قراءة في قصيدة (أخطاء المعنى) لأديب كمال الدين:

هل هو تلاعب بإيقاعات اللغة؟

 

 

 

 

د. مصطفى الكيلاني

 

 

 

    اختار أديب كمال الدين في هذه القصيدة (أخطاء المعنى) - المنشورة في مجموعته: أخبار المعنى - دار الشؤون الثقافيةالعامة - بغداد 1996- أن يتعقب الخطأ، وإذا الخطأ أخطاء واللغة الشعرية تتعرّى لتكشف عن فضائح يحرص الشاعر على أن تبقى غارقة في الظل كأن تظهر ولا تظهر.. وليس للقصيدة في دوامة الرعب الموروث إلاّ أن تلتف حول لغتها لتؤسس لعبتها وتتفرد جمالياً بما يجعلها قادرةً على الخروج من طوق التاريخ المكشوف لتعلن زمنيتها الخاصة، وهي زمنية كالرحم تنغلق ـ في الظاهر ـ عن زحمة العالم المجتمعي ولكنها تستقطب أشياءه في عمل توليدي يعدم المدلول المباشر بالقصد لينقلنا من لغة اعتدنا على مرجعيتها في الواقع إلى لغة تقارب التميمة من غير أن تكون تصعيداً يتخذ من السحر الأداتي منهاجاً ومن الفرار إلى الماورائي مذهباً للتخفي والاحتجاب .وقد يكتفي القارىء بملامسة قشرة النص الظاهرة ويتجنب الحفر فيه خوفاً من تأويل لا يفكّ شفرة رموزه بل يعمق غرابة ألغازه. ولا ندعي بهذة القراءة القدرة على بلوغ قيعانها القصية. ولكن الاكتفاء  بالنبش فيه ورفض التأويل يقطعان الصلة بين المكتوب والمقروء ويقضيان على هذا النص بالعزلة.

 إنّ (أخطاء المعنى) مكتوب شعري يتمرد على مناخات القصيدة التقليدية وآليات تركيبها الفني، ولأنه ينسف مركزية الغرض ويدعو إلى تأثير يلامس أقاصي الذات المتقلبة ويغرق الظاهر في عميق الظلال المتدفقة من نبع الموت الفردي يستلزم مفهوماً قرائياً لا ينظر إلى البناء المجمل والإيقاع والصورة في سكون اللحظة وينحو اتجاهاً خاصاً في الإنشاد، فكيف يستقل هذا النص عن غيره بتناغم خاص؟ وكيف يؤسس زمنيتة؟ وهل للتراكيب والإنشاد فيه أسس جمالية محددة؟ إنّ التناغم حركة منظمة لها تمظهرها الإيقاعي الحسي، وتكتمن في الأثناء إيقاعاً مجملاً يحول النص الشعري إلى  يمّ يشبه الجسد لا يكرر فيه الجزء جزءاً آخر، ولكنها التمفصلات تمثل وظائف فرعية تتكامل في بناء شامل، ولايختلف بناء النص وتركيبه من حيث هو إيقاع ظاهر عن القصيدة التقليدية إلاّ في هدم التماثل المقطعي ودورية القافية الواحدة.. وليس للشاعر إلاّ أن يتبع (فعلن) ليجيز دمج المقطعين القصيرين في مقطع طويل أو تقصير المقطع الطويل ليسمح في بعض الأحيان بتعالق ثلاثة مقاطع قصيرة في حيّز واحد، فيحدث بذلك فضاءً من التحرر النغمي ويربك بالقصد بناء التفعيلة الموروثة. إلاّ أن التزام الشاعر بمسبق هذه التفعيلة قضى عليه في بعض الأحيان بالانتقاء اللغوي الذي يهدد الكتابة الشعرية بالتجريب ويقلّص من حضور التجربة فكان القصيد متوتراً في إيقاعه تخترقه قوتان من الالتزام بمسبق التفعيلة والنزوع إلى التحرر، بداعبه الهمس أحيانا ويهزّه الصراخ أخرى، يقتطعه صراع حاد بين ضوء متعارف وظلام مجهول.

 ومع ذلك استطاع الشاعر في حدود المسبق أن يشدّ قصيدته إلى ألوان متميزة من التناغم الخفي مروراً بإضافات ايقاعية حسية تظهر بالخصوص في تركيب الجملة الفعلية المتكرر: (أسبح..قام الليل.. قام النخل.. انفجر القمح.. قمتُ فقام.. قومي.. فاكتحلتْ عيني..نهض الموتى.. قومي..أشفقت.. جلست.. وبكيت.. صحت.. وانشقي.. وانفجري.. أرعبني.. اهتزت.. سقط.. فبكيت.. وصهلت.. عذبني .. قمت.. انهارت.. ركب .. فابيضّت.. قمت..) وتظهر بين الحين والآخر جملة إسمية: ( كانوا أشباحاً..  كلكامش في مرآة العصر.. ونبوخذ نصر يرسم.. كان الدهليز صغيراً.. كانت أرضُ الله تغرّد فيك.. كانت كلماتك أطياراً موتى.. كان الله يراقب خيبة أخطائي). وهذا التداخل بين الجمل الفعلية والجمل الاسمية جعل القصيد مشدوداً الى الحركة والسكون يتجاذبه النسيان الفاعل والذاكرة معا، يتقدم خطوات ليهم بالانفلات من دائرة الحظر ثم تشدّه أوجاع المكان الى نقطة في الموقع الثابت (فيثوب اليه رشده) ويستعيد هلاكه في لغة مغلقة كأنها الشعاب الملتوية يسير فيها مهزوز الوجدان مرعوب الضمير، ويتوهم أنه ينتقل مسافات في اتجاه محدد ولكنها المتاهة تعود به في كل مرّة إلى حيّز الطوق حيث هو شريد يطحنه غضب مخصيّ، فيهذي كمجنون اختار منطق أشيائه ليستعيد البعض من أفراح جسده المطعون.

 لقد سعى الشاعر إلى أن يفتح القصيدة إلى الداخل فتجاوز بذلك حدود الإيقاع بالتفعيلة والقافية والتجأ إلى إيقاع اللغة عامة بدءاً بتركيب الجملة المزدوج مع تغلب الجمل الفعلية واستقطابها للحركة مضيفاً إلى ذلك التكرار اللفظي المقصود: (أعتذر.. أعتذر.. قام.. قام.. قمت.. فقام.. قومي.. قومي خطأ.. خطأ.. خطأ كانت.. كانت.. كان) ويعد هذا التكرار من أهم وسائل الكتابة الشعرية. ولعل الشاعر مدرك لتحديات المستقبل وحاجة القصيدة الحرة إلى أن تجدد باستمرار وسائل تعبيرها الفني قبل أن تستنفد طاقاتها ويجرفها التاريخ المعاصر، نتيجة لذلك يرفض اتباع النموذج الواحد وتراه ينتقل من مناخ شعري إلى آخر ويولد القصيدة التي لا تكرر سابقتها، فيتجاوز إيقاع الوزن إلى إيقاع اللغة ويحيلنا على الشعري الذي هو منبع الايقاع الخفي. ويكتمن الإيقاع الظاهر بتشكيلاته المختلفة بناءً مستقلاً لا يحاكي العالم الخارجي بل يستوحي أشياءه وكوابيس رعبه وجماله الطبيعي ليؤسس عالماً بديلاً.

 وقد اختار أديب كمال الدين عفوية الكتابة الملغزة بالقصد ليفرّ بها من الدلالة المعلنة فأوجد شبكة علامية لاتخضع لسلطة قانون مرجعي بل هي سلطة الجنون تحقق لصاحبها التفرّد إلى حين. وكما المجنون والطفل والمرأة في مجتمع الحظر يحشرون في زمرة من ينقصهم العقل أو ينتفي عندهم إطلاقا فإنّ الشاعر وهو شديد الاعتزاز بهذا الانتماء، حسب التزامه بالسير إلى الداخل، لا يستخدم اللغة الأداتية التي هي أهم آلة قمعية في نظام (العقل الكامل) أو (المطلق) بل يتخذ لنفسه لغة تستمد مراجعها من الموقع البدائي المتوحش وحلم الجنون وهما في زواج عنيف يكشف بجرأة الشعر والفتوة عن (أخطاء) هي فضائح السجّان والمسجون، الذابح والذبيح، المهلك والهالك. ولا تبدو القصيدة لعبة لغوية فحسب يندمج فيها الشاعر كلياً ليحقق بها بعض التحرر من حبس اللحظة ولكنها  الجد أيضاً القابع في المواطن القصية. ولئن انطلقت اللعبة باعتذار لخطأ لم يرتكبه الشاعر فإنها سرعان ما أزالت الحدود المفهومة الفاصلة بين الظالم و المظلوم، بين الموت والحب، بين الصلابة والسيولة، بين القحط والجسد. وظلّ التلاعب والجد مشدودين إلى قيمة كبرى تنير ليل القصيدة، هي الطفولة ذلك النبع المتدفق يعود إليه الشاعر، اللازمة الكبرى المتكررة في الشعر العربي المعاصر.

 ولم يبق لكمال الدين إلاّ أن يتمسك بظلالها (ويعتذر) ويتصيّد الحركات والوضعيات في وجود جماعي مهزوز: (كانوا أشباحاً سلبوا أصباغَ طفولتهم) ويتبدى (المكان) فاقداً لأيّ ملمح مكاني كأنه الليل يغرق في السواد ولا يبقى له إلاّ الحلم المشوّه : (كانوا أشباحاً.. قام الليل الأسود ..) فيعود الشاعر إلى رحم الموت الفردي ليطحن هلاك الجماعة ويبرهن باللغة والسيولة المتكررة على وجوده الفاعل: (أسبح في موج أخضر .. سكّيراً  تعتعه الخمر.. انفتح الصبحُ رسولاً من ماء..). لقد اكتشف أديب كمال الدين وهو ينتقل من موضع إلى آخر في (مكان) الجماعة أنّ الموت الفردي حقيقة لا يدركها بيسر إلاّ من توفرت لديه صفات الشاعر المجنون صاحب النبوّة المتمردة الذي يعتقد أن الاندماج في هلاك الجماعة خيانة عظمى لأنّ (الأبوّة) المتسلّطة في حضارة المنع وهي تغتصب أنوثة الماء تنتزع الإنسان من جذوره الطبيعة وتقطع صلته بالطفولة والأحضان الأولى ورفيف اللحم الأنثوي. فكيف يقدر الشاعر على أن يتحمل أخطاء (جماعته) (القوم) وقد (ناموا منتصف الليل عراةً كالأسماك)؟ إنّ موته الفردي مواصلة لـ(حمورابي) و(أنكيدو) و(كلكامش) و(نبوخذ نصر) ونهجه استرسال في تاريخ الحب والأنوثة.. وقد يكون مبعث الأخطاء جميعها ـ في نظام السيرورة ـ الخطيئة الأولى عند إنزال المرأة من علياء ألوهيتها إلى أسافل القهر والاستعباد وإحلال قيم الذكورة والنار والحديد الصلب محل الماء والشجر:

 

(قومي، أثلجني موتُ أبي، عذّبني دهري الأعمى..

 صرخاتُ الجدّ المحمول على رمح المعنى).

 

وكأنّ الشاعر وهو يتغنى بالفاجعة ويفتقد كغيره من الشعراء المجانين حلم الانسانية البدائي يلتجىء إلى اللغة ـ آخر ماتبقى من الجنة المفقودة ـ ليرسم بها مراجع حريته في زحمة الخوف، فتبدو المشاهد معارض ماسأة لا تخلو من فرح مجنون يمتزج فيه الضحك بالبكاء وتفقد الحال مرجعها النفسي المتعارف:

 

(جلستْ فتدثرتُ بغيمتكِ الخضراء

 وبكيتُ كما يبكي صوفي عمّده الشيطان) .

 

إنّ الشاعر وهو يشقى من التردد بين قيمة اللذة وقيمة الواقع يحيلنا دون قصد على فجر الإنسانية عند حدوث النقلة من البدائية إلى الحضارة. لقد اصطدم شأن كل الأفراد بالواقع حينما أدرك شعرياً أن الاستجابة الكاملة للحاجات ومن غير وجع مستحيلة الوقوع فيغيب الأمل في تحرر حقيقي. وليس له بعد ذلك إلاّ أن يدع (اللذة المؤقتة) العاجلة وليدة الطبيعة الأصل من أجل لذة مؤجلة مبتورة. غير أن قيمة اللذة الطريدة من الواقع لا تختفي كلياً في قيعان اللاوعي بل تطفو في بعض التجلّي على السطح: (ويعاشرُ أفخاذَ النسوة مجنوناً مثلي.. كان الدهليزُ صغيراً وأنا أدفع لولبَ غصني..اهتزتْ شفتاكِ.. الرطبُ الأحمر شهداً، سقط الرطبُ الأحمر شهداً..قمتُ إلى ثدييكِ أناشدكِ الرحمة). إلاّ أن المكبوت سرعان ما يستعيد انحباسه بعد أن تحرّر جزئياً في مجال لعبة النص الشعري، تستقطبه دهاليز اللاوعي، وتشتد اللعبة تلاعباً عندما تهتز الجدوال الدلالية وتنفتح على بعضها البعض ويؤثر الشاعر بالقصد الالغاز على خيانة القصيدة بتحويلها إلى وضوح كاذب. وتظل (الأخطاء) لازمة كبرى في النص تتكرر من غير أن تستقر في حقل دلالي واحد.

 إنّ زوبعة الأخطاء (أخطاء المعنى) تشكّل لغويّ له سماته الجمالية الخاصة  فلم يتبع نظام الخط الواحد ولكنه صورة للوجود المكتظ بعديد التناقضات عاد إلى عراء (القبح) يكشف من خلاله جمالاً طبيعياً هو الجسد يتفتح في بريق اللحظة والنفس تفضح جوع سنوات من الجفاف والعقل المتوحش يبكي ـ بدائيته المفقودة ـ ويكتمل جمال (القبح) حينما تجمد الحركة فجأة في آخر النص وينتشر الهلاك في كلّ البقاع :(كانتْ كلماتكِ أطياراً موتي فضحتْ جسدي من أقصى جسدي حتى أقصاه..). ويستعيد الشاعر صواب سجانه فيلوذ بمطلق الرمز خوفاً من الانهيار، وعند ذلك تقطع اللذة وليس للقارىء إلاّ أن ينسحب من اللعبة ـ كالشاعر ـ لينفصل عن (قبح) الجسد كالعادة ويحلم بالسراب.

 

  

 نص القصيدة: أخطاء المعنى

شعر: أديب كمال الدين

 

أعتذرُ اليومَ إليكِ: إلى خطأ في أطفالِ الطين،

خطأ في دمعِ الظالمِ، في طعناتِ المظلومين،

خطأ في حبّ حطّم فيَّ الأبواب وأوصدني بالمزلاج.

أعتذرُ اليوم،

قوّمتُ بأرضكِ قَومي:

كانوا أشباحاً سلبوا أصباغ طفولتهم 

من ساقيةِ الأسباخ،

ناموا منتصف الليل عراةً كالأسماك.

وارتحتُ إلى ميسمكِ المفتوحِ كشقّ التفاح.

كنتُ أوزعُ خطأً مضغوطَ الشفتين ومرتجف المعنى.

أسبحُ في موجٍ أخضر، أطفو كالطحلبِ، أغفو

سكّيراً تعتعه الخمرُ المرّ.

من بابكِ حتّى محرابكِ حتّى موتك

قام الليلُ الأسودُ فجراً وانفتح الصبحُ رسولاً من ماء

للعطشانين بجمرِ الصحراء.

قام النخلُ كأبريقِ الساحر. زقزقت السعفات

وانفجرَ القمحُ على بابِ الزقّورات.

قمتُ، فقام إلى موتي الأخّاذ حمورابي يتظاهرُ بالهيبة،

أنكيدو يركبُ رمحاً من ريش النار،

كلكامش في بابِ العصرِ يغنّي

ونبوخذنصر يرسمُ روحَ المعنى في قلبي

ويعاشرُ أفخاذَ النسوة مجنوناً مثلي.

قومِي. قامَ الليلُ إلى فجري

فاكتحلتْ عيني وأضاءتْ محجرها البارد.

نهض الموتى قرب الباب، انشقّوا

كالومضِ، انشقّوا كشياطين صغار.

قومِي ، أثلجني موتُ أبي، عذّبني دهري الأعمى،

صرخاتُ الجدّ المحمول على رمح المعنى.

من بابكِ حتّى محرابكِ حتّى موتي

أشفقتُ على نفسي.

كان الدهليزُ صغيراً وأنا أدفعُ لولبَ غصني

مملوءاً بالزيتون. أنادي علّ الغيمة تجلسُ في حضني،

جلستْ. فتدثّرتُ بغيمتكِ الخضراء

وبكيتُ كما يبكي صوفيّ عمّده الشيطان.

صحتُ: انقلبي فيَّ ولا تقتربي

وانشقّي فيَّ ولا تنفتحي

وانفجري فيَّ ولا تنهمري.

أرعبني صوتي.

اهتزّت شفتاكِ... الرطبُ الأحمرُ شهداً

سقط َالرطبُ الأحمرُ شهداً.

فبكيتُ، صهلتُ بقهقهتي.

عذّبني العصفوُر الداخلُ فيّ وأيقظني هدهدُ رأسي،

ديكُ دموعي وهزارُ عذابي.

قمتُ إليك.

كانت أرضُ اللهِ تغرّد فيك.

وأنا أعتذرُ اليوم إليكِ: إلى

خطأ في اللهجةِ من خطأ في المعنى،

خطأ في البهجةِ أو خطأ في الدمعة،

خطأ في خطأ في خطأ الرأس،

خطأ في خطأ الرمحِ الداخلِ في الرأسِ. انهارتْ أركاني.

هبط البحرُ إلى موجي.

ركبَ الأزرقُ أخضرَ روحي،

فابيضّتْ عيناي من الذلّ.

قمتُ إلى ثدييكِ أناشدكِ الرحمة.

كانت كلماتكِ جثثاً تتساقطُ من سعفاتِ الرطبِ الأحمر،

كانت كلماتكِ أطياراً موتى فضحتْ جسدي

من أقصى جسدي حتّى أقصاه.

كان اللهُ يراقبُ خيبةَ أخطائي

ويناشدني

أنْ أصمدَ وسط الريح وأنْ

لا أنهار كسدّ من طين.

 

 

*************************

 

  نُشرت في صحيفة الصباح التونسية 21- أوت – 1990

و"الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية"- إعداد وتقديم د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2007 - ص 291

 

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home