حوارات النقطة

  

  شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 1.

قالت النقطةُ: مَن أنا؟

قالَ الحرفُ: أنا مَن؟

قالت النقطةُ: مَن أعطاني تاجاً

أنا الذي ادّعى كينونتي الأولياءُ والصالحون؟

قالَ الحرفُ: مَن سرقَ حذاءَ طفولتي

أنا الذي نسفَ ذاكرتي الكذّابون والشويعرون؟

قالت النقطة: هل يكفي أنْ أطلقَ رصاصةً

على رأسِ شاعري لأموت

وأريحه من عذابِ الموت؟

قالَ الحرفُ: هل يكفي أنْ أباغته

بخرابِ الماءِ وفضيحةِ الماء

ليموت كاتبي

وأموت قبله فرحاً دونَ ذنب؟

قالت النقطة:

يا لهذا الارتباك الفسيح الذي يغطّي الكون!

فقالَ الحرف:

يا لسماء الارتباك التي بدأتْ بغيمةٍ

ولم تنتهِ بأخرى أبداً!

2.

* قالت النقطة:

 هل تصدّقُ أنّ شِعْركَ سيغيّرُ من كتابِ الثّمَرة؟

 - قالَ الحرفُ: لا.

 * وهل سيغيّرُ من كتابِ النهر؟

- قالَ الحرفُ: لا.

* وهل سيجعلُ الشمسَ أكثر اصفراراً أو احمراراً؟

- قالَ الحرفُ: لا.

* وهل سيجعلُ الثدي أكثر لذّة أو إخلاصاً؟

- قالَ الحرف: لا.

قالت النقطة: إذنْ كُلِ الثّمَرة

أيّهذا المُغفّل،

وامتطِ البحر

أيّهذا الضائع،

ونمْ على رملِ الشاطئ المُشمس

أيّهذا المحروم،

وقبّل الثدي تقبيلاً

أيّهذا المهووس.

نعم، فالموتُ سيأكل الثّمَرة

ويمتطي البحر

ويجفّف الثدي

وحتّى الشمس لنْ تسلم منه!

 3.

قالَ الحرف: هل النقطةُ جسد؟

أجابت النقطة: جسد مَن؟

قالَ الحرف: هل النقطةُ ميناء؟

أجابت النقطة: لسفينةِ مَن؟

قالَ الحرف: هل النقطةُ تجديف؟

أجابت النقطة: لِمَ لا تحسن السؤال؟

قالَ الحرف: ولِمَ لا تحسنين الإجابة؟

قالت النقطة: يا لخواء الحرف!

قالَ الحرف: يا لحكمة النقطة!

 4.

قالت النقطة:

انظرْ إلى نقطةِ الدم

إنّها تشبهني.

قالَ الحرف:

انظري إلى النخلةِ التي زرعوها في الأندلس

إنّها تشبهني.

قالت النقطة:

أيّهذا المُعذَّب

أنا بعضٌ منك!

ضحكَ الحرفُ وقال:

أيّهذي المُعذَّبة

أنتِ بعضٌ منّي!

 5.

سألت النقطةُ الحرف:

كيفَ تعرّفتَ إلى جنونِ الموت

ولم تتعرّفْ إلى جنونِ الحقيقة؟

قالَ الحرف: لأنّني شغلتُ بنَفْسي

فأنا الموت وأنا الحقيقة!

6.

وسألت النقطةُ ثانيةً:

ما الذي أتى بنا من الشرقِ إلى الغرب

من الحزنِ إلى الكآبة؟

فأجابَ الحرف:

هل كُتِبتْ علينا اللوعة في اللوحِ المسطور

أم كُتِبَ علينا الحرمان إلى أبد الآبدين؟

7.

 قالت النقطةُ للحرف:

انظرْ إليَّ، ما أجملني!

انظرْ إليَّ، ما أشهاني!

هكذا ستظلّ تبكي جمالَ جسدي

ورقّةَ حضوري،

ستظلّ وتظلّ

حتّى تفنى أو تتحوّل إلى محضِ خيال!

وكانَ الحرفُ، حقّاً ، محض خيال!

8.

وسألت النقطةُ ثالثة:

هل مِن الشؤمِ أنْ أرتبط بكَ

ارتباط الأرضِ بالسماء،

وارتباط الحلمِ بمُخَيّلةِ الشاعرِ/ الطفل

وارتباط الجيمِ بالجُثّةِ والجنون؟

هل مِن الحقِّ أنْ تضيع معي

بحثاً عنّي

وأنا بعض منك؟

أم مِن الحقِّ أنْ أضيع معك

بحثاً عنكَ

وأنتَ بعض منّي؟

 9.

فأجابَ الحرف:

نعم، أسيرُ سعيداً

من منفى مظلمٍ إلى منفى مضيء.

ردّت النقطةُ بهدوء عجيب:

أسيرُ من منفى ضيّقٍ كالقبر

إلى آخر شديد الاتساع كالزلزال

في حبورٍ ما بعده حبور!

10.

أتذكرُ كيفَ استباحوا جميعاً طائرتنا الورقيّة؟

كيفَ أستبدلوا حلمنا بلَحْمِ الكوارث

وصبانا بألمٍ كافر؟

أتذكرُ كيفَ كنّا نركض

مثل المجانين وسطَ الشوارع

حينما تحضرُ الروح

من حلمِها الذي يشبهُ غيمةً من تراب؟

أتذكرُ كيفَ أضعنا الصواب؟

هكذا تساءلت النقطة

وهي تبكي قربَ بابِ الذهب.

قربها الحرف كان

دمعةً من لهب.

11.

كنتُ سيّدة الماء،

سيّدة الطيور الحُمْر والفراشات الصُفْر،

سيدة النوم والصبا،

سيدة الجَمْر والقُبلات العسل.

- هكذا تذكّرت النقطةُ أمجادَها الغابرة-

كنتُ، لكنّهم أفسدوا حفلتي بسكاكينهم الطوال،

أفسدوا إذ أقاموا على بابِ قلبي

تماثيلهم القاسية

واستباحوا دمي

جمرَه، نومَه في الرحيق.

ذبحوا طيرَ صدري،

أكلوا عسلي قُبْلةً قُبْلةً،

أكلوا جسدي من ألفه إلى يائه

ومن يائه إلى يائه.

يا لهم

يا لسكاكينهم

يا لأحقادهم

يا لدمي الذي فاض كدجلة وقتَ الغروب

ووقتَ السكارى

والذي دمدم

بكلِّ حروفِ الأرضِ حزناً

كحزنِ الفراتِ المقدّس.

12 .            

قالت النقطة:

ما الذي حدثَ لكَ وقادتكَ صبواتكَ إليّ؟

لم تكنْ أكثر من كأسٍ

- أيّها الحرف -

فكيفَ همتَ في الطرقات،

وركبتَ البحار

وامتطيتَ الغيمةَ بحثاً عنّي؟

لم تكنْ أكثر من كأسٍ

- أيّها الحرف -

فكيف خلقتَ موتَكَ بيدِكَ

وخلقتَ أرجوحةَ حياتِكَ

من ثيابِ طفولتي المُمزَّقة؟

أيّها العارف

كيفَ ضعتَ بكلِّ هذه البساطة؟

وكيفَ سرقتكَ من جحيمِ معرفتِكَ وطمأنينتك

إلى جنّةِ جهلي وجنوني وجبروتي؟

ما الذي حدثَ لك

لتتلقّى كلّ يومٍ طعنات القصيدة

وحراب الكلام

وأسنّة الموت؟

ما الذي حدثَ لك

لتقودكَ خطاكَ إليّ

أنا ملكة الرغبة

وصيحة الماء التي لا حدود لها؟

 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home