شعرية اللحظة وتحولاتها الصورية

 

 

 

 

                                               هشام العيسى

 

  عن المؤسسة العربية  للدراسات والنشر في بيروت، صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر أديب كمال الدين تحت عنوان (حاء) ضمت هذه المجموعة أربعين قصيدة، تنتمي جميعها لفضاء قصيدة النثر، ويعد الشاعر أديب كمال الدين من شعراء الحقبة السبعينية في العراق  وله حضور فاعل في المشهد الثقافي والعربي بشكل عام.

  وقد اقتنصت من مجموعته الشعرية هذه خصوصية اللحظة وتحوّلاتها الصورية في بناء النص الشعري. إنّ من أهم الخصائص التي يقع عليها بناء النص الصوري في الكتابة الشعرية هي خصوصية اللحظة، اللحظة التي تحمل في لبها جملة من التراكيب الصورية الدالة والحاملة للمعنى. إذ يمكن أن تشترك جميع هذه الدوال في لحظة محددة ولا يمكن حصرها وإظهارها الاّ من خلال اللحظة ذاتها، هذه اللحظة القابلة للامتلاك والتي تحمل في كنفها خصوصية شعرية.

ومن أهم الخصائص، كذلك، خصوصية التحول الصوري في إطار اللحظة هذا التحول الذي يجعل منها لحظة ثاقبة ومؤثرة داخل بنية النص، فالنص الشعري المؤثر، هو النص الذي يقترن اقتراناً كلياً بامتلاك خصوصية اللحظة المؤثرة، إذ ليس بامكاننا أن نبني نصاً مؤثراً، دون أن نمتلك مثل تلك الخصوصية. 

  وعلى هذا الأساس فقد نجح الشاعر أديب كمال الدين في مجموعته الشعرية هذه في امتلاك تلك الخصوصيات ليظهرها داخل بنية نصوصه على شكل انثيالات صورية متحولة لها دلالاتها وعمقها في التأثير. إذ يقول في نصه (كيس الحروف):

 

حين أفاق الطفلُ من نومهِ

وجدَ اللقلق

قد ألقى إليه بكيس من الحروف

رقص الطفل ُ فرحاً

قال: أريدُ الحاء

حاء الحنين والحب والحلم.

 

إنه يستنطق الحرف من خلال الصورة المترادفة والمتناغمة التي تسكن كنف اللحظة، تلك التي اقتنصها ليظهرها  على شكل نسيج لغوي لهُ دلالاته النصية، وهذه هي طريقة إيصاله للمعنى، إذ يعتمد الصورة في طريقة الإيصال وقد تمكن في نصه هذا من أن ينقلنا الى تأمل اللحظة التي تحمل هذه التراكمات الصورية. أما في نصه (النارُ والسندباد) فهو يقول: 

 

في أسفار وهمي العظيم

 مزّقتُ نقطةَ الحبّ

 فوجدتُ فيها الفراغَ أبيضَ كالموت

 أو أسودَ كشمسِ عيدٍ قتيل.

 

  يمكنني القول إنه يمتلك مخيلة صورية فذة، فهو ينجحُ في توظيفها دائماً داخل بنية النص، إذ يشعرنا بذلك من خلال  نصه هذا الحامل للحب داخل أسفار وهمه العظيم هذا الحب الذي يحمل ُالموت، والفراغ الموحش، كشمس أعيادنا القتيلة. إنه يبصرُ بذهن ثاقب، ومخيلة ثاقبة في آن واحد، ما لا يستطيع أن يبصره الآخر.

  ومن خلال هذا أستطيع القول: إنّ الشاعر أديب كمال الدين نجح في إيصال طريقته الكتابية هذه الى أعلى درجاتها على مستوى التواتر الشعري  وذلك لامتلاكه شعرية اللحظة. 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home