قصائد من كوريا

 

ترجمة وتقديم: أديب كمال الدين

 

 

(1)

ما إن بدأت بترجمة هذه القصائد حتى حاصرتني دهشة عميقة سببها هذا الارتباط العجيب ما بين الشاعر الكوري وطبيعة بلاده، فهو يتغزّل بها في كل آن، بمناسبة وبدونها، لأنّه- ببساطة شديدة - عاشق لدرجة الهيام بجبالها، مفتون بمياهها، متيّم بسمائها وطيورها وأزهارها وربيعها وخريفها وفجرها وشمسها.

 

والشاعر الكوري - مثله مثل الشاعر الياباني والصيني – اختصّ منذ القدم بهذه الإشارة وَعُلّم بهذه العلامة حتى أضحى مسحوراً بكل تفاصيل الطبيعة الجميلة وتحولاتها وانقلاباتها، كرمها وبخلها، عطرهاودخانها. ولا بد لجمال الطبيعة الكورية المتحقق على أرض الواقع بالطبع، من دور في هذا الافتتان، ولا بد أن يكون الدور كبيراً وخطيراً، وقد كان كذلك حقاً، حتى انني أستمتعتُ - وسيستمتع القارئ معي كما آمل وأتمنى - بهذا الالتحام المدهش ما بين الشاعر الكوري وطبيعة بلاده الذي صيره شاعراً عميقاً يجيد الغناء والانشاد، الحب وتفاصيل الحب، التأمل والاستبطان، التفلسف والتفكير، الاضافة والابداع.  لقد صيّره، بكلمة جامعة، شاعراً يجيد لعبة الحياة ولعبة الموت معاً.

 

هكذا سنرى النوارس تقود الشاعر (تشونغ أون) إلى معنى الحياة العميق المستتر في الطبيعة وتفاصيلها بدلاً من الكتب والكلمات ،ونرى الجبل والماء والقمر تقود الشاعر (سونغ هون ) إلى المعنى المتبقي من الحياة في فصلها الأخير حيث الشيخوخة المسالمة. لكننا سنرى شعراء آخرين يتسّاءلون عن معنى الحياة حبّاً وموتاً وفرحاً.

ف (كَيم تونغ) يتساءل عن الجدول الذي يستطيع قتل النارالتي تشتعل عميقاً في داخله، و(إم تشي) يتساءل ، بألم ، لمن يقدّم كأس حبّه ولم يبقَ من حبيبته الاّ العظام، و(كيم تشونغ ) يتساءل، بعذوبة، عما يمكن قولهأ وفعله وشعره الأشيب يطفو فوق ريح الربيع. لكن سعادة (كيم كيو)باقية يستمتع بها وسط أحضان الطبيعة الرؤوم طويلاً، ولن يفقدها – كما يقول في قصيدته - إلى أن تصبح سيقان البطة القصيرة طويلةً مثل سيقان الكركي.

 

(2)

 

 

 

هذا ما كان حال الشاعر الكوري قديماً كما نرى في قصائد القسم الأول وإذا كان الشاعر لا يرى أبعد من الينبوع والبئر والعش والربيع والمطر ولا يسمع أكثر من الرعد والتغريدة والزقزقة، ولا يشمّ أكثر من عطر الأزهار ودخان النار، ولا يلمس أكثر من طين الجدول وجسد الشجرة وأوراق الخريف الساقطة، فإن الشيء المدهش أن يستمر هذا الالتحام الفريد ما بين الشاعر الكوري وطبيعة بلاده حتى في القرن العشرين كما سنرى في قصائد القسم الثاني من هذه المجموعة، حيث لم يغادر الشاعر ينبوعه وطيره ومطره  وجبله وزهرته وبئره في قرن العلم والصناعة واكتشاف الفضاء، والحروب الذرية والليزرية والكيماوية والجرثومية، والمال والدولار، والصراعات، والاختناقات، والتحديات والاتصالات التي صيّرت العالم قرية صغيرة كما يقولون. بقي مخلصاً لجمال الطبيعة ورموزها العديدة حتى أصبحت الطبيعة عنده الغاية والوسيلة معاً، هي الجمال بذاته، وهي، كذلك، مَن يدعو الى الجمال حقاً وصدقاً دون أدنى ريب .

 

 

 

القسم الأول (*)  :

 

النوارس - تشونغ اون

اغلقِ الكتابَ، افتحِ الشباك

السفنُ تبحرُ فوق الأنهار والبحيرات .

نوارسُ البحر تجيء وتذهب

ما هي رغباتها وشكواها؟

مِن الآن فصاعداً سأتخلى عن طموحي

ملاحقاً النوارس خلال المياه .

 

 

أكذوبة - تشمو ويسيك

وقف صبي خارج نافذتي

ليخبرني انها السنة الجديدة

هكذا نظرتُ خلال نافذتي الشرقية:

الشمس تشرق منذ عهدها القديم، لم تتغير.

انظرْ، يا ولد، انها الشمس العتيقة نفسها،

لا تزعجني الآن وتعال في وقت آخر.

 

 

سعادة - كيم سيوجانك

في سقيفة عشبية، بعيداً عن الجميع

أجلسُ وحيداً

الغيوم تسقطُ نائمةً

استجابةً لصوتِ أغنيتي الهادىء

آه ، مَن - كذلك - يعرف هذه النعمة؟

مَن يقول أن هنالك ندّاً لي ؟

 

 

ريح الربيع - كيم تشونغ غيو

مَن قال إنَي عجوز؟

هل ان عجوزاً على هذه الشاكلة:

قلبهُ يبتهج بالأزهار الجميلة

ضحكهُ يطفو فوق كؤوس العبير

ولكن ما الذي يمكن أن أفعل، ما الذي يمكن أن أقول؟

شعري الأشيب يطفو فوق ريح الربيع .

 

 

في بلاد الأحلام - يي مونغ هان

إذا تركتْ أحلامي

أثارَ أقدامها على الطريق

فإنّ الممر تحت شّباك حبيبي

سيكون بالياً رغم أنه صخري.

واأسفاه ، في بلاد الأحلام

لا طرقات تثبت، لا آثار تبقى.

 

 

 

دهشة - الأمير بونغ نيم

ما الذي يدهشكَ في صوت المطر الأزرق

فوق الجدول الرقراق :

آهٍ ، أهي الأزهار والأشجار فوق التل؟

أنت ترتجف وتضحك، تضحك وترتجف .

ابتهجْ، إذن ، بينما أنتَ شباب الحياة

لا تبعد سوى أيام قلائل عن نسائم الربيع .

 

النار - كيم تونغ نيونغ

جبل في الربيع يحترق

تشتعل أكمام الأزهار.

مع ذلك هنالك ماء

ليخمد لهبها.

ولكن أين هو الجدول الذي يستطيع
قتل النار التي تشعل عميقاً في داخلي؟

 

 

العظام - إم تشي

فوق التل حيث تنمو الأعشاب عالياً

هل أنتِ نائمة أم مستلقية تسترخين؟

العظام هنا فقط،

وجهكِ الجميل الذي كان

أين هو، يا حبيبتي  أين ذهب؟

واأسفاه

لمن ينبغي علي أن أقدّم هذه الكأس؟

 

 

معادلة - سونغ سيول

الجبال طبيعية طبيعية،

المياه ، أيضاً ، طبيعية طبيعية.

ما بين الجبال الطبيعية والمياه

أنا نفسّي طبيعي طبيعي .

هذا الجسد الذي كبر بشكل طبيعي .

دون شك سيشيخ بشكل طبيعي .

 

 

إذا - كانغ بانغ نون

وجهي الجميل في سنوات الشباب

آهٍ ، هَرِمَ بسبب الحب

هل ستعرفني ،هل ...

إذا رأتني الآن ؟

إذا عرفتْ حبيبتي وجه الرجل الهرم

فسأموت دون قلق .

 

 

نهاية - سونغ هون

الجبل صامت ،

الماء لا شكل له .

النسيم العليل لا ثمن له ،

هنا، على شاكلتهم ،

سأشيخ بسلام .

 

 

متى - نام كيومان

الشباكُ الشرقي يشحب

القبّرةُ تغني : النهار ينقضي

يا راعي البقر، أيها الخادم الصغير

ألم تستيقظ بعد حتى الآن، حتى الآن؟

متى ستزرع الحقل الواسع

العميق الأخدود، الراكض فوق التل؟

 

 

نصيحة-كيم كيو

إلى أن تصبح سيقان البطة الصغيرة

طويلةً مثل سيقان الكركي

إلى أن يصبح الغرابُ أبيضَ

أبيضَ مثل طائر البلشون الأبيض الشرقي

تمتع بسعادتكَ الباقية

إلى الأبد!

 

 

 

القسم الثاني :

 

 

الأزهار - يوشيهوان

الخريفُ جاءَ، ومن مكانِ ما يجلبُ الأطفالُ

بذورَ الأزهار الى البيت .

يحصونها، يرتبونها واحدة بعد الأخرى :

البلسم، عرف الديك، عصا الراعي  تألق الصباح .

وبعد الواجب البيتي

يستعدون للنوم

ولكن حتى في الفراش يتحدثون عن البذور:

لو كان عندنا حديقة لِنُنبت البذور.

خلال ذلك يتعمّـق الليل

وعندما تغطّيهم أمهم بحصران القش

تلك الأزهار المسكينة المتعبة تغرق في النوم

حيث تعانق كلُّ واحدةٍ سريرَ زهرةٍ خرافية.

 

 

صورة شخصية - يون تونغ يو

أطوفُ حول سفح جبل ما لأبحث عن بئر مهجورة بجانب

الحقل وأنظر فيها دون كلمات .

في البئر كان القمر متألقاً، الغيوم تسير، السماء ممتدّة ، الريحُ

الزرقاءُ تهبُ ، والخريفُ كان هناك .

كذلك كان شاب ما في البئر. كارهاً هذا الرجل انعطفتُ

بعيداً. ولكن ما أن مضيتُ حتى أخذتُ أشفق عليه .

عندما رجعتُ ونظرت في البئر ثانية، لم يزل ذلك الشاب

هناك . بدأتُ أكرهه مرةً ثانية وانعطفتُ بعيداً.

ولكن ما إن مضيتُ حتى بدأتُ أشتاق اليه .

في البئر كان القمر متألقا، الغيوم تسير، السماء ممتدّة، الريح

الزرقاء تهبُّ ،الخريف يسود،وشاب يقف هناك.

 

 

 

 

يوم من أيام الشتاء - تشو بيونغ هوا

ما بين أغصان الشجرة العالية تشرق الشمس مثل ثمر

البيرسيمون الأصفر في السماء الرمادية .

سأنهض في شروق الشمس وأنتظر شمس البيرسيمون

الأصفر(1) لتتسلق السماء الشرقية تحت شباكي .

أُجثِمتْ غرفتي عالياً مثل عش الغراب .

الرياح الباردة تنسلُ الى غرفتي حيث أعيش وسط قشعريرة

الشتاء. يؤشر المحرار درجة 37 تقريباً .

أنا أعيش على دفء الشمس .

أنظرُ الى الشمس المشرقة من فراشي الذي جثم مثل عشّ

الغراب وقد تدثرتُ بلحافٍ ناعم

مثل صورة زيتية ملونة تعتلي شمسُ البيرسيمون الجميلة

السماءَ الرمادية ما بين الأغصان الطويلة ساكبةً حرارتها فوق جسدي .

 

 

المعبد العتيق - تشو تشي هون

مغلوباً بهجعةٍ مختلسة

صبي مذبح

والأسماك الخشبية في يديه

يغلق عينه ويهزّ برأسه .

بينما أميتابها وبودهيساتفا

يبتسمان، يبتسمان دون كلمات .

وعلى امتداد التخوم الغربية

تحت السماء المحمية الحمراء

زهراتُ الفاوانيا تتساقط، زهراتُ الفاوانيا تتساقط (2)

 

 

الأزالية - كيم سويل

أنتَ سئم منّي .

عندما تذهب

سأودّعكَ دون أن أنطق بكلمة.

سأجني

الأزالية فوق جبل ياك

الأزالية المشتعلة ليونغ بيون

وأنثرها في طريقك .

امشِ بلطفٍ رجاء

خطوةً خطوةً ، بنعومة

فوق أزهار الإخلاص .

أنتَ سئم منْي

عندما ترحل

لن أنحب رغم أني أموت .

 

 

******************************

(1) بيرسيمون : شجر ذو ثمر أصفر يسمونه "الخرما" و"الكاكي".

(2) الفاوانيا: نبات ذو زهرات كبيرة حمر قرنفلية أو بيض

(*) عناوين قصائد القسم الأول جميعها موضوعة من قبل المترجم، فهي في الأصل دون عناوين

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home