خطاب الألف

شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 

الحيرةُ تلبّستْني

فلبستُها وخرجتُ إلى الشارعِ عارياً.

*

محبّتكِ تيّار

وأنا – الذي أكلني الحزنُ ولفظتني المأساةُ – غريق.

*

مِن العجيبِ أنْ أختاركِ أنتِ

مِن كلّ نساء العالم.

ربّما لأنّني أعرف أنّ اللقاء بك

يشبه امتطاء غيمة.

*

خرافاتكِ قيّدتْ دمي بالسِحْر

ولكي أحرّر دمي مما هو فيه

صرتُ ساحِراً.

*

نونكِ نار

وألفي سقطتْ في النار.

ولم تكن النارُ برداً يا حبيبتي

ولم تكنْ سلاماً.

*

طائركِ مُبْهَم

وطائري يجيدُ اللعبَ بالطينِ ورسمَ الحروف.

*

حُبّي ازدادَ ارتباكاً

وارتباكي ازدادَ حنيناً

وحنيني ازدادَ لوعةً

ولوعتي سبحتْ في الماء

تعرّتْ وتركتني أرتجف.

*

الموتُ لذيذ

لأنَّ المعنى كامن فيه

والحُبّ حامض

لأنَّ لقاءنا لم يتمّ منذ قرون.

*

كلّما أردتُ أنْ أقول: (أحبّك)

صفعني صمتُك.

*

يا نوني

أجلسُ أمامَ الكاف، كلّ يومٍ، درويشاً

أتمتمُ، أدعو وأهذي وأبكي

ثُمَّ أموت.

*

مِن العجيبِ أنْ يحُبّ هذا الألف

نوناً قاسيةً تجيدُ طعنَه

ومسحَ زئبقِ مرآته

والسخرية مِن حروفه الجالسة على شجرةِ الجنّ.

*

النونُ خرافةٌ ضيّقة

وأنا رجلٌ يبحثُ – باتساعٍ – عن الخرافات.

*

حرفي حرفٌ عجيب

يبحثُ في الماضي والمخبوء،

يبحثُ في الغيمةِ والشعاع،

يبحثُ في الظاهرِ والباطن

ويضيع فيكِ

كما يضيعُ الخاتمُ في البحر.

*

أيّتها الكاف

أريدُ نبأً، ماءً، طائراً، نوراً.

أريدُ

أتوسّلُ

أجثو

فانظري – أيّتها الكريمة – إلى كفّي الممدودة

بالطلاسم إليك.

*

حيرةُ ألفي

وطغيانُ نوني

صارا عنوانَ أصابعي وحروفي

ومرآب جنّتي وملائكتي.

*

المقطعُ فارغ

حتّى مِن الفراغ.

*

النقطةُ سيّدة

والهلالُ هلاك.

*

النقطةُ ضياع

والهلالُ ريح.

*

النقطةُ حُبّ

والهلالُ طوقٌ لا مهرب عنه.

*

النقطةُ أعجوبة

والهلالُ أضحوكة.

*

النقطةُ دم

والهلالُ جريح.

*

النقطةُ أنا المُطوّقُ بالخيبة

والهلالُ أنتِ سُوري وسجّاني.

*

النقطةُ موتي

والهلالُ حبيبي.

*

النقطةُ جنّية

والهلالُ تعويذة.

*

النقطةُ هروبٌ

والهلالُ صمتٌ مطبق.

*

النقطةُ بخور

والهلالُ رقصةُ السحَرَة.

*

النقطةُ غموض

والهلالُ طوطم.

*

النقطةُ آه

والهلالُ أوّاه.

*

النقطةُ خروج

والهلالُ طاعة.

*

النقطةُ عبث

والهلالُ سكّين.

*

النقطةُ دمعتُك

والهلالُ حاجبُك.

*

النقطةُ نجمتي

والهلالُ شاشةُ قلبي.

*

النقطةُ مُفاجأة

والهلالُ خَرْق.

*

النقطةُ تمرّد

والهلالُ لغم.

*

النقطةُ صومعة

والهلالُ جنون.

*

النقطةُ ذهب

والهلالُ طلقاتٌ وصرخاتٌ وسكاكين.

*

النقطةُ مظاهرة

والهلالُ قمع.

*

النقطةُ كأس

والهلالُ تحريم.

*

النقطةُ لذّة

والهلالُ شُبّاك.

*

النقطةُ سخف

والهلالُ فناء.

*

النقطةُ لهو

والهلالُ كتمان.

*

النقطةُ حبر

والهلالُ رسالةُ غدر.

*

النقطةُ طعنة

والهلالُ بطن.

*

النقطةُ ملاك

والهلالُ شيطان.

*

النقطةُ ملكٌ مُشَعْوذ

والهلالُ شعبٌ مَغلوب.

*

النقطةُ سطح

والهلالُ سرداب.

*

النقطةُ عقل

والهلالُ مستشفى مجانين.

*

النقطةُ رمز

والهلالُ معنى يجيدُ التستّر.

*

النقطةُ غيمة

والهلالُ نومٌ غامض.

*

النقطةُ دفقةٌ هائلة

والهلالُ دخولٌ لا يُصدّق

أنتظره حتّى الموت

وما بعد الموت.

*

النقطةُ تلطيف

والهلالُ بوحٌ جارف.

*

النقطةُ اعتراف

والهلالُ شوقٌ بعمقِ المحيط.

*

النقطةُ حلم

والهلالُ لذّة.

*

النقطةُ آه

والهلالُ اتصالٌ عظيم.

*

النقطةُ ربيعٌ مِن القُبُلات

والهلالُ زلزال.

*

كلّ الذين أحبُّهم

يعيشون على الأرضِ ولا يتذكّرون شيئاً.

ولذا أعطيهم كلَّ شيء

ولا أنتظرُ منهم شيئاً.

*

أنتِ غيمةٌ وروحُكِ شمسٌ.

وإنّي لأرى النورَ في الغيمة

فأضحك

وأرى الغيمةَ تتمرأى في الشمس

فأبكي.

*

أنتِ جالسةٌ في المابين.

الرحلةُ قصيرة

لكنّ توقّفات الباص لا تنتهي.

*

روحُكِ الطريّة كموعدِ حُبّ

تغرّبتْ

وتشرّقتْ

وعادتْ بحاء دون باء.

*

حرفكِ معنى

والدخول إليه يتطلّبُ الجلوسَ على شجرةِ المعنى

وعبور نهرِ الجن

وتحمّل صفعاتِ الشياطين.

*

فيكِ عينُ العشق

ونون محبّة المهيمن.

وفيكِ واو الوداعِ والوعيدِ والوعدِ والموعد.

*

يا لموسيقاكِ الغامضة

يا لطبولك

يا لكمانك

يا لدفوفك

يا لحضوركِ البهيّ.

*

أنتِ شاعرتي

أنتِ شينُ الشمسِ والشعاعِ والمشمش.

*

توقّفَ القلمُ عن الكتابة

فأعطيتُه دمَ قلبي مِن أجلك

فصارَ يتلو على الورقةِ الزرقاء

قصيدةَ الرقص.

*

دمُكِ ابتهال

وعطاؤكِ مزنة.

*

شمسُكِ تحومُ على الروحِ الليل كلّه.

*

في نونكِ جلستْ روحي ما بين الحروف

ووسط النقاط

تتأمّل

وتنجو

وتعلو

وتمحو

وتنأى.

*

وا أسفاه

رحلتنا قصيرة

وسائقُ السيارة مُصرٌّ – وهو مُحقّ –

على الوقوفِ فوق المنحدر.

*

لم أكنْ أعرفكِ

حتّى أشرقتْ روحي في غموضِك

وكشفَ ألفي عن نقطةِ نونكِ العارية

وولجَ في جحيمها الأسْوَد.

*

نقطتُكِ دعاء

وهلالُكِ عبادةٌ للأصنام.

*

نقطتُكِ شِعْر

وهلالُكِ إرادةٌ ملكية.

*

نقطتُكِ رفض

وهلالُكِ انقلاب.

*

أرسلتُ لكِ سينَ سليمان

حتّى تنشرح نونكِ وتكتمل.

*

لقاؤكِ مفاجأة أربعين عاماً مِن الغياب

ووداعكِ نجمةٌ تتهاوى في التراب.

*

لماذا أنتِ بكلّ هذه الجبليّة الغامضة

التي صيّرتْ مَن حولكِ سهولاً سهلة

كدراهم ممسوحة؟

*

لماذا أنتِ بكلّ حروفي الصعبة تتجلّين

وتتركين الآخرين

يعيشون في الهوامش والفوارز وعلاماتِ التعجب؟

*

نقطتُكِ حياة

وهلالُكِ جريمةُ قتل.

*

نقطتُكِ قُبْلة

وهلالُكِ إبحارٌ في القارّةِ الحامضة.

*

نقطتُكِ رفض

وهلالُكِ هرطقة.

*

نقطتُكِ دمعة

وهلالُكِ أغنيةٌ فيروزية.

*

نقطتُكِ جلوسٌ على حافّةِ السرير

وهلالُكِ بحثٌ عن الأعماق.

*

نقطتُكِ حلمٌ أخضر في حوصلةِ طير

وهلالُكِ ثعالب ومقالب.

*

نقطتُكِ فم

وهلالُكِ جسد.

*

نقطتُكِ دخولٌ في الدفء

وهلالُكِ آهات.

*

نقطتُكِ قصيدة

وهلالُكِ منشورٌ سرّيّ.

*

نقطتُكِ ولوج

وهلالُكِ استسلام.

*

نقطتُكِ ساعةُ صِفر

وهلالُكِ هجوم.

*

نقطتُكِ نبوءة

وهلالُكِ شِرْك.

*

نقطتُكِ زعل

وهلالُكِ عسل.

*

نقطتُكِ انتفاضة

وهلالكَ إذعان مُطلَق.

*

نقطتُكِ نار

وهلالُكِ سعير.

*

نقطتُكِ كمانُ جايكوفسكي

وهلالك عودُ فريد الأطرش!

*

نقطتُكِ مديح

وهلالُكِ دنانير ذهبيّة.

*

نقطتُكِ فمي

وهلالُك ألفي.

*

نقطتُكِ أمّي

وهلالُكِ أبي.

*

نقطتُكِ انتحاري

وهلالُكِ هروبي مِن البيت

باحثاً عن شمسِ طفولتي المسروقة.

*

نقطتُكِ صورتي وأنا أشي بك

وهلالُكِ تستّري بين الدهور.

*

نقطتُكِ مُثلّثي الأسْوَد

وهلالُكِ قوسي المذبوح.

*

نقطتُكِ فجوري

وهلالُكِ زهدي وتصوّفي وتألّهي.

*

نقطتُكِ خربَشَتي

وهلالُكِ مرثيّتي المُفضّلة.

*

نقطتُكِ عُرسي

وهلالُكِ مأتمي.

*

نقطتُكِ عيدي

وهلالُكِ عيديّتي.

*

نقطتُكِ ذُعري

وهلالُكِ أصابعي.

*

نقطتُكِ حديقتي

وهلالُكِ بُحيرتي.

*

نقطتُكِ خوفي

وهلالك خيالي.

*

نقطتُكِ جلوسي على العرش

وهلالُكِ استبدالي المدن الواحدة بالأخرى

كما يستبدلُ الميّتُ أكفانَه.

*

نقطتُكِ وحدتي الخضراء

وهلالُكِ زوّاركِ المُزعجون.

*

نقطتُكِ كأسي

وهلالُكِ ترياقي وحشيشتي.

*

نقطتُكِ حمامتي

وهلالُكِ لبوتي.

*

نقطتُكِ ثيابي المُمزّقة

وهلالُكِ زجاجُ روحي المُحطَّم.

*

نقطتُكِ فراغي

وهلالُكِ أشلاء أملي.

*

نقطتُكِ مملحتي

وهلالُكِ كبدي.

*

نقطتُكِ شتيمتي

وهلالُكِ فضيحتي.

*

نقطتُكِ خنسائي

وهلالُكِ حُطَيئتي.

*

نقطتُكِ دمائي

وهلالُكِ السكّين التي ذبحتني.

*

نقطتُكِ عُريي

وهلالُكِ عرائي.

*

نقطتُكِ قبري

وهلالُكِ قيامتي.

*

نقطتُكِ أملي القزم

وهلالُكِ ممرّاتكِ الملأى بالمُهرّجين.

*

نقطتُكِ جثّتي

وهلالُكِ موعدي الذي سحقتِه

كما تسحقُ الدبّابةُ طفلاً.

*

نقطتُكِ سأمي

وهلالُكِ وجوديتي.

*

نقطتُكِ دمي

وهلالُكِ أدويتي.

*

نقطتُكِ طفولتي

وهلالُكِ شيخوختي.

*

نقطتُكِ هزيمتي

وهلالُكِ اندحاري العظيم.

*

نقطتُكِ رسالتي

وهلالُكِ أتباعي الخونة!

*

الألف نائم

فإنْ ماتَ انتبه.

*

يجلسُ الألفُ في حضرةِ الإمبراطورة

طفلاً يلهو ويلعب.

والإمبراطورةُ تعاني مِن داءِ الكآبةِ والعظمةِ والغرور

والطفلُ ينتظرُ أنْ تتحوّل الإمبراطورةُ إلى غيمة

لتمطره أحلاماً ولُعَباً ومباهج.

*

أيّها الألف

كيف تفصحُ عن نفْسكَ وأنتَ مُدّثر

بكلّ هذا الالتباس؟

*

يا نوني

ها أنتِ كبرتِ وتعبت

وبدأتْ الأحلامُ تركضُ بعيداً عنك.

يا نقطتي وهلالي

لا مستقبل لكِ إلّا مع طفولة الصعلوك

وجنون الشاعر

ورؤية الصوفيّ

ووميض الرائي.

*

أيّتها القاسية

أيّتها الغامضة

حُبّنا بحاجةٍ إلى معجزةٍ ليولد

وإلى معجزتين لينمو

وإلى مائة معجزةٍ لينطفِئ.

*

يا نقطتي وهلالي

اخرجْي مِن عزلتكِ المُزّيفة وتقدّمي مِن الألف

كقصةٍ مِن قصصِ ألف ليلة وليلة.

*

ينبغي لي أنْ أشكر أولئك الذين اخترعوا الحروف

وأولئك الذين دمجوها فكانت الكتابة،

فلولاهم كيف يمكنني أنْ أعالج صواعق حُبّي؟

*

ينبغي أنْ أتعرّف إلى روحي

قبل أنْ أضيّعها الضياع الأخير

في حُبّكِ الذي يحيطُ بي

كما تحيطُ السباعُ بغزالٍ جريح .

*

كيفَ يمكن للناقدِ أنْ يفسّر نونَك

ويتعرّف إلى حرفكِ الوحيد

الذي هو أنا

وأنتِ محاطة بكلّ هذه القسوة

وأنا متلبّس بكلّ هذا الفناء؟

*

الماضي يحاصرني فأقولُ النون

والحاضرُ يحاصرني فأقولُ النون

والمستقبلُ فأقولُ النون.

لكنني حين فرشتُ رملَ النون

على سجّادةِ موتي رأيتُ النونَ غيمةً عظيمة.

*

الحُبّ هو الخسارةُ العظمى!

*

لو تركنا جسدينا يتحدّثان لدقائق

لقضيا على كلِّ انكساراتِ النونِ وهلْوَساتِ الألف،

ولألقيا القبض علينا بتهمةِ تضييعِ الوقت

في مناقشاتِ الحُبّ

دون دخولٍ مفيدٍ في المفيد!

*

أيّتها الإمبراطورة الصغيرة الضائعة

أخافُ عليكِ مِن خاتمةِ القصة

حين يكتشف الحبيبان

ألّا شيء وراء الستار

سوى شبح النسيان

وكلمات الوداع العرجاء.

*

وعدتني الكافُ بلقائكِ يا نون النأي

ولأنّ وعد الكاف حقّ ما بعده حقّ

فأنني فرحٌ بالانتظار،

رغم أنّ دمي يدمدم

وحروفي تسّاقطُ مِن نافذةِ القصيدة.

*

بعد قليل سأجلسُ قُبالة الكاف

وأشكرها على شمسِ لقائك

التي ومضت اليوم لي

فابتهجتُ كنبيّ أُوحِيَ إليه

ولم يُوحَ إليه بشيء!

*

يوماً ما سنصل إلى المفترق.

أتمنّى، يا نوني، أنْ يكون الموتُ حاضراً معنا

لينهي كلّ شيء بشمعه الأحمر.

*

أيّتها الجميلة كبحيرة

والضائعة كدمعةِ صوفيّ

أشكو لك نفْسي التي أفسدَها حُبُّك

والتي تقودني كلّ حين إلى ممرّاتكِ الغامضة.

فإن لم تجدكِ قادتني إلى قصيدةِ النون

التي خُلِقتْ مِن طين

فكانت سِحْراً وذهباً وغموضاً وسكاكين.

*

صرتُ مثل لاعب السيرك

ينبغي عليه أنْ يسير كلّ ليلة

على الحبلِ ذاته

بانتظارِ الموتِ أو النارِ أو التصفيقِ البليد.

*

في حلمي، البارحة، رأيتُ قلبي

وقد أُصيبَ بسهمٍ.

ولمّا استيقظتُ وجدتُ فراشي

وقد تحوّلَ إلى قطعةِ دم

وقلبي قد تحوّلَ إلى قطعةِ حلم.

*

قرّرتُ أنْ أنساكِ

فهربت الحروفُ مِن القاموس.

*

حُبّكِ قصيدة صودرتْ في وضحِ النهار.

ولدهشتي وارتباكي

لم أقدّمْ بلاغاً ضد أحد.

*

مَن يتأمل طويلاً في الحجر

لا يأمن أنْ يتحوّل إلى وثن.

*

سقطَ ألفي في الحيرة

حتّى مات.

*

قرّرتُ أنْ أنساكِ

فاكتشفتُ أننا قد رُبِطْنا

بحبلٍ مِن الأكاذيب

لا ينقطع.

*

وقرّرتُ أنْ أنساكِ

فاحتجّتْ عليَّ ساعاتُ يومي

وخرجت الدقائقُ في مظاهرةٍ حاشدة.

*

قرّرتُ أن أنساكِ

لأجد نفْسي

فاكتشفتُ ضياعي العظيم.

*

قرّرتُ أن أنساكِ

لأجد نفْسي

فاكتشفتُ أنني قد ضيّعتُ نفْسي

قبل اكتشاف النسيان.

*

كلّ امرأة أحببتُها منحتني شيئاً

إلّا أنتِ

بخلتِ عليَّ حتّى بالإشارة.

*

حُبّكِ شارعٌ غائمٌ ضائعٌ طويل

لا يؤدّي لشيء.

وحُبّي عصافير وشموسٌ وثيابٌ جديدة

وضحكات.

*

حُبّكِ فضيحة

وحُبّي جنون.

*

حبيبتي تحوّلتْ، منذ دهور، إلى دمعة

وحوّلتني، منذ دهور، إلى قصيدةِ ندمٍ عظمى.

*

لو كانَ هذا الكلام الذي قلتُه

قد قلتُه في حجرٍ لأنَّ،

ولو كانَ في بحرٍ لهاج واضطرب،

ولو كانَ في صحراء لعصفتْ وأعصرتْ،

لكنّه – وا أسفاه – كانَ فيك

فلم يحرّكْ فيكِ ساكناً

ولا مُتحرّكاً.

*

لغتُكِ ضاعتْ في الثرثرةِ والخوفِ والببغاوية

ولغتي ضاعتْ فيك.

*

المغنّي يتمنّى الصفاء

ويريد أن يقضي العمرَ مع حبيبته.

وأنا أريد أنْ أقضي معك

ساعة صفاء واحدة

أو دقيقة حُبّ واحدة

أو لحظة اطمئنان واحدة

أو ثانية مسرّة واحدة.

*

وا أسفاه

ألقيتُ بمَن أحبّني في البئر

وخرجتُ أستجدي ابتسامةَ الأموات.

*

سُحقاً لزمنٍ أحبّبتُكِ فيه

ووضعتُ جسدي الطيّب فيه

على المسامير والخشب.

*

أيّتها الكاف

أنقذيني مِن سطوةِ دمعتي

ومدّي لي يدَ الرجاء

لتنتشلني مِن مُحيطِ العبث

وثاءِ الثعلبة

وباءِ البلبلة

وتاءِ التيه.

*

مِن أجلكِ دخلتُ كهفَ الساحر

وصرتُ أتعلّم منه أنشودةَ الطين

وإشارات التمتمة

والتقاط الأزمنة.

*

ينبغي لي أنْ أعقد مؤتمراً

أدعو إليه قلبي وأصابعي وعيوني

وأدعو إليه أساطيري وخرافاتي وظنوني

وأدعو إليه أزمنتي وأباطيلي

ودفوفي وطبولي

وحروفي ونقاطي

لكي أفهم معنى الحاء

وأجلو مرآةَ الباء

وأطلق طائراً يربطُ الحاءَ بالباء،

فيحملني بعيداً بعيداً حيث لا موت ولا حياة

لا شمس ولا قمر

لا حاء ولا باء

لا أنا ولا أنتِ.

*

مِن أجلكِ صعدتُ راقصاً إلى دمي

ونزلتُ هابطاً بدمعي.

*

كيفَ يمكنني أنْ أجلو عنكِ

كلَّ هذا التأفف والعجرفة؟

وكيفَ يمكنني بعدها أنْ أحاوركِ

وأنتِ الخرساء بأعذب لسان

والصامتة بأجمل عينين؟

*

أنتِ طلقة الرحمة

التي توسّلتُ بكلّ الحروف

أن تطلقها عليَّ

فلم تفعلْ.

وتركتني أنزف

وأنزف

وأنزف.

*

أعلى فأعلى أيّها الطائر

أعلى

فأعلى أيّها الطائر

أعلى

أعلى

أعلى!

*

الموتُ ينتظرُ موتي

شيءٌ مؤسف!

*

الخرابُ ينتظرُ حياتي

كما ينتظرُ الميناءُ السفينة.

*

الغيمُ يبدّدُ روحي

ويسحقُها بسيّارته ذات الدخان الأسْوَد.

*

المحبّةُ داء

والعشقُ كيّ.

*

أيّتها الكاف

أحزاني ازدادتْ واتسعتْ

ومرآتي تهشّمتْ

ولغاتي سبقتني إلى المنافي

فبقيتُ كالأعمى بلا مكان.

*

روحي طفل

وطفلي راء.

واوي مشنقة

ومشنقتي حاء

وحائي ياء.

*

أيّتها الكاف

أطبقَ عليَّ الحزن

ورماني بالهمّ

فوقعتُ جريحاً

دمي الحروف

وصيحاتي الحروف.

*

حزني كبير

وبحرُكِ ضيّق.

*

صرتُ أكتبُ أشعاري وبابي مفتوح

لأنَّ أحزاني لم يعدْ يخيفها انفتاح الباب

أو دخول المُهرّجين.

*

جميلةٌ أنت

ومن يحُبّكِ ينتظرهُ الموتُ على الأقل.

*

وصلتُ إلى النهايةِ يا نوني

ولم أتذكّرك.

أين أنتِ: في بخلك

أم في حزنك

أم في مساحيقك؟

*

كلّ شيء اكتملَ يا حبيبتي

لم يبقَ سوى موسيقى الموت!

*

كلّ الحروف صمتتْ، ماتتْ، وامّحتْ

إلّا النون

أمسكتُ بها

فقالت: الفراقُ عنواني

والحرمانُ صندوق بريدي.

*

الكافُ هي المفتاح

كلّ يوم أتوسّل إليها

راكعاً ساجداً كي تنقذني

مِن جبالِ نفْسي ووديانها وممرّاتها الضيّقة.

*

لديَّ عصفوران

سأطلقُ واحداً

وأبكي على الآخر... الطليق!

*

أكلتُ الحاء، كانَ طعمها عسلاً.

وأكلتُ الباء، كانَ طعمها حنظلاً.

ولذا لم أستطعْ أنْ أحبّ كما ينبغي.

*

أنتِ خرافتي القادمة لتكتسحني

وتكتسح ذكراي.

*

الغيمةُ حاصرتني

فبحثتُ عن الشمسِ في كلّ مكان

لم أجدْها

إلّا في كفّي.

*

وا أسفاه

صرتُ أنتقلُ مِن حرفٍ إلى حرف

ومِن نارٍ إلى نار.

*

يا سيّدة النون

رفقاً بنفْسكِ، رفقاً بي

فلقد عبرتُ حاجزَ الخوف

وعبرتُ حاجزَ الحرمان.

إذن، لم يبقَ سوى حاجز الموت!

*
نقطتُكِ وسعتْ ثواني أيامي

وهلالُكِ وسعَ يقظتي ومنامي.

كيف، إذن، أفكّر فيكِ وأنتِ فيَّ؟

*

لأوّل مرّةٍ أنتبهُ إلى كنوزكِ التي تسير.

رأيتُها بحاجبي الذي يبصرُ الماوراء

ورأيتُكِ وقد رأيتِني وأنا أرى

فأسرعتْ كنوزكِ تتحرّك

في بهجةٍ وقلقٍ وغموضٍ عظيم.

*

وا أسفاه

كيف أستطيع أن أحبّكِ وأنتِ على هذا النحو:

قارب احتضنَ الشمسَ وأعلنَ أنّ الدنيا

بين يديه؟

وا أسفاه

كانَ كلامُ القاربِ صحيحاً!

*

يا سيّدة النون

أرجعتِ قلبي إلى الصبا

وأرجعتُ قلبكِ إلى الطفولة.

فوقفتُ ورأيتُ الذئب ينتظرُ طفولتي

والثعلب ينتظرُ صباك.

*

أفرحُ أنْ أكتب لكِ أو إليكِ أو عنك

حرفاً أو فارزةً أو نقطة.

أفرحُ وأعرفُ أنّ فرحي

لا يقودني إلّا إلى السعير.

*

كلمة منّي تفسدُ هدوءكِ المصطنع،

إشارة منكِ تلقي عليَّ القبض.

كلمة منّي تخدشُ زجاجَ روحك،

إشارة منكِ ترميني بالرصاص.

*

يا للهول

كيف يجسرُ الألفُ المُتصعلك

أنْ ينظرَ إلى إمبراطورةِ النون؟

*

حقّاً لا أعرفُ ماذا يحدثُ لنا:

أنا أسبحُ في بحرٍ لا أعرفه ولم أره مِن قبل،

وأنتِ تسبحين في شيء لا تعرفينه:

أهو ماء أم رمل أم هواء!

*

أيّتها الكاف

لا ملجأ إلّا إليك.

أنتِ ألقيتِ في قلبي محبّةَ النون

فاحرقي النونَ بمحبّتي

أو قودينا – وأنتِ الرحيمة – إلى أعالي الأنهار.

*

كلّ ليلة أقفُ أمامكِ أيّتها الكاف

لأعلن لكِ نشيدَ دعائي هذا

وبمجرّد أنْ أضع القلمَ على المنضدة

سأقومُ أمامكِ لأنزع عنيّ قلادةَ الوسواسِ وقلادة الحرمان

وأبكي كصوفيّ عرفَ الخلاص

ففرحَ وفرحَ وفرحَ حتّى أرداهُ الموتُ عاشقاً

عرفَ الخلاص: أن لا خلاص!

*

مِن جديدٍ أقفُ أمام بوّابة الموت

لأعلن أنّ اسمها بوّابة الحُبّ.

أصرخُ باتباعي فأراهم يؤيدونني مُشفقين

ويبتسمون لي مُشجّعين وهم يرون صرخاتي

تسقطُ على الأرضِ طيوراً ميّتة

وحين أرفعُ بصري إلى الأعلى

يستغلُّ أتباعي الفرصةَ فيبكون.

*

في يقظتي أو منامي

ألوذُ بالهلالِ فأراهُ جاهلاً، صلداً

بل أراه جلفاً

وأصعدُ إلى النقطةِ فإذا هي ماس

يجرحُ كلَّ شيء حتّى نفْسه.

*

أنا سيّدُ الألم

وسيّدُ الذين سكنوا في لحاءِ الحرف

وجلسوا يتأمّلون في غموضه الأعظم

حتّى سقطتْ عليهم الشمسُ مِن علٍ

وكنستهم ريحُ الفناءِ التي تكنسُ كلَّ شيء.

*

سنموتُ عمّا قريب

ونحن نبكي على رغباتنا التي تحوّلتْ إلى أشباح

وعلى أشباحنا الذين تحوّلوا إلينا.

*

أيّتها القريبة جداً

أيّتها البعيدة جداً

أقلقني القاف،

دمّرني الحاء،

أربكني صوتُكِ القادم في النون.

فانتبهي

أنتِ بالسفينة الضائعة أشبه!

وأنا أتلمّسُ رحلتَكِ بين الصخور

فأرى الدمَ يسيلُ بين أصابعي.

*

أيّتها المُتجبّرة،

أيّتها الضائعة في نفْسها وفصولها وعذاباتها،

نقطتُكِ عند الباب فهل أسمح لها بالدخول؟

*

لماذا أيّها الهلال الصلف

يعيدنا الحُبّ إلى الطفولة

بسرعةِ البرق؟

*

مِن الغريبِ أنْ أحبّكِ

أنا الإله الميّت.

*

أحبّكِ، أحبّكِ، أحبّك

كلمة تعني كلّ شيء إلّا الموت.

*

وا أسفاه

لا أعرف أن اختار أيَّ شيء.

الشيء الوحيد الذي أختاره جيداً هو موتي.

*

وا أسفاه

الشاعرُ نسي نفْسه

فوقع في بئرِ الحُبّ.

لم يجدْ مَن ينقذه،

لم يجدْ مَن يخرجه،

لم يجدْ مَن يرثيه

إلّا دلو الكلمات.

*

أيّتها المصطنعة

في حركاتها وسكناتها،

في ألفاظها وإشاراتها،

في أثوبها وألوانها،

أتتْ إليكِ البراءةُ طوفاناً هادراً

علّها تزيلُ عنكِ لغتكِ المُلفَّقَة.

*

لا شيء سوى الكاف

لا شيء سوى الميم.

فالحمد للأولى

والسلام على الثانية

وأنا بينهما امرأةٌ ضيّعتْ وحيدَها،

طالبٌ ضُبِطَ وهو يغشّ،

نهرٌ جفَّ في دورته الأخيرة،

شيخٌ تُقَطّر في فمه الأدرد آخر قطراتِ الماء،

ألفٌ ينتظرُ مِن الكافِ الرحيمة أنْ تقول: كنْ!

*

(وا أسفاه)

كلمةٌ تكسّرتْ بهدوء

فرأيتُ الواو تنأى عني،

والسين تسوّفُ أزمنتي،

الهاء تنظرُ إليَّ دون ملامح

والفاء تجلدني بالسياط

وتضعُ على جراح ظهري الفلفل

والنقطة تسخرُ منّي في ألمٍ عظيم.

*

تقولُ لي الألف: ما الذي تفعله بنفْسكَ أيّها المسكين؟

وتقولُ الواو: حذارِ النار!

تقولُ الراء: أنا سرّ النار!

وتقولُ النون: أنا الغموض والهروب!

وتقولُ الكاف: النون لكَ ولكنْ بعد حين!

*

فمتى يأتي هذا الحين؟

أهو بعد أربعين يوماً

أو بعد سنة أو سبع شداد

أو بعد أن أقع في اللاجدوى

وتقعين يا حبيبتي في المأساة؟

وعدُ الكافِ حقّ ولو تحقق بعد الموت!

*

مِن أجلكِ سأطلبُ في احتفالٍ عام

إضافةَ ألف حرف جديد إلى الأبجدية

لكي أستطيع أنْ أصفكِ فقط.

*

(أحبّكِ)

كلمةٌ تجلسني فوق التل.

لكنْ حين أذكر حرفَكِ بعدها

أجد على الدوام

مَن يدفعني لأهبط مِن وادٍ إلى واد.

*

أنا فرحٌ

لأنَّ جنوني تمَّ بين يديك!

*

الموتُ ينتظرُنا

فلا بأس أنْ نقضي العمرَ بحكايةِ حُبّ

أو قصيدة حُبّ

أو موعد حُبّ

حتّى يجيء موعد الموت.

*

في حُبّكِ أحببتُ النون

وتشبيهاته: الهلال والنقطة.

في حُبّكِ أحببتُ النهايةَ التي تنتظرنا

والتي لا يكفُّ لسانُكِ العذب عن التلويحِ بها.

في حُبّكِ أحببتُ الصعلوكَ والإمبراطورة

فبكيتُ على الأول الذي هو أنا

ومدحتُ الثاني الذي هو أنت.

في حُبّكِ صرتُ عبداً بعد أنْ كنتُ سيّداً

وطفلاً بعد أنْ كنتُ شيخاً

ونقطةً بعد أنْ كنتُ حرفاً.

ومع ذلك

فقد بقيتُ أحبّكِ

وأحبّكِ

وأحبّكِ

حتّى تحوّل قلبي إلى شمسٍ مِن الحروف.

*

أنتِ الشمس عالية في الأقاصي

وأنا البئر ممتدة في الأعماق.

أنتِ تمنحين الدفء

وأنا أمنحُ الحنان.

أنتِ تعطين النور

وأنا أعطي الأسرار.

أنتِ تشرقين وتغيبين

وأنا ثابتٌ لا أتزحزح.

*

كلّ يوم أتوقع أن تقولي: (أحبّكَ)

وكل يوم أتوقع أن تقولي: (وداعاً).

وبين الاثنين يتقدّمُ قلبي ويتأخّر،

يضيعُ ويتأوّه،

يبكي ويضحك،

يدمدمُ ويصفر،

يصيحُ ويصمت،

يغادرُ ويسكن،

يهذي ويتلو.

*

تعالي نغسل أخطاءكِ وأخطائي في نهرِ الحُبّ.

تعالي فهذه الأخطاء تشبهُ أطفالنا الطيّبين!

*

صارت القصيدةُ أكثر حناناً منك

فهي تقبّلني بين عيني كلّما جئتها باكياً مِن حُبّك

وتجلسني قبالتها كلّما شكوتُ لها

قسوةَ هلالكِ وجبروت نقطتك.

وأحيانا تخرجُ القصيدةُ مِن هيبتِها

فتغنّي لي، وتضحكُ، بل تتعرّى

وترقص!

*

مَن يحرّرني مِن حُبّكِ؟

أصرخُ حين أرى بخلكِ الأسطوريّ

وأخاف أنْ يأتي مَن يستطيع

أن يحرّرني مِن سجني السعيد!

*

إذا ضاعت النونُ منّي ذات يوم

فمَن الذي سألتجئ إليه؟

سألتُ الأبجديةَ جميعها حرفاً حرفاً

فلم تعطني جواباً شافياً

إلّا النقطة باركتْني

وقالتْ: إذا خانت النون فعليكَ بي

أنا نقطتها

أنا سرّتها

أنا فحواها

أنا ذكراها الضائعة.

*

ستسقطين ذاتَ يوم مِن أعالي صمتكِ يا حبيبتي

وتتدحرجين إليّ

لتجدي حرفي

ناسكاً هنديّاً ضيّعَ سبعةَ قرون مِن عمره

فَرِحاً يتأمّلُ نقطةَ نونكِ القاسية.

*

لماذا نخاف الحُبّ؟

سألتُ الهلالَ فانزوى

وسألتُ النقطةَ فاحرنجمتْ وامّحتْ

ثُمَّ سألتُ النونَ كلّها فاهتدتْ إلى الغموض

وعشّشتْ فيه.

وكدتُ أنْ أسأل اسمَكِ كلّه هذا السؤال

فخفتُ عليه مِن صاعقةِ العذاب.

*

أيّتها الإمبراطورة

البارحة قدّمَ الشاعرُ لذكراكِ المُحلّاة بالطلاسم

قصيدته الجديدة ممهورةً بدمه،

مرسومةً بحروفه وألغازه وأساطيره.

وبقي ينتظرُ وينتظرُ قرب ممرّاتكِ الغامضة

علّكِ تخرجين مِن عرشكِ الذي حجبَ عنكِ الرؤيا

وحجبَ، عن الشاعرِ، الهواء.

*

ها أنذا أسارعُ لكتابةِ قصائدي الأخيرة

عن إمبراطورتي القاسية

لأنّني أتوقّع بين لحظة وأخرى

ألّا تجدّد الإمبراطورة إقامتي المزيّفة قرب ممرّاتها.

حينها يتعيّن عليَّ أنْ أركب البحر

بحثاً عن ملاذٍ مُزيّفٍ جديد.

*

وا أسفاه

لا أعرف أنْ أبني بيتاً إلّا مِن الرمال

ولا أعرف أنْ أعشق امرأة

إلّا التي تحوّلتْ إلى قطعةِ ضياع

أو حرفِ اندحار

أو مدينةِ عبثٍ رائعة.

*

ربّما لم يعدْ لحضوركِ أو غيابكِ عندي

إشارة محرقة

فلقد تحوّلتِ، يا نوني، إلى رمز

تحتفلُ قصائدي به كلّ ليلة حتّى الفجر

حتّى أجد حروفي سكارى وما هي بسكارى.

 

 

 

*********************************

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home