أديب كمال الدين وعلامته الشعرية الفارقة

 

قوة الحدس والاستبصار في مغامرة أديب كمال الدين الحروفية

 

 

 

  عدنان حسين أحمد – لندن

 

  صدرَ عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت هذا العام كتاب نقدي بعنوان "الحروفي". وهو خلاصة لعدد كبير من الأبحاث والدراسات النقدية لثلاثة وثلاثين ناقداً عراقياً وعربياً. ولهذا فقد انضوى الكتاب تحت عنوان ثانوي مفاده " 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية ". غير أن مُعِّد الكتاب ومُقدِّمه الدكتور الفاضل مقداد رحيم لم يُشِر في العنوان الرئيسي حتى من طرف خفي إلى المقتطفات والمقتبسات الأربع والعشرين التي دبّجتها أقلام عراقية وعربية معروفة في الوسط الثقافي العربي. ويبدو أنه خشي من الوقوع في "مطب" المبالغة والتهويل على رغمٍ من أن عدد الذين كتبوا عن تجربة الشاعر أديب كمال الدين حتى لحظة إرسال المخطوطة إلى دار النشر قد بلغ " 57 " كاتباً. علماً بأن هناك عشرة نقاد في الأقل كتبوا عن مجموعته الشعرية الجديدة " شجرة الحروف " التي صدرت مؤخراً وبينهم الكاتب المتواضع لهذه السطور.

  قسّّم د. مقداد رحيم الكتاب إلى مقدمة وثمانية فصول جاءت على النحو الآتي: " التجربة الحروفية "، " ما قبل الحرف. . ما بعد النقطة "، " حاء "، " النقطة "، " أخبار المعنى "، " نون "، " جيم "، و " آراء ". وقد ارتأى المُعِّد أن يترك الكتاب من دون خاتمة. ويبدو أنه قد اكتفى بخلاصة الثيمات التي وردت في الفصل الثامن والأخير من الكتاب.

  قبل الخوض في تفاصيل الأبحاث والدراسات والنقود التي كُتبت عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية لا بد من الإشارة إلى بعض الآراء العامة التي قيلت بحق هذا الشاعر المثابر والدؤوب، وبحق شعريته العالية التي حفزّت نحو ستين ناقداً حتى الآن لأن يضعوا نصوصه ونتاجاته الشعرية على طاولة التشريح النقدي المنهجي، والنفسي، والتفكيكي، والفيلولوجي "ونعني به هنا فقه اللغة التاريخي والمقارَن" وما إلى ذلك من مناهج نقدية معروفة. فمن بين أهم الآراء النقدية التي قيلت في هذا المضمار أن هناك إتفاقاً بالإجماع على أن الحروفية هي إمتياز الشاعر أديب كمال الدين، وعلامته الفارقة التي نستطيع بواسطتها أن نفرده من حشد جيله السبعيني " بحسب التوصيف المرتبك للمجايلة في العراق ". كما أن هناك ما يشبه الإتفاق الضمني على أن كمال الدين قد أفاد من المرجعيات الدينية والصوفية والتراثية والأسطورية، وتمثّلها قبل أن يوظِّفها في أي نص من نصوصه الشعرية. فعملية الإنتقاء والتمثُّل عند كمال الدين تستغرق وقتاً ليس بالقصير. فما يهمه من المواجد الصوفية، على سبيل المثال لا الحصر، هو روحها وخلاصتها، أما القشور والتفاصيل الأُخرى فهو غير معنّي بها. وهذه الآلية تكاد تنطبق على كل الإحالات الأخرى في نصوصه والتي تشطح تارة باتجاه الخرافة أو الأسطورة، أو بإتجاه الموروث الشعبي أو الديني تارة أخرى. وربما تكشف لنا دراسة القاص والناقد فيصل عبد الحسن أهمية المنحى الديني، وحجم الفائدة، أو الإستلهام، أو "الإمتصاص  الإيجابي" من السور القرآنية الكريمة. ويبدو أن قرب الناقد من الشاعر أو صاحب أي عمل إبداعي آخر، يوفر له معطيات كثيرة تضيء التجربة، أو تدل عليها في الأقل. ولو لم نقرأ مقال فيصل عبد الحسن لما أُتيح لنا أن نعرف حجم إهتمام الشاعر كمال الدين بالقرآن الكريم، ومدى توغله في آياته السمحة. فإن خَتْم القرآن الكريم من قبل كمال الدين لثمانين مرة، كما ورد في مقال عبد الحسن، يكشف لنا حجم الإستغوار، وطبيعة التوغل في روح هذه الآيات البينات التي كانت بمثابة " نسغ صاعد " في أغلب قصائده، بل أن القارئ المتابع يندر أن يجد قصيدة شعرية لكمال الدين تخلو من الإحالة إلى القرآن الكريم أو مرجعياته الثقافية الأخرى، إضافة إلى الأساطير والخرافات التي إختلقتها الذاكرة الشعبية للناس. أما الرأي الثالث الذي يندرج ضمن الآراء العامة التي قيلت بحق الشاعر فهو إخلاصه التام لمشروعه الشعري الذي بدأ " غريباً وحَوْشياً " ليس على مجايلية أو المشهد الشعري العراقي حسب، وإنما حتى ضمن إطار المشهد الشعري العربي الذي لم يعرف شاعراً إنقطع إلى تجربته الشعرية بهذه الطريقة، وذهب بالمجازفة إلى أقصاها كما فعل الشاعر أديب كمال الدين مدفوعاً بصدق الحدْس، وقوة النبوءة التي تتوهج في أعماقه. هناك عشرات الآراء التي قيلت بحق تجربة كمال الدين، غير أن هذه المقدمة المبتسرة تهدف لتأشير المهيمنات الفكرية والنظرية التي أجمع عيلها فرسان هذا الكتاب النقدي المهم الذي يوفر لطلبة الدراسات العليا مادة سجالية صالحة للأطاريح الأدبية " الشعرية " منها على وجه التحديد.

 

قوة الاستبصار

 

  أتفِقْ تماماً مع د. ناظم عودة الذي وصف نص كمال الدين الشعري بأنه " رمزي وليس صوفياً " ( الحروفي، ص 27 ). فالرمز هو الذي يثري الصورة الشعرية، ويعمّق بنية النص بالكامل، وهو يفعل فعل الإستعارة والكناية والتورية والتشبيه، بعيداً عن الحس الزخرفي، والتزويق اللفظي، وما إلى ذلك من مُحسِّنات بديعية. فالنص الإبداعي الذي يتحرك في المستوى الواقعي يظل واقعياً ما لم نطعِّمه بالعناصر الإبداعية المُشار إليها سلفاً. وكمال الدين لا يريد لنصه أن يُثقل بالمهيمنات الصوفية، ولذلك فإنه أخذ من الصوفية بعض الحالات التي تشترط الشطح والتحليق، وهما حالتان مشتركتان بين الشعر والتصوف. أي أنه يأخذ من التصوف حالاته الشعرية ليطعِّم بها نصه الشعري. ولا عجب في أن يكون هذا الغصن المطعَّم غريباً ولافتاً للانتباه. وقوة الحدس أو الاستبصار هي التي دفعت أديب كمال الدين لملامسة أهمية الرمز في الصورة الشعرية، ودلالته على مستوى القصيدة برمتها. وتأكيداً لقوة الاستبصار لدى الشاعر كمال الدين سنتوقف عند رأي الشاعر عيسى حسن الياسري الذي وصف تجربة كمال الدين في الفصل الثاني من الكتاب بـ " المغامرة " لكنه تداركها بالوعي المعرفي والتجريبي الذي أنقذه من السقوط في فخ النمطية القاتلة حيث قال: " يواصل الشاعر أديب كمال الدين مغامرته الحروفية التي بدأها منذ مجموعتة الشعرية الثالثة " جيم " التي صدرت في بغداد عام 1989. والمدهش أن الشاعر لم يقع في نمطية يقوده إليها تكرار إستخداماته الحروفية التي إمتدت إلى أكثر من مجموعة شعرية. ولعل وعي الشاعر لتفاصيل مكونه التجريبي والمعرفي هو الذي منحه هذه الحصانة التي وقع فيها كثيرون غيره " (ص 99 ). يتفق أغلب النقاد والدارسين الذين تناولوا المجموعات الشعرية لأديب كمال الدين بأنه قد غامر في مشروعه الحروفي، وأن هذه المغامرة الشعرية، أو النزوة العابرة قد تنتهي نهاية غير محمودة العواقب، أو قد تقع، في الأقل، ضحية للقولبة والتنميط. غير أن " الوعي بتفاصيل مكوِّنه التجريبي والمعرفي" إضافة إلى حدسة الداخلي، ورؤيته الباطنية التي أسميناها بالاستبصار هي التي أمدته بالصبر والمطاولة في بناء هرمه الحروفي آجرّة آجرّة إلى أن تسامق كأثر شعري ماثل للعيان.

 

تلاقح اللون والصورة الشعرية

 

 إحتفى الفصل الثاني أيضاً بدراسة قيّمة للشاعر عبد الرزاق الربيعي الذي كتب عن تعانق الألوان أو تعاشقها، على الأرجح، في مجموعة " ما قبل الحرف . . ما بعد النقطة " والتي حضيت بتسع دراسات مهمة لا مجال للوقوف عندها جميعاً. إن ما يهمنا هنا هي الآصرة القوية التي تربط الشاعر بالفنان التشكيلي، فكلاهما يخلق بالنتيجة صورة، ولا فرق إن كانت شعرية أم تشكيلية. أشار الربيعي إلى " أن قراءة مجموعة " ما قبل الحرف. . ما بعد النقطة " للشاعر أديب كمال الدين يعني التجوال في حديقة مليئة بالألوان الباردة والحارة، الهادئة والوحشية، الصامتة والضاجة بفوضى الواقع وصخب العالم " ( ص 113 ). وعلى رغمٍ من أهمية الصورة الشعرية التشكيلية في قصيدة كمال الدين، إلا أن مشروعه الشعري أوسع من أن ينحصر في البنية اللونية أو التشكيلية عموماً. فثمة سرد قصصي، ودرامي، وصور فوتوغرافية، وسينمائية، وما إلى ذلك من تقنيات تشي برغبته الجدية في تحطيم الجدران القائمة بين الأجناس القولية وغير القولية. إن نصوص أديب كمال الدين المهجّنة والتي تعتمد على خلطة من الأجناس الأدبية والفنية المتنوعة هي التي دفعت الناقد خليل إبراهيم المشايخي لأن يقول عن قصيدة " أصدقائي الأوغاد والمنفيّون والسذّج ": " وأراني لا أبتعد عن قول الحقيقة لو قلت إن هذا النص يقف في مقدمة النصوص التي يمكن أن تدرج تحت عنوان " نصوص ما بعد الحداثة الشعرية العربية ". ( ص 120 ).

 

ما وراء التناص

 

  سننتخب من الفصل الثالث مقالة الدكتور عدنان الظاهر الموسومة " أديب وكليو باترا " والتي ركّز فيها على قصيدة " بانتظار أن تهبط حبيبتي " حيث عقد مقارنة بين هذا النص الشعري وبين كليوباترا في مسرحية شكسبير. كما أحالنا إلى قصيدة " الأرض اليباب " لتوماس إليوت. وفي مقال آخر له يقارن أيضاً بين هاملت أديب كمال الدين وبين هاملت " البياتي " و هاملت " نزار قباني ". وبعيداً عن فكرة التناص التي يلجأ إليها الكثير من المبدعين في حالات شتى للكشف عن مقترب مغاير، أو آلية جديدة في التعاطي مع نص سابق. غير أن ما يفعله كمال الدين هو نوع من التعالق النصي الذي ينبثق من فكرة مطروحة سابقاً لكنه ينحرف عنها أو يتقاطع معها كلياً بحيث لا يمكننا أن نرِّد " المتغيرات الجديدة " إلى النص الأصلي. ولعل أخطر ما فعله الشاعر أديب كمال الدين هو التعالقات النصية مع بعض الآيات القرآنية التي جنح بها صوب عوالم شعرية لا تضر بالآي القرآني، ولا تجرح قناعات المؤمنين بهذا الكتاب المقدس، أو تمس بالذات الآلهية على رغمٍ من أن إشتغال الإثنين في مساحة شعرية مشتركة.

 

تقنية التكرار الإيقاعي

 

  تتوفر مقالة الدكتور عبد الواحد محمد على قراءة مختلفة عن كل القراءآت الواردة في متن الكتاب. ومرّد ذلك إلى ثقافته الأجنبية، وإجادته للغة الإنكليزية. ولولاها لما صادفتنا هذه المفردات الإنكليزية المتداولة في الشعر الإنكليزي ومنها الـ " Anaphora " وتعني تكرار الكلمات أو العبارات الأولى في أبيات شعرية متعاقبة كما في القصيدة الآتية:

 

 " واأسفاه يا حروفي الغامضات

 واأسفاه يا نسائي الضائعات

 واأسفاه يا أقنعتي التي لا تكفّ عن فضحي

 واأسفاه  يا سنيني التي تلاحق بعضها بعضاً

 دون معنى أو بعض معنى

 واأسفاه  يا عُريي الذي يُحيط بي

 كما يحيط الجنود برجل أعزل. " ( النقطة، ص 23 ).

 

  أما الـ " Epistrophe " فهو تكرار للكلمة أو العبارة بشكل متعاقب في آخر بيتين شعريين أو أكثر كما في المثال التالي:

 

 " لستُ سوى طفل

  سقط في البحر. . بحر الحروف

  فغرق حتى بكته الحروف " ( النقطة، ص 24 ).

 

   أما الـ " Anadiplosis" فتعني تكرار الألفاظ أو الكلمات التي تقع في نهاية البيت الشعري، وإستعمالها مرة أخرى في بداية البيت الذي يليها كما يقول كمال الدين في المقطع التالي:

 

 " لا يزال اللقلق يحوم حول قلبي

  قلبي الذي صادره الموت والجوع والنار" ( النقطة، ص25 ).

 

  بقي أن نتوقف عند التكرار الإيقاعي الرابع والذي يُعرَف بـ " Symploce " ويعني تكرار الكلمات أو العبارات نفسها في بداية البيت الشعري وفي نهايته  كما في المقطع التالي:

 

 " حبيبتي تجيء كلّ يوم

 بألفها الذي يشبه ألفي

 وبيائها الذي يشبه يائي

 وبعذابها الذي يشبه عذابي " ( النقطة، ص107 ).

  وهو إستعمال متزامن للـ " Anaphora " و " Anadiplosis " في مكان واحد. وقد أضاف د. عبد الواحد نوعاً خامساً من التكرار الإيقاعي الذي يقع في وسط الجملة الشعرية كما في المقطع الآتي:

 

 " بعتُ اللاشيء مقابل طفولتي

 واللاجدوى مقابل صباي

 واللامعنى مقابل لذاتي

 واللامستقر مقابل جثتي " ( النقطة، ص 51 ).

 

  ولا شك في أن هذا النوع من الدراسات النقدية التي تعتمد على عُدة أجنبية هي الأقدر على تسليط الضوء على النتاجات الشعرية التي يكتبها شعراء عراقيون أو عرب يتمترسون خلف ثقافة أجنبية كما هو الحال مع الشاعر أديب كمال الدين الذي درس الترجمة بعد مدة غير قصيرة من تخرجه في كلية الإدارة والاقتصاد في بغداد.

 

بلاغة الغموض

 

  يمكن اعتبار دراسة الراحل واثق الدايني في الفصل الخامس من هذا الكتاب والمعنونة بـ "فلسفة المعنى بين النظم والتنظير" من الدراسات التنظيرية المهمة التي تعتمد على آلية غربية في تفكيك الخطاب الأدبي. إذ عالج بعض القصائد المُستلة من مجموعة " أخبار المعنى " إنطلاقاً من منظور المعنى، ومعنى المعنى، ومدلول اللامعنى " عبر إطار نظري تاريخي "عربي – إنكليزي " وحاول الوقوف على مدلولات اللامعنى التي تبدو غريبة وشاذة وتكاد تشبه في غرابتها مفردة "الغموض" التي لا تعني بالضرورة اللبس أو " نقيض  الوضوح" وإنما تنطوي على معانٍ بلاغية عميقة وشاملة من بينها " التورية " أو اللعب على الكلمات التي يمكن أن تحيل بسرعة إلى أكثر من معنى. وبحسب معجم أكسفورد فإن تعريف الغموض أو الـ " Ambiguity " هو " المعنى المزدوج " إضافة إلى حالة اللبس أو الشك أو المعنى غير المحسوم. فالغموض هنا سمة بلاغية وليس هدفاً للتعمية والإستغلاق.

   أما الفصل السادس من هذا الكتاب فقد ضم عدداً من الدراسات النقدية المهمة ولكنني أجد نفسي مضطراً للتوقف عند دراسة الناقد والشاعر وديع العبيدي الذي كتب مقالاً مهماً انضوى تحت عنوان استفهامي مفاده "النون: أي سرّ ينطوي تحت هلالك ونقطتك؟" وتتبع من خلال دراسته المستفيضة العلاقة الوطيدة بين الشعر والتاريخ. كما ربط بين تجربة الشاعر الأدبية وحياته الشخصية التي قسّمها إلى مراحل زمنية على أساس منجزه الشعري. كما توصل إلى أن "النون" هي الدالة الأكثر خصوبة في شعره لقابليتها على التشظي والانفجار وخلق عوالم جديدة لا سابق لها. كما توقف العبيدي في الفصل الأول عند جدلية " الجيم والحاء " حيث استدل إلى حقائق مثيرة ناجمة عن التلاقح الفذّ بين الذاتي والموضوعي. تجدر الإشارة إلى أهمية الدراسة التي دبجها ركن الدين يونس في الفصل السابع والتي تكشف عن مستوى التناص في قصائد الشاعر أديب كمال الدين، ودرجة الإمتصاص "الإيجابي" فيها.

  أما الفصل الثامن والأخير فهو أقرب إلى الشذرات الوامضة التي تؤشر على مواطن القوة الشعرية لدى أديب كمال الدين، ومستويات تألقه الدائم في كتابة النص الشعري الذي يستجيب لشروط الحداثة الأدبية التي تتماشى مع روح العصر، وتتقدم عليه في بعض الأحيان.

 

***********************

"الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية"- إعداد وتقديم د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2007

نُشرت في  الملحق الأسبوعي لصحيفة العرب اللندنية - 15 كانون أول- ديسمبر 2007

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home