أديب كمال الدين.. الشاعر الحروفي

 

 اللغة تتهجّى مضامين القصائد

 

د. نجاح هادي كبّة

 

 

 

 

حياته ونشأته

***********

         ولد أديب كمال الدين في الحلة سنة 1953م. حصل على بكالوريوس اقتصاد من كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد 1976م، وعلى بكالوريوس أدب انكليزي من كلية اللغات في جامعة بغداد 1999م، وعلى دبلوم الترجمة الفورية من المعهد التقني لولاية جنوب إستراليا-آديلاند-إستراليا 2005 م. ترجم إلى العربية   قصصاً وقصائد ومقالات كثيرة لشعراء وكتاب عالميين، فاز بجائزة الإبداع الكبرى للشعر1999م. أعدّ للإذاعة العراقية العديد من البرامج: “أهلاً وسهلاً”، “شعراء من العراق”، “البرنامج المفتوح”، “ثلث ساعة مع...”، “حرف وخمس شخصيات”. عمل في الصحافة منذ العام 1975م وشارك في تأسيس مجلة “أســـــــــفار”. الحـــداد، 2012م، ص  22-:23

 

أديب كمال الدين وتوظيفه للحروف :

********************************

          طوَّع أديب كمال الدين الحروف العربية لمضامين شعره وجردها وعبّر من طرقها على ما يمور في ذاته من آمال ورغبات، ويرى بعض النقاد ان توظيف الحروفية في شعر أديب كمال الدين كان يخفي وراءه تقية للتخلص من الاضطهاد السياسي في بلد كبلده العراق الذي صارت فيه السياسة إدانة لمن يحملها.

          أما رحلته مع الحروف فكانت مع قصيدة طلسم حيث اكتشف فيها طاقة الحرف السحرية، إذ من المعروف ان طلسم شيء يعمل بمناسبة سحرية أو لهدف سحري. وحين تقاذفت أمامه حروف الطلسم في القصيدة اكتشف سحر الحرف وبدأ يخطو معه شيئاً فشيئاً حين اكتشف للحرف اثنا عشر مستوى وهي: المستوى الدلالي، الترميزي، الإيقاعي، القناعي،  التشكيلي، الأسطوري، الطلسمي، التراثي، الروحي، الطفولي، الخارقي، السحري.

          هكذا ينتقل من اللغة باعتبارها كلمات وعبارات بين الكلمات والعبارات إلى اللغة العربية باعتبارها حرفاً وعلاقات بين الحروف ومن هنا بدأت رحلته الشعرية واشاراته، وهو يرى أن الإنسان هدف عظيم ومن يأخذ بيده نحو الحقيقة والماء والأمل قد سار حقاً مسيرة الألف ميل المضيــئة. المرزوك، 2012م، ص: 62.

          للشاعر كمال الدين مجاميع شعرية تحمل عنوانات الحروف مثل مجاميع جيم، نون، النقطة. ما قبل الحرف…ما بعد النقطة، شجرة الحروف.

مجاميعه الشعرية :

***************

أصدر مجاميع شعرية عدة، منها : تفاصيل-النجف 1976م، ديوان عربي، بغداد 1981م، أخبار المعنى بغداد 1996م، أبوّة، Fatherhood بالانكليزية دار سيفيو-آديلايد-أستراليا 2009، أربعون قصيدة عن الحرف، الأردن 2009م، أقول الحرف وأعني أصــابعي، بيروت 2011م.

كتب عن تجربته :

*************

كتب عن تجربته الشعرية نقاد وكتاب من أجيال واتجاهات أدبية ونقدية مختلفة، نذكر منها: قراءة لطلسم لمصطفى الكيلاني1989م، جيم تحولات اللون والحرف لحمزة مصطفى1990م من الحرف إلى المعنى لحاتم الصكر. ودراسات أخرى كتبها علي عبد الحسين مخيف وفاروق يوسف وهادي الربيعي وفيصل عبد الحسن حاجم ووسام هاشم وفوزي كريم ورياض الأسدي ومنذر عبد الحر وعـــبد الستار إبراهيم. المرزوك، 2012م، ص : 61 .

و أ. د عبد العزيز المقالح، أ. د عبد الإله الصائغ، د. عدنان الظاهر، د. حسن ناظم، د. بشرى موسى صالح، علي الفواز، خضير ميري، د. جلال الخياط، عبد الرزاق الربيعي ود. قيس كاظم الجنابي وغيرهم كثير. كمال الدين، 2007م، ص : 138

نشاطه :

*******

– عمل في الصحافة منذ العام 1975م.

– عضو نقابة الصحفيين العراقيين والعرب والعالمية.

– عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق.

– عضو جمعية المترجمين العراقيين.

– عضو اتحاد الكتاب الإستراليين- ولاية جنوب إستراليا.

– عضو جمعية الشعراء في آديـلايد. كمال الدين، 2007م، ص : 139

قراءة نقدية في شعره :

*******************

لقد استعمل المتصوفة فلسفة الحروف كالحلّاج والنّفّري وغيرهما، وكان الحرف بالنسبة لهم جزءا من واقعهم الرمزي-الروحي، وأديب كمال الدين يوظف الحروف تداولياً ورمزياً وروحياً عبّر من طريق الحروف عن مشاعر العامة والخاصة بشيء يكتنفه الغموض، قال في قصيدة "التباس نوني" :

هذه ليست النون،

هذه بداية مُقدّسة للنون.

هذا سطوعٌ روحيّ

وحُبٌّ جارفٌ كالشلّال

كاحتواءِ الهلالِ لنقطةِ النون.

هذه بدايةٌ سعيدة

لشاعرٍ مجنونٍ كما يُفترض

وامرأةٍ ذات قلب حجريّ تُدعى النون.

هذا خطٌّ يُعبَد

والمؤمنون يرقصون عُراةً حول النقطة

وربّما حول الهلال

وربّما حول النون.

 

          فلقد وظّف الشاعر النون رمزياً لتمثل المقدس وتطهير الروح والحب الجارف كالشلال. إن النون توصية للشاعر المجنون بعواطفه وللمرأة التي تحمل قلباً حجرياً والمؤمنون يرقصون حول النقطة، أي حول آمالهم الضائعة وربما حول النون في الهلال الذي يحتضن النون.

         إن شعر أديب كمال الدين يقف ضد الحسيّة التي تضرب بجذور عميقة في الشعر، ليست فقط لأن داعي الروحانية ذو أثر بيّن في شعريته، بل لأن الحسيّة لم تسعفه أداة في الإيفاء بخلق عالم روحاني موازٍ لعالم الباطن، فيصبح الحجر كآبة الأبد والنهر عنفوان الوجود وتجدده، الخ ، لكن الشاعر كمال الدين غالباً ما يفضّل صفاء روحانيا يعيد للكلمات طاقتها الأصلية وهي تتماهى ولا تكتفي بمجـرد الإشارة إليه.  ناظم، 2015م، ص11 .

          لكن هذه الروحانية غير الحسيّة في شعر أديب كمال الدين تقتنص القصد من طريق إسلوب الشاعر التداولي، لاحظ المحوّل التداولي في قوله في قصيدة "اعتراف ملك الحروف" :

 في خطأ لا يُغْتَفَر

حوّلتُ النون

أو نقطةَ النونِ على الأدق

إلى ملكةٍ جديدة

لا يحقّ لها أنْ تخرجَ معي

عاريةً في الاحتفالات.

ولا تقاسمني سريري

عند فيضان عواطفي ورغباتي.

ولا تكلّمني حينَ أصدحُ بالنشيد:

نشيد الجنّ والشياطين.

ولا تتعرّى أمامي

حينَ أتعرّى أمامَ حروفي

لأوزّع عليها هبات المعاني.

ولا تتعرّى أمامي

حينَ تتعرّى حروفي أمامي

لتوزّعَ عليّ كؤوسَ الأمل.

 

          كان القصد التداولي واضحاً شفافاً، إنه يهاجم أولي الأمر المفسدين لكن بإسلوب شفّاف، إنه يوظّف النون للدلالة عليهم في شعره حين تحولت النون إلى ملكة جديدة وصارت كالزوجة المتمردة والويل كل الويل حين تحوّلت النون إلى ملكة جديدة، فلها سطوة كبيرة على الشاعر أو بالأحرى على المجتمع. إنه قصد تداولي سياسي يوظّف النون للوصول إليه من طريق الخطاب التداولي.

          إن ذلك ينبغي أن يتجاوز وسائط العرف المعتادة كي يكسب المتلقي إيماضات شعرية كثيرة لأن لكل كلمة أو لكل عبارة معانٍ عدة مستعملة فهي ليست نتيجة تنظيم النظام المعجمي بل نتيجة مبدأ تداولي مطبق على القول يسهل عليه سرعة الاندماج في كشف السياق الخطابي الذي تحتملها الرسالة اللغوية بوصفها إنجازاً فكرياً ومعرفياً ضابطاً القول.آل يونس، 2015م، ص9 .

          من الظواهر الشعرية الملفتة في شعر أديب كمال الدين استطالة بعض قصائده لكنها استطالة بتوصيفات مؤثرة بعيدة عن الابتذال وتكون أقرب إلى فن القصة إسلوبياً ما يجعلها ذات بناء عضوي نفسياً وفنياً، قال في قصيدة: "أنا وأبي والمعنى" :

سقطَ الساحرُ من مائدةِ السحرِ على الأرضْ.

فتمزّق صوتُ الماءِ بكفّيه. بكى، واهتزَّ كما يهتزُّ الطائر

حين تُمرّر سكين الذبحِ على الرقبة.

الأرضُ تكرّرُ لعبتَها. ما كنتُ أكون. الغيمُ يجيءُ ويذهبُ

والفجرُ يطرّزُ حرفَ الدهرِ فلا معنى أبداً. أختبئُ اليومَ كطفلٍ،

أرنو للفجرِ، أقرّرُ أنْ أبعث كلماتي حتّى يعتدل العالم، يذهب

سيف الظالمِ في الظلماتِ. فما أحلى الكلمات! وما أسخفها!

 

          إنَّ الإسلوب القصصي يبدأ بتمهيد وينتهي بإغلاق عموما ، ما يساعد الشاعر على تنمية موهبته زيادة على جذب انتباه القارئ للوصول إلى الغلق، لاحظ الإسلوب القصصي في هذا المقطع:

* قالَ الشاعرُ: مَن سيكتبُ قصيدتي؟

- قالَ الحرفُ: أنا.

* ومَن سيطلقُ أسرارها للناس؟

- قالت النقطةُ: أنا.

جاءَ القَدَر

ومسحَ الحرفَ والنقطة

مِن شاشةِ المعنى.

فجلسَ الشاعرُ مذهولاً العمر كلّه

مثل صخرة كبيرة

مُلقاة على شاطئ البحر.

***

قالَ الشيخُ وهو بين يدي الموت:

مَن سيحفرُ قبري؟

- قالَ الحرفُ: أنا.

* ومَن سيصلّي عليّ؟

- قالت النقطةُ: أنا.

جاءَ الشيطان

ومسحَ الحرفَ والنقطة

مِن شاشةِ الوجود.

فجلسَ الشيخُ مرتبكاً

لا يعرفُ كيفَ يموت!

 

          إن القصائد الشعرية ذات المنحى القصصي كثيرة ولاسيما قصائد عمر بن أبي ربيعة مع المفارقة بين أديب كمال الدين وعمر بن أبي ربيعة.

لقد شكّل أديب كمال الدين –وبجهد دؤوب- مملكته الشعرية على عرش الحرف، وأودع فيه معاني جسدت فضاء انفصام الذات، ومادة خصبة اكتنهت عالم الشاعر بالضيم، وسبرت أغوار المتلقي بالحدس والتأويل سعياً إلى إدراك خباياها من خلال الحفر في ترميز الحرف عبر تنوع أدوار معناه وعلاقة دلالته مع الشاعر. فيدوح، 2014م : ص62.

زيادة على اهتمام أديب كمال الدين بالمعنى وتنويعه له ما يشدّ القارئ من طريق توظيف الحروفية في شعره فان أديب كمال الدين يهتم بالصياغة اللغوية والنحوية في شعره أيضاً، قال :

لا تقتربْ من ناري!

من نارِ قلبي وسرّي،

فإنّي أخافُ عليكَ من النار:

من دمِها ولوعتِها وضوضائها،

فكنْ على حذرٍ

أيّهذا المُعذّب بالشوقِ والليلِ والأهلّة،

أيّهذا الغريب الذي يجددُ غربته

بدمعتين اثنتين

في كلِّ فجرٍ

وفي كلِّ ليلة.

لا تقتربْ!

أخافُ عليكَ من الصلب

وما بعد الصلب.

أخافُ عليكَ ممّا ترى

ولا أخافُ عليكَ ممّا لا ترى،

فكيف سيُسمّونكَ حين تموت؟

 

          فقد اهتم أديب كمال الدين في هذه المقطوعة من شعره بالبناء الصوتي بين الغريب وغربته وثنائيات صوتية أخرى بدمعتين اثنتين مثلما نوّع في التكرار في قوله " في كل فجر وفي كل ليلة" لكي لا يمل القارئ ومن البناء الصوتي "من الصلب وما بعد الصلب" ثم توظيفه لأسلـــوب المقابلة كما يسمى بالطباق في البــلاغة العربية :

أخافُ عليكَ ممّا ترى

ولا أخافُ عليكَ ممّا لا ترى

          كل هذه التنويعات جاءت متسقة مع المعنى، إذ وازن أديب كمال الدين فيها بين المضمون والشكل.

 

المصادر

*******

– آل يونس، هاني صبري 2015م ، الخطاب التداولي في أقول الحرف وأعني أصابعي 1-2 جريدة الزمان، ع : 5172? س : 18.

– الحداد، سعد 2012م ، ديوان الحلة، أنطولوجيا الشعر البابلي المعاصر، منشورات بابل ، ط1، المركز الثقافي للطباعة والنشر.

– عوض، عبد الرضا 2008م : أدباء وكتاب بابل المعاصرون، ج3 ، دار التراث للطباعة في الحلة، ط1.

–  فيدوح، عبد القادر2014م ، أيقونة الحرف في شعر أديب كمال الدين، مجلة الأقلام، ع: 3 س: 49  أيلول – كانون ، دار الشؤون الثقافية، بغداد.

– كمال الدين، أديب، شجرة الحــروف، ط1 2007م، أزمنة للنشر والتوزيع، الأردن، عمان ، ط1  .

 -المرزوك، صباح نوري 2012م ، شعراء الحلة أو تكملة البابليات، ط2 ، ج1 دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة.

– ناظم، حسن 2015م، عن أديب كمال الدين و”مواقف الألف”، جريدة الصباح، ع : 3421  الأربعاء 17 حزيران، الصفحة الثقافية.

 

****************************************

  نُشرت في جريدة الزمان 12  آذار - مارس 2017 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home