قراءة في قصيدة (ملك الحروف)

 

 

 

      فيصل عبد الحسن

 

 

النقطةُ فضة

والحرفُ ليرة ذهب

فما أسعدني أنا ملك الحروف.

        *

النقطةُ بسمة

والحرفُ ضحكة

فما أسعدني أنا ملك القهقهة.

       *

النقطةُ بخور

والحرفُ رقصة السحرة

فما أسعدني أنا ملك الجن

صاحب الجناح الأخضر الكبير.

    *

النقطة بلاء

والحرف طوفان

فما أسعدني أنا الذي رأى كلَّ شيء.

    *

النقطةُ دف

والحرفُ طبل

فما أسعدني أنا الغجريّ الذي يضع

الأقراط في أذنيه

والأساور في معصميه

ويرقص وسط النساء.

 

يحاول الشاعر أديب كمال الدين دائماً وبكل امكاناته الشعرية أن يثير شيئاً من البلبلة في ذهن القارئ ويجعله يضرب أخماسا بأسداس، ويتساءل باستمرار: أيقرأ شعراً لشاعر كبير أم إنه يقرأ نصاً شعرياً لشاعرمتوسط الموهبة؟

فالقصيدة عند  أديب كمال الدين  لعبة خطيرة يمارسها الشاعر فـي عمق إحساسات الحياة، وتخاف على الشاعر أن يقول ما ليس بشعر، لكنه يقودك في السطر الذي يليه من النص الشعري إلى فضاءات الشعر، وفـي قصيدة (ملك الحروف) المنشورة في العدد 23 مجلة (كتابات معاصرة) يلعب الشاعر لعبته معك، فتشعر أنك في دولاب هواء لا تدري متى ينحدر بك من السماء إلى الأرض وبالعكس، وتبدو لك قصيدة (ملك الحروف) مفتاحاً لدواوين الشاعر السابقة، ولقصائده المتفرقة والتي استخدم فيها الحرف وسيلة وغاية في ذات الوقت، فترى الشاعر في مقاطع القصيدة طفلاً..غريقاً.. نائماً.. بهلواناً.. صوفياً .. مهرّجاً.. عاشقاً.. واهماً .. وشاعرا ًعلى الدوام: 

 

النقطةُ طفولة

والحرفُ عيد

فما أسعدني أنا الطفل الذي لم ينم

ليلة العيد بانتظار شمسه الملونة.

      *

النقطةُ فراغ

والحرفُ فراغ

فما أسعدني أنا الغريق

بلا أسم ولا معنى ولا مكان.

     *

النقطةُ دمعة

والحرفُ عين

فما أسعدني أنا النائحة في كلّ بيت.

    *

النقطةُ حرف

والحرفُ أبجدية

فما أسعدني أنا بهلوان الكلمات.

      *

النقطةُ نقطة

والحرفُ حرف

فما أسعدني أنا الموحِّد المذهول بنور بصري.

    *

النقطة ُلعبة

والحرفُ سيرك

فما أسعدني أنا المهرّج الكبير.

      *

النقطة ماء

والحرف بحر

فما أسعدني أنا الذي حمل البحر

إلى المرأة العارية. 

 

   وبتعدد الصفات والموصوفات يؤدي الشاعر لكل غايات القصيدة  مع جعل ذات الشاعر هي مركز الكون الذي تدور حوله كل الموجودات ويكون قطباً جاذباً لها، ومعبراً عنها.

في (ملك الحروف) يتأرجح الشاعر بيـن ماهو عادي في الحياة وماهو سامي، تكاد أن تجذبه الحياة العادية إلى القاع ثم فجأة يسمو بك طالعاً إلى السماء، وتبقى القصيدة في ذاتها غاية لا وسيلة ذلك ما تتلمسه في كل مقاطعها.. إنها تأوهات رجل عاشق، وأمير مهـزوم وثوري محبط، وسكير لا يجد ثمن خمرته، يفخر بنسبه وتتجاذبه العواطف والأفكار..

 وبعد كل هذا فهو مغرم كبير بكل حرف، فامتلكت الحروف التي نمر عليها كأدوات للغة بطاقة شعرية لا حد لها، فتحولت إلى مخلوقات تهيج مشاعرنا وتثير فينا التساؤلات وتلك، لعمري، محاولة جديدة في الشعر العربي ينبغي أن تدرس وتؤشر من قبل النقاد الدارسين.

 

*****************************

نـُشرت قصيدة: (ملك الحروف) في مجموعة(حاء) - منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت

 

                                                    

الصفحة الرئيسية  

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home