جولة في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر أديب كمال الدين

 

 

لندن: عدنان حسين أحمد

 

 

 

 

صدر عن “منشورات ضفاف” ببيروت المجلّد الثالث من الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي أديب كمال الدين المقيم في أستراليا حاليًا.  ويضمّ المجلّد ثلاث مجموعات شعرية وهي “شجرة الحروف” و“أربعون قصيدة عن الحرف”  و“أقول الحرف وأعني أصابعي”، وهي تشكِّل امتدادًا طبيعيًا لتجربته الشعرية التي انطلقت في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي اعتمادًا على صدور مجموعته الشعرية الأولى التي تحمل عنوان “تفاصيل” عن “مطبعة الغري” بالنجف عام 1976. ولا يراودنا الشك بأن إرهاصات تجربته الشعرية ومخاضاتها الأولى قد بدأت قبل هذا التاريخ بخمس سنوات في أقل تقدير فهو ينتمي إلى أسرة مثقفة يُعنى أفرادها بالأدب والفن والترجمة واللُقى الأثرية، ولابد لعدوى القراءة أن تصيبه، وتنتقل إليه من أحدهم ليجد نفسه مسحورًا بهذا الكون الشعري المُدهش الذي ولجهُ مع سبق الترصّد والإصرار.

ورغم أنّ كل مجموعة من مجموعات أديب كمال الدين الشعرية تتوفر على أشياء جديدة شكلاً ومضمونًا، إلاّ أن هناك سماتٍ مشتركةً في أعمالة الشعرية الكاملة مثل طبقات النص وتعدديته التي تتجاوز غالبًا البنية الأحادية حتى لو كانت عن الحرف نفسه أو النقطة ذاتها، فهو لا يمنح البطولة المطلقة بالاصطلاح السينمائي إلى شخصية واحدة تستبد بفضاء النص الشعري منذ مُستهلهِ حتى منتهاه، وإنما هو مشغوف بالبطولة الجماعية والأصوات المتعددة التي تُثري النص، وتُشعِّب أنساقه السردية كي يتحمّل القارئ صدَماته العديدة، ومفاجآته المُدهشة التي يستمدها من الخرافات، والأساطير، وقصص الأولين، والكتب السماوية، والصحف الموضوعة، والتاريخ المُوغل في القِدم، بدءًا من قصة آدم وحواء المطرودَين من الجنة، مرورًا بطوفان نوح، وجُب يوسف، وانتهاء بصلب الحلاج، ومقتل البريكان، حارس الفنار، من أجل حُفنة من الدنانير التي فقدت قيمتها إزاء العُملة العالمية. ولا يجد كمال الدين حرجًا في توظيف الأحداث الدرامية، والشخصيات المشهورة، والوقائع الراهنة التي حُفرت في الذاكرة الجمعية للناس الذين أحبّوا النجوم المعاصرين، وشُغِفوا بقصصهم الأسطورية المُبهجة أمثال زوربا اليوناني، وشارلي شابلن، وعبد الوهاب البياتي الذي كان يخترق بقصائده الشعرية بوابات العالم السبع قبل أن تنهشه مخالب “الشعراء الظَلَمة”!

ولابد من إحاطة القارئ الكريم عِلمًا بأنني قد كتبت عن هذه المجموعات الثلاث دراسات نقدية متفرقة أضاءت بعض الجوانب المتوهجة في نصوصه الشعرية مثل القصائد القصصية، وتوظيف الآي القرآني، واستثمار اللقطة السينمائية، واستعمال المُخصِّبات النصيّة وما إلى ذلك، غير أنّ قصائد الشاعر كمال الدين أوسع من ذلك بكثير ولعله الشاعر العراقي الوحيد الذي كرّس حياته، ومشروعه الشعري للحرف المضيء، والنقطة المُبجّلة.

وفي هذه القراءة العجلى سنركّز على البنى المتعددة شخصياتٍ وأحداثًا وطبقات. ولو تأملنا نص “قصيدتي الجديدة” لوجدناه أنموذجًا جيدًا للبنية الرباعية التي تتكوّن من أربع طبقات، تضمّ كل طبقة فيها حدثًا قائمًا بذاته وهو المرأة الحسناء الجالسة إلى جوار الراوي في الحافلة، وبما أنها “حسناء”، والكلام لا يُعمَّم على النساء الحِسان جميعًا، فلابد أن تكون مشغولة بشيء ما مثل إكسسواراتها، أو حقيبتها الحمراء، أو هاتفها النقّال المكتظّ بالمواعيد. فامرأة من هذا النوع لا تستطيع أن تضع قصيدة الراوي بين نهديها كي تفهم سرّها، وتُدرك معناها الأزلي لأنها مُنهمكة بهموم الجسد أكثر من انهماكها بتجليات الروح أو شَطَحات العقل. أما الطبقة الثانية فتتضمن شخصية مُغايرة وهي شخصية الطفل الذي يمرح في حديقة عامة ولا نتوقع منه أن يجد عزاءه في قصيدة مكتوبة فلا غرابة أن يبكي ويولّي هاربًا من هذا الشاعر المشغوف بمشاركة الآخرين لهمومه الشعرية حتى لو كان هذا الآخر طفلاً صغيرًا مأخوذًا بالمتع الكثيرة التي توّفرها له حديقة عامة مكتظة بالأشجار وبالأطيار والفراشات. تحتفي الطبقة الثالثة بالطبيعة التي مهّد لها الشاعر في الحديقة العامة وأعطى قصيدته للنهر أو “الإله المُلقى على الأرض” كي يبارك سرّها، ويتعرّف على معناها الأزلي، غير أن هذا النهر “ظل يحلم ويحلم، مُحدقًا في الأقاصي البعيدة” من دون أن ينتبه لكلام هذا الشاعر أو يُعير انتباهًا لنصِّه الأزلي. أما خاتمة القصيدة، أو ضربته التنويرية فقد أحْكمها الشاعر كمال الدين بطريقة فنيّة تُعيد لهذا النص الشعري اعتباره، فلم يعد الشاعر بحاجة لأن يتوسل هذا الطرف أو ذاك كي يأخذ قصيدته، وإنما دهمه على حين بُغتة شرطيٌ فظّ أدخل القصيدة إلى غرفته السوداء، وربطها إلى كرسي حديدي، وراح يجلدها بسوط طويل، ويضربها على رأسها بأخمص المسدس “حتى نزفت حروفًا كثيرة، ونقاطًا أكثر، دون أن تعترف بسرّها ومعناها” الأزلي. لا يخفى على القارئ اللبيب أن “أنسنة” القصيدة قد منحت النص الشعري بُعدًا فنيًا مُضافًا إلى الأبعاد البلاغية والجمالية الأخرى القائمة على المَشاهد السينمائية الأربعة التي قطّعها الشاعر بحِرَفية “مونتير” مرهف الحسّ خلّص مَشاهده البَصَرية الأربعة من كل الزوائد التي يمكن أن يقع فيها شاعر قليل الخبرة والمِران فلا غرابة أن يظهر النص بهذه السلاسة، والبلاغة، والتدفّق العفوي الذي تهفو إليه النفوس المُرهفة.

ثمة بنية ثلاثية في النص الشعري الذي أسماه الراوي “قصيدتي الأزلية”، وهي لا تختلف عن سابقتها من حيث متوالية الطبقات رغم اختلاف العدد، وفاعلية الشخصية، فإذا كان الراوي في القصيدة الأولى فاعلاً، فإنه في القصيدة الثانية نائب فاعل حيث يُلقى به في الطوفان تارة، وفي النار تارة أخرى، وفي البئر تارة ثالثة. ولو وضعنا هذه الطبقات البنائية الثلاث جانبًا والتفتنا إلى شخصيات النص وأحداثه لوجدناها تشكّل جزءًا مهمًا من مصادر الشاعر ومرجعياته الأساسية التي تُخصِّب نصوصه الشعرية مثل نوح وسفينته التي بناها لوحًا فلوحًا، وكائناته المؤلفة من كل زوجين اثنين، وحمامته المُستكشِفة، أو إبراهيم وناره التي كانت، في خاتمة المطاف، بردًا وسلامًا عليه، أو يوسف وإخوته الذين ألقوه في غيابة الجُب وزعموا أن الذئب قد أكله إلى بقية هذه القصة المعروفة. وعلى الرغم من النهاية التراجيدية المُفجِعة لهذه القصيدة إلاّ أنها تتلاءم مع الاحتمالات الثلاثة التي رسمها الراوي لنفسه وهي الخروج من البئر، أو من مركب نوح، أو من نار إبراهيم بعد أن يأخذ الرعبُ منه مأخذًا كبيرًا.

لا تخرج قصيدة “شجرة الثعابين” عن إطار البنية الثلاثية، فهي تقوم على ثنائية التسلّق والسقوط حيث يصعد الراوي شجرة الطفولة ويسقط منها، ويعتلي شجرة الحُب، ثم يزِّل منها، ثم يرتقي شجرة الموت المسكونة بالندم، والملائكة، والأجراس السود، والثعابين!

تُعتبر قصيدة “الغريب” من قصائد الحكمة التي بناها الشاعر أديب كمال الدين بنية خماسية مُتقنة قد لا تذهب أبعد من الاحتياجات الخمسة المتمثلة بالعَين، واليد، والقناع الذهبي، والبيضة الذهبية، والكتاب الكبير. وعلى “الغريب” أن يختار شيئًا واحد فقط. فالعين البشرية تجعله يرى الغيب، واليد البشرية تخلق منه محاربًا لا يُشق له غُبار، والقناع الذهبي يحفِّز النسوة على أن يتسابقن إليه، والبيضة الذهبية تجعل منه أثرى الأثرياء، أما الكتاب فسوف يصنع منه الحكيم الأعظم في هذا العالم. يبدو أن هذا الغريب قد جرّب كل شيء، الحكمة والغيب والنساء واللهو والغنى والحروب لكنه سأل النبع عن ثلاثة أدوية لا غير وهي دواء للسأم، ودواء للغربة، ودواء للموت. ورغم جمالية النص، وعمق صوره الشعرية، إلاّ أن نهايته الذكية تأخذ القارئ إلى أبعد من حدود الفنتازيا الساحرة حينما يقول: “خجلَ النبعُ من كلامِ الغريب / وصار ماؤه يشحبُ شيئًا فشيئًا / حتى أصبحَ / بعد أربعينَ يومًا / أثرًا بعد عين”.

تتضمن مجموعة “أربعون قصيدة عن الحرف” عددًا كبيرًا من النصوص الشعرية متعددة البنى مثل سابقتها “شجرة الحروف”، ولعل قصيدة “تناص مع الحرف” هي خير نموذج لما نذهب إليه حيث يمضي الحرف إلى الراوي كي يلعب معه، وحينما يفشل يذهب  إلى حبيبته، ثم يقصد الله، والنبي، والولي، والصوفي، وحينما يصل إلى المجهول يضربه على أمِّ رأسه فيحوّله إلى قطعة فحم. لا شك أن القارئ قد انتبه إلى أن هذا النص الشعري يقوم على بنيتين متتاليتين ومتوازيتين في الوقت ذاته. فما إن تنتهي البنية السباعية حتى تبدأ البنية الثلاثية القائمة على الأطفال الذين تناولوا قطعة الفحم وكتبوا أسماءهم على الحائط، فيما كتب العشاق أحلامهم على الأشجار، أما الراوي فقد كتب قصائده السود التي “لا تكفُّ عن الرقص والهذيان”.

يمكن القول بأن الكثير من قصائد أديب كمال الدين مكثفة، ومشّذبة، وإن شئتم، أنيقة لا تُثقل كاهلها الزوائد الفائضة عن الحاجة، وهي قصائد “مُقفَلة” ومكتفية بذاتها لكنها لن تفوّت شيئًا يدخل في نسيج النص الشعري المحبوك مثل سجّادة يدوية، وقصيدة “أعماق” هي من هذا النوع المتفرّد الذي يتكرر فيه حرف الجرّ “في” إحدى عشرة مرة من دون أن نشعر بوطأته أو فظاظه تكراره، وهذا الأمر ينطبق على كلمة “أعماق” التي تكررت اثنتي عشرة مرة من دون أن نحسّ بثقلها وتطفّلها على نسيج النص المتقشِّف أصلاً والقائم في بنيته الداخلية على آلية السقوط المتتالية والمرسومة بحذاقة نادرة، ففي أعماق الراوي طائر أبيض يسقط في أعماق المسرح، ثم يكشف كل عمق أو طبقة عن الأعماق أو الطبقات التي تليها من ثياب، وحلم، ونهرٍ، وصبي، وقلبٍ، وقصيدة، وحرفٍ، ونقطةٍ، ومتصوفٍ، “وإله ينظر إلى طائري المذبوح بعينين دامعتين”.

وبما أنّ هذا المجلّد الثالث يضم 120 قصيدة بالتمام والكمال فإن الوقوف عندها جميعًا أو حتى عند غالبيتها أمرٌ مستحيل لكنني أجد نفسي مضطرًا هذه المرة للوقوف خارج إطار البنى التعددية المذكورة التي بلغت أعلاها ثلاث عشرة بنية وربما هناك قصائد أخرى أكثر عددًا من هذه البنى التحتية التي تشكِّل مبنى النص، ومعناه، وموسيقاه الداخلية التي تحتاج إلى منصتٍ من طراز رفيع يصغي لوخز النقطة، وإيقاع الحرف قبل الاندماج في موسيقى الصور الشعرية التي تتوالى بنسق سمفوني لا يقبل النشاز أو الخلل. ومن بين قصائده الكثيرة ذات البنية الواحدة التي تتشظى مُنشطرة إلى بنىً متعددة نتوقف عند قصيدة “سلامًا عمّان”، فهي قصيدة بروكسيمية قلبًا وقالبًا، ونعني بالـ  Proxemia النظرية المرتبطة بتعامل الناس مع بعضهم بعضا بحسب القرب المكاني من كل شخص على انفراد، وربما يتطور هذا الأمر ليرسم حدودًا متخيلة لقاع المدينة ومركزها الذي يتوسع بانتظام جغرافي حتى يصل إلى الأطراف. تمثِّل عمّان للمهاجرين العراقيين خاصة محطة انتظار أولية تفضي بهم إلى الشَتات، كما هو الحال، مع راوي القصيدة، وبطلها الوحيد بلا مُنازع. فثمة مدينة تجلس على التل اسمها “عمّان” لعلها الرئة الأوسع التي يتنفّس منها المنفيون العراقيون هواء الحرية، وتنتظم فيها دقّات قلوبهم المضطربة من جُند الخليفة، وعسس الليل، وزوّار الصباح الذين يفتشون في أحلام الناس ونواياهم المُضمَرة. أما البنى المتشظية الست فقد توزعت على شخصيات النص الشعري وهم الفقراء والغرباء والضائعين والمحرومين واللصوص والعاطلين، فالفقراء يرقصون في الوادي، والغرباء يفترشون “الساحة الهاشمية” ، والضائعون ينوحون عند أبواب السفارات الأجنبية الغارقة في الترف، واللذة، والرفاه الاجتماعي. لا يقتصر السلام على الفئات الثلاث التي أوردها الشاعر سلفًا وإنما يمتد إلى “اللصوص الذي سرقوا دمعة عينه”، و”المحرومين الذي يدورون في الأزقة كالدراويش”، وإلى العاطلين الذين يتكاثرون كلما أوغل الشرق في حروبه العبثية. ثم تُواصِل القصيدة تشظّيها وكأن الشاعر يريد أن يقول لنا بأن انشطارات هذا النص الشعري لا حدود لها فهي تمتد من “النساء الناعمات كالماس” إلى “السنوات الملأى بالقش والانتظار”، بعد أن تمرّ على مقاهي المدينة، ومطاعمها، وعماراتها، وخرائبها، وخرافاتها، ومآسيها التي “لا تكفّ عن الرقص في الوادي” موئل الفقراء، وملاذهم الوحيد، فيما “أنتِ تنظرين إليها باكيةً مرّة / وضاحكةً مرّة / وساهمةً مرّة في أعماقِ الغيوم”. يحتاج هذا المنحى البروكسيمي بين شخصيات هذا النص وأمكنته إلى دراسة أوسع تتعمّق في الجوانب الأبعادية التي لها علاقة وطيدة بعلم المكان.

لكل شاعر قصيدة، أو ربما عدد من القصائد، التي تشير إلى توجهه الفكري، أو نزعته الداخلية، وقصيدة “أنينُ حرفي، وتوسل نقطتي” هي نموذج للنص الصوفي الذي يتماهى فيه الشاعر مع الله، جلّ في عُلاه، من دون أن يستعين بالقاموس الصوفي المتعارف عليه باستثناء كلمتي الظاهر والباطن. لنمعن النظر في مُستهل المُحاججة التي يقول فيها الراوي: “إلهي / أحببتكَ أكثر مما أحبّكَ الأنبياءُ والأولياء /  فهم أحبّوك / لأنّكَ أرسلتهم بمعجزاتِ النارِ والنور / أما أنا فأحببتُكَ لأنك أوّلي وآخِري / وظاهري وباطني”. ومثلما يُحكِم أديب كمال الدين استهلالات قصائده فإنه يبرع في إنهائها بضربة وامضة قد لا ينساها القارئ الذوّاقة الذي يلتقط الصور الشعرية التي تصعق مُتلقيها وتَبقى حاضرة في ذهنه إلى أمدٍ طويل. وفي هذه القصيدة بالذات يكشف الشاعر عن سبب هذا الحُب العميق ليس لأنه يحميه من الصواعق، والوحشة، وانزلاق الأرض، وإنما لأنه الوحيد الذي يستمع إليه كل ليلة دون أن يتعب من أنين حرفه، وتوسِّل نقطته. وكلنا يعرف أهمية الحرف، وسطوة النقطة لدى الشاعر أديب كمال الدين الذي أنجز مئات القصائد الحروفية.

وختامًا لابد من الاعتراف بأن هذه الأعمال الشعرية الكاملة هي أشبه بالمتاهة الجميلة التي يخرج منها القارئ منتشيًا ومحلِّقًا إذا ما قرأ القصائد بالتتابع، فثمة خيط غامض يمنح المتلقي سحرًا من نوع خاص وكأنّ ترتيب النصوص الشعرية لم يأت من عبث، ولم ينبع من فراغ، وما على القارئ الكريم إلاّ التوغّل في القراءة قصيدة إثر أخرى تبدأ بقصيدة “وصْف” ، وتمرّ  بـ “جاء نوح ومضى” وتنتهي بـ “البياتي”.

*****************

نُشرت في صحيفة (رأي اليوم) اللندنية في 20 آذار- مارس 2018

 

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home