قراءة في مجموعة (نون) للشاعر أديب كمال الدين:

 

 النقطة سرّ المعنى

 

       

د.قيس كاظم الجنابي 

 

-1-

 

يؤسس الشاعر أديب كمال الدين حروفياته في مجموعاته (جيم) و(نون) و(أخبار المعنى) على دلالات الحرف ومايعنيه صورياً ورمزياً فتشكل النقطة عنده موضوعاً أو حرفاً أثيراً له دلالة سرية وسرمدية فهي ليست صفراً أو شيئاً مهملاً لا معنى له بل له دلالات عديدة، ففي قصيدة (خطاب الألف) من مجموعته (نون) يصف النقطة بانها (سيدة)  و(حب) و(أعجوبة) و(دم) و(هروب) و(جنية) و(بخور) و(غموض) و(آه) و(خروج) و(عبث) و(دمعة) و(نجمة) و(مفاجأة) و(صومعة) و(ذهب) و(حبر) و(طعنة) و(ملاك) و(ملك مشعوذ) و(سطح) و(عقل) و(رمز) و(غيمة) و(دفقة) و(تلطيف) و(حلم) و(ربيع).

أما نقطة محدثه فهي (دعاء) و(شعر) و(رفض) و(حياة) و(حلم) و(فم) و(دخول في الدفء) و(قصيدة) و(ولوج) و(نبوءة)... وهكذا حتى تصبح ال (جلوس على العرش) وهلاكه: فكيف يهلك من يجلس على العرش؟

 إنه يعيش إشكالية التعبير عن سر الحرف وبالذات سر معنى النقطة مع أنها اختصار لكينونة الوجود، لكونها (رمز الإنسان الكامل) (1) عند المتصوفة والإنسان الكامل هو(الجامع لجميع العوالم الإلهية والكونية الكلية والجزئية (2) فالنقطة بهـذا مركز المعنى وسره، لأنها مركز العالم الذي رمزه (الباب) في قصيدة (إله المعنى) من مجموعته: أخبار المعنى:

 

دعْ لي الباء ولا تأخذها

فلعلّي ألقى نقطتها

ذات صباح أو ذات مساء

فأقومُ من القبر إلهاً

أبعثُ في جسدي الروح!

 

فالباء رمز السرمدية والخلود الذي كان (كلكامش) يبحث عنه في(باء المعنى) حيث كان (كلكامش) هذا يسأل كالأعمى عن معنى البكاء ولأن الأعمى لا يرى وإنما يلمس ويتحسس الأشياء فإنه بالتأكيد لن يرى النقطة، لأنها أصبحت ريشة بالنسبة إلى جسده في قصيدة (باء المعنى) فغدت مركز العقل وحركته ومركز حركة الوجود ومحور الأرض فهي كاللوغوس عند الفلاسفة.

      

       ـ 2 ـ

 

وحين تقترن النقطة ب (الهلال) تصبح مقاربة بصورة ال(نون) التي تحتوي الذكورة والأنوثة معاً وهما سر الكون وسر (ديمومـة وتواصل وخصب) الأشياء ، فالهلال عنده هو (الذكر) مع انه صورة للأنثى والمحتوى من الناحية المظهرية، والنون هي الأنثى وهي المركز حيث يتجسد الفيض الإلهي بصورتها عندما تفيض عن أسرار الهلال لتخرج هادئة بحثاً عن حرية الأمل وحرية العقل، فتبدو هنا صورة النقطة هي مركز حرف النون الذي أفرد له مجموعة شعرية بإعتبار النون هي علم الأجمال: الدواة التي تحتوي في مداها إجمالاً الحروف(أي صورة العالم) في مقابل القلم (أي حضرة التفصيل) (3 ) فتتحد النون بالقلم في تكوين خصب الحياة كاتحاد الذكر والأنثى، لهذا تقترن النون بالنقطة والهلال صورياً كاقتران الدواة بالقلم حيث يقول في مجموعته (نون) :

 

يا نوني ...

ها أنت كبرتِ وتعبت

وبدأت الأحلامُ تركض بعيداً عنك

يا نقطتي وهلالي 

لامستقبل لك إلاّ مع طفولة الصعلوك

وجنون الشاعر

ورؤية الصوفي

ووميض الرائي.

 

وفي قصيدة (خطاب الألف)  يقول عن النقطة:

 

 

نقطتكِ انتحاري

وهلالكِ هروبي من البيت

بحثا ًعن شمس طفولتي المسروقة.

 

والتي تقترن بخاتمة طموحة وهي الجلوس على العرش حيث يقول:

 

نقطتكِ جلوسي على العرش

وهلالكِ استبدالي المدن الواحدة بالأخرى

كما يستبدل الميت أكفانه.

 

فتصبح النقطة (رسالته) وفكره، ومعناه، ووجوده، لكن الهلال يبقى الطوق الذي يحيط به فيشكل إحباطاته التي تنسحق تحت قوة (النقطة المتدفقة وهي تقف مكتوفة الأيدي أمام قدرة (الكاف) رمز المقدرة في (كن) حينما تبدد قوة الباء المقترنة ب (العبودية) وبالتالي تكون نقطة (باء العبودية) انغماراً في قدرة الكاف على الإحاطة بالوجود والانزياح فوق (لوغوس) المعرفة، لأنّ الباء تظل مركز حركة الكون وحركة الوجود، وحركة الذات الإلهية، وقوة النفس الإنسانية وهي تحاول أن تستحوذ على صفات الإنسان الكامل، الإنسان الذي خلقه الله (سبحانه على صورته، فهو إنسان جامع  لمزايا الإنسانية جميعاً، وخاضع  لقدرة (الكاف)  في امتلاك سر كينونة الفناء كما في قوله في قصيدة (خطاب الألف):

 

يا نوني ..

أجلسُ أمام الكاف، كلّ يوم، درويشاً

 أتمتمُ، أدعو وأهذي وأبكي

ثم أموت.

 

فنهاية الحياة اندماج حقيقي بين (الباء ونقطتها) وبين (الكاف) حيث يظل مركز الكون متحرراً وقادراً على كشف قوة (ك) أمام نقطـة ( ب) التي هي تلخيص  لسرّ حركة الوجود وفاعليتها جميعا.

****************************

الهوامش

1ـ  د . سعاد الحكيم ،المعجم الصوفي  ص 81

2ـ التعريفات للشريف الجرجاني  ص 32

3ـ المعجم الصوفي ص 1037

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home