الشاعر أديب كمال الدين:

 

  الحرف تعويذتي والنقطة عذابي

 

 

 

 لقاء: علي كريم حسن

 

استطاع الشاعر العراقي أديب كمال الدين أن يطرح نفسه مبتكراً لقصيدة غير تقليدية وأن يؤسس عالمه الشعري المتفرد بوساطة القصيدة الحروفية.. في هذا الحوار مع الشاعر أديب كمال الدين نتعرف أكثر إلى تجربته مع الحرف والقصيدة  الحروفية 

 

 * لماذا اتجهت إلى كتابة القصيدة الحروفية.. وهل لنا أن نسميها بالقصيدة الحروفية؟

 

 - نعم.. يمكن تسميتها بالقصيدة الحروفية، وقد اتجهت إليها لأقدم ذاتي في ثوب شعري جديد بعيداً عن العادي والمتداول والشائع من الأساليب الشعرية. ولعل من الطريف القول إن هذا السؤال قد ورد أو كاد في قصيدتي (محاولة في الحروف) المنشورة  في مجموعتي: (النقطة):

 

قالت سكينة النور: ما للشعر والحروف؟

قلت: حتى أرسم ملامح وجهي

 وصيحات قلبي في كتاب جديد.

قالت: عليكَ، إذن ، بالسين

 ففيها السكينة والسمّ والسكّين.

 

  هكذا كان عليَّ أن أعالج بتعويذة الحرف بقايا جسدي المتقرح وقلبي الطيب الملآن بالندوب والشظايا وأقرأ من خلال طلاسم هذه التعويذة العجائبية في أزمنة عجائبية  لبلد شديد الإدهاش والرعب، أزمنة الحرب والحصار. ولكي أكشف المستور والمسكوت عنه أعلن عن أسرار الحرف يحاور نقطته، أي يحاور نفسه هكذا كتبتُ في قصيدة: (أخطاء) :

 

قالت النقطةُ الماكرة للحرف الحكيم:

أراكَ هرمتَ.. واشتعل الرأس شيباً.

فقال الحرف الحكيم:

لأنّ انتصاراتي لكِ وهزائمي لي وحدي.

  

* إذن أنت والحرف في حالة عشق؟

 

 -  في حالة عشق دائم لا يتغير بل يتعمق في كل يوم، بل في كل ساعة وأفضل مايفعله العشاق وصولاً إلى الفرح الغامض والبهجة القصوى هو البوح وكشف المستور وتبادل الأسرار.

 

  * حسناً.. كيف كشفت المستور مع الحرف وتبادلت  الأسرار معه؟

 

  - أولاً: الحرف سر بذاته.. الحرف العربي تحديداً، ففيه حضور إلهي وقوة سماوية وفاعلية توصيلية  وعنفوان داخلي لا يمكن سبر أغواره مطلقاً ذلك لأن هذا الحرف حمل المعجزة الإلهية الكبرى( القرآن المجيد ) على مر العصور.

 ثانياً: كان استخدامي للحرف خاصاً فأنا أعتقد أن الحرف 12 مستوى  ينتمي إليها وتكون سره وبصره وهمته، وترسم زوايا جسده وتشخص ملامح روحه، وعبر محاور هذه المستويات جزءاً أو كلاً وربطها بتجربتي الشعرية، وتجربتي الروحية  القاسية، بين الطفولة المرّة والشباب الضائع والكهولة التي تحيد بها الحصارات  والحروب ومحاولات  التهميش والالغاء والاحتواء.. كل هذا  يمكن أن يخلق صورة  شعرية جديدة  تستطيع  أن تصهر آلام العالم في كأس الحرف وتصير النقطة وهي مركز العالم، تصيرها المركز الوحيد لكل ما هو حبيب وعذب ومضيء في العالم حتى يعدو ما سواها قبض ريح. في هذا العنوان حفرت منجمي ومسرحت عويلي وأطلقت صيحاتي وكتبت شاهديتي ومارست احتجاجي وخلقت مسراتي. 

 

 *  إذاً أنت تكتب لتغير العالم؟

 

  - أنا أكتب لأحاول ـ  ولو على سبيل الافتراض ـ أن أغير العالم، هذه المحاولة تظهر بقصد أو من دونه مادام الشاعر يفضح العالم وصراعات العالم ويكشف أسرار المستغـَلين والمستغـِلين (بالمعنى الواسع لكلمة الاستغلال) فهو،  من دون شك،  يعمل في اتجاه تغيير العالم. أما كم يستطيع الشعراء تغيير العالم؟  وكيف؟ ذلك هو السؤال الخطير. ثم إنني أكتب لأتصالح مع العالم الذي يبدو لي بشكل شديد الوضوح غابة ملآنة بالوحوش البشرية والوحوش الحيوانية، والأولى أخطر من الثانية لأن الثانية ل تعرف القناع كما الأولى، لذا  قلت  لحبيبتي في قصيدة: ( محاولة في اللقاء):

 

جسدكِ وليمة 

 ولكنْ ليس لأمثالي 

 إنه وليمة الوحوش المهذبين.

 

كما أن الوحوش البشرية  دجّنت الوحوش الحيوانية أو روضتها ولكن بقيت نفسها من دون تدجين أو ترويض، قد يبدو كلامي هذا صادماً للبعض الذي يتصور العالم واحة خير أو جمال.. هذه مغالطة كبرى.

 

 * وكيف تعامل النقد مع منجزك الشعري الحروفي؟

 

 - لقد تحمس النقاد، ولله الحمد لهذا المنجز الشعري الحروفي. فظهرت في الصحف المحلية واللندنية والتونسية والخليجية واللبنانية دراسات ومقالات كتبها عدد كبير من النقاد والأدباء. لقد رسختُ في مجاميعي الشعرية وبخاصة الأربع الأخيرة: (جيم)، (نون)، (أخبار المعنى)، (النقطة) منحاي الحروفي،  مما أعطى فرصة مناسبة  للنقد لتفحص نتائج هذا الأسلوب، وشكري العميق لكل من كتبَ وتابع. 

 

 

مجلة الصدى الاماراتية

العدد 117 - 30 يونيو 2001

 

الصفحة الرئيسية