قراءة في قصيدة : إشارات التوحيدي

النص الغائب/ الحاضر

 

 

 

 

 ركن الدين يونس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   إنّ كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثرة من نصوص أخرى. إذ لابدّ من مقولة نتخذها مدخلاً لتحديد هدف قراءتنا واتجاهها هذا أولاً وثانياً للتفريق بين قراءتين، الأولى: تراثية تعمل على رصد التضمين والاقتباس والسرقات الشعرية والتأثير والتأثر، والثانية: حديثة تستند إلى تأشير مستوى (التناص) المصطلح الحديث الاستخدام نسبياً في الدراسات النقدية العربية، لاسيما الأكاديمية منها، وبذا نكون قد أوضحنا للقارئ المنهج الذي اخترناه لإعانتنا على إضاءة النص واكتشاف المجال الذي يشتغل فيه، فضلاً عن أننا أحلناه إلى الفضاء الذي نريد لنورد قناعاتنا وملاحظاتنا فيما يخصّ النص دون العودة إلى هوامش وشروحات.

   إنّ قراءتنا لهذا النص: (إشارات التوحيدي) دون غيره من نصوص المجموعة، قد بـُنيت على ما يحمله من خصوصية،  نستطيع تلمّسها على الغلاف الأول للمجموعة الشعرية (جيم). فهو النص الذي استثمر الشاعر أديب كمال الدين المقطع الأول منه في تكوين صورة الغلاف، فضلاً عن العنونة وبذلك وضعه موضع المرادف المفسر، المزدوج الفائدة، للعنونة (جيم)  ولما بين الغلافين من نصوص، أي انه مفتاح لما احتوته المجموعة من نصوص، وهو مفتاح أيضاً للكشف عما أنبنت عليه تجربة الشاعر في هذه المجموعة بشكل خاص وتجربته في المجاميع الأخرى التي أنتجها الشاعر، في مستوى استعارته للصيغ الحروفية، ومستوى آخر أكثر اهمية بالنسبة لنا هنا، رغم أنّ السياق القرآني متوفرعلى الحروفيات ولكن محاولة  استثمار الشاعر لها كانت في نصوص أخرى وأقصد بالمستوى الآخر: البنية القرآنية التي استثمرها الشاعر في أقصى حالاتها، مرّة لتكثيف صورته الشعرية و مرّة للتعبيرعن موقفه الوجودي ومرّة لأسباب جمالية شكلية وأخرى تشكيلية اقتضتها الضرورة لايضاح النص والكشف عن مكنوناته. لنعد إلى تعريف (التناص) الذي ثبتناه في بداية  تناولنا لنكون صورة دقيقة عنه  بتفكيكه  وتفسيره  ولنتوقف عند كلمة (امتصاص) وكلمة (تحويل) اللتين يشتغل  في أراضيهما النص ونفسرهما،  بتعريف أورده محمد بنيس في كتابه (ظاهرة  الشعر المعاصر في المغرب. (فالامتصاص، يأتي كمرحلة أولى في قراءة  النص الغائب. وهو القانون الذي ينطلق أساساً من الإقرار بأهمية هذا النص وقداسته فيتعامل معه كحركة وتحوّل لا ينفيان الأصل بل يساهمان في استمراره كجوهر. ومعنى الامتصاص لايجمّد النص الغائب و لاينقده بل يعيد صوغه فقط وفق متطلبات تاريخية وبذلك يستمر النص غائباً غير ممحو ويحيا  بدل أن يموت).  فالنص الغائب في النص المتناص يمتص و يتحول و يذوب ذوباناً كلياً ولا يعود له إلاّ وجود إيحائي فالنص الغائب إذن هو الذي دفعنا إلى قراءته بهذه الطريقة  وما النص الغائب الذي انبنت عليه تجربة الشاعر أديب كمال الدين في قصيدته: (إشارات التوحيدي) إلاّ (النص القرآني) وهذا ما سنلحظه بقوة في الأمثلة  التي سنورد. فقد استطاع (الشاعر) أن  يتزوّد من السياق القرآني ما يساعده على الارتقاء بتجربته بتجاوزه لمشكلة التعبير والفرادة والمغايرة ليفتح لنفسه آفاقاً خاصة  به يحلّق فيها متى ما أراد ذلك مرهون بمعرفته للنص الغائب (القرآن الكريم) وحبّه له وتمكنه من لغته. مما جعله يمتلك دون أقرانه أداةً  يتميز بها عنهم خاصة وانّ مكونات الفرد الثقافية والنشأة والبيئة من العوامل المهمة التي تساهم بدور كبير في تكوين الصوت الشعري. فلكلّ شاعر خطابه الخاص به وأسلوبه وطريقة أدائه. فكان لما أسلفنا الفضل في إزاحة  الشاعر إلى منطقة (النص الغائب/ القرآن الكريم) فهو بمعرفته لهذا النص، وحبه له استطاع استثماره بإنتاجه المبدع بالكشف لنا عن صياغات جديدة ولغة غير مستهلكة وعوالم لم نكن لنحلم بها كما في هذا المقطع من (إشارة الفجر ص 7).

 

لو أنزلنا هذا الفجرَ المحمومَ على جبلٍ للغيرةِ والشمسِ

لرأيتَ الماءَ سعيداً والطيرَ يغنّي شيئاً

عن ذاكرةِ العشب.

 فهي مغامرة كبرى لشاعر غيره لايمتلك أدواته التي أشرنا إليها لما للنص الغائب المتناص معه من حضور يصل حد الشيوع. وهذا  أمر يُحسب له لاسيما إنه يشير بقوة إلى النص الغائب ولاينفيه، وهذه السمة ميّزت تجربته لما لهذا الشكل من خطورة تتجلّى في إمكانية تحوّل النص الشعري المتناص إلى نص تأويلي وبذلك لن يكون بينه وبين تأويل القرآن بالشكل السردي القصصي الذي حاوله المؤولون السابقون أيّ تباين. وهذا ما لا يقع تحت التعريف الذي سقناه (التناص) ومالم نعثرعليه في نص (إشارات التوحيدي) وما وجدناه فعلاً، فضلاً عما ورد، صيغةً متقدمةً بالاداء، وأشكالاً في أضعف حالاتها تصلح أن تكون تعليمية وإشارات إلى الرمز القرآني بالشكل الذي يؤكد جمالية الرؤية وتماسك البناء. وتلك لعمري نتيجة مهمة، استناداً إليها استطاع الشاعر أديب كمال الدين أن يخلق رمزه الخاص به باستعارته للمفردة (الآيوية: نسبة إلى الآية) أو باستدعائه للايقاع القرآني بلغة تحاكيه وصياغة تحتفي به وإن لم تبلغه محاولةً منه لنقل أكبر قدر من الأحاسيس والمشاعر وشحن لغته بها ويظهر ذلك في مقطع ثانٍ من: إشارة الفجر ص7 

لو أنزلنا هذا الفجرَ الأسْوَد

وعلى وطنٍ للحُبّ

لرأيتَ الزهرَ الدافئ ينمو، يلتفُّ على الجسدين وحيداً

ويمشّط ُ شَعْرَ القلبْ

   وهنا يمكن أن نلمس صدى الآية الكريمة: (بسم الله الرحمن الرحيم) (لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشيةِ الله) صدق الله العظيم. فقد استدعى الشاعر صيغة من الآية (لو أنزلنا) وصيغة أخرى (لرأيته) بعد حذفه الهاء لتصبح في المقطع (لرأيت) فكان المقطع يرتدي حلةً من الإيقاع القرآني لسورة الحشر مزهواً بها غير متقاطع معها مغايراً لها في المضمون غير ناقد وهو بذلك (أي الشاعر) حقق وصولاً سريعاً إلى المتلقي كون الأخير تسلّم مفتاح النص من علاقة متحققة أصلاً مع النص الغائب: الحاضر في النص الشعري. وبذلك أيضا استطاع الشاعر بثّ ما يريد بثه من خلال الصيغ التي استعارها معتمداً  في ذلك على نفس العلاقة التي أصبحت في ما بعد عاملاً مشتركاً بين طرفي القراءة/ المنتج/ والمتلقي.

ولننظر إلى مقطع (إشارة الرؤيا)  ص 18 من المجموعة: 

 

الرحمن

خَلَقَ الإنسانْ

علّمه ما لم يعلمْ..

علّمه ما كانَ يكون

ما لم يكُ في الحسبانْ.

 

 يحيلنا هذا المقطع منذ ابتدائه باسم من أسماء الله الحسنى (الرحمن) إلى ملاحظتين مهمتين أولاهما وبشكل لايقبل الشك أنه مبني على تناصه مع (سورة الرحمن ـ  الآية رقم  1) وهو ما يثبت ملاحظاتنا بشأن إعلان الشاعر عن مصادره  المتناصص معها وابتداء من غلاف المجموعة (جيم). والملاحظة الثانية إن الشاعر في هذا المقطع متوافق تماماً مع ماجاء بنص (سورة الرحمن). حتّى كاد يخرج بشعريته إلى دائرة التأويل لولا أن ذلك منفي بالسطر الذي يلي هذا المقطع مباشرة بقوله (المأساةُ اتسعتْ، مَن لي يا ذاكرةً خربة) وهو هنا في (إشارة الرؤيا) اذ يستدعي صيغتين من صيغ النص الغائب (فضلاً عن لفظ الرحمن)، صيغة (خلق الإنسان وعلّمه البيان) والأخيرة هي التي يحاول تأويلها لنا بـ(علّمه ما لم يعلم.. علّمه ما كان يكون.. ما لم يك في الحسبان) والعبارة الأخيرة من المقطع حملت معها صيغة رابعة على شكل مفردة لا يمكن ارجاعها من خلال السياق الذي وردت فيه إلاّ  إلى (سورة الرحمن ـ قرآن  كريم) وبالتحديد الآية  القرآنية (الشمس والقمر بحسبان) وكما نرى هنا جاءت الاستعارة محاولة من الشاعر لتكثيف الصورة الشعرية  باستدعائه للآية الكريمة على مستوى عال من الوعي بالحالة التي بثها النص بدوره على شكل صورة شعرية جديدة مختلفة عن ورودها داخل النص: الأصل.

  من خلال قراءتنا نتوصل إلى أنّ النص الغائب يتجلى واضحاً في (إشارات التوحيدي) من خلال احتفاء الشاعر به وامتصاصه له مستعيناً به لاضاءة عتمة نصه أحياناً وأحياناً أخرى لشحنه بما هو جديد ومغاير باستدعائه مفردات وصيغ تميز بها النص الغائب ليشكل منها شذرات كان لابد من وجودها حتّى تكتمل تجربة الشاعر بتجلياتها وجمالياتها،  ومن تلك الصيغ المستدعاة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان) (آية من سورة الرحمن).

 

 

نص القصيدة : إشارات التوحيدي

شعر: أديب كمال الدين

 

 

إشارة الفجر

*********

لو أنزلنا هذا الفجرَ المحمومَ على جبلٍ للغيرةِ والشمسِ

لرأيتَ الماءَ سعيداً والطيرَ يغنّي شيئاً

عن ذاكرةِ العشب.

لو أنزلنا هذا الفجرَ الأسْوَد

وعلى وطنٍ للحُبّ

لرأيتَ الزهرَ الدافئ ينمو، يلتفُّ على الجسدين وحيداً

ويمشّط ُ شَعْرَ القلبْ

بأصابع من ندمٍ أخضر

ويمشّطُ شَعْرَ القُبُلات

بأصابع من بلّورٍ أزرق.

لو أنزلنا هذا الفجرَ المسجونَ على أرضٍ

لا تنمو فيها الخيبةُ والصحراءْ

لرأيتَ الحرفَ عجيباً يحكي برنينِ الماء

عن خفْقِ الحُبّ وفاكهةِ الله.

 

إشارة الشكوى

*********

ليس كَمِثلي إنْ أرادَ البكاءْ

أنهارُ بحرٍ أُطفِئتْ في رمادْ

أو شجرٌ ممتلئٌ بالثمرِ الناضجِ قد

ضُيّع وَسْطَ الوهادْ

أو وردةٌ موعودةٌ بالحُبّ قد أُحْرِقَتْ

أو قُبْلةٌ قد حُوصرتْ

مثل بريءٍ يُقادْ

بين صهيلِ الحرابْ.

ليسَ كَمِثلي إنْ أرادَ الرّحيلْ

كثبانُ رملٍ تختفي في رياحْ.

 

إشارة المدن

*********

مُدُنٌ: مأوى لرغيفٍ مُحْتضرٍ

ورغيفٍ مغموسٍ بالشهدْ،

مأوى للكوخِ المهدومِ، القصرِ الملآنْ

بالمرمرِ والغلمانْ،

مأوى لشوارعَ قد سُقِيتْ بالرغبةْ،

لسيوفٍ تخفي جسدَ امرأةٍ من دُرٍّ ملتهبٍ..

تترجلُّ من هودجها الأسْوَد.

 

مُدُنٌ: مأوى للسّراقِ، الشرطةْ

للشحّاذين، الخيلِ، البقّالينْ

مأوى لنساءٍ شَبِقاتٍ،

أطفالٍ ضاعوا، أرصفةٍ لا تحوي إلّا غُرباء.

 

إشارة التهويمات

***********

هَوّمتُ، إذنْ، في صحراءِ الله.

هَوّمتُ، معي خطوات دمي

وزُجاجات الفجر الثكْلى.

هَوّمتُ، أنا روحُ العشبِ

عنقُ العُصفورِ وذاكرةُ التُفّاحْ،

وجعُ الطين ِالأسْوَد

لأمنّي الروحَ بأرضٍ تُؤوي جذري المنفيّ..

لَعلّي أَلقى مَنْ سَمّاها

مَنْ قالَ لذاكرة ِالتُفّاحْ:

كوني... كانتْ شجراً محترقاً يلتفُّ على الماءْ. 

لا ماءْ!

 

إشارة السؤال

********

قَلبٌ يُدْهُشهُ الماءُ ويغريه العُشب

قلبٌ مِن ورق الرغبةْ

يتساءلُ عن جسدِ العمر المجنونْ

لِمَ يأتي أو يرحل؟

ولماذا تبدو الدنيا عند الحُرّاس

حُلماً يهمي كالماءِ الهادئ في ساقيةٍ مُعشبةٍ

ملأى باللؤلؤ والمرجانْ؟

... تبدو عند الناس

كدراهم تُلْقى في النهرِ الجارف،

ذكرى لكؤوسٍ قد مُلِئتْ بالريحْ؟

 

 إشارة الهزيمة

**********

 (الصوت):

 

أأبا حيّانْ

من بعدِ ليالٍ معدودةْ

ستفارقُ هذي المعمورةْ

فَتنـّبـهْ!

فالعمرُ بهِ شيء ظلّ.

أعطهْ

ما يسكنُ فيهْ:

جسداً يطربه أو ثوباً يلتفُّ عليهْ.

صفحاتٍ تكتبُها وتنادي فيها العُقبانْ

بعصافير الغدرانْ.

أأبا حيّانْ

كنْ

رجُلَ الذهبِ المتناثرِ والغلمان المسرورينْ!

 

 

(التوحيديّ):

 

آهٍ  يكفي

فأنا رجلٌ أدّبتُ لساني..

حتّى استخفى في الصمتِ

بقناعِ نبيّ.

 

إشارة الموت

********

المـوتْ!

ضيفٌ مهذارْ

ضيفٌ لم يدعَ إلى شيءٍ، لكنّي الليلةَ أدعوه

لبقايا جسدٍ معطوبٍ، أدعوهْ

لزمان ما عَرفتْ أشجارُ الروح ِ به إلّا

أوراق دمٍ وزعانف من ألمٍ أزرق

عرفتْ عيناي به، عبثاً، ثوبَ الملكوتْ.

فأغمغمُ محموماً من كأسٍ..

تتحدّثُ عن أزهارٍ تطلعُ صابرةً من بين القضبانْ

ويعربدُ في قلبي الجوع.

  

 إشارة الحريق

**********

احترقي تهويمة الروح وفجر الكلماتْ. 

احترقي. ماذا جنيتُ من هوانا الضائعِ المضطربِ

إلّا دموعاً تغتدي كوردةٍ من لهبِ

أو حسرةً ما تنتهي؟

غادرة أنتِ إذنْ

بل هزأة: "مستفعلن" سيّدتي!

 

هيّا ارقصي يا نارُ يا بحرَ الشواظْ،

أصابعي ومعصمي

في قلبكِ المقدّدِ.

هيّا ارقصي وهيّئي مائدةً بكأسها المزدهرِ

من جسدي المحترقِ.

 

إشارة الرؤيا

********

1.

الرحمن

خَلَقَ الإنسانْ

علّمه ما لم يعلمْ..

علّمه ما كانَ يكون

ما لم يكُ في الحسبانْ.

 

المأساةُ اتسعتْ، مَن لي يا ذاكرةً خَرِبةْ

أنْ أقرأ أوجاعي

والشاطئ مهجوراً يهذي بأناشيد الهمِّ.

المأساةُ اتسعتْ، فبأيّ أقترحُ الليلةْ

فرحي الربّانيّ، أقودُ الليلَ أسيراً

والبحرَ صديقاً والصخرَ ودوداً

والمرأة كأساً قد مُلِئتْ بالفجرِ، غناءِ العشبْ،

ألقِ الأقمارْ.

 

الرحمن

خَلَقَ الأكوانَ وسلّمني مفتاحَ الأرضِ وبايعني.

لكنْ عذّبني الجندْ

إذ آلمني أرقُ الليلِ المطعون، فشرّدني السلطانْ.

فبأيّ أقترحُ الليلةَ معراجي..

وأقودُ مماليكي، شمسي وغيومي نحو الله؟

 

الرحمن

خَلَقَ الإنسانْ

آتاهُ الحكمةَ طيّعةً والبلبلَ والهدهدْ.

لكنّ الأرضَ انذهلتْ والمأساة اتسعتْ وتعرّتْ

والغربة قد كبرتْ.

فأشيري يا كلمات الرحمةِ..

إنّ الإنسانَ بحُسبانْ.

2.

كثرَ اللغطُ

وبدتْ صيحاتُ الآخر فاتنةً بعلاماتِ الإبهامْ!

فعجبتُ، دهشتُ، وقلتْ:

أوَ هذا جمركَ يا حرفي،

يا مَن تخفي ألقَ الأشياءِ وفاكهةَ الأيّامْ؟

وعجبتُ عجبتْ

حتّى أنكرني رأسي. لكنّي

في عمقِ الضجّةِ أبصرتُ طيورَ الله

تهبطُ في روحي وتذيعُ بقلبي الأثمارْ.

فنظرتُ إلى الضجّةْ

وصرختُ: سلاماً للهدأةِ إذ بزغتْ في روحي، مرحى.

وفرحتُ، بكيتْ

مثل العصفور العطشان

وَجَدَ الغدرانْ.

 

إشارة الختام

*********

قالَ: إليّ إليّ..

أشارَ إلى جبلِ الرؤيا فصعدتُ، إلى جذرِ الأفلاكِ قرأت

روحَ الطفلِ، عذابَ الأحفادْ

حتّى امتشقتْ كفّي السرَّ الأعظمْ،

كانت بيضاءْ.

وهبطتُ بجنحِ الطيرْ

ونسيمِ الفجرِ، رذاذ الشطآن.

 

***************************************

 * (هو فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومُكْنة) هكذا يصف ياقوت الحموي في كتابه (إرشاد الأديب) علي بن محمد التوحيديّ البغداديّ المعروف بأبي حيّان التوحيديّ. وليست كلمات ياقوت هذه بجارية مجرى المبالغة أو آخذة بطريق المجاملة، البتة. فلقد كان التوحيديّ بحقٍّ واحداً من أولئك الكتاب العظام الذين جالوا في النفس البشرية جولةً عميقةً وكشفوا عن طبقاتها الجوّانية بشجاعة نادرة وبطريقة العارف الخبير، المعذّب، الفصيح، المتفرّد. وكتابه (الإشارات الإلهية) أفضل دليل على ما نقول. لقد حمل التوحيديّ خلال رحلة حياته همّ الأديب المكافح الأصيل الذي يحافظ بقوّة، على كلمته ما استطاع من السقوط والابتذال. وقد دفع ثمن هذه الكلمة غالياً: عذاباً يوميّاً متصلاً وفقراً مدقعاً وشظفاً وتجاهلاً. حتّى  اضطر أواخر حياته إلى إحراق كتبه بعد أن رأى أن لا طائل من ورائها. وقد قال عـن هذا الحدث: (إني جمعتُ أكثرها للناس ولطلب المثالة بينهم، ولعقد الرياسة بينهم، ولمدّ الجاه عندهم، فحرمتُ ذلك كله. ولقد اضطررتُ في أوقاتٍ كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق، وإلى ما لا يُحسن بالحرّ أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحُبّه الألم). أمّا أهمّ كتبه أو ما وصلت منها في الأدق، والتي أخرجها، أغلب الأمر، قبل أن يحرقها فهي: الإشارات الإلهية، البصائر والذخائر، الإمتاع والمؤانسة، الصداقة والصديق، مثالب الوزيرين، الهوامل والشوامل. توفي التوحيديّ عام 414 هجرية.

  

***********************************

ركن الدين يونس

شاعر من العراق من مواليد 1961 ولد على ضفاف الفرات وترعرع على ضفاف دجلة وديالى وخريسان. سكن في جميع مدن العراق عدا البصرة وما يزال يمارس حياته العادية والشعرية في منبت الحرف والشعر(بابل). صدرت له المجاميع الشعريةاستنساخ 1999 -   ماراثون2001 - الهروب من ملاحقة الاسئلة 2003-  عشبة آدم 2003  نسي أن يعيش 2007

- نشر في أغلب الصحف العربية والعراقية المعنية بالأدب والثقافة منذ عام 1978 ولا يزال ينشر.

 - له العديد من الدراسات النقدية والثقافية في المجالات الكتابية والفنية.

 - مُصنّف على أنه من شعراء الثمانينات ويدّعي أنه تلميذ مقهى (حسن عجمي) في شارع الرشيد ببغداد. 

 

********************************************************

 نُشرت المقالة في صحيفة العراق 20 نوفمبر- تشرين الثاني 1999

وفي كتاب "الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية"- إعداد وتقديم د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2007 - ص 347 - 358

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home