ومضتان شعريتان تكشفان

 التجربة الإبداعية للشاعر العراقي الكبير أديب كمال الدين

 

 

أحمد فاضل

 

 

 

أحمد فاضل

 

 

أكثر من سبعة عشر مجموعة شعرية أصدرها طيلة تجربته الشعرية بدأها بمجموعته " تفاصيل" 1976 ، وانتهى بمجموعته الأخيرة والتي لن يقف عند حدها " إشارات الألف " 2014 ، بين هذه السنوات الطوال عاش شاعرنا جيله السبعيني مهموما بالحداثة الشعرية التي بدأها أدونيس ويوسف الخال عبر مجلتهما "شعر" من خلال بيانهما الأول الذي قالا فيه: إن مستقبل الشعر يقوم على مجموعة من الاسس هي : التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر واستخدام الصور الحية من وصفية او ذهنية وابدال التعابير والمفردات القديمة بتعابير ومفردات جديدة وتطوير ايقاع الشعر

العربي والاعتماد في بناء القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على النتاج الفعلي والتسلسل المنطقي واعتبار الانسان هو الموضوع الاول والاخير وكل تجربة لا يتوسطها هي تجربة شخصية فاشلة اضافة الى الوعي بالتراث الروحي الفعلي العربي وفهمه على حقيقته واعلان هذه الحقيقة كما هي والغوص في اعماق التراث الروحي الفعلي الاوروبي والافادة من التجارب الشعرية التي حققها ادباء العالم والامتزاج بروح الشعب لا بالطبيعة , معلنة ان هذه النقاط قد التقت لتكون بحسب "ادونيس" بمثابة البيان الأول عن الحداثة الشعرية العربية والقاعدة الفكرية التي انطلقت منها حركة "مجلة شعر" في تحديد موقفها من التيار الشعري السائد انذاك وتفجير الشكل الشعري التقليدي والتبشير في كثير من الحماسة بالقصيدة الجديدة وبمفهوم شعري منطلق من تجربة الانسان الخاصة * من هنا تبدو لنا تجربة أديب كمال الدين الشعرية سوف لن تكون بالسهولة التي نتصورها فهي تجربة واسعة تخللتها الكثير من الصعوبات بما فيها الغربة والتغرّب عن ربوعه الأولى وطنه العراق وما انعكس ذلك جليا على تلك التجربة من قصائد وجدانية تحمل الكثير من ألم التغرب والحنين إلى بابل وبغداد هي مواطنه الأولى حتى مغادرته إلى أستراليا التي يسكنها الآن .

 

 

 

 

 

 ونحن في هذه العجالة لن نمر على الكثير مما أنجزه كمال الدين بالقدر الذي سنتوقف عند ومضتان شعريتان ستكشفان عن الكثير من تلك التجربة مع أنهما نقطتان في بحر شعره الهادر الكبير لايمكن أن تكونا بديلا لكل ذلك الإنجاز العظيم ، الومضتان لصيقتا عاطفة مشبوبة تناجيان الحبيب من خلال صورة شعرية مضغوطة الأحرف ، رشيقة البنيان واللغة يقول في أولهما :

 

سُحقاً لزمنٍ أحببتكِ فيه

ووضعتُ جسدي الطيّبَ فيه

على المساميرِ والخشب .

 

لاحظ كيف استخدم الشاعر هنا الميثولوجيا كشاهدة أزلية على العذاب الذي لاقاه الإنسان نبيا أو مبشرا أو عاشقا باء بكل ذلك الفشل. وهي صورة شعرية معبّرة تأخذ بتلابيب النص الشعري نحو أزلية العاطفة المليئة بالألم والعذاب يكملها بومضته الشعرية الثانية التي يؤكد فيها ديمومة حبه لمحبوبته رغم كل الدم والدموع:

 

من أجلكِ صعدتُ راقصاً إلى دمي

ونزلتُ هابطاً بدمعي .

هكذا نفهم وببساطة المعنى صفحة من تجربة الشاعر الكبير أديب كمال الدين من خلال هاتين الومضتين الشعريتين اللتين تدلان على قوة وبراعة حنكته الشعرية التي ابتدأها منذ عقود ولا زالت تزداد عمقا في كل ما تناوله فيها من معان .

*************************************************

* الباحثة ساندي أبو سيف في كتابها: (قضايا النقد والحداثة – دراسة في التجربة النقدية لمجلة شعر) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

* الأعمال الشعرية الكاملة/ المجلد الأول/ شعر: أديب كمال الدين/ منشورات ضفاف/ بيروت/ لبنان / 2015  ص 111 و 113

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home