قراءة في مجموعة أديب كمال الدين: ثمّة خطأ

ممتع، غريب، مدهش!

 

 

Something Wrong - Interesting, strange and amazing 

 

 

 

د. آن ماري سمث

(ناقدة أسترالية من أصل فرنسي)

 

Anne-Marie Smith

 

 

 

 

   نال أديب كمال الدين شهرةً كأحد الشعراء الرائعين من خلال قصائده التي نُشِرتْ في أرقى المجلات الأسترالية الأدبية من أمثال:  (Southerly) و(Meanjin) وانطولوجيات مثل: أفضل القصائد الأسترالية 2007 – منشورات (Black Inc Press). في عام 2009 نشر أديب كمال الدين مجموعته الشعرية الأولى بالإنكليزية: (أبوّة) - منشورات (Seaview) . وفي صفحة الكاتب الشخصية يظهر أديب قد نشر أربع عشرة مجموعة شعرية بالعربية والإنكليزية منذ عام 1976 مع مجموعة تُرجِمتْ إلى الإيطالية.

  (ثمّة خطأ) هي مجموعة أديب كمال الدين الثانية باللغة الإنكليزية. وتتضمّن قصائدها الأربعون شعرَه الذي كتبه في سدني وأديلايد، حيث يتمحور شعره على الوحدة والموت والحب. وتستمر هذه المجموعة الجديدة في استكشاف الحالة الإنسانية. إنّ اهتمام أديب بهذه القضايا الكونيّة يوصله إلى البحث العميق عن الحكمة. فهو يجذبنا من خلال صوره الشعرية التامّة في شموليتها، واستخدامه الأنيق والبسيط والإضماري في بعض الأحيان للعبارات.

  نحن نرى بعضَ التشابه في المواضيع مع استخداماته الأسلوبية الأولى للجرس الملازم والتكرار من مقطع إلى آخر. هذه العبارات المتكررة تعطي، أيضاً، تأثير اللازمة.

لم أجد الطائرَ العملاق،

لم أجد حتّى اسمَ الطائر،

لم أجد الجمهور،

لم أجد حتّى

ذلك الصبيّ الذي هو أنا.                       (قصيدة: صبيّ)

  إنّ تأثير المحاكاة هذا يبلّغ الأسلوبيّة الغنائيّة لبعض قصائد أديب كمال الدين، كما ظهرت، كذلك، في إحدى قصائد مجموعته: (أبوّة):

فما الذي سأقوله الليلة لأطفالي؟

فما الذي سأقوله الليلة لقلبي؟

فما الذي سأقوله الليلة لحرفي ونقطتي؟                (قصيدة: سرقة)

    إنّ فكرتنا عن أسلوبية الشاعر تتحرر من المفاهيم الأصليّة والإبداعيّة  من خلال بعض  صور الأنسنة الحاذقة. فبعد القصيدة الأولى، حيث أغنية أحد السحرة تفضي إلى رقصة تؤديها جثث يعتذر اليها الساحر في آخر المطاف، لن يأخذ الأمر وقتاً طويلاً لصوتٍ داخليّ – ربّما يُدعى الكناية – ليعلن:"ثمّة خطأ" كي يحذّرنا من تحدّيات وجودنا!

   هناك اختلافات دلاليّة يمكن أن نجدها في بعض الصور الشعرية. فقصائد أديب الجديدة ربّما تحتوي قدراً أقلّ من الغموض (قياساً إلى قصيدة "ثنائية" وعدّة قصائد في مجموعة "أبوّة" تلك التي تبدأ بكلمة "محاولة في..."). ربّما هذا يعود إلى تمثيل أكثر عمقاً للحالة الإنسانية. مع ذلك فإنّ المرء يمكن أن يقول إن الظلام والخوف والعاطفة والوحدة تبقى موضوعات عميقة الصلة بأيّة قصيدة من قصائده.

    يرينا هذا الشاعر أنّ المفاهيم الكونية التي تؤثر علينا جميعاً ليست مفاهيم محددة ثقافياً بشكل صارم. فنحن ندرك التجارب العاطفية العامة التي يناقشها. صور شعرية يمكن أن تكمن في أبعاد مختلفة وتشير إلى تنوّع الأجناس والأكوان:

تريد الشمسُ أن تسهرَ الليلة

في نادي الكواكبِ والنجوم

لكنّها تخاف أن تتأخر

ولا تشرق غداً في موعدها المحدد.              (قصيدة: رغبات)

   فنحن نشاركه في بطولته كراوٍ وفي تجربته اليوميّة المعاشة أعلى وأسفل، ولكننا نفعل ذلك دائماً في خطّ أبديّ ومن منظور عالميّ النطاق. بطريقة مخادعة تنقلنا الكلمات البسيطة إلى أحاسيس الحياة المعقَّدة التي تجرّبها الكائنات البشرية:

أنتِ تشبهينَ البحر

لاشك في ذلك!

لكنْ أيّ معنى يختفي خلف ذلك البحر؟

خلف تلك الزرقة العجيبة التي تبدأ

لكي لا تنتهي

أو تنتهي كي تبدأ من جديد.             (قصيدة: هو أزرق وأنتِ زرقاء)

   إنّ الطبيعة التساؤلية لشعر أديب هي أيضاً لا شكّ فيها:

أيّ شبّاك هذا؟...

هذا هو السؤال الذي ظلّ

يعذّبه لسنين وسنين

منذ أن عاد من البحر!                  (قصيدة: سؤال)

ISBN: 978-0-646-57253-6

   يستخدم أديب كمال الدين السؤال كوسيلة أدبية. ينثر سانت إكزوبري، على سبيل المثال، روايته (الأمير الصغير) بالأسئلة البريئة. هذ الحفر من أجل المعنى يدحض القيم السطحية لما هو مُعْلَن. وربّما ذلك ما يمّكنهما، كذلك، من استخدام صفة السذاجة التي يعزوها أديب جزئياً إلى الطبيعة البشرية.

أيّها البسيط مثلي

والضائع مثلي

والساذج مثلي.                      (قصيدة جاء نوح ومضى)

 

  إنّ قضايا الانتماء والاغتراب وتأثيراتهما تظهر في المقدمة. فهذه القصائد تعمّق إدراك القرّاء بالاختلاف. وهي كذلك تؤكّد الحاجة إلى معنى ما للانتماء أينما كنّا أو أردنا أن نكون.

في البلدِ البعيد

أجلسُ في مقهى مظلمٍ منعزل

لأستحضر صورتكِ التي دفنتُها

بيديّ

قبل أربعين عاماً.                            (قصيدة: اعتذار)

  نبحث مع أديب في مدى من العواطف والموت والخيانة. فنتبع الشاعر في حياته أو حلمه. قليل منّا أحسّ، في حياته، أنّه قد توجّب عليه الاعتذار بقوّة بالغة إلى الجثث.

لكنّه حين عزفَ الموت

ذُهِلَ على الفور،

إذ أحاطتْ به مئاتُ الجثث

من كلِّ جانب

وبدأتْ ترقصُ رقصةَ العذابِ الكبرى.

ارتبك الموسيقيّ

بل أصابه الفزع،

ودمعتْ عيناه

بل أجهش في البكاء

وأخذ يعتذرُ بحرارةٍ إلى الجثث.           (قصيدة: ساحر)

   إن بعض الذكريات يمكن أن تظهر فجأةً. هل شعرتَ، في أيّ وقتٍ مضى، بالعجز عن الحركة أو بالخدر وسط بيئة ضائعة؟

إلهي

وحدي كنتُ الحيّ الباقي،

الحيّ الشاهد على ما حدث،

أعني الحيّ الذي يكتبُ هذه الحروف

بقلمه المرتبك حدّ اللعنة

والذي يتوقف كلّ دقيقة

ليتأكد من أن أصابعه لم تزلْ

تستطيع الكتابة!    (قصيدة: لماذا)

 

   نحن كذلك نصل إلى الإعجاب بجمال أو انسجام علامة ما فوق ورقة ما، أو شكل حرفيّ أو صوتيّ لكلمة ما.

حين يجلس الحرفُ قبالتك

 

لا تتكلمْ قبل أن يبدأ الكلام....

 

وحين يغنّي

 

قمْ فارقصْ

 

فسيكون الحرفُ نايك

 

بل سيكون طائركَ الأبيض

 

محلّقاً في السماءِ الزرقاء.               (قصيدة: وصيّة حروفيّة)

 

   دُرِسَ منجزُ أديب نقدياً عالمياً وكان شعره موضوعاً لعدد كبير من البحوث. والشروح تتعاقب حول تفسيره للحرف: الحرف العربي المكتوب والمطبوع وأهمية ذلك في الكتابة العربية. نحن قرأنا للمرّة الأولى عن هذا الموضوع باللغة الإنكليزية. وهو يشرح، كما في قصيدته: (شجرة الحروف)، ارتباط الحروف بالنقاط وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الصوت والشكل جاعلاً حرف ال(ج) صوتأ وشكلاً أكثر قسوةً من حرف ال(ن).

 

... جيماً مليئةً بالطلاسم...

...ونوناً مليئةً بآهاتِ العشق....

ونقطةً قيل إنها نقطة العارفين.     (قصيدة: شجرة الحروف)

 

   في القصيدة ذاتها، عندما يستخدم أديب كلمة مثل "الشجرة"، فنحن ننال بشكل تدريجيّ تبصرةً إلى داخل مرجعية الشجرة وحقيقتها لنكتشف أن أنسنتها إنْ هي إلا الشاعر نفسه الذي نقرأ كلماته:

حين تدحرجَ رأسي على الشاطئ

وسط صهيلِ الغرباءِ المنفيين،

بزغتْ من دمي المتناثرِ على الأرض

شجرةٌ مليئةٌ بالنورِ والسرور.

أتراها شجرة الحروف؟      (قصيدة: شجرة الحروف)

   وكما رأينا في البدء مفهوما تجريدياً للخطأ، ليست فقط تمّتْ أنسنته بل تحوّل إلى بطل للرواية أو إلى عدو أو إلى ما يشبه الصديق اعتماداً إلى كيفية رغبتك في تأويله.

ثمّة خطأ في السرير...

وفي المفاجأةِ التي تنتظرُ السرير

في آخرِ المطاف.        (قصيدة: ثمّة خطأ)

   الخطأ يصبح رفيقاً، ولا يبقى سهل الاستفزاز مستعدّاً للمشاجرة بل يصبح شخصاً سويّاً ندركه تماماً ونستطيع أن نمشي بجانبه. ورغم الأزمنة المظلمة، فإنّ عواطف البطل تطفح بالأمل، ولو أن ذلك في حياة أخرى كما في القصيدة الأخيرة من المجموعة.

في حياتي القادمة

سأقرأ الكثير

من قصائد الشعراء الذين لم يولدوا بعد

علّي أحيط بأسباب الحياة

إلى الأبد.               (قصيدة: اعتذار)

   استقرّت في عقلي بضع أسطر من قصيدة: (ممتع، غريب، مدهش!)- القصيدة  الوجودية والظريفة- مركزاً لهذه المجموعة الشعريّة:

* الله شمس تتكلمُ في قلبك؟

- نعم

* ذلك غريب!             (قصيدة: ممتع، غريب، مدهش!)

   لقد أخبر سانت أوكزوبري، المعروف بإيمانه بالاستجابات العاطفية كحلٍّ للمشاكل، قرّاءه في روايته: (البطل الصغير): "العينان لا تبصران ولذا توجّب على الإنسان أن يرى بقلبه". وحين نقترب من مجموعة: (ثمّة خطأ) فلماذا لا نعانق هذه المجموعة المعبِّرة حقاً بالقلب، وأودّ أن أضيف، بالروح!

****************************

* د. آن ماري سمث: ناقدة أستراليّة من أصل فرنسي، رئيسة سابقة للجمعية الثقافية للكتّاب متعددي الثقافات بولاية جنوب أستراليا. لها عدد من المؤلفات النقديّة والأنطولوجيات آخرها (الثقافة هي).

* المقدمة التي كتبتها  د. آن ماري سمث لمجموعة الشاعر أديب كمال الدين: (ثمّة خطأ)

  Something Wrongالصادرة حديثاً باللغة الإنكليزية عن دار Salmat بمدينة أديلايد بولاية جنوب أستراليا 2012.

*********************************

نُشرت في مواقع أدب فن والنور ومعارج والمثقف ودروب والحوار المتمدن وجدارية بتاريخ 11 - 7 - 2012 كما نُشرت كذلك في صحيفة بلادي اليوم بتاريخ 17 - 7 - 2012 وفي صحيفة النهار البغدادية بتاريخ 26 - 8 - 2012.

 

 

الصفحة الرئيسية  مقالات عن الشاعر

Home