قصيدتي الأزليّة

شعر: أديب كمال الدين

 

 

1.

هكذا أُلقيتُ في الطوفان:

كانَ نوح يهيّئُ مركبه لوحَاً فَلَوحَاً

ويُدخلُ فيهِ من كلِّ زوجين اثنين.

كنتُ أصرخ:

يا رجلاً صالحاً،

يا رجلاً مُبحراً إلى الله

خذني معك.

وإذ لم يأبه نوح لصيحتي

تسلّلتُ إلى المركبِ: المعجزة.

وشاهدتُ مأثرةَ الحمامةِ والغُراب

بعدما صعدَ الموجُ بنا كالجبال،

حتّى إذا هدأت العاصفة

وقيلَ يا أرض ابلعي ماءكِ،

هبطَ الكلُّ من سفينةِ نوح

فرحين مُبَارَكين

إلّاي.

وثانيةً صرختُ بنوح:

يا رجلاً صالحاً،

يا رجلاً عادَ من طوفانه: الجلجلة.

قالَ نوح: مَن أنت؟

قلتُ: أنا الإنسان.

قالَ: مَن؟

قلتُ: أنا المؤمنُ الضّال.

قالَ: مَن؟

وتركني في المركبِ دهراً فدهراً

حتّى إذا غيّبَ الموتُ نوحاً،

تحرّكَ المركب

تحرّكَ بي وحدي

لأواجه طوفانَ عمري

في موجٍ كالجبال،

أنا الذي لا أعرفُ الملاحةَ والسباحة

وليسَ لديّ حمامة أو غُراب.

2.

هكذا أُلقيتُ في النار:

بعدما أضرمَ النارَ أهلُ أور

لإبراهيم وألقوه فيها،

انتبهوا إليّ.

كنتُ أغرقُ في الدمعِ من أجله.

قالوا: إنّه من أتباعه فألقوه في النارِ أيضاً.

هكذا أُلقيتُ في النارِ أيضاً.

وإذ كانت النارُ على إبراهيم برداً وسلاماً

فإنّها لم تكنْ لي

سوى نار من الألمِ والحقدِ والحرمان

اشْتَعَلتْ،

ولم تزلْ تشتعل فيَّ

في كلّ يوم،

هكذا إلى يوم يُبعَثون!

3.

هكذا أُلقيتُ في البئر:

ألقاني إخوتي

وعادوا إلى أبي عشاءً يبكون.

قالوا: يا أبانا قد أكلهُ الذئب.

فبكى أبي،

وكانَ شيخاً جليلاً،

حتّى اخضلّتْ لحيتُهُ بالأسى والحروف.

لكنّ السيّارة إذ وصلوا إلى البئر

ما قالوا: يا بشرى هذا غلام

بل قالوا: وا أسفاه هذا هُلام.

وتركوني في البئر

يمزّقني الظلامُ والخوفُ والانتظار.

4.

ربّما سأخرجُ من البئرِ يوم يُبعَثون

أو ربّما يوم يُقالُ للأرضِ: ابلعي ماءكِ.

فأخرجُ من مركبِ نوح

أو من نارِ إبراهيم،

وقد أكلني الرعب

ولَفَظَني الموج

وأطفأت المأساةُ عيوني.

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home