أديب وكليوباترا

 

د. عدنان الظاهر

 

  

تمهيد    

                                              

 كلما أزداد قراءةً وتعمقاً في كتب أشعار الشاعر أديب كمال الدين أزداد حذراً من الدنو من عوالمه الشخصية والشعرية على حد سواء. وكلما اقتربت أكثر شعرت أني بعُدت أكثر. إني بإختصار أتهيب ولوج عالم هذا الشاعر المتفرد. وضوح شعره لا يفضي إلاّ إلى المزيد من الغموض والإحساس بالهيبة وحتى بعض الوجل. لذا فلقد إنتهيتُ إلى قناعة شبه مطلقة أنه من باب المحال التصدّي لقراءة أو دراسة أحد كتبه كاملاً. بلى، في الوسع دراسة قصيدة واحدة ( وربما إثنتين لا أكثر ) من هذا الكتاب أو ذاك. دراسة قصيدة واحدة تُغرق الدارس وتشعره بالكفاء أو الإكتفاء إلى حد التخمة التي ما وراءها إلاّ المسغبة وخلاء اليد ونضوب المفردات وهيبتها من المضي في الدخول في عوالم أديب كمال الدين.

 خلال قراءتي المتأنية لأشعاره إستنتجت ( لكي أفهمه كما هو وعلى أقصى درجات علمي وإجتهادي ) أنَّ الشاعر في أفضل أحواله طفل بين الثانية والرابعة من العمر. وإنه توّاق للحديث عن المرأة. وإنه يحبها ويبجلها ويعبدها. يناجيها ويناغيها بأفضل ما في قاموسه اللغوي من مفردات اللغة العربية. وإنه بعيد كل البعد عن سادية بعض الشعراء ونرجسيتهم وتعاليهم الفارغ على حواء. طبع نادر وشديد الغرابة كما سنرى.

ركّزت جهدي على قصيدة ( بإنتظار أنْ تهبطَ حبيبتي ) من ديوان( حاء ) / المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، الطبعة الأولى 2002 . لقد وجدتُ  قصيدة جديدة للشاعر فيها مشابه من هذه القصيدة من حيث الموضوع، المحتوى، وليس التفاصيل ولا وسائل معالجة الموضوع ولا مفرداته ولا الصور إلاّ الأقل من القليل. إنها ( قصيدتي المغربية ) من ديوان ( ما قبلَ الحرف...ما بعدَ النقطة ) /  أزمنة للنشر والتوزيع ، عمّان، الطبعة الأولى حزيران 2006 .

 

  ماذا في قصيدة " بإنتظار أنْ تهبطَ حبيبتي " ؟؟

 إنها معمار هندسي بالغ الروعة. فالشاعر هنا مهندس ومخطط بارع ومسيطر على الفضاءين النفسي - الشعري ثم المكاني الجغرافي. المقطع الأول من القصيدة خالٍ من عنصر الزمن. تلك ظاهرة فيزيائية كنا نقوم بتدريسها لطلبة الكيمياء في كليات العلوم. أعني بعض دوال الذبذبات الموجية لحركة ألكترون ذرة الهايدروجين حول نواتها. وإسمها بالإنجليزية هو :

Time- Independent Wave Function

   لكنه بناء فضائي محكم يتدرج شاقولياً من أعلى إلى أسفل. من قمة سلّم كائنٍ ما بين غيوم السماء ( في الجنة ) تقف عليه إمرأة شامخةً مستعلية على الشاعر الذي يقف في أسفل هذا السلّم ، في جهنم، في أسفل سافلين.

الزمن جامد إذ لا من حركة على درجات هذا السلّم. السيدة المتعالية لا تشاء أن تهبط من السماء إلى الأرض حيث ينتظر المسكين طفلاً ليس في يديه من وسائل القتال إلاّ حجرٌ .... لكنه حجر بهيج.... حجر لا يصلح للقتال والعراك. حجر ربما كريم من الزمرد أو العقيق والمرجان. يحمله هدية لمن إرتقت سلالم السماء متكبّرة عليه رافضةً دعوته أن تنزل من عليائها .... أن تجرّب المشي على أرض الواقع كسائر الخلق. هي، حواء، في الجنة وهو، آدم، في الجحيم. كيف تجتمع النقائض وعلامَ تجتمعُ ؟؟

نقائض أديب ليست جدلية. إنها نقائض سكونية، بمعنى إنها لا تلتزم ضرورة أن تتحد وأن تتصارع في مجرى زمن الإتحاد كما تقول قوانين الجدل ( الدايالكتيك ). جنة في الأعلى معزولة بالمرأة ، متصلة بسلّم لا  يؤدي بها إلى رجل منتظر في أسفله. سبل الإتصال متوفرة لكنها ميتة لا حياة فيها. نقرأ ما جاء في هذا المقطع :

   

رأيتكِ في أعلى السًلَّم واقفةً

على جبينكِ تاج الذهب

وعلى كتفيكِ الثلجيين

طيلسان الفضة الغامضة

كان السُلَّمُ عالياً كالجنة

وعميقاً كجهنم

وأنا في أسفل سافلين

أقفُ كمتمردٍ أعزل إلاّ من حجارة البهجة

كشاعرٍ مجهول الهوية

كفيلسوفٍ أرعنَ

وكحوذيٍّ كفيف

مُنتظراً

أنْ  تفتحي لي بابَ شتائمكِ المليئة بالعِظام

والسياط العرجاء

أو تفتحي بابَ طيلسانكِ

ليخرجَ جسدُكِ الملكيُّ البضُ

فيُلقي القبضَ على أحزاني الكبرى

ووساوسي وجنوني منذُ كلكامش وأنكيدو

منذُ أنكيدو وسرجون

منذُ سرجونَ وديك الجِن

منذُ ديك الجن وتلبّسي بثيابِ الجِن.

 في رأس الشاعر / الطفل مقترحان لحواء الواقفة على الشجرة العالية علو السماء : أن تريحه من الإنتظار دون جدوى وتجعله ييأس تماماً فتطرده من باب جنتها وتكيل له شتائمَ من نوع وعيار خاص غير مألوف. شتائم ملأى بالعظام !! علامة القسوة ودلالتها ؟ شتائم رخيصة كالعظام التي تُلقى في الشوارع طعاماً  للكلاب السائبة في عالمنا المشرقي ؟ وإلاّ ما معنى أن تكونَ الشتائمُ مليئة بالعظام ؟! تعبير آخر متفرّد لا نلتقيه إلاّ في قصائد أشعار النثر الحديثة أو الأكثر حداثةً.

 ماذا عن المقترح الثاني في رأس الشاعر / الطفل الذي يحمل حجراً بهيجاً يلهو به مثل أحجار لعبة النرد ( الطاولي ) أو هديةً ثمينةً ، حجراً كريماً غالي الثمن جاء به ليقدمه للمرأة العاصية المتكبّرة ؟ يضعنا الشاعر في جو مخالف لأجواء المقترح الأول سالف الذِكْر. ينتقل من وضع سلبي يائس متشائم : شاعر مجهول الهوية ... فيلسوف أرعن... حوذي أعمى.... ينتقل إلى إنسانٍ إيجابي واضح المطالب صريح الرغبات. يطلب ممن أنهكته قبل قليل من الوقت وأضنته.... يطلب منها أن تنفتح عليه، أن تفتح كنوز جسدها... أن تستلقي على سرير أمامه.... أن تنبطحَ على قفاها. عندذاك فقط ينسى الشاعر أحزانه القديمة المتراكمة منذ أقدم العصور . منذ سومر وأكد العراق وديك الجن الحمصي الذي قتل حبيبته غيرةً ثم جبل من رمادها كأساً يتناول فيه خمرته كي ينساها ثم قال فيها :

 عهدي به ميْتاً كأحسن نائمِ ....

 انتقل الشاعر نقلة مغايرة فإنقلب من طفل ينتظر مثل شحاذ في أبواب الموسرين إلى رجل ناضج مكتمل الرجولة والفحولة فكتب من شعر الآيروس ما يكفي للتعبير عن هذه الفحولة وفورة دم الشباب . نقرأ هذا الجزء معاً :

 

أو تفتحي باب طيلسانك

 ليخرجَ جسدُكِ الملكيُّ البضُّ

فيُلقي القبضَ على أحزاني الكبرى

ووساوسي وجنوني

 منذُ كلكامش وأنكيدو

 

لِمَ ينتقل الشاعر من مجرد طفل يهدد بقذف من يحب بحجر غريب ، حجر من بهجة لا يؤذي أحداً... ومن مجرد فيلسوف وشاعر وحوذي  يائس بائس .... لِمَ  ينتقلُ من مواقع الدفاع السلبي إلى مواقع الهجوم المناقض : هجوم جنسي صريح لا لَبسَ فيه ولا غموض. يذكّرني هذا الأمر بقصة الثعلب والديك الذي حطّ على شجرة خوفاً من بطش الثعلب. ثم مواظبة هذا الثعلب على البقاء أسفل الشجرة ليلاً ونهاراً يقرأ القصص المسلية محاولاً إغراء وخداع الديك المسكين لكي يترك مكانه الآمن في أعلى الشجرة ملتحقاً بالثعلب كي يستمتع بأقاصيصه الحلوة ومغامراته البريئة في الغاب والبريّة. ما أن صدق الديك وعود وقصص الثعلب وهبط إلى الأرض حتى إفترسه هذا ولم يبقِّ منه إلاَ الريش الذي سرعان ما تطاير في الهواء. يبدو أنَّ المرأة إياها على علم تام بقصة الثعلب والديك.... فلم تهبط من قمة سلّمها العالي لتلتقي الشاعر / الطفل حامل الحجر الكريم يغريها به للنزول.

لم تشتمه.... لم تخرج الشتائم البذيئة والقاسية قسوة العظام الرميم من شفتيها. لم تبذل جسدها له فعرض لها  مقترحاً ثالثاً نتعرّف على فحواه في المقطع الثاني من القصيدة :

 

الآنَ اتضحتْ الصورةُ تماماً

لقد تلقّفتُ سرّكِ الأعظم

ووقفتُ أرعى ظلّكِ

 كمهرّجٍ مبتهجٍ بسخفِ جمهوره

 كأعمى مبتهج بشكوى الناس من نارِ الشمس

كليلٍ فقدَ فجرَهُ في حانةٍ داعرة

 وكلُّ ما أرجوه الآن :

 أنْ تهبطي من عليائكِ الزائفة

 إلى حضيضي اليومي

 لتكشفي الحبَّ على هيئة جمرة توضعُ على الشفتين

 أو بين العينين

 ولتكشفي عزلتكِ الباردة

 حين ترين أعواني من الجن بالآلاف

 ولتتعرفي على أُميّتكِ المطلقة

 حين تقفز أمامَ عينيك المذهولتين

 حروفي المسحورة ونقاطي الملوّنة بالعنفوان.

 

  إذا أذهلنا الشاعر / الطفل المتمرد بقوله في المقطع الأول [[ أقف كمتمرد أعزل إلاّ من حجارة البهجة ]] فلقد أذهلنا مرةً ثانية في هذا المقطع الثاني حين قال في ختامه [[ حروفي المسحورة ونقاطي الملوّنة بالعنفوان ]]. كيف تكون النقاط ملونة بالعنفوان ؟ تعابير وصور يفاجئنا بها بين الحين والحين شعراء قصائد النثر المترعين بالإلهام والإبداع.

ما الجديد في هذا المقطع وبمَ ينمازُ عن سابقه ؟ التحول، أجل التحولات في أعماق النفس وفي رسم المشاهد وتلوّن المواقف والردود والإستجابات تبعاً للتغيرات التي يفرضها الآخر، العالم الخارجي. فعل واحد ثابت

( إصرار فتاته على الوقوف في أعلى السلم ورفضها لدعوته بالنزول ) تقابله أو تستتبعه جملة مواقف متغيرة متحركة يرسمها ويحركها إصرار وعزم لا ينثنيان. على الشاعر أن يحاول  ويحاول  ثمَّ  يحاول. الأمل بين جنبيه كبير رغم صلافة فتاته وعنجهيتها ورفضها ما قدّم من عروض سخية، عروض لا سابقة لها في دنيا المحبين. لا شتائم في هذا المقطع ولا توحم وشبق إلى جسد الأنثى ذات الطيلسان الفضي. لقد اكتشف سرّها أخيراً فتنازل عن كل ما كان قد قدم من عروض ومشاهد مسرحية إغرائية ومن رغبته حتى في أنْ  يكون الشاعر الحمصي ديك الجن.... لا حاجة له برماد الحبيبة التي أحرق ليتخذ منه كأساً يتعاطى به شرابه.... أديب كمال الدين لا يتعاطى تناول الكحوليات. قلتُ تنازل عمّا سبق وأنْ عرض ليكتفي أن يكونَ ظلاً، مجرد ظل يتبع المحبوبة ويكون حيثما وكيفما وأينما تكون. كالعبد، يتبع خطواتها، كمهرّج.... كأعمى.... كليل.... لا يبغي أمراً إلاّ أن تهبط من عليائها المزيّفة لكي تعاني ما يعاني من حرائق الحب، ولكيما تكتشف أنها مجرد إمرأة باردة وأُميّة تجهل قيمة أشعاره وسحر ما فيها من حروف وما في نقاطها من عنفوان. يدعوها أن تطأ أديم الأرض بنعليها وأن تشارك باقي الناس حيواتهم اليومية الحقيقة لا تلك الزائفة والمعلّقة ما بين السماء والأرض منتفخة بالغباء والعجرفة الفارغة وبريق المعادن. الحياة الحقيقية واحدة .... حياتنا على سطح الأرض.... أمّنا الهاوية. ها نحن هنا..... ومن لا نعجبه فليحلق عالياً بين السماوات.

 

 ختام القصيدة / المقطع الثالث

   ما زال الزمن ثابتاً جامداً. لم يمسسه الشاعر ولم تحركه الأحداث المسلسلة والمرتّبة بعناية. ما زالت المرأة واقفةً في أعلى السلّم. وما زال فتاها الملوّع منتظراً سُدى في أسفله. لا يفصلهما إلاّ سلّم وهمي نخاله سُلّماً حقيقياً معدنياً أو خشبياً. " الديك " لا يثق ولا يصدق حكايا " الثعلب " الرابض أسفل السلّم. لا تستهويه قصصه ولا إغراءاته. تجاه هذا الثبات وموت الزمن يناور الشاعر العاشق مناورة أخرى جديدة. يطلب من المرأة أن [[ تختصر المسافة ]]. وما المسافة إلاّ هذا السلّم الوهمي المكوّن من ألف درجة. عفوأ.... لا يطلب من " كليوباترا " .... بل يرجوها أن تختصر المسافة فإنها مجرد وهم. كيف تختصر هذه الحواء المسافة ؟ قدم لها عاشقها المتيم طريقة أو وصفة سحرية تساعدها في عملية الإختصار. إختصارالمسافة حركة والحركة تجري في الزمن والزمن هو مقياس الحركة. لذا، إخترعَ  ميكانيكية { آلية } خاصة لإختصار المسافة خارج جبروت الزمن وأحكامه. كيف ؟  إما ببهجة علاها أو بومضة أسفلها !! يكرر الشاعر لفظة ( أرجوك ) مرتين فما أحلاها في كلا الموقعين.

" أرجوك " ....جمع أديب هنا عالي السلم الإفتراضي ونهايته السفلية. جمع أجمل ما في رأس الإنسان : الوجه، وجه المرأة، مع جسدها. الرأس متعجرف صلد يابس مثل خشب السلّم أو حديده. أما الجسد فذلكم شأن آخر. الجسد قابل للإشتعال أو الإتقاد. نقرأ المقطع الثالث ففيه قفزات ومواقف تثير العجب والذهول.

 

 المقطع الثالث

 

 يا أسطورتي الكبرى

إنَّ مشهدكِ لَمُحزن

 فهناك ألف درجة في السلَّم الذي تقفين في غيمته

 وأقفُ في بئرهِ السوداء

 فحاولي أن تختصري المسافةَ ( أرجوكِ )

 ببهجةِ أعلاكِ

 وحاولي أن تغتالي المسافةَ ( أرجوكِ )

 بومضةِ أسفلكِ

 وتذكّري وأنتِ تشعلينَ قاراتِ جسدكِ السبع

 أنْ لا مرآة تستطيع معرفة لغاتكِ السبع

 إلاّ مرآة عريي

 ولا معنىً يقومُ لحرماني المجنون

 إلاّ إذا وضعتِ رأسيَ فوق الرمح

 وحملته إلى جهاتِ الشمس الأربع

بعربتك السوداء التي تجرها خيول الطُغاة.

 

( ومضة أسفلكِ ).... جسدها يومض بالإشتعال، وجسدها ليس كباقي أجساد النساء. إنه قارات سبع. فإذا ما إتقد هذا الجسد ستتقد معه كافة القارت اليابسة على سطح الكرة الأرضية. حريق كوني هائل. إنها صور لا يخترعها إلاّ إبداع المبدعين من الشعراء الجُدد.

 كيف ولماذا جمع الشاعر بين المرايا والعري ؟ شكل آخر راقٍ من أشكال الآيروس الرفيع المستوى. حينما تتقد فتاته التي عذبته طويلاً وتشتعل فيحترق الكون بالرغبة الجنسية.... سوف لا تجد من يطفيء هذه الحريق في جسدها الملتهب بالنار والسعير إلاّ عاشقها الشاعر. ستجده جاهزاً مستعداً ( عارياً ) يفهم لغات الجنس وحقوق المرآة على الرجل. إنه عارٍ كمرآة. واضح كوضوحها. ناصعٌ صريح يجيد تفسير رموز وإشارت الجسد. يفهم حروف جسد ناضحٍ بالرغبة مشتعل الحواس. جسده مرآة تفهم وتعكس ما تريد المرأة منه. عريُه مزدوج. عُري ٍ حقيقي وعُري مجازي. أحسنتَ أديب كمال الدين ! ما أعمق أفكارك وما أجمل صياغاتك الكلامية وما أروع صورك الشعرية المبتكرة !!

 كيف ولماذا جمع الشاعر بين الحرمان ورأس محمولٍ على رمح والعراقيون خاصةً يعرفون مأساة الرأس المحمول على رمح من طفوف كربلاء العراق إلى دمشق ( يزيد ) عام 60 أو 61 للهجرة ؟؟ هل إنها قفزة وخروج عن السياق العام لأحداث وأجواء القصيدة ؟ ظاهرياً نعم، ولكن إذا ما نظرنا في العمق ستزول الدهشة والغرابة. الشاعر يستلهم تراثه العائلي والعراقي والعربي الإسلامي ثم العالمي. إنه يعرف جيداً قصة الرأس والرمح. يمكن على هذا الأساس تفسير هذه الصور، التي تبدو غريبة على النسق العام لمجمل تفصيلات القصيدة..... يمكن فهمها وقد ذكر الطغاة كما يلي : تمثل المرأة المتعجرفة المتعالية في نظر الشاعر... تمثل الطغاة والمسرفين والمتجبرين في الأرض ومثالهم يزيد بن معاوية. الحكام المعزولون عن شعوبهم يسكنون عالي الأبراج  بينما ترزح شعوبهم في الحضيض ( أسفل السلّم / أسفل سافلين ). كيف السبيل إلى الخلاص من هذا الوضع المأساوي ؟ بالثورة على الظالم المستبد والجائر المتحكم في رقاب الناس. بحرقهم بنار ثورة تدمر الكرة الأرضية بقاراتها السبع، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً ( جهات الشمس الأربع ). إنه تفسير ضعيف.... أعترف !!

 

ختام

 

ما علاقة الشاعر أديب بملكة مصر الفرعونية " كليوباترا " ؟؟

كلما أعيد قراءة القصيدة " بإنتظار أنْ تهبطَ حبيبتي " ثم أُعيد قراءة مقدمة المقطع الأول منها..... أرى " كليوباترا " شاخصة أمامي كما وصفها " شكسبير " في مسرحية ( أنطونيو و كليوباترا ) . قال أديب [[ رأيتكِ في أعلى السُلَّم واقفةً / على جبينكِ تاج الذهب / وعلى كتفيكِ الثلجيين طيلسان الفضة الغامضة ... ]]. سأنقل بعض ما إقتبسه إشارةً الشاعر الإنجليزي توماس إليوت ( المقطع الثاني بعنوان لعبة شطرنج من قصيدته الشهيرة الأرض البوار أو المهجورة ) من مسرحية شكسبير آنفة الذكر :

 

The Chair she sat in, like a burnished throne,

 Glowed on the marble, where the glass

Held up by standards wrought with fruited vines

….

Doubled the flames of seven branched candelabra

Reflecting light upon the table as

The glitter of her jewels rose to meet it

  

أسوق هذا الكلام لسببين : أولاهما أن الشاعر درس اللغة والأدب الإنجليزي في جامعة بغداد. وثانيهما أن أديب كمال الدين يقرأ الشاعر توماس إليوت ومعجب ببعض أشعاره.

 

نص القصيدة

 

 

بانتظار أن تهبط حبيبتي

 

 

شعر : أديب كمال الدين

 

 

 

رأيتكِ في أعلى السُلّمِ واقفةً

على جبينكِ تاج الذهب

وعلى كتفيكِ الثلجيين

طيلسان الفضة الغامضة.

كان السُلّم عالياً كالجنة

وعميقاً كجهنم

وأنا في أسفل سافلين

أقفُ كمتمردٍ أعزل إلاّ من حجارةِ البهجة،

كشاعرٍ مجهول الهوية،

كفيلسوف أرعن

وكحوذيّ كفيف

منتظراً

أن تفتحي لي باب شتائمكِ المليئة بالعظام

والسياط العرجاء

أو تفتحي باب طيلسانك

ليخرج جسدك الملكيّ البضّ

فيلقي القبض

على أحزاني الكبرى

ووساوسي وجنوني

منذ كلكامش وأنكيدو

منذ أنكيدو وسرجون

منذ سرجون وديك الجن

منذ ديك الجن وتلبّسي بثيابِ الجن.

 

2

 

الآن اتضحت الصورةُ تماماً

لقد تلقفتُ سرّكِ الأعظم

ووقفتُ أرعى ظلك

كمهرّجٍ مبتهجٍ بسخف جمهوره

كأعمى مبتهجٍ بشكوى الناس من نار الشمس

كليلٍ فقد فجره في حانة داعرة

وكل ماأرجوه الآن:

أن تهبطي من عليائكِ الزائفة

إلى حضيضي اليومي

لتكشفي الحبّ على هيئة جمرة

توضعُ على الشفتين

أو بين العينين،

ولتكشفي عزلتكِ الباردة

حين ترين أعواني من الجن بالآلاف،

ولتتعرفي على أمّيتك المطلقة

حين تقفز أمام عينيك المذهولتين

حروفي المسحورة ونقاطي الملوّنة بالعنفوان.

 

3

 

يا أسطورتي الكبرى

إنّ مشهدك لمحزن

فهناك ألف درجة في السُلّم الذي تقفين في غيمته

وأقفُ في بئره السوداء

فحاولي أن تختصري المسافةَ – أرجوكِ –

ببهجة أعلاكِ

وحاولي أن تغتالي المسافة – أرجوكِ –

بومضة أسفلك 

وتذكّري وأنتِ تشعلين قارّات جسدكِ السبع

ألاّ مرآة تستطيع معرفة لغاتكِ السبع

إلاّ مرآة عريي

ولامعنى يقوم لحرماني المجنون

إلاّ إذا وضعتِ رأسي فوق الرمح

وحملتهِ إلى جهاتِ الشمسِ الأربع

بعربتكِ السوداء التي تجرّها خيولُ الطغاة.

 

***************************

 

 نُشرت في مواقع عراق الكلمة والرافدين و الهدف الثقافي  بتاريخ 7 آب 2006

كما نُشرت في صحيفة العدالة العراقية بتأريخ 26  أيلول - سبتمبر 2006

  و نُشرت في كتاب "الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية"- إعداد وتقديم د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2007 - ص 143- 151

 

 


الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home