة2017. من موقع الشاعر

22) د.مصطفى الكيلاني: الحرف والطيف-عالم أديب كمال الدين الشعري (مقاربة تأويلية)، نشر إلكتروني 2010 ،من موقع الشاعر

23) قصيدة حروفية، مواقف الألف، سابق، ص35

24) أديب كمال الدين: قصيدة تحت شجرة الكلمة، ديوان  أقول الحرف وأعني أصابعي، سابق،  ص106

25) التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق وإشراف د.رفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون،1996ج12، ص643

26) إبراهيم خزعل العبيدي: التشكيل الأستعاري، سابق

27) د.عبدالقادر فيدوح: أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفية في شعر أديب كمال الدين- منشورات ضفاف -بيروت 2016         

 28) د.مصطفى كيلاني، الحرف والطيف، سابق

29) د.رسول بلاوي: آليات التصوير في شعر أديب كمال الدين ، منشورات ضفاف بيروت 2015. من موقع الشاعر، سابق

30) أديب كمال الدين : مواقف الألف، سابق، ص36

31) حوار علي جبار عطية مع الشاعر،سابق. ويتكرر ذلك في حوار عزيز البزوني ، سابق.

32) د.حياة الخياري،أضف نوناً، سابق،ص29

33) أديب كمال الدين: مواقف الألف، سابق،ص12.وفي الألف يقول ابن عربي :

(:يتعلق به كل شيء، ولا يتعلق هو بشيء، يُظهِر الحروف ولا تُظهره، ويُخفي اسمَه في جميع المراتب، وكذلك الألفُ سرى في الحروف على تَبايُن ألفاظها). الفتوحات المكية،سابق، م1،ص65

34)  قصيدة الموكَّل بفضاء الله، ديوان أقول الحرف وأعني أصابعي، سابق،ص87وفي قصيدة ما اسمك أيها الحرف - ديوان أقول الحرف وأعني أصابعي،ص11 يأتي بالحرف في كلمة حين يخاطبه في موضعين ، ثم يترك ذلك ولا يأتي بكلمة تطابق الحرف المخاطب:

أنا الحاء

حلمك الباذخ بالحب

..وأنا الباء

 بسملتك

..وأنا النون

بئرك الأولى

..وأنا السين

طفولتك التي ضيعتها باكياً

..أنا الألف

حرفك الممهور بالدم والندم

35) د.حياة الخياري: أضف نوناً، سابق،ص87

36) قصيدة قاف،ديوان (نون)، سابق ، ص15.

 

ملاحق

* مقاطع  من نصوص للشاعر استشهدنا بأجزاء منها في البحث، أو ذكرناها على سبيل الإستدلال.

 

شجرة الحروف

من ديوان شجرة الحروف 

 

شجرة الحروف

 

 

1.

ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى.

ولذا أنبتُّ هيكلي العظميّ في الصحراء

وألبستهُ قبّعةَ الحلم

وحذاءَ طفولتي الأحمر

وعلّقتُ عليه

طيوراً ملوّنةً اتخذتْ شكلَ النون

ثُمَّ وضعتُ عليه

بيضةً صفراء كبيرة

اسمها النقطة!

2.

ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى.

حينَ هبطتُ من المركبِ الأسْوَد الطويل

رأيتُ الناسَ يحملون أشجاراً:

بعضهم يحملُ شجرةَ الذهب

أو شجرةَ اللذّة

أو شجرةَ الدم.

والآخَر يحملُ شجرةَ النسيان

أو شجرةَ الكحول

أو شجرةَ النار.

فمددتُ يدي في قلبي مُرتبكاً

وأخرجتُ شجرةً صغيرةً جدّاً

مليئةً بالشَّمس

سمّيتُها شجرةَ الحروف!

3.

ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى

لكن حدثَ أن سُجِنتُ مدى الحياة

ولكي أبدّدَ الوقتَ في سجني الأبديّ،

زرعتُ شجرةً صغيرةً جدّاً

في الصحنِ المعدني العتيقِ الذي يضع

فيه السجّانون طعامي.

فَنَمت الشجرةُ عاماً فعاماً

حتّى أثمرتْ جيماً مليئةً بالطلاسم

وصيحاتِ الدمِ والحروب

ونوناً مليئةً بآهاتِ العشق

وريشِ المحبّة

ونقطةً قيل إنّها نقطة العارفين.

4.

ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى.

في المركبِ العجيب

أبحرَ جمعٌ مِن الغرباءِ المنفيين،

مِن المتوحّشين والمجانين وأشباه المجانين

ليتيهوا وسطَ البحر.

فقالَ الأولُ: سنصلُ إلى الشاطئ

حينَ نرى شجرةَ التفّاح.

وقالَ الثاني: حينَ نرى شجرةَ الدنانير.

وقالَ الثالثُ: حينَ نرى شجرةَ الطيور.

وقالَ الرابعُ: حينَ نرى شجرةَ النساء.

ثُمَّ وصلَ الدورُ إليّ

فقلتُ: سنصلُ إلى الشاطئ

حينَ نرى شجرةَ الحروف.

*

حينَ وصلنا إلى الشاطئ

استقبلنا ملكٌ ضخمُ الجثّة،

حادُّ النظراتِ، مُخيفٌ كاللعنة.

فأعطى الغريبَ الأوّلَ تفّاحة

وأعطى الثاني ديناراً

وأعطى الثالثَ طائراً

وأعطى الرابعَ امرأةً.

ثُمَّ وصلَ الدورُ إليّ

فتجهّمَ وجهُ الملكِ وصاح:

يا سيّاف اقطعْ عنقه!

*

حينَ تدحرجَ رأسي على الشاطئ

وسطَ صهيلِ الغرباءِ المنفيين،

بزغتْ من دمي المتناثرِ على الأرض

شجرةٌ مليئةٌ بالنورِ والسرور.

أتراها شجرة الحروف؟

 

 

قاف

من ديوان (نون)

 

لكلّ مَن لا يفهم في الحرفِ أقول:

النونُ شيءٌ عظيم

والنونُ شيءٌ صعبُ المنال.

إنّه مِن بقايا حبيبتي الإمبراطورة

ومِن بقايا ذاكرتي التي نسيتُها ذاتَ مَرّة

في حادثٍ نونيّ عارٍ تماماً عن الحقيقة

ومقلوبٍ، حقّاً، عن لُبّ الحقيقة.

وهكذا اتضحَ لكم كلّ شيء

فلا تسألوا، بعدها، في بلاهةٍ عظيمة

عن معنى النون!

*

لعنفوانكِ ينبغي أنْ أنحني،

لجمالكِ ينبغي أنْ أكتبَ الشعر،

لمحبّتكِ ينبغي أنْ أخترعَ أبجديةً جديدة،

لعشقكِ ينبغي أنْ أعيدَ اكتشاف الدموع.

 

*

ينبغي للشاعرِ أن يعشق

حتّى يتعرّف إلى الشمسِ وهي تشرقُ ليلاً

وإلى الهلالِ وهو يصبحُ نوناً من غيرِ نقطة

وإلى النقطةِ وهي تصبحُ سِحْراً

يضيءُ فحمةَ الليل.

*

سأمنحكِ أيّتها النون المجنونة بالجمالِ والانكسار

مجدَ الكلمة،

وسأعلنكِ إمبراطورةً حقيقيّة،

وأتوّجكِ في احتفالٍ سرّيّ عظيم

بتاجِ الحروف

وقلادةِ الكلمات

وطيلسان القصائد

ووسامِ الهيام

وعصا السحر.

*

 

ينزفُ الشاعرُ حين يعشق

آلافَ الكلماتِ والحروف

ليغربل لغتَه من أدغال الصدأ

ويغربل قلبَه من أدغال الموت.

 

 

 

 

موقف الألف

 

من ديوان ( مواقف الألف)

أوقَفَني في موقفِ الألف

وقال: الألفُ حبيبي.

إن تقدّمتَ حرفاً،

وأنتَ حرفٌ،

تقدّمتُ منكَ أبجديةً

وقدتُكَ إلى أبجديةٍ من نور.

وقال: سَيُسمّونكَ "الحُروفيّ".

فَتَبصّرْ،

فالليلُ طويلٌ والراقصون كُثر،

وهم أهلُ الدنيا وأنتَ مِن أهلي.

فكيفَ سيكون بَصَرُك؟

وكيفَ ستكون بَصيرتُك؟

وكيفَ ستختار نجمَك،

وأنتَ لستَ ممَّن يقرأ الشَّمس

أو طالعَ الشَّمس

ولا بالذي يقتفي أثرَ القافلة

بحثاً عن الذهب،

ولا بالذي يقودُ الشراعَ في البحر

بحثاً عن الجزيرةِ المفقودة؟

فكيفَ ستختار نجمَك؟

أعرفُ أنّكَ ستقول: "الغريب".

لكنّ هذا لا يُجيب.

وستقول: "المَنفيّ" أو "المَحروم" أو "الضائع"

أو "المُمتَحن" أو "المُشتاق" أو "السَجّاد"

أو "المَنسيّ" أو "المُتضرّع" أو "المُنوّن"

أو "المُتصوّف" أو "الزاهد" أو "العارف".

وكلّ هذا لا يحيط.

هو يشيرُ إلى الجزءِ، وأنتَ في الجزءِ أجزاء.

وهو يشيرُ إلى المعنى،

وأنتَ في المعنى قلب.

وهو يشيرُ إلى القلب،

وأنتَ في القلبِ طفل.

وهو يشيرُ إلى الطفل،

وأنتَ في الطفلِ حلم.

وهو يشيرُ إلى الحلم،

وأنتَ في الحلمِ نهر.

فَتَبصّرْ،

كيفَ سأسقيكَ من أنهارٍ من عَسلٍ مُصفّى،

أنهارٍ لذّة للشاربين

لا فيها لغوٌ ولا تأثيم؟

 

المصادر والمراجع

الكتب

 - إبراهيم خزعل العبيدي: التشكيل الإستعاري في شعر أديب كمال الدين، المركـز الثقافي للطباعة والنشـر،بابل-دمشق القاهرة2017.

- ابن عربي: الفتوحات المكية ، دار صادر، ضبطه ووضع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999مج2،ص448 .

- التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق وإشراف د.رفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون،1996.

 - أديب كمال الدين:

    - أقول الحرف وأعني أصابعي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت2011

    - مواقف الألف، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت 2012

    - نون، موقع الشاعر أديب كمال الدين، دار ضفاف، بيروت2015

  -  آرتور رامبو: الآثار الشعرية ، ترجمة ودراسة كاظم جهاد، دار آفاق للنشر،القاهرة و منشورات الجمل، بيروت كولونيا2007

   - د.إيناس حسني:الحرف العربي في الفن الحديث،دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2013

   - د.حاتم الصكر:أقوال النور- دراسات في التشكيل العربي المعاصر،دائرة الثقافة والإعلام،الشارقة 2010

 - د.حياة الخياري: أضف نوناً-قراءة في نون أديب كمال الدين،الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت2012

- د.رسول بلّاوي: آليات التصوير في شعر أديب كمال الدين ، منشورات ضفاف ، بيروت 2015.

- د.عبدالقادر فيدوح :أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفية في شعر أديب كمال الدين، منشورات ضفاف ، بيروت 2016.

- عدنان محسن: المغامرة السريالية -مقالات ونصوص،اختارها وترجمها عن الفرنسية عدنان  محسن ، منشورات الجمل ،بغداد -بيروت، 2016.

 - د.مصطفى الكيلاني: الحرف والطيف-عالم أديب كمال الدين الشعري(مقاربة تأويلية)، نشر إلكتروني 2010.

- د.نزار شقرون:شاكر حسن آل سعيد الحقيقة في الفن، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2008

         دراسات في الدوريات 

      - عائشة زمام :تجليات «ألف» ابن عربي في قصة «الألف» لبورخيس)،مجلة نزوى،1يوليو-تموز-2012.

             مواقع إلكترونية

- موقع الشاعر أديب كمال الدين www.adeebk.com

 

حوارات مع الشاعر

- حوار مع الشاعر أجراه عزيز البزوني، صفحة ألف ياء- جريدة الزمان،بغداد-لندن،15/10/.2017.

- حوار مع الشاعر أجراه علي جبار عطية، جريدة الإتجاه الثقافي- وزارة الثقافة -بغداد، 8/6/2017 .

 

**********

 

 

بحث ألقاه الناقد والأكاديمي أ. د. حاتم الصكر ضمن فعاليات الندوة الفنية التداولية: جوهر الإبداع والتلقي في الإمارات- الشارقة (نيسان 2018)

 

 

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home