تقنيات إثراء الدلالة في شعر أديب کمال الدين

كبرى روشنفكر ود. رسول بلاوي

 

 

نُشِرتْ في مجلة العلوم الإنسانية الدولية 2013 -1434  ه, ق

العدد 20 -(3) – 109- 95

 

الملخص:

    التقنیات التي يعتمدها الشاعر للإيحاء والتأثیر بدلاً من المباشرة والتصريح، تنقل المتلقي من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني والدلالات التي تكمن وراء النص، كما تقوم باستكمال ما تعجز الكلمات المباشرة عن بيانه، فالتعبیر بالرمز ومعطیات التراث تعطي زخماً وغنیً وخصوبةً للنص الشعري، وأصالةً لأدب الأدیب وهذا ما دأب علیه الشعراء المعاصرون. والشاعر العراقي أديب کمال الدين عکف علی توظیف تقنيات حديثة، لما فیها من قدرة علی توجیه الأفکار وتعمیق الرؤیة الفنیّة وإثراء النص وتخصیبه. فقصائده طافحة بالإيحاءات الدلالية والرمز، والتراث، والألوان.

 

إننا في هذه الدراسة التي أعتمدت في خطتها علی المنهج الوصفي – التحليلي، حاولنا أن نبيّن أهم التقنيات التي إستخدمها أديب كمال الدين في شعره، منها التجربة الحروفية وإفرازاتها الدلالية، تناصه مع النص القرآني، واستدعاؤه لشخصية الأنبياء كالنبي نوح و النبي يوسف (عليهما السلام)، ثمّ الألوان و دلالاتها الرمزية. و في هذا البحث اعتمدنا علی تسعة من دواوين الشاعر الأخيرة منذ عام  1993  حتى عام 2013م.

 

الکلمات الدليلية : الشعر العراقي المعاصر، أديب كمال الدين، التقنيات الشعرية، الدلالة. 

 

 

 

 1- المقدمة:

    الشاعر الحروفي أديب کمال الدين (1) شاعرٌ مبدعٌ ومتميّز، ولازال عطاؤه الأدبي مستمراً لم يکتمل بعد. ففي کلّ فترة يطلّ علی الساحة الأدبية بمجموعة جديدة؛ و مع أي مجموعة من هذا الفيض الإبداعي نجد الشاعر متجدّدا فيها مع المحافظة علی سماته الأسلوبية المرکزية، مبدعاً في اكتشاف وخلق المجازات والتقنيات والصور الجديدة. إنه يتناولُ الكثيرَ من الموضوعات والأغراض الشعرية بجمالية و رقّة عاليتي التأثير ومن خلال خيال واسع خصب مبني على اطلاع واسع في الشعر والأدب ونظر ثاقب وبصيرة نافذة، ومن خلال لغة غزيرة القاموس جليلة الإستخدام ثاقبة التعبير جميلة جزلة فخمة الإيقاع رقيقة الإيحاء واللفظ ، وأوزان تتناسب مع المضامين.

    إهتم أديب کمال الدين بألفاظه اهتماماً كبيراً وانتقى ألفاظه الشاعرة المشحونة بأنواع من الرموز لتعبر عن طريقته الخاصة في النظر إلى العالم، والتعبير عن الإحساس به وتخيله. يتفرّد أديب بتجربته الشعرية الثرّة، إذ إعتمد ثنائية الحرف و النقطة في جميع دواوينه، فهما مشروعه الحياتي والشعري. فهو  واحد من الشعراء المبدعين الذين تفرّدوا في نهجهم الشعري بأسلوبية جمالية خاصة؛ فهو شاعر إمتثل أمام نفسه طويلاً كي يستخلص عصارة فكره وأدبه ويترجمها إلى حروفٍ غزلَ من خلالها أجمل القصائد. وهو شاعر تفنّن في تقنية الحرف وجعله مرآة عاكسة لتوهجه الروحيّ ومكابداته المعرفية في عالم مليء بالنزاعات والآلام وأحلام المستحيل.

    کمال الدين خاض معرکة شاملة في تجربته الشعرية وأصبح شعره متمیزاً في الشکل والمضمون؛ فلهذا السبب أخذت خریطة هذا الشعر تجمع في ثنایاها الإیقاع والإیحاء والرمز ومعطیات  فنیة أخری  لخصوبة النص وإثرائه، لیسایر تطورات الأحداث الراهنة علی أرض الواقع والحداثة الشعریة کی تصبح مفرداته من عیار ثقیل.

   هذا و قد وظّف أديب کمال الدين الکثير من الرموز والدلالات والایحاءات، للتعبیر عن قضایاه الوطنیة وعکف علی استخدامها فی فنونه الشعریة بکثافة، فخلق منها مادة معرفیة دسمة، تنعکس من خلالها الإنجازات البشریة للتفاعل مع  رؤاه المنشودة لتولید دلالات حدیثة تتماشی مع روح العصر وتطلّعات الشاعر وطموحاته.

 

     1-1- اسئلة البحث:

    في هذه الدراسة نطرح ثلاثة أسئلة و نحاول مناقشتهما أثناء البحث؛

- أولاً: ما هي أبرز التقنيات التي عمد لها الشاعر لإثراء الدلالة في نصوصه الشعرية؟

- ثانياً: ما هي أسباب  ومبررات لجوء الشاعر في توظیف تلک التقنیات و ما مدی فاعليتها في النص؟

1-2- خلفية البحث:

هناك عدد من الكتب التي صدرت عن تجربة اديب کمال الدين و التي صبّت اهتمامها في البحث والتقصي في جمالیات شعره منها: كتاب «الحروفي» و قد اشترک في تأليفه 33 ناقداً حيث كتبوا عن تجربته الشعرية؛ أعدّ هذا الكتاب و قدّم له مقداد رحيم. و التاب الثاني « الحرف والطيف: عالم أديب كمال الدّين الشِعريّ» للكاتب مصطفي الكيلاني. و الكتاب الآخر « الاجتماعي والمعرفي في شعر أديب كمال الدين» للباحث صالح الرزوق؛ و كتاب « أضفْ نوناً: قراءة في "نون" أديب كمال الدين» للباحثة حياة الخياري.

كما وقد كُتِبت عنه مقالات كثيرة في شبكة المعلومات العالمية جمعها الشاعر في موقعه الرسمي. و نذکر منها: الأسطورة والرمز الديني في شعر أديب كمال الدين لـ "صالح الرزوق"؛ و وجوه وشخصيات في قصائد أديب كمال الدين للکاتب نفسه؛ و سلطة التناص الديني في شعر أديب کمال الدين لـ "وديع العبيدي"؛ و  الرمز الصوفي في شعر أديب کمال الدين لـ "هادي علي الزيادي"؛ و توظيف الصور القرآنية في الشعر أديب كمال الدين لـ "سمير عبدالرحيم اغا"؛ و الحضور القرآنيّ والصوفيّ في (مواقف الألف) للشاعر أديب كمال الدين لـ "فاضل عبود التميمي"؛ و حقيقة النقطة و الحرف في تجربة أديب کمال الدين الشعرية لـ "صالح محمود"؛ و النقطة في الشعر لأديب کمال الدين / النص حين يحتمل التأويل لـ "هشام العيسی"؛ و إشارات الألوان: قراءة في ديوان "الحرف والغراب" لأديب كمال الدين للباحثُة  "أسماء غريب". و إنّنا لا نجحد أهميّة هذه الدراسات النقدية التي سبقت بحثنا و التي استفدنا منها کثيرا في اعداد هذا البحث، لکنّ – و الحق يقال – هذه الدراسات لم تتّسم بمنهجية البحث المعهودة في الدراسات الآکاديمية و قد رکّز فيها الباحثون علی تأويل و تفسير بعض الظواهر والتقنيات التي جاءت في تجربة الشاعر.

    أمّا دراستنا الموسومة بـ " تقنيات إثراء الدلالة في شعر أديب کمال الدين" هي الدراسة الأولی والرائدة في إيران عن تجربة الشاعر؛ فقد قمنا بدراسة التقنیات التي اعتمدها الشاعر في منجزه الشعري و مدی إيحاء و فاعليتها في النص، و تأثیر هذه التقنيات علی المتلقّي في ظل المنهج الوصفي – التحليلي.

 

2- التعاريف:

جاءت هذه الدراسة لتعالج التقنيات الحديثة التي استخدمها الشاعر أديب كمال الدين لإثراء نصوصه بشحنات دلالية خصبة فطبيعة البحث تقتتضي إستخدام بعض المصطلحات النقدية التي لابدّ منها، فمن هذا المنطلق أفردنا مبحث "التعاريف" لكي نتعرّف علی هذه المصطلحات و نتحاشی الإلتباس و الخلط بينها:

2-1- التراث: التراث هو ما خلفته الأجيال السالفة للأجيال الحالية في مختلف الميادين الماديّة والفكريّة والمعنويّة. فهو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم  وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل. و كان التراث مصدراً سخيّاً من مصادر الإلهام الشعري، حيث يستمدّ منه الشعراء نماذج وموضوعات وصوراً أدبية؛ فقد يتّسع لمجموعة الرؤى والأفكار والخبرات والإبداعات.

2-2- التناص: ضربٌ من تقاطع النصوص الذی يمنح النص ثراء و غنی ، و يسهم في النأي به عن حدود المباشرة والخطابة . فالتناص عبارة عن «حدوث علاقة تفاعلية بين نص سابق و نص حاضر؛ لإنتاج نص لاحق».( مرتاض ،1991 م : ص 75).

2-3- تقنيات التعبير: التقنیات هي الوسائل التي يعتمدها الشاعر في تجربته للإيحاء والتأثیر بدلاً من المباشرة و التصريح، فتنقل المتلقي من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني والدلالات الکامنة وراء النص.

2-3-1- استدعاء الشخصيات: استدعاء الشخصيات تمنح القصيدة حمولة فكرية و وجدانية لا تخفى على المتلقي، لأن الشخصيات المستدعاة غالباً ما يكون لها في الذهن و الوجدان إيحاءات دلالية و عاطفية، تفرض على القارئ نوعاً من التماهي معها، بما تمثله في وعيه و لاوعيه الفردي و الجماعي من حضور و تأثير قويين. و توظيف الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، يعني «إستخدامها تعبيرياً لحمل بُعد من أبعاد تجربة الشاعر يعبر من خلالها ـ أو يعبر بها عن رؤياه المعاصرة» (عشري زايد، 1997م: 13).

2-3-2- القناع: القناع مصطلح مسرحي أساساً، انتقل الی الشعر الحديث، ليعبّر عن لون متقدّم من التوظيف الشعري للرموز و الشخصيات، «و يفصح عن علاقة جديدة للشاعر بتراثه، و ليكون خطوة متقدّمة في الفن الشعري بإتجاه الإغتناء من أساليب الفنون الإبداعية الأخري» (حداد، 1986: 149). الشاعر يستطيع أن يقول كل شيء من خلال القناع دون أن يعتمد شخصه أو صوته الذاتي بشكل مباشر (اطيمش، 1982: 103)؛ يندمج الشاعر في شخصية القناع و يتفاعل مع مكوناتها، لتنصهر تجربته الذاتية في مقومات تلك الشخصية (كندي، 2003: 67).

2-4- الرمز: يُعدُّ الرمز من أهمّ وسائل تشکيل الصورة الشعريّة؛ لاسيّما في العصر الحديث. و «الرمز بمفهومه الشامل هو: ما يمکن أن يحلّ محلّ شيءٍ آخر في الدلالة عليه، ليس بطريقة المطابقة التامّة و إنّما بالإيحاء، أو بوجود علاقة عرضيّة، أو علاقةٍ متعارفٍ عليها» (سليمان، 1987م: 32).

   أصبحت للرموز بکافة مستویاتها أهمیة قصوی للشاعر، بحیث غدا استدعاءها  أمراَ یثری المضمون الشعری، ویکشف عن المعاني التی یصعب الحدیث عنها بطریقة مباشرة. إنّ معطیات الرمز عامل مؤثر في إغناء الصورة وفي رفد أبعادها آفاقاَ جدیدةً و متنوعةً وکذلک فإنّ وجود الرمز یستحضر معه مفردات خاصة بهِ، وهذه المفردات تؤدي الی تخصیب الصورة وإغناء مناخاتها.

    لم یکن هذا الاتجاه الرمزي جدیداً في الشعر العربي، وإنّما سار الشعراء العراقيون علی خُطی إخوانهم العرب في التعبیر عمّا لم یستطیعوا أن یبوحوا بهِ، فالظروف الصعبة والمناخ المظلم الذي عاش في کنفه العراقيون حدا بهم الإتجاه إلی لغة الرمز ومواصلة النضال الشعري، لأنّ التصریح بالأفکار والأحاسیس الکامنة ربّما تقود صاحبها الی الإعتقال أو السجن أو القتل ولهذا السبب لجأ الکثیر من شعراء العراق إلی الرمزیة والاستعانة بالتراث. و الشاعر أديب کمال الدين نهلت کثیراً لغته من خصوبة التراث وثری الرمز فی مسیرتها النضالیة، و إنّه کان فعالیّة ثقافیة، تتحرک بقوة في حقول الإبداع الشعري ویواصل إکتشافه لمناطق جدیدة في الشعروالکتابة وإقامة تلک الجسور المجدولة بقوة بین مناطق الإبداع والذوق السلیم والخیال الواسع والعواطف الجیاشة.

 

 

3- القسم التطبیقي:

3-1- التناص القرآني:

   لقد کان التراث  القرآني  في کل العصور بالنسبة للشاعر هو الینبوع الدائم والزاخر لتفجیر القیم النبیله. فالقرآن الکریم احتل مساحة واسعة في الشعرالعربی الحدیث، فالشاعر عندما یستدعي القرآن الکریم «إنما یستدعیه بوصفه جزءاَ من البنیة الدلالیة للنص الشعري، فالإشارات القرآنیة ترتبط مع النص الشعري عضویاَ وبنیویاَ ودلالیاَ، وهذا تنویع جدید علی نفس الموقف ویؤکد أنّ العملیة لیست مطلقاَ مجرد عملیة أقتباس، وإنّما هي عملیة تفجر لطاقات کامنة في النص یستکشفها شاعر بعد آخر، وکل حسب موقفه الشعري الراهن (اسماعیل2007: ص36).

   إن ظهور التناص القرآني في شعر أديب کمال الدين يدلّ علی ثقافة شمولية عامة، وظفّها الشاعر و استلهمها في تطلعاته و مقاصده و افکاره الشعرية. کان للقرآن نصيب وافر في شعره فالقرآن معين لا ينضب، قد ألهم الشعراء والکتّاب و المتطلعين الی الحرية و الخلاص عبر العصور.

لقد استوحی أديب الکثير من المعاني و الايحاءات و الافکار من القرآن الکريم.. ففي المقطع التالي مثلا من قصيدة "العودة من البئر" يقول الشاعر:

أعرفُ أنكَ كنتَ شيخاً جليلاً / وأنهم – واخجلتاه- استغلّوا / ضعفكَ البشريّ / وبياضَ لحيتِك / ودقّةَ عظمِك. / أعرفُ هذا / وأعرفُ أنهم تركوني إلى الموت / قابَ قوسين أو أدنى ( أقول الحرف و أعني أصابعي:  13)

فنری الشاعر يتناص مع الآية التالية: « قال ربي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا» مريم / 4؛ فقد إتّخذ شخصية النبي زكرياء قناعاً للتعبير عن معاناته؛ کما إنّه في الشطر الأخير" قاب قوسين أو أدنی" أيضا يتناص مع الآية التاسعة من سورة النجم.

و في المقطع التالي یقول الشاعر:

كيف سأسقيكَ من أنهارٍ من عَسلٍ مصفّى/ أنهارٍ لذّة للشاربين/ لا فيها لغوٌ ولا تأثيم/ وكيف ستجلس في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ (مواقف الألف:13).

    یُعتَبر هذا المقتبس مثالاً واضحاً للتناص الخفيّ مع القرآن الكريم، فالسطر الأوّل فيه جاء بناؤه النصيّ قريباً من قوله تعالى: «وأنهار من عَسلٍ مصفّى» محمد/ 15، وكان السطر الثاني قد أخذ شكله النصيّ من الآية السابقة: «وأنهار من خمر لذّة للشاربين»، فيما السطر الثالث تناص مع الآية: «لا يسمعون فيها لغواً ولا كِذّابا» النبأ/ 35، أمّا السطر الأخير فقد استمد صيغته من الآية: «في مَقعدِ صدقٍ عند مَليكٍ مُقْتَدِر» القمر/ 55، فالتراكيب الشعرية في النص السابق أخذت صيغها، ودلالاتها النهائية من القرآن الكريم اقتباساً لا تنصيصاً.

   وكذلك الحال في قول الشاعر في قصيدة (موقف الوحشة):

وذكّر الناسَ/ فالناس سُكارى/ وما هم بسُكارى/ ذكّرهم بقافي وقرآني (م.ن: 22).

     الذي حضرت فيه معالم الآیة الشریفة التالية: «وترى الناسَ سُكارى وما هم بسكارى» الحج/ 2، محاطة بصياغات الشاعر التي تجعل النص القرآني وسط تعبير شعريّ لا تكتمل رؤيته الفنيّة إلا باستدعاء نصّ خارجيّ يحيل على فكرة التناص المستتر، ويعمل على بلورة أسلوب شعريّ مزدوج الدلالة.

   وقد وظّف أديب کمال الدين القصص القرآنية وشخصياتها في شعره بصورة تلميحية لإثراء نصوصه و نقل مضمونه للمتلقي مشحوناً بروح معنوية. و للشاعر طاقة إبداعية في توظيف الشخصيات القرآنية بحيث تتناسب مع الحاجة العصرية؛ لأن الشاعر أحسّ بأن ثمة روابط وثيقة تربط بين تجربتهم و تجربة الأنبياء، فکل نبي و کل شاعر اصيل يحمل رسالة و الفرق بينهما ان رسالة النبي سماوية، و کل منهما يتحمل التعب و العذاب في سبيل رسالته (عشری زاید، 1978م: ص77) . ولذلک اهتم الشاعر بتوظیف شخصیات الانبیاء کونها أحد الروافد السخیة والخصبة التی تمده بما یحتاج الیه من رموز وصور وتراکیب، بسبب ما یزخرهذا الرافد من عطاء وثراء.

استحضر الشاعر عدداً من الأنبياء الذين قصّ القرآن قصصهم فإختار من تلك القصص أقساماً تساهم في إثراء نصه الشعري کقصة النبي نوح (ع) و النبي يوسف (ع) و النبي أيوب (ع) و النبي موسی (ع) و النبي عيسی (ع)... و إننا في هذه الدراسة سنرکّز علی استدعاء الشاعر لشخصيّتي النبي نوح و النبي يوسف کنموذجٍ لتعامل الشاعر و استدعاءه لشخصية الأنبياء في منجزه الشعري.

3-1-1- استدعاء نوح (ع):

    من الشخصیات الدینیّة التي رمزت للصبر والانتظار الطویل المریر، والبعث والعمل الدوؤب رغم التحدیات العویصة شخصیّة النبيّ نوح (ع). يصوّر الشاعر في  قصيدة "موقف نوح" صبر نوح و عذابه و محنته و ما تعرّض له من قومه:

أوقَفَني في موقفِ نُوح / وقال: يا عبدي / أرأيتَ إلى صَبرِ نُوح، / وعذابِ نُوح، / ومحنةِ نُوح، / وسفينةِ نُوح؟ / أرأيتَ وقد قامَ بالقومِ ألفَ سنة / إلا خمسين عاماً (مواقف الألف: 44)

ثم يختتم النص:

أرأيتَ كيف حملَ نُوح الأمانة / وَصَبرَ وكانَ صبره كجبلِ أُحد / وعبرَ الطوفان / والناس غرقى / في يومٍ كأنّه يوم القيامة؟ (م.ن:45)

لقد صوّر عاقبة مَن عصى وعذابه تاركا للقارئ استكمال الصورة التي ينقلها إلى فكره. وقد أفاد من قصة نوح كما تضمنها القرآن وشكّل فيها صورة جديدة مستمدة من صور القرآن حيث ضمّن القصة مع الإشارة الكاملة إلى تفصيلاتها . وكلها تبين بعض أوجه التناص مع الخطاب القرآني عبر سفينة نوح وكيف حُملت أمته فيها، عبر الطوفان "في يوم كأنّه يوم القيامة"، وكان يوم نصره على القوم الظالمين. و في نص آخر تحت عنوان (قصيدتي الأزلية) يستثمر الشاعر الطوفان العظيم ومركب نوح:

هكذا أُلقِيتُ في الطوفان / کان نوح يهيیء مرکبه لوحاً فلوحاً (شجرة الحروف: 19)

إن الشاعر هنا يكتب أسطورته (قصيدته) وكأن الحياة سفر أزلي متصل يبدأ بالطوفان لتنظيف الأرض من المارقين، ولأن نوحا لم يكن معنيا بإنقاذ الشعراء نجد أن الشاعر يتسلل إلى مركب نوح خلسة و بعد أن أعجزه صدود نوح عنه بعد أن صم أذنيه عن سماع صراخه ولم يأبه لصيحاته وتوسلاته:

كنت أصرخ:/ يا رجلا مبحراً إلى الله/ خذني معك/ وإذ لم يأبه نوح لصيحتي/ تسللتُ إلى المركب: المعجزة/ (م.ن:19)

إن المركب الذي أنقذ الصالحين من الموت تحول إلى سجن للشاعر، فقد نزل الجميع مباركين وفرحين إلا الشاعر، فقد كان قراره بصعود السفينة قرارا فرديا ولكن النزول من السفينة (الجلجلة) لم يكن بيده:

حتى إذا هدأت العاصفة / وقيل يا أرضُ أبلعي ماءك/ هبط الكل من سفينة نوح/ فرحين مباركين/ إلّايَ / (م.ن:20)

وإذا كان نوح (ع) قد صم أذنيه عن سماع صوت الشاعر في بدء الطوفان ورفض اصطحابه، فالشيء ذاته حصل بعد توقف هطول الماء وابتلاعه من قبل الأرض، بل إن نوح استنكر وجود الشاعر بالرغم من اقراره بصلاح نوح ورسالته:

وثانية صرخت بنوح:/ يا رجلاً صالحاً / يا رجلاً عاد من طوفانه: الجلجلة / قال نوح: من أنت؟/ قلت: أنا الإنسان/ قال: من؟/قلت: أنا المؤمن الضال/ قال: من؟/ وتركني في المركب دهراً فدهراً/ (م.ن:20)

إن رحلة الشاعر رحلة خيالية تخترق الزمن، وهي رحلة فردية تقوده فيه الأقدار ويواجه مصيره منفردا لا أحد يشاركه المصير وليس له أتباع… ولا يوجد لديه حمامة أو غراب كي يخبراه فيما لو انحسر الماء أم لم ينحسر، إن بقاء الشاعر في السفينة معناه أنه قد بقي على فطرته ولم يتلوث بما كان يحصل خارج السفينة:

 

 

حتى إذا غيّب الموتُ نوحاً / تحرّك المركب / تحرّك بي وحدي / لأواجه طوفان عمري/ في موج كالجبال/ أنا الذي لا أعرف الملاحة ولا السباحة/ وليس لي حمامة أو غراب (م.ن:20)

 

 

إن الشاعر” أديب كمال الدين” يستدعي هذه القصة ليعبّر عن رحلته الزمنية وهي رحلة وجودية بإمتياز. فإذا كان للنبي نوح سفينة و أصحاب يرافقونه في رحلته و له حمامة وغراب يبشّراه بوجود اليابسة، فإن الشاعر هنا يتحرّك وحده ليواجه طوفان عمره في أمواج كالجبال و هو لا يعرف السباحة و الملاحة و ليس له حمامة أو غراب يبشّرانه بإنجاء المحنة.

3-1-2- استدعاء قصة يوسف (ع):

إستحضر " أديب " قصة النبي يوسف وإخوته الذین تخلوه عنه وتآمروا علیه وألقوه في غیاهب الجب؛ فیغدو الشاعر معادلاً للنبي "یوسف"؛ و الجب معادلاً للغربة و الخيانة و المؤامرة و الظلم و الالتفاف على حقوق الآخرين، إنّه داء العصر المستشري في الأمة العربية، إنّه الحكام والسلطة وجميع من خذل الشعب وسلب كرامته وكبرياءه.

   في قصيدة "العودة من البئر" يصبح الشاعر نفسه معادلاً موضوعياً للنبيّ يوسف. تتضمّن هذه القصيدة عتاب (يوسف) الصدّيق (ع) لأبيه فقد إتخذه الشاعر قناعاً للتعبير عن مأساته في مواجهة كذب الكذابين وحقدهم وأراجيفهم:

لماذا تركتهم يلقونني في البئر؟ / لماذا تركتهم يمزّقون قميصي؟ / لماذا تركتهم يكذبون، / وأنتَ تعرفُ أنّهم يكذبون؟ (أقول الحرف وأعني أصابعي: ص13)

تتحدّث هذه القصة عن غدر الأخوة به، وعن معاناته الطويلة في البئر، وعن أبيه الذي ابيّضت عيناه من الحزن وأودعه دمعتهُ الطاهرة.

إذنْ، لماذا تركتَهم هكذا / يرقصون طرباً من لذّةِ الحقدِ والانتقام؟ / لماذا كنتَ ضعيفاً إلى درجةِ الوهم؟ / لماذا كنتَ طيّباً / كطيبةِ دمعتِكَ الطاهرة؟ / ولماذا أورثتني دمعتَكَ الطاهرة / يا أبي؟  (م.ن:16)

وتدور الصور الشعرية في هذه القصيدة دورة كاملة لتعود بنا مجدداً إلى عذاب المنفى، وظلم الأقربين. و الذي يتراءى لنا من خلالها، قصة النبي يوسف، بكل حمولتها الدرامية، وفجيعة ما حدث لطفل خذله أبوه، فتركه لأخوته القساة، بالرغم من عدم تصريح الشاعر باسم من تدورعليه الدوائر في هذه الحكاية.. و قد عمدَ الشاعر الی توظيف هذه القصة القرآنية بدلالاتها الخصبة في أکثر من قصيدة منها قصيدة "أمطار موسميّة"، يقول فيها:

والخوف / والمجهول / والظلام / وأخوة يوسف / ويعقوب الذي مات بين يديّ / کمداً علی يوسف الذي لم يعد  (م.ن:109 و110)

و في المقتبس التالي يقول الشاعر علی سبیل القناع تارة أخری:

هكذا أُلقيتُ في البئر/ ألقاني أخوتي/ وعادوا إلى أبي عشاءً يبكون / لكنّ السيارة إذ وصلوا إلى البئر/ ما قالوا: يا بشرى هذا غلام/ بل قالوا: واأسفاه هذا هلام/ وتركوني في البئر/ يمزّقني الظلام والخوف والانتظار (شجرة الحروف: 22).

إن ظلمة البئر الذي أسقط فيه الشاعر ظلمة قاسية، يتحول فيها الشاعر إلى هلام (2)، حتى أن السيارة لا يمكنهم إنقاذه، فكيف يمكن لهم أن ينقذوا هلاما، وما الذي يغريهم فيه كي ينقذوه إذ أنه لم يكن غلاما ولم يكن جميلا، فتركوه وحيدا تنهشه الظلمة والخوف والانتظار في سجنه المريع. فإذا کان "النبي یوسف" نجی من محنته من قبل السیارة، وصار وزیراً وأمیراً، فإنّ الشاعر ما زال في البئر تمزّقه وحشة الغربة و الخوف و الإنتظار انتظاراً لمن یساعده.

في ختام هذا النص تبقى الأسطورة (أسطورة الشاعر) مفتوحة على الاحتمالات كافة، وهي احتمالات قدرية قد تحدث أو لا تحدث وتعتمد على الصدفة المحض، وحتى لو خرج الشاعر فخروجه سيكون خروجا متأخرا بعد أن لحقت به خسائر فادحة:

ربما سأخرج من البئر يوم يُبعثون/ أو ربما يُقال للأرض ابلعي ماءك/ فأخرج من مركب نوح/ أو من نار إبراهيم/ وقد أكلني الرعب/ ولفظني الموج/ وأطفأت المأساة عيوني (م.ن:22)

  3- 1-3- استدعاء شخصية الامام الحسين(ع):

   إنّ أديباً يستحضر مأساة کربلاء ليأخذ منها نموذج التضحية و الفداء قبل البکاء و الأسی علی ما جری لأهل البيت (ع)، فالامام الحسين (ع) رمزٌ خالدٌ للتضحية و الفداء من أجل المبدأ / الدين، و هو رمز الباحث عن العدالة و نُصرة المستضعفين في وجه الجبروت.

   إستلهم کمال الدين وقفة الامام الحسين (ع) في کربلاء وقوة صموده و صلابته و صبره و تحوله الی قيمة مطلقة للشهادة في سبيل المبادئ و الحق هذه القيمة التي ثبتت بالاستشهاد و الدم. يقول الشاعر نفسه:

ورأسكَ ينهبُ التاريخَ نهباً / بدمه الطيّب الزكي / ليكتب سرّاً لا يدانيه سرّ، / ليصبح اسم الشهيد له وحده / سرّاً لا يدانيه سرّ: / سرّ الحاء والسين والياء والنون (أقول الحرف و أعني أصابعي:39)

   حروف اسم الحسين من الحروف المقدسة عند الشاعر التي تشعل الحب الحقيقي في النفوس المطمئنة للحق الإلهي والتي أصبحت لائحة يُحتذى بها في التضحية والفداء من أجل كرامة الإنسان وحفظ كلمة الحق:

لبّيك / يا حاء الحق. / لبيكَ يا سين السرّ  / وياء السرّ ونون المحبّة (م.ن:37)

ألقى الشاعر على عاتق الإمام (الحسين) هموم طفولة أيقظها وجع الظلم والشعور بالأسى في مواجهة ما يمكن أن نسمّيه بـ (فتنة الدنانير) التي تُشترى بها الذمم في الأزمنة الرديئة، فها هو في قصيدة (يا صاحب الوعد) يُعيد على متلقيه قصة الغدر التي أعانت الظالمين على المكر والانتقام من دعاة الحق:

يا صاحب الوعد / حملوا رأسكَ فوق الرماح / وطافوا به كوفة الوعد. أيّ وعد؟ / كنتُ أبصرُ شهوةَ الدينار / تلمعُ في عيونهم الكليلة / وأبصرُ شهوةَ الغدر / في سيوفهم المُغبرّة. / يا صاحب الوعد / كنتُ أركضُ خلفهم /- أنا الشاهدُ الأخرس- / وأكادُ أختنقُ من ترابِ الخيول. / لقد انتصروا! / الله أكبر! / وكانت الدنانيرُ تُلقى على الناس / في كوفة الوعد. أيّ وعد؟ / وشعراءُ الكديةِ يهللون / لدمكَ المسفوح / ويمتدحون رمحاً حملَ وعدك / وسيفاً حزّ عنقَ مُحبّ الإله  (م.ن:36 و 37)

 و في قصيدة "الحاء و الألف" يستدعي الشاعر شخصية الامام الحسين (ع)، فحرف الحاء يعني الحق / الحسين وحرف الالف يعني الشاعر / أديب:

قالت حروف الحقّ / وهي تناقش في الألف الشاب: / هل سيُکتب له أن يعيش؟ (م.ن: ص67)

و يتطرق في هذه القصيدة الی الکثير من القضاياء التي ترتبط بالامام الحسين(ع):

وحدهُ الحاء / قال: اتركوه فهو شمسي. / هو مَن سيذكرني كلّما هلَّ اسمي. / وسيكتبُ عن رأسي وقد تناهبه الغبار / وحُمِلَ فوق الرماح / من بلدٍ الى بلد / ومن عطشٍ إلى عطش / ومن واقعةٍ إلى واقعة. / بل إنّ رأسي سيكون قصته / ودمي لوعته / وأنيني نبض قلبه (م.ن:67 و 68)

يذکر الشاعر قضية حمل رأس الامام الحسين (ع) فوق الرماح من بلد الی بلد آخر، و قضية العطش في اليوم العاشر فکل هذا يجسّم لنا مدی الظلم الذي تعرّض له الامام الحسين و الذي سوف يتعرّض له الشاعر «بل إنّ رأسي سيکون قصته ...». ثم في ختام هذه القصيدة يستحضر الشاعر قول النبي محمد (ص) في الحسين: " حسين مني و انا من حسين" قائلاً:

قال: اترکوه فأنا منه وهو مني (م.ن:68)

وفي قصيدة " لم يعد مطلع الأغنية مُبهجا" يستحضر الشاعر قضية الإمام الحسين و يتّخذها قناعاً فيضفي عليها دلالات جديدة وفقا لرؤيته تجاة الظلم الذي تعرّض له نفسه:

غربتي هي غربة الرأس / يُحمل فوق الرماح /  من کربلاء الی کربلاء (م.ن:76)

وقضية رفع رأس الامام الحسين (ع) علی الرماح في شعر أديب يُعتبر موتيفاً اساسياً يستخدمه الشاعر في الکثير من قصائده، کما جاء في قصيدة " لِمَ أنت؟" :

منذ أن رُفِعَ رأس الحسين علی الرماح  (م.ن:92)

   الشاعر يری في الامام الحسين المثل الأعلی و الأروع في الثبات علی الحق، حتی دفع حياته ثمناً له، و استشهد في سبيله، و هو إذ ذاک يناصر الإسلام، و يقتدي بهدي جده رسول الله (ص)، و لقد سجل باستشهاده صفحة ناصعة في تاريخ الإسلام، جعلته من الأبطال الأوائل الذين نعتز بتاريخهم و سيرتهم و نقتدي بهم. فالإمام الحسين (ع) رمزٌ للحرية والشهادة والخصب والإنبعاث، وهو بمثابة ملاذ آمن للشاعر، يحاوره الشاعر ويخاطبه، راجياً أن يجد بريق الخلاص والطمأنينة. والشاعر يشعر بأنّه عاجز عن التفكير بالحقيقة وهو يطوف حول هذا المنقذ «الامام الحسين (ع)» بحزن شديد، يلتمس منه الحياة والأمل إلى قلبه الميت والمكتئب فهو الأمل الوحيد لبعث الحياة الجديدة والحرية إلى العالم. وشجاعته وكفاحه هما الدواء اللذان سيضمدان جروح المظلومين والأبرياء. كذلك الامام الحسين رمز الإنتصار للقدرة الحقيقية والخالدة لدم الشهداء والمناضلين.  

3-2- التواصل بالرموز و دلالاتها:

3-2-1- رمزية الحروف:

لا يُذكر اسم الشاعر أديب كمال الدين إلا وذُكرت معه الحروف التي أصبحت لقبه وبصمته الخاصة في المشهد الشعري العراقي والعربي على حد سواء، ولم يكن ذلك وليد الصدفة ولم يتكرر عشوائياً في منجزه الشعري بل كان مشروعا (حروفياً) جاداً وضعنا أمام تجربة فريدة من نوعها من حيث الوسيلة التعبيرية عن ثيمة النص الشعري الذي يؤول رؤاه من خلال (الحرف) الذي لم يكن وسيلة الوصول إلى الغاية بل كان الوسيلة والغاية معا. يشكّل الحرف بحد ذاته هاجساً شعرياً مركزياً بالنسبة لتجربة الشاعر أديب كمال الدين. ومبدئياً تتمثل (الحروفيات) بالنسبة إليه كدلالات زاخرة بالمعاني، وكمشروع مكثف لاستقراء الجذور التكوينية لكيان اللغة.

   إتخذ أديب کمال الدين من الحروف وسيلة تعبير عن الحياة بشؤونها وشجونها المختلفة، و وهبها ما تجود به انفعالاته وأحاسيسه وأخيلته، فتفرّد بها وصارت دالـّةً من دوال شعره. فأديب هو الشاعر الحروفي الذي وَجَد في حروف اللغة العربية وفي النقطة كثافة وغزارة أسرارٍ ومكامنَ شعرية هائلة و فائضة، فقد استطاع خلق شعريته الخاصة من جهة التعامل الدؤوب مع الحرف والنقطة حتى أنسن الحرف وأنسن النقطة. لو نظرنا مثلاً في نص (جاء نوح ومضى):

ستموت الآن./ أعرفُ، يا صديقي الحرف، أنكَ ستموت الآن. / لم تعد نقطتكَ الأنقى من ندى الوردة / تتحمّل كلّ هذا العذاب السحريّ / والكمائن وسط الظلام / والوحدة ذات السياط السبعة (أربعون قصيدة عن الحرف: 7)

ففي هذا المقطع نرى بأنه قد أنبنى على شخصنة الحرف (يا صديقي الحرف). الشاعر يعتبر الحرف صديقاً له فأخذ يخطابه كأنّه يسمع و يعي ما يُقال له؛ ففي أكثر نصوص أديب نراه يحرص علي تشخيص الحرف و خطابه وفقاً لرؤاه التي يريد الإفضاء اليها.

    تجربة الشاعر أديب كمال الدين الشعرية تمتاز بالريادة والابتكار على المستويين المنهجي والفني. فهو الشاعر الوحيد الذي وظّف الحرف واستثمر جوانبه المتعددة؛ حيث تحوّل الحرف لديه من مجرد عملية شخصنة إلى أسطورة تخالط الواقع حتى يصعب على مستوى الفرز الدلالي أن تكتشف أيهما الواقع وأيهما الخيال.

انفرد أديب كمال الدين بتجربته الشعرية الحروفية و أخلص لها في مشروعه الحياتي إذ نراه يقول:
في كينونتي / أعني في ارتباكي الكبير  /ثمة حرف  / وثمة نقطة (شجرة الحروف: 88)
لا يمكن تخيل الحرف والنقطة بمعزل عن الشاعر، فهما يرتبطان به ارتباطاً عضوياً ولا ينفصلان عنه، فلا كيان لهما بدونه، وهو ما يعني أن تجربة الشاعر لم تستقِ من الموضوع بل تنبع من الذات كثراء، كخصب، كعطاء، عبر شجرة غضة يانعة، ناضجة ثمارها يجتثها من قلبه لينير بها العالم
.

   إنّ القانون الذي غالباً ما يتحكم في استعمال أديب كمال الدين للحروف يتمثل في اشتقاق معنى الحرف من كلمة يكون جزءاً منها ذلك الحرف، يقول:

و صديقٌ طيّبٌ ينكرُ علي الله / أن يقول للشيء كُن فيكون..../ سينهضُ في آخر الليل / و هو ينکرُ أنّ الله / هو الذي خلق الکافَ و النون (الحرف و الغراب: 25-23)

فخلق "الکاف" و "النون" تدلّ علی الکون و هنا يتناص الشاعر مع الآية الشريفة «کن فيکون» و التي وردت في أکثر من آية قرآنية. و أيضاً يقول:

  اجْتمَعَتِ الحَـاءُ بالبَـاءِ فكَانَ الكَوْنُ ! ( نون: ص 64 )

  "الحاء" و "الباء" حرفان خافتان و متعاكسان (شفوي و حلقي)، و لهما معنى عاطفي مضمونه (حب)، و هذه أصغر مفردة ذات معنى تدل علی أكبر مشاعر إنسانية فريدة. فيرمز الشاعر في هذا المقتبس بـحرفي "الحاء" و "الباء" الی "الحب" الذي يراه سبباً في خلق الكون. و من قبيل قوله:

 في حاءِ حبّكِ التي وسعتْ كلّ شيء /  وُلِدت الباءُ بريئةً كدمعة (م.ن:28)

يستخدم الشاعر الحروف التي تنسجم رمزياً مع الحالة النفسية التي يعيشها؛ ولعل أكثر تلك الحروف نجاحاً في أستخدامها كمعادل ترميزي للحالة التي يعيشها الشاعر هو حرف (الحاء):

في الليلة الاربعين / سقطتْ صيحتي / فجمعتُ زجاجها بلساني الجريح  / كانت الصيحةُ مرسومة (بالحاء). / كانت الصيحةُ طفولية كالماء...( النقطة: ص 6) 

    لقد استخدم الشاعر (حرف الحاء) في هذا المقطع الصغير خمس مرات لأنّ (الحاء)  هو الحرف الذي عندما نلفظه لا يتجه إلى خارج الفم بقدر مايتجه إلى الداخل.. وإلى حيث موقع (القلب) وهذا الأمر يتحقق في حالتي الوجع الذي يسبب (الصيحة) أو (الحبّ) الذي يفقد القلب الإنساني هدوءه واستقراره.. لأنّ هاتين الحالتين الإنسانيتين محكومتان بذلك الاحتراق الذي يكون داخل الإنسان حاضنته.

   و (الباء) حرف معذب عند الشاعر يبحث عن لذائذه التي فقدها في العالم الآخر. و في النص التالي يتحدّث الشاعر عن حرف "الباء" الذي يسميه أهل العلم بالحرف الكاشف.! يقول أديب كمال الدين في قصيدته "أنثى المعنى":

الباءُ لها شكلُ الأنثى، / شكلُ الحلم السريّ وضوضاء الأمطار (أخبار المعنى: 21)

في هذا النص جعل من الباء دالاً على الجانب الأنثوي من روح الوجود. فالباء طاقة أنثوية مطلة على المكنون.

    إنّ الحرف الذي يرمّزه أديب كمال الدين يريد من وراء ذلك أن يتقي أشياء كثيرة. فقد وجد أديب في الحرف قدرة على التخفي أو ممارسة (التقية) الشعرية خوفاً من الحاكم والنفس. وبسبب ذلك كانت اللغة ميداناً لنشاطين: نشاط ترميز الحروف وجعلها المعنى وليس عنصراً في تكوينه، ونشاط الفهم الذي يقوم به القارئ ليكتشف طابع الترميز والدوافع )عودة، 2003م، صحيفة الزمان اللندنية:  www.azzaman.net).

ومن أکثر الحروف توظيفاً في شعر أديب کمال الدين هي "النون". فهي  تمثل الدالة الأكثر خصوبة في حروفية الشاعر لقدرتها على التشتت والتشظي والانفجار وتكوين مجرات جديدة. والصفات الخاصة لحرف النون تؤهله لأن يكون موضوعاً شعرياً أو مخلوقا ألسنياً لديه أسراره و مناقبه. و لذلك يمكن أن يحتمل ألعابنا اللغوية و أخيلتنا بنقطته و بدائرته المفتوحة، بصورته الأصلية التي كانت عمياء من غير تنقيط. و الأمثلة على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى. يقول في قصيدة ( قاف ):

صرتُ أرى نونَكِ من غير نقطة فأبكي (نون: 13)

حرف "النون" في شعر أديب يرمز الی الکون، و نقطتها ترمز الی الشاعر، و أحياناً يرمز هذا الحرف الی سفينة نوح و نقطتها الی النبي نوح، و أحياناً ترتبط بالنبي يونس و قصة الحوت المعروفة .... أما الشاعر نفسه يقول عن معنی هذا الحرف:

النون هي النون / فلا تضعوا علی لساني / کلمات لم أقلها / و لا حروفاً لم أعرف سرّها و نجواها (شجرة الحروف:107)

ان الحرف كدال رمزي وضع أمام أديب كمال الدين مساحات شاسعة ليتحرك عليها بخفة، ومرونة، وقدرة على ملء فراغات تلك المساحة اكثر بكثير ممن ملأوا بالكاد واحدا أو اكثر من تلك الفراغات. لقد عرف أديب كيف يستثمر فضاء الحروف لصالح الحدث، وحركاتها لصالح فعله الشعري المتضمن على قدر وافر من الدراما فجعل تجربته كلها وقفا على الحروفية، وعلى السير بهديها حتى نهاية الطريق من دون ان يمنح نفسه فرصة للتوقف، واستعادة الأنفاس، واكتشاف مساحات أخرى لتجارب ما بعد الحروفية.

3-2-2- النقطة و دلالاتها:

    الحرف دلالة مفتوحة والنقطة علامة مكملة له؛ فهي بعض من الحرف أو ضلع فيه:

قالت النقطة: / أيّهذا المعذّب / أنا بعض منك ‍! / ضحك الحرف وقال: / أيّهذي المعذّبة / أنتِ بعض منّي ! (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 63 و64).

 لقد افتتح الشاعر أديب كمال الدين ديوان "نون" بإهداء قال فيه: "إلى نقطتي وهلالي بمناسبة استمراري حيّاً حتى الآن" وهو الإهداء الذي يوضح لنا عميق الصلة والمحبة الجامعة بين الشاعر و نقطته. يحمل کمال الدين نقطته الى المنافي، قد قرر أن يحول هذه النقطة التي لا تمثل وطناً ولا وجوداً الاّ في وجدان الشاعر، لتصير وطناً في مخياله، ثم لتصير تجربة شعرية عريضة لشاعر اختار أن يعمل بهدوء مثل نحات في مشغله القصي:

حبيبتي أيتها النقطة / أيتها الحمامة / أيتها الصخرة الملقاة على حافة النهر..../ أيتها الدمعة اللؤلؤة / كيف أجدك الليلة؟ (شجرة الحروف: 92)

ولم يكن الشاعر، من بين مجايليه، غير صورة الذات الدؤوب على اجتراح طريق الشعر، حين اختار حروفيته الخاصة منكباً على معالجة الحرف بأبعاده الثلاثة، في اللغة والدلالة والمرموزات التي تحمل رسالته المعرفية.

 

 

3-2- 3- الألوان و دلالاتها:

تعتبر الألوان من أکثر الأشیاء جمالاً وخصوبة في حیاة الانسان، فالألوان لیست خطوطاً أو مسحات شکلیة خالیة من دلالات جمالیة وتعبیریة ورمزیة، بل هي  بسطوتها علی الصورة الشعریة وعلاقاتها الوطیدة مع الرؤیة الفنیة تمیط اللثام عن إحساس الشاعر کي یدخل في نسج الصورة الفنیة والتي تشمل علی دلالات عدّة منها نفسیة واجتماعیة و رمزیة .

    إنّ تنوع الألوان في العصر الحديث و وعي الشعراء المعاصرين بهذا النوع ينشأ عن بصيرتهم العميقة إزاء عناصر الوجود. في الأدب العربي القديم کانت الألوان تُستخدم کما هي في الحياة الواقعيّة. أمّا في الأدب العربي المعاصر لا تُستخدم الألوان لتمنح الشعر أو النثر صورة جماليّة فحسب، بل تُستخدم کأداة رمزية (سيفي، 2011م: 132).

   يسعين الشاعر بالألوان، ليعبّر عن عُمقه العاطفي و جوهره الفکري، و کأنه رسامٌ عارفٌ بخفايا الألوان و دلالاتها و علاقاتها بالإنسان، بل إن «الصور و الألوان تنطلق من جوانية الشاعر، و خبرته البصرية، و وعيه التاريخي، و حفرياته الأسطورية، و تجربته النقدية، و تجواله و مشاهداته التشکيلية، و تتنوع اهتماماته بين الفنون، بحيث تصبح الصورة ليست مجرد أداة للمعرفة فحسب، و إنّما أداة للحرية أيضاً» (نشوان، 2004م: 126).

    يُعد اللون من أبرز أدوات الفنان التشكيلي لما له من دور في تجسيد اللوحة الفنية لإثارة بصر المتلقي وشحن ذاكرته؛ و للشاعر صلة قربى بالفنان التشكيلي من هذه الناحية، غير أن هذه القربى عمّقتْ نصوصه وأغنتها، وجعلت اللون فيها ملمحاً جمالياً من ملامحها، ويرى أن لكل لون من الألوان خصوصيته في الدلالة، وأن لكلّ حالة لونها ولكلّ مقام مقال لوني يعكس نظرة الشاعر للعالم والوجود، فتستحيل ألوانه إلى مرايا عاكسة لذاته وتبدلاتها من الفرح إلى الحزن، ومن العشق والوله إلى اللامبالاة، ومن الوطن إلى المنفى، وهكذا. و تلعب البيئة و المکان بانفتاحاتهما الطبيعية و الرمزية و الثقافية و التاريخية و الاجتماعية و الفلسفية و الأسطورية دوراً مهماً في تحديد الدلالة و توسيع حدود تداوليتها، و منحها قوة شعرية يمکن أن يستعين بها الشعر في تشکيل معناه (جواد، 2009م: 43).

    إنّ قراءة شعر أديب كمال الدين يعني التجوال في حديقة مليئة بالألوان تبعا لتبدلات حياة الشاعر وانتقاله من الوطن إلى منفى قصي له خصائصه المختلفة التي وجد في الألوان تجسيداً لها، فجاء كلّ لون يحمل إشارة رمزية دالة على صورة ذهنية معادلة للواقع الذي يمثل مادة لونية ثرية تقوم بصهرها المخيلة ليرسم صورة عالمه الشعري الغني بألوان الحياة.

في تتبع حرکة الألوان و تکرارها في شعر أديب کمال الدين نجده يعتمد علی بعض الألوان لقيمتها الإيحائية و التأصيلية في بناء الصورة الشعرية وهي علی الترتيب حسب قوّة ظهورها لديه: الأسود، الأبيض، الأحمر، الأخضرو الأزرق، و الأصفر.

3-2- 3-1- اللون الأسود:

اللون الاسود منذ الأزل شکّل نقطة نفور وخوف في الموروث البشري وارتبط بدلالات عدّة منها : الظلام والشرّ والموت والغم والوهم.. فالأسود« لون یثري الحزن والتشاؤم والخوف من المجهول لارتباطه بأشیاء منفّرة في الطبیعة دون سائر الالوان، فهومرتبط باللیل والظلام، والزفت والسخام، والهباب والرماد المتخلف عن الحریق» (عمر،1982م: صص202-204).

   هذا اللون في الشعر الحدیث اکتسب دلالات  وایحاء ات عدّة منها التعتیم والکبت والکآبة والخطیئة والتعسف وغیر ذلک من الإیحاءات. و أديب استلهم الکثیر من تلک الدلالات  و راح یرمز لها بهذا اللون بعبارات ومعاني شتی. اللون الأسود بالدرجة الأولی يدلّ علی الحزن في تشکيل صور أديب کمال الدين. يقول:

يفتح باب الموت / بهدوء أسود / ويطير (أقول الحرف و أعني أصابعي: 10)

ففي هذا المقبوس، الأسود يدلّ علی العنف و القسوة و شدّة الموت.

وفي مکان آخر يقول:

کنت مطري الأسود الذي حاصرني (م.ن:43)

فالمطر الأسود يدلّ علي الدمار و الخراب؛ و لو أن المطر يرمز للخصب و الرحمة إلّا أن الشاعر نعته بالسواد ليدلّ بذلك علي غزارته و كثافته غير المجدية. 

و يقول أيضاً:

أيّتها الطفولة المتهرّئة / أيّها الفقر الأسود، / أيّها الغنی الأبيض. (م.ن:60)

الفقر الأسود يدلّ علی شدّة الفقر و ضيق العيش و عسره. کما جاء استخدامه  بهذا المعنی:

وقطعة خبزٍ کبيرة سوداء (ن.م:98)

و له أيضاً:

 قال الطبيبُ: إذن ماذا تنتظرين؟ / قالت : أنتظر الموتَ ليأتي ويأخذني / مرتدياُ طفولةً سوداء / وشباباُ أسود / وكهولةً سوداء (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 131 و132)

   وهنا يظهر اللون الأسود ليبسط سلطانه في النص لتتحول الدلالة من الطفولة والحياة والبراءة إلى الموت:

مدّ الطبيبُ يده ذات القفاز الأبيض / إلى الضحية / فأبعدها الموتُ برفق / كان الموتُ يبكي على الضحية بدموعٍ سود. / لكنّ الضحية نفسها / وجدتْ في الأسود، / في آخرِ المطاف، / طمأنينةَ الألوانِ كلها (م.ن:132)

   وهكذا يجد الطمأنينة في الأسود الذي هوأشد الألوان عتمة، وهو نقيض الأبيض في كلّ خصائصه.. وفي نصه (مطر أسود. . مطر أحمر) يستدعي من الذاكرة صورة المطر الأسود الذي سقط على بغداد عقب حرب الخليج الثانية عندما تشبعت الغيوم بخان الحرب والنفط والموت، وحين ألقت الغيوم حمولتها المائية سقط مطر أسود على البيوت والأشجار والنوافذ. هذه  "الشظية" أسس عليها الشاعر أديب مشهداً كاملاً يفضح عبثية الحرب ومغامرات (صاحب الجند) الذي جعله رمزاً للطاغية الذي يرسم له صورة كاريكاتيرية ساخرة هي أقرب لصورة الدون كيشوت عندما يقف في مقدمة الصفوف (الربيعي، 2007م: صص 109و110):

مرّت سنين طويلة / حتّى غطّتْ بغداد / غيمة لا أوّل لها ولا آخر / وبدأتْ تمطر / كانت الغيمةُ سوداءَ كجهنم / فنزل المطرُ أسودَ كالقير / ضحكَ الأطفالُ أوّل الأمر للمطر / لكنهم بكوا / حين أصبحتْ وجوههم كالقير / واستبشر الزرّاعُ خيراً / لكنهم وجموا إذ رأوا أشجارهم / تموتُ ببطء / ثم جاء الدورُ للسحرة الذين وقفوا / في أزقة المدينة / ينتظرون المطر ينزل في أوانيّهم. / كانوا يرقصون / فهذا المطر رديف للسحرالأسود / قالوا انهم سيسحرون به كلّ شيء / حتّى صاحب الجند نفسه! (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 28 و29)

    و يقول في قصيدة (دراهم كلكامش):

 تلك التي اسمها الحياة / متلفّعة بعباءةِ السوادِ والحلم / بعباءةِ الفقرِ والتعاسة / هي مَن أعطاني الدراهم التي ضاعتْ سريعاً. / كان لقاءً عابراً / يشبه حياةً عابرة. (أربعون قصيدة عن الحرف: ص10)

فاللون الأسود هنا يوحي بالحزن والقساوة والتعاسة. وكلمة ضياع تكرّرت ست مرات في هذه القصيدة مما أغرق النص في سواد أكثر مما ينبغي.

 

3-2- 3-2- اللون الأبيض:

للأبيض تقاليد رمزية عالية التداول في صنع الدلالة و ترميزها في أفق الاستخدام المعنوي و السيميائي، فهو في السياق الدلالي العام «رمز الطهارة و النور و الغبطة و الفرح و النصر و السلام» (همام، 1930م: 7)؛ کما انه و في السياق ذاته و الرؤية ذاتها «رمز للصفاء، و نقاء السريرة، و الهدوء و الأمل، و حبّ الخير و البساطة في الحياة و عدم التقيّد و التکلّف» (عبو، 1982م: 137).

     و الشاعر أديب كمال الدين يعطي للون الأبيض قيمة رمزية ضمن سياق سردي يضجّ بالعديد من الأسئلة المغلقة في نص عنوانه (ألوان) حيث يقول:

قال الطبيبُ الذي يرتدي قميصاً أبيض / وبنطلوناً أبيض / وحذاءً أبيض / * هل كانت طفولتكِ بيضاء؟ / _ (لا) / * هل كان شبابكِ أبيض؟ / _ (لا) / *  هل كانت شيخوختكِ بيضاء؟ / _ (لا) (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 131)

فنري النص هنا طافح باللون الأبيض إذ تكرّر هذا اللون بدلالاته الرمزية في هذا المقتبس ستّ مرات.

و في قصيدة (أعماق) :

في أعماقي / طائرٌ أبيض / يسقطُ مذبوحاً في أعماقِ المسرح. / وفي أعماقِ المسرح / صراخٌ وأنين وثيابٌ ممزَّقة (أربعون قصيدة عن الحرف: 54).
يبدأ قصيدته باللون الأبيض وهو لون الحب والسلام والنقاء وهو نقيض اللون الأسود وقد حقق ذلك في طائره الأبيض ولكن هذا الطائر سرعان ما يسقط مذبوحاً. و جاء في المقتبس التالي
:

فسيکون الحرفُ نايك / بل سيکون طائرك الأبيض / محلّقاً في السماء الزرقاء (أقول الحرف وأعني أصابعي: 34)

اللون الأبيض يدلّ علی النقاء و الطهارة و المقصود من الطائر الأبيض هنا القلب الطاهر، أما الطائر في هذا التعبير فإنه يرمز ايضا الی براءة هذا القلب. کما في المثال التالي:

غير أن أصابعي / امتدّت الی قلبي / وخلعتُه من مکانه / وأخرجت منه طائراً أبيض / ورمته باتجاه الجمهور  . (م.ن:80)

فالطائر الأبيض هو القلب البرئ و الطاهر و النقي .و جاء المقتبس التالي :

والبحر أبيض / وثوبك – کما أختار له المخرج – أبيض / والشجر الذي يحيط بك أسود أسود . (م.ن:71)

والثوب الأبيض هو کناية عن القلب الأبيض و الطاهر، يقولون في اللهجة الدارجة فلان ثوبه أبيض و يعنون بذلك طهارة قلبه و نقاءه، وفي الشطر الثالث تکرار لفظة (الأسود) يدلّ علی شدّة قسوة القلوب المحيطة بهذا القلب.

 

 

3-2- 3-3- اللون الاحمر:

یعتبر اللون الأحمر من أوائل الألوان التي عرفها البشر في الطبیعة، فهو «من الألوان الساخنة المستمدة من وهج الشمس، واشتعال النار والحرارة الشدیدة، وهو من أطول الموجات الضوئیة (عمر، 1992م:111)؛ ویعتبر أغنی الألوان وأکثرها تضارباً فهو «لون البهجة والحزن، وهو لون الثقة بالنفس والتردّد والشک، وهو لون العنف والمرح، إلی غیر ذلک من الدلالات الجزئیة المتداخلة والمتباینة في آنِ واحد (م.ن: صص214-212). هذا اللون یرمز الی دلالات و إیحاءات عدّة، ولعلّ أبرز سمة للأحمر في الشعر العراقي إرتباطه بالحزب الشیوعي. ومن بین الشعراء الذين استخدموا هذا اللون بهذه الدلالة المتعارف علیه، الشاعر أديب کمال الدين حیث یخاطب البیاتي في المقتبس التالي:

کنتَ تجيد لبس القميص الأحمر / وحمل لافتة الشغيلة والتقدّم والصراع الطبقيّ. (أقول الحرف وأعني أصابعي: 115)

بالنسبة لمعنی القمیص الأحمر فالمقصود به الشیوعية حیث کان الشاعر البیاتي شیوعیاً لزمن طویل و قد مجّده الحزب الشیوعي العراقي و الاحزاب الشیوعية العالمية لهذا السبب (کونه شیوعیاً)، و تمّ الاهتمام به بشکل کبیر لأسباب ایدیولوجية حزبیة أولا. و یمکن فهم المقصود بسهولة من لفظة (شغیلة) و هي التسمية التي یطلقعها الشیوعیون علی العمال و الطبقة العاملة، و (اللافتة) قطعة القماش الکبیرة التي یحملها المتظاهرون في الشوارع.

و في نصه المعنون (حصانان أسود وأحمر) يختار الشاعر الحصان الأسود حالماً بغيمة بيضاء تمطر حبّاً وسلاماً لكنه سرعان ما يتحول عنه إلى الحصان الأحمر الذي لم يكن سوى رمز للحبيبة المختفية في سراب الصحراء:

كنّا نجلسُ عاريين في الصحراء / حين اقترب منّا حصانان أسود وأحمر / فقمتِ بعينين دامعتين / وقبلتني القبلة الأخيرة / فدهشتُ / ثم امتطيتِ الحصانَ الأسود / وقلتِ بصوتٍ مرتجفٍ: وداعاً / فذهلتُ / لكني قلتُ لنفسي / سأمتطي الحصانَ الأحمر / إنْ عصفَ بي الشوق / وعذّبني الحبّ. (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 90 و 91)

   لكنه يستفيق ليجد أن الشمس التي شبهها الشاعر بـ(أسد أحمر) وهو تشبيه ممهور ببصمة الشاعر، قد غابت:

ثمّ سرعان ما عصفَ بي الشوق / وعذّبني الحبّ / فالتفتُ إلى حصاني الأحمر / لم أجده / ووجدتُ الشمسَ تغيبُ على امتداد الصحراء / مثل أسدٍ أحمر (م.ن:91)

   واللون الأحمر من الألوان الحارة التي تستمد ألقها من وهج الشمس، واشتعال النار، والحرارة . و في قصيدة (أحمر ناري) يستخدم الشاعر اللون الأحمر عنوانا لها، وهو لون يشير إلى النشوة والتمرد والثورة، والحياة الصاخبة:

إلّا حين يلهج  / بأسطورتكِ المعلّقةِ في الأعالي، / ونقطةً لا تجيد / سوى أناشيد الحبِّ بالأحمر الناري، / أعني بالأحمر الممسوس / باللوعةِ والهذيان. (أربعون قصيدة عن الحرف: ص 30)

 

 

3-2- 3-4- اللون الأخضر:

هذا اللون یحمل فی طیاته خضوبة وخضرة، فهذا اللون یرتبط بتأثیره الممتد بالطبیعة الخضراء التی تغطی مساحة الوجود، وکأن أثره اللونی وحده قادر علی احتواء المشهد الذی رسمه الشاعر. اللون الأخضر هو لون الحیاة والحركة والسرور لأنه یهدئ النفس ویسرها وهو تعبیر عن الحیاة والخصب والنماء والأمل والسلام والأمان والتفاؤل وهو لون الربیع و الطبیعة الحیة و الحدائق و الأشجار و الأغصان والبراعم.

    یعتبر اللون الأخضر من الألوان المفضلة والمحببة لدی الإنسان، ویحمل في طیاته معانِ سامیّة عدّة  فهو من أکثر الألوان استقراراً ووضوحاً في الدلالة، فهو« لون الخصب والنعیم، والنماء والزمرد و الزبرجد» (عمر، 1982م: 209)؛ وایضاً «قرین الشجرة و رمز الحیاة والتجدّد، وهو مرتبط بالحقول والحدائق وهدوء الأعصاب»  (عجينة، 1988م: صص291 و 292)؛ وقد أقترن اللون الأخضر لما یمثله من الخلود والتجدّد بایحاءات کالأمل والتفاؤل والعطاء والفرح والبهجة والرفاهیة، والنعیم ...حتی وصف الله ثیاب اهل الجنّة  ومقاعدهم بهذا اللون نظراً  لرمزیته الخاصة ، حیث قال ربّ العزة في محکم کتابه: « ویلبسون ثیاباً خُضراً من سندس وإستبرقٍ» (الکهف /31). و هذا ما أشار له أديب في شعره أيضاً:

لکنّ أجدادي المتبرقعين بالأخضر / طاروا جميعاً. (شجرة الحروف: 109)

فيري الشاعر أجداده كلّهم أخياراً و صالحين، مضوا الي الله بوجوه بيض فاستحقوا الجنة و الثياب الخضر.

و يدلّ اللون الأخضر في شعر أديب علی الخصوبة و الحياة و النضارة و الحيوية کما فی المثال التالي:

لنری النخلة / ببهائها السحريّ / ولطفها الإلهيّ / وبرکتها الأموميّة / وحنانها الأخضر(أقول الحرف وأعني أصابعي:41).

فحنان النخلة الأخضر يدّل علي شدة حنانها و نضارتها و خصوبتها. و أحياناً يدلّ هذا اللون علی الزهو و الجمال کما فی المثال التالي:

وکنتِ فجري الذي أشرقت  / فيه شمسي الخضراء  (م.ن: 43)

وأيضا في المثال التالي:

والقمر نديمك الأبيض / والشمس بهجتك الخضراء (م.ن: 58)

فإقتران "الشمس" باللون الدخضر يدل علي جمالها و شدّة توهّجها.

3-2- 3-5- اللون الأزرق:

یعتبر اللون الأزرق لون الوقار والسكینة والهدوء والصداقة والحكمة والتفكیر، و اللون الذی یشجع على التخیل الهادئ والتأمل الباطني ویخفف من حدة ثورة الغضب ویخفف من ضغط الدم ویهدئ التنفس؛ و لم یرد هذا اللون فی القرآن الكریم الا مرة واحدة دالّاً علی الخوف و الوحشة: ((یوم ینفخ فی الصور ونحشر المجرمین یومئذ زرقا)) طه/ 102.

مع أن تدرجات الألوان تعطي دلالات خاصة، فالأزرق القاتم يدل علی الخمول و الکسل و الهدوء و الراحة، کذلک في التراث فهو مرتبط بالطاعة و الولاء و التأمل و التفکير، و أما الفاتح فهو يعکس الثقة و البراءة و الشباب، ويوحي بالبحر الهادئ و المزاج المعتدل کما في المقطع التالي:

لتعبر المحيط / متماهياً مع زرقة الماء والسماء (أقول الحرف و أعني أصابعي: 64)

و أحيانا يدلّ هذا اللون في شعر أديب کمال الدين علی اضطراب البحر و قسوته کما في المثال التالي:

يرقب السفن وهي تغرق / أو تتيه في الأزرق اللانهائيّ (م.ن:29)

و يقول أديب:

أما آن لأمواجك الزرق أن ترتاح (م.ن:52)

و اللون الأزرق من الألوان الباردة وهو لون السماء والبحر والتفاؤل، إنه لون الامتداد الذي لا نهاية له كما يقول:

أنتِ تشبهينَ البحر / لاشكّ في ذلك! / لكنْ أيّ معنى يختفي خلف ذلك البحر؟ / خلف تلك الزرقة العجيبة التي تبدأ (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة: 18)

فهنا نلاحظ اللون الأزرق يدلّ علی الإضطرارب و القلق و الغضب و کما جاء أيضاً في المقبوس التالي:

و حين رفسها / في لحظة غضبٍ زرقاء / اکتشف الجنون ( شجرة الحروف: 64)

فـ "لحظة غضب زرقاء" تدل علي شدة الغضب و القلق، و هنا هذا اللون بدلالاته السلبية يقترب من دلالة الآية الشريفة (طه/ 102).

3-2- 3-6- اللون الاصفر:

   یعتبر اللون الأصفر من أشد الألوان فرحا لأنه منیر للغایة ومبهج. هذا اللون یمثل قمة التوهج والإشراق ویعد أكثر الألوان اضاءة ونورانیة، لأنه لون الشمس مصدر الضوء و واهبة الحرارة والحیاة والنشاط والسرور. و للون الأصفر دلالة اخرى تناقض الأولى وهی دلالته على الحزن والهم والذبول والكسل والموت والفناء ربما الدلالة هذه ترتبط بالخریف وموت الطبیعة والصحارى الجافة وصفرة وجوه المرضى. رأى الكثيرون أن اللون الأصفر رمز لألوان الخريف، حيث تتعرى الطبيعة من ثوب حياتها الاخضر، فيكون الاقتراب في الخريف من الشيخوخة والنهاية والموت.

   من المعروف أنّ اللون الأصفر ظلّ يحمل الدلالة السلبيّة فهو «لون المرض و الانقباض. و لقد يرتبط اللون الأصفر بِشِعرِ الحزن و التبرُّم من الحياة و التحفُّز نحو عالمٍ أطهر» (کرم، 1949م: 94).

و بخلاف ما ذُكِر فقد جاء هذا اللون في شعر أديب ليدلّ علی التوهج و الإشراق و الإضاءة لإقترانها بالشمس و المطر و النشاط و السرور:

دع المطر يهطل بغزارة / لتشرق الشمس ، بعدئذ، بصخبٍ أصفر (أقول الحرف و أعني أصابعي: 96)

فسوف تشرق الشمس وتطلّ بضوئها وجمالها علي العالم بعد غزارة المطر، و تعمّ البهجة و السرور. ولعل هذه الدلالة ترتبط بالمفاهيم الإسلامية حيث جاء اللون الأصفر في القرآن كریم بهذه الدلالة:
« قال إنه یقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرین» بقرة/ 69.
   الجملة الوصفیة "تسر الناظرین" فی الآیة تبین دلالة هذا اللون المبهجة فی الطبیعة فـ "تسر الناظرین" أی تعجب الناظرین وتفرحهم بحسنها. ففی الآیة هذه، البقرة موصوفة باللون الأصفر تحدیداً لماهیة لونها والدلالة على جمال هذا اللون وتأثیره النفسی على الإنسان . فإذا کان اللون الأصفر يوحي بدلالات شتّی، و وفق سیاقات مختلفة أیضاً فیعني التضحية کالبقرة الضراء، و یعني الخداع، و یعني المرض، و یعني الزیف (الزواهرة، 2008م: 116). یضیف الکاتب ظاهر محمد الزواهرة رأیه بالنسبة لهذا اللون فیقول: «یقترب اللون الأصفر من البیاض و یمثّل الضوء، و یرمز إلی الشمس کما یرمز إلی الذهب و من ثم الشيء الثمین» (م.ن: 116).

    ويظل في غمرة هذه الألوان يحلم الشاعر بتلك الشمس المتقلّبة كموجةِ بحرٍ تولد من اليمينِ إلى اليسار ليتدرج من الأزرقِ إلى الأصفر، فهذا الانتقال هو بمثابة الانتقال من الوقوفِ إلى الهرولة. فاللون هنا يكتسب صفة حركية متبدلة متغيرة تبعا لتغير حالات الشاعر ومزاجه الذي يعلّقه على عتبة الألوان  فلكلّ حالة لونها ولكلّ مقام مقال لوني يعكس نظرة الشاعر للعالم والوجود فالألوان تصبح هنا مرايا عاكسة لذات الشاعر وتبدلاتها من الفرح إلى الحزن ومن العشق والوله إلى اللامبالاة والتيه ومن الوطن إلى المنفى.

4- نتيجة البحث:

    - أهم التقنيات التي إستخدمها أديب كمال الدين في شعره، منها التجربة الحروفية و إفرازاتها الدلالية، تناصه مع النص القرآني، واستدعاءه لشخصية الأنبياء كالنبي نوح و النبي يوسف (عليهما السلام)، ثمّ الألوان و دلالاتها الرمزية.

- استخدام التقنيات في شعره ينبع من الحاجة لإثراء النص وقدرتها الباهرة علی الإیحاء والتأثیر علی المتلقي.

- تفرّد أديب بإستخدام الحرف و النقطة في تجربته الشعرية لبيان أفکاره و رؤاه، فأصبحت الحروفية سمته البارزة و مشروعه الشعري.

- لقد استوحی أديب کمال الدين الکثير من المعاني و الايحاءات و الافکار من القرآن الکريم. استطاع أن یوظّف النص القرآنی و شخصياته إما لتحفیز الهمم وإما للصبر والنضال، وإما لبیان الوضع الهش والموقف الهزیل للأمة العربیّة والإسلامیّة، وإما لبیان التمرد والرفض وعدم الخنوع.

- استطاع  کمال الدين أن یحول الشخصيات التراثية الی رموز تحدٍ ونضال تستمد قدرتها الایحائیة من تجاوزها الواقع.

- لقد وجد الشاعر طاقات غنية في الألوان فاتخذ منها أداة للإفصاح عن مشاعره، أو تجسيد أفكاره، و حسب الترتيب استخدم الألوان التالية بکثرة في شعره: الأسود، و الأبيض، و الأحمر، و الأخضر، و الأزرق، و الأصفر.

 

 

الهوامش:

1- أديب کمال الدين شاعر، و مترجم، و صحفي عراقي  يقيم حالياً في أستراليا. أصدر الکثير من المجاميع الشعرية. يحمل عدة شهادات جامعية: بكالوريوس اقتصاد - كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة بغداد؛ و بكالوريوس أدب انكليزي – كلية اللغات – جامعة بغداد؛ دبلوم الترجمة الفورية - المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا. ترجم إلى العربية قصصاً وقصائد ومقالات کثيرة کما تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية والإسبانية والكردية والفارسية.

2- المقصود بـ "هلام" تلک المادة الغروية  التي لا شكل لها وهي هنا بمعنى الشيء العديم النفع أو الفائدة.

 

 

المصادر و المراجع:

- القرآن الکريم

- أديب کمال الدين (1993): نون، بغداد، دار الجاحظ.

 ---------------- (1996): أخبار المعنى ، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة.

----------------- (2001): النقطة، ط1، عمّان- بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

----------------- (2006): ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة، ط1، عمان، دار أزمنة.

----------------- (2007): شجرة الحروف، ط1، عمان، دار أزمنة.

 ---------------- (2009):أربعون قصيدة عن الحرف، ط1، عمان، دار أزمنة.

----------------- (2011): أقول الحرف و أعني أصابعي، ط1، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون.

----------------- ( 2012): مواقف الألف، ط1، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون.

---------------- (2013): الحرف و الغراب، ط1، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون.

- اسماعیل، عز الدین (2007): الشعر العربي المعاصر قضایاه وظواهره الفنیة والمعنویة، بیروت،  دارالعوده.

- اطيمش، محسن (1982م): دير الملاك، بغداد، دار الشؤون الثقافية.

- جواد، فاتن عبدالجبار (2009م): اللون لعبة سيميائية / بحث إجرائي في تشکيل المعنی الشعري، عمان، دار مجدلاوي للنشر و التوزيع.

- حداد، علي 01986م): أثر التراث في الشعر العراقي الحديث، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة.

- الربعي، جلال (2009م): من تجليات الحداثة في شعر بدر شاکر السياب، تونس، دار محمد علي للنشر، ط1.

- الربيعي، عبدالرزاق (2007م): «دلالات الألوان في مجموعة ماقبل الحرف .. ما بعد النقطة»، مقال منشور في کتاب الحروفي، تقديم مقداد رحيم، ط1، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات و النشر.

- الزواهرة، ظاهر محمد هزاع (2008م): اللون و دلالاته في الشعر، ط1، الأردن، دار الحامد للنشر و التوزیع.

- سليمان، خالد (1987م): في الشعر العربي الحر، إربد، منشورات جامعة اليرموک.

- سمتي، محمد مهدي، نرجس طهماسبي نگهداري (2011م): رنگ های نمادین در اشعار صلاح عبدالصبور، مجلة الجمعيّة الإيرانيّة للغة العربيّة و آدابها، العدد 20، صص 109 – 132.

- عبو، فرج (1982م): علم عناصر اللون، إيطاليا، ميلانو، دار دکفن، ج2.

- عجینة، محمد (1988) : موسوعة أساطیر العرب، بیروت، دارفارابي.

- عشري زاید، علی (1978) : استدعاء الشخصیات التراثیة في الشعر العربي المعاصر، طرابلس.

- عمر، أحمد مختار(1982) : اللغة واللون، القاهرة، عالم الکتاب.

- کرم، أنطوان غطّاس (1949م): الرمزيّة و الأدب العربي الحديث، بيروت، دار الکشّاف.

- كندي، محمد علي (2003م): الرمز والقناع في الشعر العربي المعاصر، ط1، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة.

- مرتاض، عبدالملك (1991):«فكرة السرقات الأدبية و نظرية التناص»، جدة، مجلة علاقات النادی الأدبی الثقافی، ج1 .

- نشوان، حسين (2004م): «المعجم اللوني في شعر عزالدين المناصرة»، الأردن، مجلة أفكار، تصدر عن وزارة  الثقافة، عدد 189، تموز.

- همام، محمد يوسف (1930م): اللون، القاهرة، مطبعة الاعتماد، ط1.

المواقع الإلكترونية:

- أحمد، عدنان حسين: «تقنية الاحالة لاستدعاء الأساطير في تجربة أديب كمال الدين الشعرية»؛

http://www.adeebk.com/makalat%20an%20alshaeer/ah.htm

- عودة، ناظم (2003): «ترميز الحرف الشعري: اشتقاق معنى الحرف من مفردة يكون جزءاً منها»، صحيفة الزمان اللندنيةالعدد1519 - الأول من حزيران،

 

 

 

 

 

تكنيك های غنی سازی دلالت در شعر اديب كمال الدين

 

چكيده:

تكنيك های كه شاعر جهت نقل مفاهيم و تأثير گذاری به جای تعبير مستقيم و بی پرده، بكار می برد، خواننده را از جنبه ظاهری و سطحی قصيده به مفاهيم و دلالتهای پنهان در ماورای متن سوق می دهد، و بدين ترتيب به كامل كردن آنچه كه در توان بيان مستقيم واژگان نيست، می پردازد؛ از جمله اين تكنيك ها، بكارگيری نماد و مفاهيم سنتی كه باعث غنای بيشتر متون شعری و اصالت آنها می باشند.

     شاعر معاصر عراقی اديب كمال الدين در شعر خود تكنيك های جديدی را به دليل کارایی آنها در توجيه افكار و بیان ديدگاه ها، و نیزغنای بيشتر متن، بكار برده است. قصائد ايشان سرشار از دلالتهای نمادين حروف، رنگ ها، و شخصيتهای سنتی می باشد.

     در اين پژوهش سعی شده است كه بر مبانی شيوه ی توصيفی – تحليلی، به بيان بارزترين تكنيك های به كار رفته در شعر اديب كمال الدين پرداخته شود، كه از آن جمله تجربه حرفی شاعر، و دلالتهای نمادين حروف در شعر وی، بينامتنی قرآنی، و فراخوانی شخصيت پيامبرانی همچون حضرت نوح (ع) و حضرت يوسف(ع)، سپس رنگ ها و دلالتهای نمادين آنها مي باشد. در اين مقاله به بررسی 9 ديوان آخر شاعر، كه تمام آنها بين سالهای 1993م تا 2013م چاپ شده، پرداخته شده است.

 

كليد واژگان: شعر معاصر عراقی، اديب كمال الدين، تكنيك های شعری، دلالات.

 

 

****************************************

نُشِرتْ في مجلة العلوم الإنسانية الدولية 2013 -1434  ه, ق

العدد 20 -(3) – 109- 95

 

*****************************************************************************************************************

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home