"شجرة الحروف" لأديب كمال الدين

شجرة أخرى في أتربة عالقة

 

 

 

 

 

 

عرض: عبد الغني فوزي - المغرب

 

   صدر مؤخراً عن دار أزمنة للنشر والتوزيع بعمّان (الأردن) ديوان شعري موسوم ب"شجرة الحروف" للشاعر العراقي المقيم في أستراليا: أديب كمال الدين ، وهو واحد من جيل السبعينات من القرن الماضي بالعراق، ومن أهم أصواته الذي تفرّد ببصمة خاصة في الكتابة الشعرية، تتخذ من الحرف والنقطة وثالثهما الصوت العميق قنوات تعبيرية لتمرير عنف تجربة امتدت رمزياً أكثر من ثلاثة عقود.

   يحتوي الديوان على أربعين قصيدة على مدار 126 صفحة من الحجم المتوسط، نذكر من عناوينها على سبيل التمثيل: "الزائر الأخير"، "قصيدتي الجديدة"، "القليل من التراب"، "قصيدتي الأزلية"، "بغداد بثياب الدم"، "ابحار"، "اكتشافات الحرف".

  ولعل مايثير في هذه العنونة هو اتخاذ الشاعر من الحرف مطية سفر استناداً إلى تجربة مطاردة ومحاصرة، تؤسس لتوقها وانعتاقها على أرض القصيدة التي تبحث عن مكان يليق بها في قلوب مغلقة وعالم لا يأبه للشعر.

   يقول الشاعر في قصيدة: "ابحار" ص 49:

 

عابراً تاريخه الذي لا ينتهي عند حدّ

كلّما أبحرَ الحرفُ باتجاه الذي أو التي أو الذين

وَجَدَ بانتظاره نقطةً غامضة

مليئةً بالشوقِ والندمِ والألم

وَجَدَ، واأسفاه، نقطةَ دم!

 

    تتعدد ثيمات هذا العمل الشعري، والتي يمكن إجمالها في الغربة والفقد في بعديهما الفردي والجماعي، عبر سردية تنبني على توصيف شعري، تتخلله حوارات على لسان المتكلم مما يخلق نَفَساً شعرياً مركّباً بين الغنائي المتشظّي والملحمي من خلال تصعيد درامي يجعل من النقطة نبعَ أمل بين جفاف مادي وروحي.

   تقول قصيدة: "ممتع، غريب، مدهش" في نفس الديوان:

 

* ما لون البحرِ أيها الشاعر؟

- السفن والنساء.

* وما لون الحريّة؟

- الخبز والملح.

* الخبز والملح؟

- نعم.

* ذلك طريف!

 

 

 

 

   الشاعر أديب كمال الدين مرّة أخرى، بعد سلسلة اصدراته الشعرية المعتصمة بالحرف والنقطة:"جيم 1989"، "نون 1993"، " النقطة 1999"، "ما قبل الحرف...ما بعد النقطة 2006"،...نراه يعود إلى الحروف والنقط، فاتحاً إياها على تحوّلات تاريخية سماتها الحرب والفقد، وأخرى ذاتية طبعها ذاك التدرّج أو التدرّوش على درج الحرف العالي دون الذوبان في مرجعيات تستند إلى الحرف في تشكيلها النظري (التصوف، الحروفية في الرسم..)،مؤسساً لحروفية أخرى غير دائرية، أعني منفتحة ومتفاعلة مع الحدث ومع اختلاجات التجربة وأفقها الرؤيوي.

 

واستمر الرأس يتدحرج

على الأرض

إلى أبد الآبدين.

 

 كما يقول أديب كمال الدين في شجرته وبها.

 

*****************

نُشرت في صحيفة المساء – المغرب في 2  يناير- كانون الثاني 2008

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home