التشكيل الاستعاري

 في شعر أديب كمال الدين

 

 

إبراهيم خزعل العبيدي

 

 

الطبعة الأولى 2017
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد  781 لسنة 2017  م

التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين

دراسة / إبراهيم خزعل العبيدي

التصميم والإخراج الطباعي : المركز الثقافي للطباعة والنشر

الإشراف الفني : ولاء الصوّاف

 

C.C.P.P

المركـز الثقافي للطباعة والنشـر

بابل  -دمشق    القاهرة

The Cultural Center  for

Printing and Publishing

ــــــــــــــــــــــــــــ

جمهورية العراق / بابل / الحلة / شارع الإمام علي

Mob: 07801168410

Mob: 07721472444

E-mail:w_alsawaf@yahoo.com

 

طبع في دمشق / الجمهورية العربية السورية

لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع ، أو نقله على أي نحو ، أو  بأي طريقة الكترونية أو ميكانيكية ، أو بالتصوير ، أو بالتسجيل أو بخلاف ذلك ، إلا بموافقة كتابية من الناشر ومقدما .

All rights reserved, no part of this publication may be reproduced stored in a retrieval system, or transmitted in any means, electronic, mechanical ,photocopying ,recording ,or otherwise , without prior permission in writing of the publisher.

 

 

 

 

الإهداء

 

إلى... مَن نذر عمره لكي أكون...

واتَّسع فضاء قلبه لحلمي ...

وكان رضاه غصنا في شجرة  طموحي ...

حتى ارتوت ثمار غرسك، فكنت معنى الحياة لي...

وقد أرضاني الله بك فهلا رضيت عني...

إليك أبي الغالي براً وخفض جناح.


 

بسم الله الرحمن الرحيم

              الحمد لله الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمدهُ حمدَ الشاكرين، وأثني عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وعلى آله وصحبه، وكل من دعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين

      إنَّ مسؤولية الكلمة مسؤولية عظيمة وأمانة جسيمة، فقد خلق الله سبحانه الإنسانَ وأعانه على النطق والتعبير بصراحة عما جاش في صدره قال تعالى ( الرَّحمنُ! عَلَمَ القُرْآنَ !خَلَقَ الإِنْسَانَ! عَلَّمَهُ البَيَانَ ): (الرحمن: ١ – ٤)، فإذا به محاسب على كلامه مؤاخذ بما يقول، ولئن كان كلام الله تعالى هو أعظم الكلام، ثم كلام نبيه (صل الله عليه وسلم)، فقد جُعِلَ الشعر ذلك المتنفس الرحب للإفصاح عن حاجات الإنسان ومشاعره وهمومه، فكان له من التأثير ما كان إذ يعمل كما السحر في الاستمالة والإمتاع بما يشتمل عليه من أدوات قادرة على التأثير في النفس وتشكيل الوجدان بضروب الصياغة والإبداع، فاللغةُ هي الوعاء الذي يختزنُ الفكرَ ويحمله، وهي الوسيلة الأمثل للتعبير عن حاجات الفرد ومكنونات نفسهِ ودواخلها، وقد شغلت دراسة الشعر والبلاغة المفكرين والأدباء منذُ أقدم العصور في محاولةٍ للوقوفِ على ماهيته واكتشاف أسراره، فلله درّ هذه الأمة الماجدة الخالدة التي ما تصوب ناظريك في تاريخها وحضارتها إلا ذهلت بما تحويه من ينابيع العطاء، أمة عريقة ذات أرث ثقافي عريض عجز الباحثون والمؤرخون عن الإحاطة به، والإتيان على كل فنونه، ومن أسرار سرِّ خلود لغتنا بعد تشريف كتاب الله تعالى لها، قال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (يوسف: ٢)، فإنها اللغة التي تدور في فلكها علوم عدة من بلاغة وآداب وعلوم، كما حوت مفردات وصيغاً كثيرة لا نظير لها في لغة أخرى، ولشغفي الشديد بالدرس البلاغي وظواهره وفنونه، وفقني الله تعالى أنْ يكون عنوان كتابي موسوماً بـ (التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين)، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً برغبتي .

     ومن ثم بدأت رحلتي المضنية من جانب والممتعة من جانب آخر مع هذا الشاعر، فقصدت المكتبات للبحث عن المراجع الحديثة التي تناولت شعره، ولمست بإدراك أنَّ بين هموم التعبير عن واقع مرّ ومسؤولية التجديد انبثق أديب كمال الدين شاعراً معاصراً، جعل من شعرهِ صدى لقضية الحلم والأسى الإنساني، فجاءت دراستي لشعره تسعى إلى فتح آفاق جديدة في استقراء أفكار الشاعر ومكنوناته؛ لما فيها من وقفات جديدة في الجانبين الفني والنقدي، بعد أنّ حظي شعره بعناية كبيرة إذ كُتبت عن نتاجه الكثير من الدراسات والمقالات والبحوث المتناثرة في صفحات الكتب والمجلات، وأثيرت حوله آراء كثيرة وهي إن دلّت على شيءٍ فإنّما تدلُّ على تميز هذا النتاج الشعري في الجانبين الفكريّ والفنيّ، وهذا ما شجعني على الخوض في هذه الدراسة، وهي في الأصل نصوص مُستلّة وملخصة من رسالة ماجستير ، نوقشت بجامعة ديالى، كلية التربية للعلوم الإنسانية عام 2016.

     الشكر موصول للشاعر أديب كمال الدين لتزويده لي بمجاميعه الشعرية وبعض الدراسات الخاصة به وإضاءاته التي حصلت عليها بوساطة الحوار معه، وبعد: فهذه محاولة على الطريق، أتمنى أن تكون قد حققت قدراً من الفائدة سائلاً الله تعالى الإخلاص في العمل لوجهه الكريم، والتوفيق والسداد.

                                                                  المؤلف


 

التمهيد : مداخل تعريفية

أولاً: المستوى اللغوي  والاصطلاحي للتشكيل :

أ‌-       التشكيل لغةً: أشار العلماء إلى المعنى المعجمي الذي دلَّ عليه لفظ التشكيل فقال الزمخشري (ت 538هـ): ((أَشكلَ النَّخْلُ طَابَ بَسَرُهُ وحلا وأشْبَه أن يَصيرَ رَطَباً، وامرأةٌ ذاتُ شكلٍ وشَكَلِة، وقد تشكلتْ وتدللتْ، وأشْكَلَ المريض وشَكُلَ وتشكل كما تقول: تماثَلَ))([1]).

      وذكر ابن منظور (ت711هـ ) في معنى التشكيل: ((شكلُ الشيء صورته المحسوسة والمتوهمة، وتشكل الشيءُ: تصوَّر وشكَّله: صّوره، والأشكل عند العرب اللونان المختلطان وتشكل العنبُ وتشكَّل: أعجمه فهو مشكول إذا قيدته بالإعراب، وأعْجَمت الكتاب إذا نقطته، وشكلت المرأة شعرها ضفرت خصلتين من مقدم رأسها عن يمين وشمال ثم شدّت بها سائر ذوائبها))([2])، ويوافق هذه الدلالة الفيروزآبادي (ت817ه) بقوله: ((وتشكّل : تصوّر وشكّله تشكيلاً صوّره))([3]).

      ولعلَّ في ما أضافهُ الفيروزابادي هو أنه أعطى أهمية كبيرة للتشكيل في تحقيق الوضوح للمعنى اللغوي: فـ((الشكل هيئة الشيء وتشكل أزهر: ألف بين أشكال متنوعة شاكله ماثله والشاكلة السجية، قال تعالى: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا) ([4])، والشكل المِثْل والنظير وعند المحدثين الشكل جمال المنظر))([5]) ، إذن التشكيل هو مصدر الفعل (شكَّل) الرباعي المضعّف العين، ونحن بتصفحنا معاجم اللغة العربية نجد صعوبة وضع اليد على دلالة لغوية مقاربة لمفهوم (التشكيل) الاصطلاحي الأدبي في وقتنا الراهن إلا في الإشارة إلى لسان العرب كما ذُكر، ومن خلال هذا العرض اللغوي نستطيع أن نستنتج ما يأتي:                               

1-    إن ألفاظ (شكلَ) و (تشكّلَ) و (أشكّلَ) حاملة في طياتها بعض الفروقات الدلالية، فالأول يشير إلى قيام الشخص بعملية التحويل بين شيئين مختلفين، أمّا الثاني فيشير إلى الشيء ذاته لكن عبر صيرورة تحويلية للتشكل ذاته. أمّا الأخير بوصفه متعلقاً بين شيئين متداخلين إلاّ أنه يصعب التمييز بينهما، وهذه الصعوبة والاستغلاق سواء أن كانت حسية أو ذهنية أم كليهما، أمّا لفظا (شاكَلَ) و (مشاكلة) فهما دالان على معنى التناظر والتماثل بين متجانسين مع وجود صفة مشتركة بينهما.

2-    باستقراء هذه الفروق بين هذه الألفاظ بإمكاننا أن نقف على معنى الشكل لغة، إذ إنه متعلّقٌ بالهيئة أو الصفة الرابطة بالشيء الموصوف المشكل خارجياً لها وداخلياً والمتشكلة بذاتها عبر تراكيب وسياقات معينة المكونة للشكل حتى تصل إلى شكلها العام.

3-    أمّا لفظ التشكيل فيعني مضاعفة المعنى الشكلي المتعلق بالصفة أو الشيء الموصوف.

      كما إنه يرتبط من جهة الإسناد بالشخص القائم به، أو بالنصِّ الذي يشكل بعضه بعضاً، بيد أن هذا المعنى يسهم بشكل فعَّال في تقريب فهمنا من مصطلح التشكيل عبر هذه التدرجات الصياغية الصرفية التي لا يمكن تخطيها عند الوصول إلى معنى لفظ التشكيل وإفرازاته الدلالية واللغوية، ولا نغفل الإشارة إلى مسألة التخييل في دعمه هذا المصطلح والعناصر النصية المكونة له، بوصفها تفتقر إلى إضاءة من الجانب الاصطلاحي، إذ لا نستطيع التوصل إلى إدراك فعليها التأليفي والتشكيلي من خلال المعنى اللغوي فحسب.

      إن الدلالة اللغوية قابلة للتكوين والخلق الجديد بالرغم من الأنماط المختلفة لما وجدنا من أن التشكيل عبارة عن عملية تصوير حسي متأثر بعمل المخيلة ينبع من داخل الشاعر في نظمه للشعر حتى يتحقق البعدان الجمالي والفني في نظمه.

ب‌-              التشكيل اصطلاحاً: من الجانبين الفني والأدبي للشكل يتضح أنه أحد الفنون الفنية والإبداعية الذي يبين مواطن جمالية الأدب، وهذا ما يميزه في الإختلاف عن باقي الألوان المعرفية الأخرى، وبهذا يشعر القارئ بجمال المتعة الذهنية([6]) ، ولهذا فإنَّ كلمة (شكل) كثيراً ما تبدو لذهن السامع أو القارئ انها تدل على الشكل الخارجي للشيء أو الشكل الخارجي لمظهره. يقول بطرس البستاني صاحب ( محيط المحيط ) عن المعنى البلاغي للتشكيل: ((التشكيل أن يذكر الشيء بلفظ غيره))([7]) ، وهو يشابه الاستعارة، وإذا كانت الاستعارة (مع قرينة صارفه عن إرادة المعنى الموضوع له في اصطلاح به التخاطب) فهو في التشكيل لم يذكر القرينة المانعة بين اللفظ ولفظ غيره، وهو يشير إلى جعله عوضاً عن اللفظ الأول.

وهناك تعريف آخر يربط بين التشكيل وعملية الخيال والتصور بوصفه ناتجاً عنهما أو هو الدال الشكلي على فعلهما ومقصدهما سواء أكان فعلاً واقعياً أم خيالياً. ومن هنا يُعرَّف التشكيل بأنه: (إستحضار ذهني أو خيالي ناتج عن انفصال حي خارجي أو داخلي)([8]). فهذا الإستحضار الذهني أو العمل الخيالي هو إفراز عن التأثر النفسي بالشيء الخارجي. أو هو تأثُّر بفكرة داخلية عميقة وهو يرتبط بوصفه استحضاراً بلحظة التأثر هذه دون غيرها خصوصاً إذا ما استكملت عناصره أو عناصر الشيء المتأثر به.

   إذا ما ارتأينا أن نُبين أن التشكيل في الفن التشكيلي يكون حسيّاً بينما في الأدب يتجاوزه إلى الذهني والمعنوي، فمعاينة الواقع الذي يتم عبر استحضاره في الذهن لا يعني أن الصورة الذهنية تنقاد عبر ديناميكية آتية من فراغ وإنما تتكون من التخييل والتأمل، وهذا الإطار المعرفي الذي يتطلب استحضاراً ذهنياً يربط بين هذه العناصر ليقوم بعد ذلك بصياغتها وتشكيلها بأدوات الأديب وملكاته، ثم يأتي بعد ذلك دور الجلاء البصري (الحاسة البصرية) نوعاً من التأثير الخارجي وهذه هي مكونات القصيدة الشعرية، ولهذا يُعد التشكيل جانباً مهماً لإنتاج عناصر النص الأدبي وصياغته ، فنجد القصيدة الشعرية في صياغتها تشكيلاً متماسك الأجزاء متناسقاً من الناحية الفنية، فنجد الترابط بين أجزاء القصيدة المقدمة وحسن التخلص والخاتمة بحيث يشعر القارئ بأنها تشكيل واحد متكامل الأجزاء، فهذا الترابط والتشكيل الفني الدقيق يوحي بالقدرة الفنية العالية والذوق الفني الرفيع، ومن هذا المنطلق وجدنا أن التشكيل أكثر دقة من كلمة المعمار، فالتشكيل إحساس يراود الشاعر ويلازمه في نظمه للشعر([9]). ويبقى الإبداع والقدرة الفنية ملاصقة لعمل المبدع سواء أكان شاعراً أم رساماً فضلاً عن التشكيل الذي يُعد العنصر الأساس لعملية الإبداع ويظهر قدرة الفنان المبدع على تشكيل القيم الفنية التي تعبر عن جمالية النصَّ والخيال الواسع والإبتكار حتى يصل بعمله بالصورة الجديدة مبتعداً عن التكرار والملل الذي يتولد لدى المتلقي([10]).

     ويبقى القول أن اللغة من أهم الأدوات التي يعبر عنها التشكيل فهي دعامته الرئيسة التي يقوم عليها وذلك بوصفها نظاماً من الأشكال المختلفة التي قد تكون زمانية أو مكانية، فالتشكيل الزماني الذي يتصل بالإطار الموسيقي للقصيدة وحتى يتحقق ذلك الانسجام في الوزن والإيقاع الموسيقي للقصيدة لابد من توافر تشكيل يصل بالقصيدة للتناسق والانسجام بين أجزائها. أما التشكيل المكاني، فالشاعر حين ينظم الشعر نجده يستمد عناصر وجزيئات مستوحاة من ذلك المكان الذي يشعر فيه بالشوق والحنين، فنجد في التشكيل المكاني صورة جديدة تظهر في إبداع الشاعر، ويبقى الشعر وسيلة إثارة فاعلة لمشاعر المتلقي كلما كان تشكيله الفني يظهر بصورة جمالية عالية وقدرة فنية تظهر براعته وخياله الواسع.

 

 

 


 

ثانياً: المستوى اللغوي والاصطلاحي للاستعارة:

 أ‌- الاستعارة لغة: إنَّ مصدر الفعل (عارَ) هو استعارة؛ لأن كل تغيير في المبنى يؤدي إلى التغيير في المعنى فزيادة حرفي السين والتاء أفادت الطلب ((والعارية منسوبة إلى العارة، وهو اسم من الإعارة. تقول: أعرته الشيء أعيره إعارة وعارة ، والعارة ما تداولوه بينهم، وقد أعاره الشيء واعاره منه وعاوره إياه، والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين))([11]) ، وقد ذكر ابن عبادة (ت538هـ) هذا الكلام في (محيط اللغة) إذ قال: (( والمستعار: المتداول))([12]) ، وبالبحث عن معنى العاريّة في (تهذيب اللغة) يُؤكد الأزهري هذه المعاني، ويوضح صلتها بالاستعارة فيقول: ((منسوبة إلى العارة وهو اسم من الإعارة يقال: أعرته الشيء اعيره إعارة وعارة كما قالوا كـ أطعت إطاعة وطاعة))([13]) ، ونستنتج أن الاستعارة بمفهومها اللغوي تعني نقل الشيء المستعار من طرف إلى طرف آخر لغرض الفائدة والانتفاع، ولا تكمن تلك الفائدة إلا بتحقيق شرط المعرفة بين الطرفين، فالأساس في الاستعارة النقل من الأصل المعروف أو المعنى الذي دل عليه باللفظ الوضعي إلى شيء آخر لم يوضع له ذلك اللفظ، فهي ((مشتقة من العرية وهي العطية، وقيل: سُميت عارية لتعريها عن العوض، وقيل: أخذها من العار أو العري خطأ وهي شرعاً تمليك منفعة بلا بدل))([14])، فالاستعارة بمعنى أخذ الشيء، ومن هنا يُقال: (( أرى الدهر يستعيرني شبابي أي يأخذهُ منّي))([15]) ، وبهذه المعاني نجد إنها مأخوذة من العارية أي نقل الشيء من شيء إلى شيء آخر. إنَّ الأصل في الاستعارة التي تخرج إلى معنى المجاز ويراد بها إعارة أو استعارة شيء من الأشياء تربطهما علاقة معرفية حتى يتمكن الشخص من استعارة بعض الأشياء من بعض وفي حالة سقوط العلاقة المعرفية بين الأشخاص فلا يستعير منه أي شيء وهذا الحكم يترتب على استعارة الألفاظ ونقل المعنى من لفظ إلى آخر([16])، ((ويتعاورون: يأخذونَ ويعطون))([17]). ويلاحظ في أثناء البحث عن المعنى اللغوي لكلمة الاستعارة كما وردت في المعاجم اللغوية إنها ترد مأخوذة من الأصل اللغوي عور، وترد في التهذيب من الأصل عار. إن الأصل في التناوب بين حروف العلة لم يؤد إلى اختلاف في المعنى؛ وذلك لأن المعاني اللغوية تصب في قالب واحد، تتجسد في التداول والمناولة، والأخذ والعطاء، والطلب، وبهذا فالاستعارة تعني: طلب العطية وأخذها إلى موضع يلائمها القصد منه سد الحاجة وتلبية الرغبة والمتعة في المعاني والذوق الفني، فضلاً عن الأخذ من المستعير، وعطاء من المعير، ومناولة بينهما وتداول للعطية، ولهذا فإن الإنسان لا يمكن أن يستغني عن الاستعارة مهما كان نوع المعار من منافع وأقوال، يأخذ منها ما يحتاج ويعطي مما عنده من يحتاج لما عرف عن الإنسان بسمة الأخذ والعطاء تلبية لرغباته في الواقع الذي يعيشه.

ح‌-   الاستعارة اصطلاحاً: تعدُّ الاستعارة من الأدوات المهمة في تكوين الصورة الشعرية فـالاستعارة ((أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وليس في حُلِيِّ الشعر أعجب منها، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت مَوْقِعَها ونزلت مَوْضِعَها))([18]) ، فهي ((استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي))([19]) ، وهذا يعني أن الإستعارة عملية هدم للغة الإيصالية وإنشاء لغة إيحائية في آن واحد([20]) ؛ لأنها وسيلة بلاغية فاعلة مؤثرة، فهي تمنح الشاعر حرية استعمال صفات وهيئات وأشياء في غير مواضعها الأصلية وتمكن الشاعر من تجاوز حدود الأشياء والبحث عن أشياء جديدة في التعبير عنها لإمتياز الاستعارة بصفة المطاوعة في الجمع ((بين خصائص المجاز والتشبيه فقد أخذت من هذين الأصلين مميزاتها لتكون وسيلة رائعة لانطلاق اللغة، وفتح فضاءات جديدة للتعبير بعيداً عن عالم الحقيقة والواقع المحدود، وممدّة اللغة بسير الديمومة والتجديد))([21]) ، لذلك عُدَّت الاستعارة قوة إضافية للغة تكمن وظيفتها الأولية في التجميل والتزيين، فهي ((وسيلة لغوية لوصف بعض المماثلات الموجودة قبلياً بين شيئين في العالم))([22]) ، لذلك نجد أن اللغة تبدي عكس ما تخفي، فهي لا تشتمل إلا على المجازات، وبالقدر الذي تكون فيه غامضة ومتعددة ستكون غنية بالاستعارات والرموز([23])، فهي وسيلة رئيسة من وسائل التعبير الخيالي الدقيق, والتصوير الفني الموحي, يستعين بها الشاعر المبدع في الكشف عن عالمه غير المرئي بشكل غير مباشر جامعاً فيه بين الواقع المكشوف وخياله المعبر فيه عن تصوراته العميقة فهي ((أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على  ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به))([24]) ؛ وذلك لأنه حصر الاستعارتين التصريحية والمكنية وان الغرض من توظيفها هنا لا يخرج عن المتعة والتسلية، فتعدّ الاستعارة عملية انزياح من الأشياء المألوفة إلى عوالم الخيال المبدع ؛ لأنها أشبه بـ(( الأداة السحرية التي تخرج الحشود النفسيَّة المزدخرة، وتحلق بأجنحةٍ رفّافةٍ أو منتفضةٍ من الصور المعبِّرة))([25])، فترابط طرفي الاستعارة ( المستعار له والمستعار منه) علاقة تفسرّ التلاحم والتقارب بينهما إلى درجة أن يصيرا شيئاً واحدا، وهو ما يجعل من الاستعارة تتربع عرش خانة التطابق، وهذا استجابة لدعوة فلسفية تؤمن بالوجود المستقل في ذاته لموضوعات العالم([26])، لتغدو اللغة حينها مرآة تقوم بنسخ موضوعات العالم وأشيائه وتقوم بترجمتها في نسق سيميائي دال فيحاول الشعراء ((أن يكتبوا شعرهم بلغة استعارية غير اللغة السياقية الواضحة التي كتب الرواد بها أشعارهم, وأن يقيموا من هذه اللغة شبكة من العلاقات الداخلية تفضي إلى تشكيل استعاري أو كنائي يؤدي إلى معنى مفتوح قابل للتأويل لأكثر من تأويل))([27]) ، ويتخذ الشاعر من الاستعارة وسيلة يوظفها في بناء صوره الشعرية، إذ يجد أنها منفذٌ للتعبير عن تجربته الذاتية في سياقات لغوية قادرة على تجسيد حالته الشعورية المختلفة، والنهوض بشعرية النص. فالاستعارة في الأصل تشبيه حُذِف أحد طرفيه، إلاّ أنها تنماز عنه بدقة الأسلوب، وإكمال تأديتها للمعنى بصورة أجمل وأكثر تأثيراً([28])، لذلك عُرفّت بــ(( تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامهُ))([29]) ، فتتداخل الاستعارة الفنية بمحاورها الدلالية في أساليب الشعراء للخروج عن النمط التعبيري المألوف أو المتواضع واللجوء إلى صيغ أُخرى تُغني اللغة في التعبير الشعري وبإسلوب فني إبداعي، فهي من أهم عناصر إثارة العاطفة لدى القارئ باعتماد اللمحات الخاطفة، كما إنها أداة تقوم على تقريب المتباعدين من الأشياء، ومحو الفوارق بينها سواء أكانت حسية أم معنوية([30]).

ومثلما تناول علماء العرب والنقاد من القدماء والمحدثين الاستعارة وعنوا ببيان تفاصيلها ومعرفة أسرارها والتعمق في دقائقها، فقد رأينا الكثير من الدراسات الغربية التي تناولت الاستعارة ووقفت عليها بصورة كبيرة من العناية والجدية محاولة للكشف عن تراكيبها وبنيتها وتشكيلها([31]).

    ويبقى القول إن التشكيل أو الاستعارة بإزاء علاقة خاصة تجمع بين أشياء مختلفة، معتمدة على تفاعل الدلالات في ما بين الأشياء، فالتفاعل يعد انعكاساً لذات المبدع والتمازج مع موضوعه، فالعلاقة البارزة إذن بين طرفي الاستعارة تكون معتمدة في الأساس على التفاعل مع الاحتفاظ بالصفة المميزة لكل طرف من أطرافها؛ إذ إن توافرهما متقابلين يكون سبباً في إظهار التوتّر المناسب لتوليد الشعرية، فطرفا الاستعارة لا يمكن أن يتّحدا أو أن ينطبقا بوحدة لا ينماز بها أحدهما من الآخر إلا بالاستعارات الميتة، أمّا الاستعارات الحية فيكون سرُّ حيويتها وجماليتها في هذا التمايز، والاحتفاظ بالشخصية كاملة ما بين الطرفين الكائنين في بيت الاستعارة([32])، إذ نجد ((بها الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية جلية بادية))([33])، فـ ((الفنان الحق هو من يعبر عن وقع الموضوع على ذاته، وبعد ذلك يأتي دور الوجدانية إذ تأتي مرحلة التعبير، مرحلة وقع الذات على الموضوع))([34])، وقد يمتلك التشكيل دلالات عديدة من بينها أنه الدلالة الجمالية في العمل الفني وهو الذي يفصح عن العلاقة بين الفنان والموضوع، وهو مظهر من مظاهر تحكم الفنان بوساطته يستطيع أن يتعامل وجدانياً مع الموضوع، وثمة محور يقف عليه التشكيل والاستعارة على حدّ سواء ألا وهو الخيال تلك الملكة العظيمة, التي تؤدي دوراً أساسياً في تشكيل الصور وصياغتها، وعليه تقع مهمة التقاط عناصر الصور من الواقع المحسوس ليحولها بعد ذلك إلى عالمٍ شعري خاص بالشاعر تبرز أهميته من خلال استرجاع ما اختزنه الشاعر في مخيلتهِ وعقلهِ من الإحساسات والعواطف الإنسانية, وإعادة ترتيبها وتنسيقها, ليحيلها في ما بعد إلى ضياءٍ متوهجٍ، يعبّرُ عن المعنى المقصــــــــــــود الذي يكمن في مخيلته الإبداعية، وعالمه الداخلي لكــونه القــوة التركيبية السحرية التي تخلق توفيقاً وتوازناً بين الصفات المتضادة والمتعارضة([35])، وهذا ينسجم مع تعريف ريتشاردز للاستعارة بأنها: ((الوسيلة العظمى التي يجمع الذهن بواسطتها في الشعر أشياء مختلفة لم توجد بينها علاقة من قبل وذلك لأجل التأثير في المواقف والدوافع))([36])، وتظهر فاعلية الخيال خلال الدمج الذي يحققه بين طرفي الاستعارة (المستعار له)، و (المستعار منه)، فالعلاقة القائمة بين هذين الطرفين ليست بالعلاقة المنطقية بقدر ماهي علاقة من صنع الخيال الذي يحاول إحداث التأثير المناسب في المواقف عن طريق إذابة هذه العناصر وخلق الجديد([37])، وإن الخيال بهذا الفهم لدوره سيكون الوسط الشفاف الذي يتحرك خلاله طرفا الاستعارة التي يقول عنها ريتشاردز إنها: ((عبارة عن فكرتين لشيئين مختلفين يعملان معاً، خلال كلمة أو عبارة واحدة تدعم الفكرتين ويكون معناهاـ أي الاستعارة محصلة لتفاعلهما))([38]). ومن هنا فقد تبنت هذه الدراسة دراسة مصطلح التشكيل الاستعاري مهاداً للحديث عن الاستعارة في شعر أديب كمال الدين([39])، بغية التعرف على أفكاره ورؤاه، مستنيرة بآراء البلاغيين القدماء، فضلاً عن الرؤية المعاصرة التي رفدتنا بها كتب النقد الحديث، وقد يتبين أن الاستعارة والتشكيل ينبعان من بئر المحسوسات التي يعبّر بها الشاعر عن عواطفه وأحاسيسه موظفاً الوسط الشفاف عالم الخيال الذي يعبّر عن الواقع، أو المعطى الخارجي وتشكيله أو تصعيده جمالياً، ليتحقق بذلك هدف الفن العام والشعر بشكل خاص والساعي إلى خلق عوالم جديدة، تقف بديلاً عن الواقع الذي يحياه الشاعر أو الفنان، وبهذا فالاستعارة ((تستعمل موضوعات العواطف لتدلّ على موضوعات التفكير الخالص))([40]). فالكتابة الإبداعية ليست بالشكل وليست بالمضمون، بل هي مجموعة هائلة من العناصر الفكرية، والنفسية، والجمالية، والحضارية تفاعلت فيما بينها على نحو غاية في التركيب والتعقيد([41]).

 

ثالثا: الشعر الحروفي المفهوم والتطور :

      إنَّ التطور الذي حصل أوائل الستينيات من القرن العشرين كان لافتاً للنظر عبر تطور الشعر العربي ولا سيما ظاهرة التشكيل الحروفي التي لها جذر ضارب في أصول الثقافة العربية، وقد أغناها الباحثون بعد نزول القرآن الكريم بالدراسة، التي اعتمدها بعض الشعراء بتوظيف الحرف العربي بدلاً من المفردات والألفاظ والعناصر التقليدية من خلال قدرة الحرف العربي على التواصل والتفاعل مع غيره من المفردات التشكيلية التي يصوغها المشهد البَصَري بأسلوب وإحساس كاتبه، وإن عملية إجادة الكلام وتحسينه حتى يكون مقبولاً وبليغاً تبدأ من اختيار الحروف ودلالتها، وبهذا كان للحروف أهميتها وأثرها في بناء الألفاظ والجمل في النص الشعري، ومن أجل الوصول إلى الغرض والهدف المطلوب لابد من الوقوف على ماهية الحرف لغة واصطلاحا، فاتفق أصحاب اللغة أن المعنى اللغوي لـ (حرف) هو الطرف والجانب والحد والشفير([42])، وإن المعنى الاصطلاحي أول ما يتبادر إلى الذهن قبل المعنى اللغوي مما يشعر بانفصالهما في الدلالة .

   فالحرف في كل اللغات صورة للفونيم تشير إلى مدلول صوتي معين يستمد جوهره الإشاري من النقطة التي تتولد منها صناعة الحرف وإليها تؤول، وقبل أن يرتبط بالمدلول الصوتي يبقى ظاهرة تشكيلية، فالحروفية مصطلح أطلق على الأعمال التشكيلية التي وظف فيها الحرف بوصفه تشكيلاً فنياً انطلق من الحرف العربي في صياغات متعددة منذ صدر الإسلام وحتى الوقت الحاضر، فضلاً عن القيمة التشكيلية للحرف فيضفي للحرف الحضور الغيبي فيجعل منه فناً باطنياً مزدوجاً ظاهراً وباطناً، متحركاً وساكناً، مرئياً وغير مرئي في آن واحد([43])، فالحروفية التي ظهرت وأهتم بها الفنانون العرب نجدها قد تحولت إلى تيار له ثقلاه الكمي والنوعي في مختلف الحياة الثقافية المعاصرة، وهي على قدر كبير من التنوع والاختلاف وتباين السوية الفنية والتعبيرية من فنان لآخر، ومن بلد لآخر أيضاً، وتيار الحروفية لا يعيش معزولاً عن باقي الاتجاهات والمدارس الفنية بل يقوم بالتفاعل معها، مدفوعاً بهاجس التغريد خارج السرب، ولا سيما بعد حالة التشابه والتكرار والتداخل التي تعيشها هذه الاتجاهات والمدارس، وسطوة الفنون البصرية الغربية الطاغية عليها([44])، وتشير المصادر إلى وجود ثلاث نظريات لتأصيل فن الحروفية، النظرية الأولى: تقول بتطور الحروفية عن الجذور الفنية للأبجدية العربية الإسلامية وفنونها. والنظرية الثانية: تشير إلى تأثيرها على الفنون الغربية وعلى فنانين غربيين زاروا الشرق ونقلوا عنه فنونه، ثم أعادوا صياغتها على وفق تصورهم والإمكانات التقنية الحديثة، ثم دمجوها بتيار الحداثة الأوربية، والنظرية الثالثة: تشير إلى العلاقة الصوفية بين الحرف والعبادة([45])، فالحروفية ظاهرة إبداعية بطريق توظيف الحرف ضمن الفن المراد الوصول إليه، والحروفية ظاهرة قديمة حديثة في الوقت نفسه، فقدمها مرتبط ببداية استعمال الحرف العربي بوصفه مفردة تشكيلية، وحديثة لظهور التيار الذي بدأ في مطلع الستينيات على أيدي الحروفية المعاصرة كظاهرة متميزة تشكيلية من خلالها استلهم الحرف العربي نفوس الشعراء بقدرة فنية تميز بها الشعر العربي سعياً نحو خلق التجديد والإبتكار، فظاهرة الحروفية في الشعر من أبرز الفنون التشكيلية العربية بصورة عامة، والعراقية بصورة خاصة، وتجربة الشاعر العراقي أديب كمال الدين من أبرز التجارب التي استطاع من خلال التوظيف الحروفي خلق شعريته الخاصة والتعامل بقدرة عالية مع الحرف والنقطة فضلاً عن توظيف كامل عواطفه الجياشة في النص، فيشعر القارئ بإحساس الشاعر وتفاعله مع الحرف حتى أصبح الحرف عالمه الشعري الخاص([46])، فأعطى بتجربته التي وظّف فيها أفكاره وخياله قوالب فنية وصورا بارعة، بقصد الإقناع والمتعة، وإيصال المعنى للمتلقي  بأداء فني رفيع يترك أثره الواضح في نفسه، فيقوده هذا الأثر المتمثل بالانطباع الحسن والإعجاب المنبعث عن صوره الخلابة إلى إجالة الفكر، وتحريك الهمة من أجل فهم الخطاب المؤدى إليه وقد عرف الحرف بـأنه ((مفتاح باب الوجود، ومفتاح القلب.. مفتاح الجسد والعقل والروح.. الحرف مفتاح، والحرف عالم مغلق يحرِّض العاشق الرائي على فتحه.. الحروف مفاتيح بعضها لبعض، وعوالم تتداخل بعضها في بعض.. لكل حرف جسد، ولكل حرف روح. وفيهما ما فيهما من أغوار ومسالك وثراء وغموض جسد الإنسان وروحه. ولكأنّ الحرف صنو الإنسان ومرآته. ولكأنّ الإنسان يتكشف كما البحر في قطرة، وكما الكون في إنسان، في صورة حرف وروحه. وإذن كم من الأسرار والألغاز والأحجيات تختبئ في الحرف الواحد. ذلك أننا نتشكل وعياً ووجوداً بالحرف، بضوء الحرف وسحره))([47])، وتواصل النقاد في الغوص في أسرار الحرف عند الشاعر أديب كمال الدين فالحرف جسر هندسي لنقطة متحركة لما يتمتع به الحرف العربي من قدرات تشكيلة وتعبيرية مطواعة، فمنهم من رأى أن التعمق في بحار التجربة الحروفية عند الشاعر تضع القارئ أمام أمرين ((الأول: ما هو مستشفع بالمعاني الروحية للحرف، والثاني: ما هو غريب))([48])، حتى جعل من الحرف في نظمه شخصية حية ناطقة متحركة واعية ومدركة ما يقوله في قصيدته([49])، ونرى الأمر الأول أقرب للصواب في شعر أديب كمال الدين، ولعل مرد ذلك يعود إلى تصوفه لإيمانه المطلق بالقيمة الجمالية والصوفية للحرف العربي، لأن أصل الحروف هي حقائق بسيطة من الأعيان عند أهل التصوف وكأن الحروف التي تنتفي معانيها المُفردة إلى حد كبير تحت سطوة التجريد تتيح حالة من الإحساس الصوفي، ومحاولة الدخول إلى هذا العالم وسط الحروف المُتشابكة والمختلفة التكوين من حرف يميل إلى آخر يكاد ينكسر، وأخير ينحني في رموز وأنساق مشهورة عند الصوفية، فنجد الشاعر أديب كمال الدين يخرج الحرف من هيأته الرسمية التي منحتها له التواءاته الصورية النحتية؛ ليتحول إلى كينونة مغرقة بالرموز الصوفية المتنوعة المستويات، التي تمتد أطيافها في كل المستويات ابتداء من: الدلالي، مرورا بالترميزي، والتشكيلي، والتراثي، والأسطوري، والروحي، والخارقي، والسحري، والطلسمي، والقناعي، والإيقاعي، ولا تقف عند مستوى الطفولي، هذه العلاقة مع الحرف التي تحولت مرة إلى تجربة متجردة من المعنى في نظر البعض وأخرى إلى حلقة من حلقات الذكر الصوفي في نظر غيرهم([50])، فسكن الحرف نفس الشاعر أديب كمال الدين الدينية، فحمل الحرف العربي الطابع الديني برموز ومدلولات تصل إلى التقديس أحياناً([51])، وأن قوى الحروف ثلاثة أقسام: الأول وهو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها، فتكون كتابته لعالم روحاني مخصوص بذلك الحرف المرسوم، فمتى خرج ذلك الحرف بقوة نفسانية كانت قوى الحروف مؤثرة، والثاني قوتها في الهيئة الفكرية وذلك ما يصدر عن تصريف الروحانيات لها، فهي قوة في الروحانيات العلويات، و قوة شكلية في عالم الجسمانيات، والثالث وهو يجمع الباطن، أعني القوة النفسانية على تكوينه، فتكون قبل النطق به صورة في النفس، بعد النطق به صورة في الحروف وقوة في النطق([52])، فالشعر مزيج بين عالم العقل (الوعي) وعالم اللاوعي المرتبط بالإنفعالات والأحاسيس وما يرافقها من ومضات إبداعية، يستطيع الشاعر أن يؤلف فيما بينها ليصوغ الشكل الذي يراه مناسبا وبما أن الحروفية تجربةً شعرية ولها بعدها الجمالي من خلال مزج التجريد بالحرف، فضلاً عن التحول إلى رمز عالي التشفير من خلال توظيف الحرف في الشعر تميز بها الشاعر أديب كمال الدين.

  فالحروف العربية تمتاز بأنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، وهذا يعطي للحروف إمكانات تشكيلية كثيرة، من دون أن تخرج على الهيكل الأساس لها، ولذلك كانت عملية الوصل بين الحروف المتجاورة ذات قيمة مهمة في إعطاء الكتابة العربية جمالية من نوع خاص من حيث تراصف الحروف وتراكبها وتلاصقها، كما أن المدات بين الحروف التي يمكن التكيف بها في بعضها تأخذ دوراً في إعطاء الكتابة العربية تناسقاً ورشاقة عندما تكون هذه المدات متقنة وفي مواضعها الصحيحة. ويبقى أن الحرف العربي لم يكشف عن مكنوناته سواء الجمالية أو التعبيرية بعد، وسيظل مصدرا لاستلهامات العديد من الفنانين العرب، خاصة فى ظل غياب جهد تنظيري يواكب حركة إحيائه منذ أكثر من خمسين عاما.

إذ يُعَدّ الحرف العربي من أهمّ عناصر الفنّ التشكيلي، وقد كثرت محاولات توظيفه لمنح مزيد من الجمال والروعة للّوحة الفنية، ومع بداية العصر الحديث ظهر ما يسمّى بالاتّجاه الحروفي في التصوير والتشكيل في أعمال فنية كثيرة، فاستعملت الحروف العربية بوصفها تمثل العنصر التشكيلي المستحدث المميَّز، وأضحت مجالاً خصباً يستلهم منه الفنان إبداعاته وابتكاراته، ويضيف به لمسات فنية ، وجمالية راقية وجذّابة.


 

 

 

 

الفصل الأول

جَدَلية التشكيل الاستعاري وظواهره

في شعر الشاعر



 

المبحث الأول: توظيف ثنائية الواقع والوهم

       إن الإسهاب في الكلام عن مصطلحي (الرؤية، الرؤيا) والخيال بوصفها قد شغلت معظم النقاد والدارسين والباحثين من القدماء والمحدثين، إذ هناك تحديدات وفروقات وتداخلات بينهما، ولعل مصطلح (الرؤية) من المصطلحات الغامضة في النقد الحديث، وذلك نتيجة تراكيبه اللغوية التي تشير إلى ما هو حسي بخلاف دلالته الاصطلاحية التي ترتبط بالحسي والمجرد معاً زيادة على تعدد معانيه واختلافها بين مذاهب النقد الحديث، والخلط بينه وبين مصطلحات قريبة منه صوتيا ولغويا، إذ تجدر الإشارة هنا إلى مصطلح (الرؤيا)، إذ نجد بعض النقاد يستعملون المصطلحين معا في السياق نفسه من دون التمييز بينهما([53])؛ بوصفها تشكل موقفا جديدا من العالم والأشياء وهي بذلك عنصر أساس من العناصر المنتجة لدلالة القصيدة الجديدة إلى حد أصبح فيه الشعر عند شعراء الحداثة الشعرية ونقادها المنظرين رؤيا، أي أنها التقاط شعري وجداني للعالم يتجاوز الظاهر إلى الباطن، متجاوزاً حدود العقل والذاكرة والحس، كاشفاً عن علاقات جديدة تعيد القصيدة في ضوئها ترتيب الأشياء، وخلق عوالم جديدة تنصهر في تجربة الشاعر بوصفه مبدعاً وتجربة المتلقي بوصفه مشاركاً الشاعر في تجربته أيضاً([54]).

فالرؤية        اليقظة         العين         القلب

الرؤيا          المنام         الخيال       اللاوعي (الحلم)

   فتتضافر ممكنات اللغة والخيال والصورة ليؤطر الشاعر بها عملية الخلق الفني للقصيدة الشعرية أو نصه الشعري، التي أفاد الشاعر فيها من سهولة اللغة الشعرية بوصفها دلالات إيحائية ناجحة عن طريق ما سّماه (جان كوهين) بالانزياح([55])، فالألفاظ ((عندما تخرج عن نمطها العادي المألوف تدخل في مجال الانزياح، وهذا النوع من الانزياح يستند إلى الصورة البيانية بأشكالها المختلفة موضحاً علاقتها بالمرجعي، وبالرجوع إلى تمفصلات الصورة البيانية نجد أن خيال الشاعر يستثمر الانزياح التصويري في سياقات متنوعة))([56])، ليثري اللغة ويطورها، إذ بدون هذا الاستعمال ومحاولة توسيعه وتطويعه، تظل اللغة محصورة في إطارها المعرفي، وهذا إطار محدود جداً قياساً إلى الطاقة الهائلة التي يمكن أن يمدها هذا الاستعمال الذي يستحيل أن تضع له معجماً ثابتاً([57])، لذا فاللغة التي ((يُصاغ بها النص هي التي تضفي عليه مضموناً شعرياً معيناً، إذ ان اللغة تكون في هذه المواضيع حبلى بانفعالات مؤثرة تخلق تخييلاً خاصا، إذا ما فقدت هذه الفاعلية، فإنها تفقد وظيفتها الشعورية))([58])، ويتحقق بفعل الانزياح في النص تجاوز الحدود المباشرة والنمطية بالقراءة إلى ترويض اللغة وانثيال طاقتها الإيحائية المتمثلة عبر قدرة الشاعر في بناء أفكاره ببناء شعري متوازن عماده اللغة الواقعة القابلة للخلق والتشكيل والإبداع والإسهام في خلق عوالم متكاملة في صياغة الألفاظ والمعاني والصور الفنية بما ينسجم مع معانيها و دلالاتها النفسية والتجارب الشعورية الكامنة في خيال المبدع التي تعد الأساس الفكري والعاطفي للنتاج الفني([59])، وبهذا تنضج الصورة التي سماها البلاغيون قديماً تشبيهاً واستعارة([60])، ويصفها جاك دريدا (بالشمس)، في معرض كلامه على الاستعارة إذ يقول: (( دورة الشمس تكون دائماً بمثابة خط مسيرة الاستعارة))([61])، وهذا كله يدور في فلك التأكيد على(( دور العين في استجلاء الصور سواء أكان عن طريق الرؤية أم الرؤيا من خلال عمليتي الظهور والخفاء أو الحضور والغياب))([62]).

      ويرى كوهين بالخرق والانزياح ((عاملاً على تكثيف التعبير في النص وهي عنده نوعان: مجاوزة خاصة بالاستبدال، وذلك عندما تقوم كلمة أخرى مشابهة لها، ومجاوزة خاصة بالتركيب السياقي، والاستعارة غاية الصورة، فالانزياح التركيبي لم يحصل إلا لأجل إثارة الانزياح الاستبدالي، إلا أن الاستعارة الشعرية ليست مجرد تغيير في المعنى، انها تغيير في طبيعة أو نمط المعنى، انتقال من المعنى المفهومي إلى المعنى الإنفعالي، ولهذا لم تكن كل استعارة كيفما كانت شعرية فإذا كان المدلول الثاني جزءاً من المدلول الأول، فإن تغير المعنى يبقى منحصراً في مستوى دلالة المطابقة، لقد تم استبدال المعنى لا اللغة))([63])، فالنص الاستعاري المنزاح يغدو تجاوزاً من اللغة الدلالية إلى الإيحائية، وهذا أمر منوطٌ بالصورة الشعرية الفاعلة التي ترضخ لمثل هذا التشكيل الجديد، ويتم في أثناء العبور عن طريق الالتفات خلق كلمة تفقد معناها على مستوى لغوي أول لتكسبه على مستوى آخر، ولذا يؤدي دلالة مغايرة لأداء مستواها الأول وبهذا يجاري ما قال به جان كوهين([64])، وهناك جانبان محوريان يتآلفان في تركيب الاستعارة وهما الأفق النفسي وحيوية التجربة، والجانب الثاني يتصل بالحركة اللغوية الدلالية وتفاعل السياق التركيبي فتتجلى العلاقات الدلالية التجريدية التي تربط بين المعاني في ذهن المتكلم بصورة تركيبية اعتمادا على العلاقات النحوية التي يوفّرها نظام اللغة، ويتميز الأدباء بقدرة عالية على اكتشاف العلاقات بين الأشياء، أو ابتكار هذه العلاقات إن لم تكن توجد، ومن تلك العلاقات علاقة المشابهة التي تعد الأساس الذي تقوم عليه الاستعارة و ((علاقة المشابهة وهي في الأصل علاقة منطقية بحتة وأساسية في التفكير البشري، تقوم على استقراء أوجه الشبه بين معنيين، وهي موجودة أصلا خارج اللغة، وتنبع أساسًا من عملية عقلية هي عملية تداعي المعاني ، أي تواردها على العقل واحدًا بعد الآخر لوجود علاقة بينها...، فعلاقة المشابهة هنا علاقة منطقية موضوعية بحتة لا دخل للتخييل الأدبي ولا للوجدان فيها، إلا أن الأديب يعدل عن الأصل في توظيف تلك العلاقة، وينحو منحًى آخر معتمدًا على عملية التخيل))([65])، فيحاول إظهار مواطن الشبه بين شيئين عن طريق الاستعارة، أو يعتمد على خياله في ابتكار تلك العلاقة وافتراضها بين هذين الشيئين ليتمكن من إجراء الاستعارة وتكوينها.

 وقد ألح عّبد القاهر الجرجاني على أهمية العلاقات النحوية في التركيب الاستعاري وعلى فاعلية هذه العلاقات في تثمير التركيب الاستعاري وإبراز نشاطها الجمالي والأدبي، فالاستعارة عنده ((ليست مجرد مجاز في اللغة من أجل نقل المعنى أو من أجل المبالغة فيه. إنما تأخذ الاستعارة شكلاً حياً بحيث نجد هناك ارتباطاً وثيقاً بين نشاطها الأدبي من ناحية، وتركيبها النحوي من ناحية أخرى))([66]). ففي الاستعارة ((تتداخل الأشياء/ الدوال تختلط وتتفاعل في ظل غياب فعلي حقيقي للأداة، على نحو يمنحها وجوداً جديداً، معنى جديداً إدراكاً جديداً ومختلفاً لما قد يكون معروفاً أو مألوفاً، لا يرتد إلى المفهوم الوضعي الأصلي، ولا ينفصل عنه في الآن نفسه، إذ هو نتاج تفاعلهما داخل سياق، وليس محصلة الجمع بين شيئين/دالين في وجه شبه أو مدلول يغيب على مستوى الصياغة))([67])، فعند استعمال الاستعارة تكون هناك ((فكرتان لشيئين مختلفين، تعملان معاً، وتسندان إلى كلمة واحدة أو عبارة واحدة يكون معناها حاصل تفاعل هاتين الفكرتين))([68])، ومن هنا تتضح أهمية التشكيل الاستعاري المتصل اتصالاً وثيقاً باللغة وفي الوقت ذاته يمنح القصيدة دلالات زمكانية منمازة بوصفها عملاً فنياً([69])، ((ليست تشكيلاً خاصاً لمجموعة من ألفاظ اللغة وهو تشكيل _ خاص _ لأن كل عبارة لغوية، سواء كانت شعرية أم غير شعرية تعد تشكيلاً لمجموعة من الألفاظ، لكن خصوصية التشكيل هي التي تجعل للتعبير الشعري طابعه المميز))([70])، وهكذا يتضح أثر عنصر التشكيل وإسهامه إسهاماً فعّالاً ومؤثراً في ((بقاء رؤيا القصيدة، وفي تحقيق المعادلة الصعبة بين الوضوح والرمز، والبساطة والعمق، الفكرة والصورة، المباشرة والإيحاء لذا فضعف التشكيل في القصيدة يؤدي إلى تشويش الصورة الشعرية وخفوت تأثيرها في المتلقي))([71])، فضلاً عما يضيفه من ((توازن قائم على الصور والإيحاءات، والذي يعد سمة مهمة في التشكيل تتآزر مع البناء لتعطي القصيدة حياتها المتحققة))([72])، ونجد نصوص الشاعر أديب كمال الدين وتشكيلاتها الاستعارية المتكونة بفعل الذائقة الشعرية المستندة إلى رؤى للواقع والحياة، إذ وجدت تجربته الشعرية معادلها الموضوعي في سلسلة لغوية تشير في ذهن المتلقي صوراً([73])، والصورة ((تجسيد للمعنى حيناً وتجسيم له حيناً أخرى وتشخيص له تارة ثالثة، ولأنه على هذا النحو كثيراً فقد بدت الصورة أوضح عنصر أو يكون من خلال أسلوب الأديب أو الفنان، ولا سيما في الأداء الشعري لأن الشعر يذهب في التصوير مذاهب يصور فيها عن روح وثقافة شعرية))([74])، والتشكيل في الفنون التشكيلية بصورة عامة ((حسي في حين أنه في الفنون التعبيرية وراء الحسي يتجاوز الحدود الظاهرية بشيء من الطمس والتعمية في ظل حالة ذهنية توصل الصورة بالدلالات الرمزية))([75]). إن للشعر مسافة واقعية أو متخيلة أو رمزية، إذ تنهض هيأته من إبداع الشاعر وتشققها لنفسه، فينشرها في رغبة البياض المتعدد بوصفه صورةً فنية مسافتها الرؤى الفاعلة في الانزياح، خصوصاً وأن الانزياح ينماز بتهديم المسافة المباشرة ليخلق وجوداً لذاته داخلاً في كينونة القصيدة([76])، وعبره يرتقي الشاعر بفنه وصوره إلى الخيال للإتيان بصور ومعانٍ مختلفة تنماز بوصفها غير مطابقة للواقع نفسه([77]). فالشاعر يتناول ((العناصر بالتفكيك وإعادة التركيب تصبح مغلاً بالاستعارة جديدة، وإن هذهِ  الجدة المتخيلة هي مصدر ما في الاستعارة من روعة))([78])، كما أن روعة هذهِ الجدة في الاستعارة نابعة من التعبير عن الأحاسيس ((فالأساليب المختلفة لا تعتور المعنى إلا وكان وراء اختلافها معنى جديد أو أقل إلا وكان وراء اختلافها هيئة جديدة للإحساس والمشاعر))([79])، إذ تمكن الشاعر أن يبث مشاعره وأحاسيسه بتوظيف استعارات تماز بجدتها وإيحاءاتها فيمررها عبر غطاء التعبير الجمالي والنشاط اللغوي والكلمات إذ ترتشف لهب الرؤية لتشي بمعانٍ واستعارات التي تمثل انزياحاً عن معيارها هو قانون اللغة وكل صورة منها تخرق قاعدة من قواعد اللغة أو مبدأ من مبادئها([80])، كما تتفاعل في النص الشعري تلك الاستعارة أو الانزياح حتى ينكشف عن الرجفة الغائبة التي تتكدس حركيتها في روح المعاني العاكسة لاحتمالات الدلالة القصوى ضمن خروقات اللغة الإبداعية التي صيّرها المبدع مفعولاً ضمن حساسية البواطن الفاعلة في مجالها([81])، واستطاع الشاعر أديب كمال الدين أن يضع ((ركائز بناء نصه الشعري، وبث روح التعبير في مفاصلهِ كي ينشئ رؤية شعرية دالة على موضوعاته واهتمامه الفكري والوجداني معاً ليؤسس لوحاته))([82])، منطلقاً من توظيف نصهِ بوساطة انزياح النسيج الشعري، فالخيال يرسم لوحاته الأدبية ولم يتحقق لولا أسلوب الانزياح الذي لُمِحَ في أغلب قصائدهِ خروجاً عن الألفاظ المألوفة، ليخرج بنصوصهِ مشحونة بقيم دلالية وإيحاءات وترميزات ذات قيمة جمالية تغني نصهَ بجمال أسلوبي([83])، ولاسيما أن الاستعارة لا تقف عند حدود الكشف عن انفعال الشاعر بل تعدّت إلى تسليط الضوء على خصوصيات وتقانات وتفرد ما في نفس مبدعها لتجلي عن ((قيمتها في الحقيقة أنها وسيلة اكتشاف العالم الداخلي للشاعر بكل ما فيه من خصوصية وتفرد وتميز، لا تستطيع اللغة العادية التجريدية أن تعبر عنه أو توصله إلى القارئ))([84])، ونجد أن خطاب أديب كمال الدين يحمل انزياحاً في نسيج نصهِ الشعري الذي تخللت نصوصه فعقدت الصلة بين دور الاستعارة في منطقها الانحرافي العام ودور الانزياح كما أراده كوهن، وهذا ما جعل نصّ الشاعر ثرياً ومكنه من تنوع وتعدد في معاني نصوصه وصوره الشعرية ومتجسدة في نمطي الاستعارة التصريحية والمكنية في أثناء:

1-                  توظيف الرؤيا في التشكيل الاستعاري.

2-                  توظيف الرؤية في التشكيل الاستعاري.

 

أولاً: توظيف الرؤيا في التشكيل الاستعاري:

 يُعَدُّ مفهوم الرّؤيا من الموضوعات الأساسية في الشعر التي عنِيَ النقد المعاصر بها، غير أنّ مفهوم الرؤيا ظلت تشوبه غمامة من اللبس والغموض على الرغم من ظهور هذا المصطلح وتداوله سابقاً([85])، فظلت محاولة عددٍ من النقاد والباحثين في تحديد مفهوم واضح لهذا المصطلح بوساطة تجلياته في الشعر المعاصر، وخلعت عليه أشكالاً متعددة الأبعاد والدلالات، منها ما يقترب من بعضها حدّ الالتحام، ومنها ما يبتعد حدّ الانفصام، ومنهم من رأى أن دلالة الكلمة تقوم على ثلاثة أبعاد: لغوية، ودينية، وصوفية([86])؛ لتجعل من الرّؤيا الشعرية أداة أو منهجاً أو معادلاً للمكوّن المضموني للأدب أحياناً، أو قرينة يُعرّف الشعر الحديث بها أحياناً أخرى، ومن خلالها اكتسب الشعر الحديث أبعاداً تفيض عن الدلالة الحقيقة، فإننا إذا ((أضفنا إلى كلمة رؤيا بعداً فكرياً إنسانياً بالإضافة إلى فكرها الروحي يمكننا حينذاك أن نعرف الشعر الحديث بأنه رؤيا))([87])، خاصة أنها تجاوزت الذاتية إلى الرؤيا القومية عند بعض الشعراء, وإلى الرؤيا الكونية عند بعضهم الآخر حتى وصلت الرؤيا في العمل الأدبي ((بمستوى أكثر غنى وكثافة وإيحاء، بعد أن تغدو جزءاً من العمل الأدبي، يستمد منه دلالته الجديدة))([88])، فالرؤيا من أهم مقومات الشعر العربي المعاصر، وهذا الأمر دعا النقاد إلى ضرورة تقديم مفهوم للرؤيا يسهل للباحث دراستها على وفق الآراء النقدية التي تقتضي دراستها في النقد العربي الحديث حتى ((تجاوزت مفهومها السائد الدال على مفهومها البصري والآخر الدال على الحلم، فالرؤيا هي لا يقينية تبدأ بالعقل وتمتد بالحواس والإشراق والإفاضة، والرؤية تقرير وتحليل، الثانية ابتكار وريادة، الأولى عقلية مقيدة، الثانية درسية انطلاقية))([89])، فالرؤيا والرؤية تستمدان ملامحهما ((من جماع التجربة الإنسانية التي يعيشها الشاعر في عالمنا المعاصر بتكوينه الثقافي والسيكولوجي والاجتماعي وخبراته الجمالية في الخلق والتذوق ومعدل تجاوبه أو رفضه للمجتمع وطبيعة العلاقة بينه وبين أسرار هذا الكون))([90]).

 ويبقى القول إن الرؤيا في دلالاتها اللغوية، والاصطلاحية، والصوفية اكتسبت أبعاداً ميتافيزيقية، فهي بصيرة تخترق عالم الحجب والأستار وتستبقي من الحلم ثراء دلاليا يوحدها مع الغيب، فهي بجذورها تضرب بعيداً عن الرؤية البصرية، وهي بمدلولاتها أضاءت جوانب كثيرة ولا سيما الجانب النقدي فهي حلم يرفض التجانس مع العقل، تكشف عما هو خفي وراء الواقع، وبهذا يظهر لنا المعنى المشترك للرؤيا بين الدين والمتصوفة من جهة وبين الشعر من جهة أخرى؛ لأن القصيدة تعد في الرؤيا فكرة غيبية والشاعر بقصيدته يسعى وينهد إلى الغيب([91])، ومن هذا المنطلق للرؤيا نجد قول الشاعر في نصّ (غرفة) كالآتي([92]):

غرفة كنتُ أودعتُها صورتي

عندما يحتويها المساءُ الوحيدْ

والليالي التي ترتدي الفقرَ ثوباً،

ترتدي الروحَ أسطورةً من حروفْ.

  إذ وظّف الشاعر بنية التشكيل الاستعاري المكنية على هيأة صورتين متلاحقتين الأولى عندما شخص الشاعر الليالي (المستعار له) الذي سكن الغرفة الحزينة واحتواها لوحده دونما أنيس أو جليس يزيل عنه تلك الوحشة، وجاء اختيار الشاعر لتلك اللفظة (المساء) إمعانا في وصف ما اعتراه من ألم ومعاناة، فالظلمة مع الوحدة تشكل بؤرة دلالية لدوال محسوسة على العمق الشعوري للنفس في أزمتها التي بلغت الذروة، وهنا شخّص الشاعر الليالي (المستعار له) أو الشبه إذا استعار لها ثياب الفقر كأنها نساء محرومات فقيرات، فهي ليالي بؤس وشقاء كما مزج الشاعر تلك الصورة بصورة حروفية عندما رسم بأسلوب التخيل المبدع أن روح الشاعر كانت قد ارتدت أيضاً ثياباً من أسطورة مكتوبة بالحروف، فامتزاج الصورتين وليد رؤيا حلمية جاء معبراً عن وصف التجربة الشعورية للشاعر، والحالة النفسية التي انتابته.

  وفي الصورة الثانية نراه يتصور المعنى وقد اعتقل حبيساً في نفسه فلا يستطيع التحرر من قيوده، وهي صورة استعارية لذلك الفكر المقيّد الذي يستطيع أن يصرّح برأيه، ولا يمكن لأحد أن يطلقه قط، فهي صورة ذهنية تعبر عن تجربة شعورية انفعالية أحس بها الشاعر وسطرها بشاعريته قائلاً في (محاولة في الجنون)([93]):

المعنى معتقل في نفسه

ولا أحد يستطيع أن يفتديه

   فالتشكيل الاستعاري أثر في النص بالتعبير عن عاطفة الشاعر المنفعلة الحزينة من جراء الواقع الذي يعيشه وما يكتنفه من مصادرة حريات وقمع لحقوق، وهذا كله صادر عن معاناة جعلت الصورة الاستعارية نابعة من وجدان الشاعر ووليدة رؤيا داخلية خاصة وتأكيد لعمق المأساة والآلام المتخلفين في وجدانه([94])، فتصور الشاعر (المعنى / الفكر) الذات مقيدة تتفاعل مع الحراك والمعاناة الداخلية لتكسب الصورة الاستعارية ديمومة هذا الاعتقال من خلال الرؤيا الحلمية.

  ويطالعنا تشكيل استعاري تصريحي في (ديوان الرقصات) يقول بها الشاعر([95]):

الرقصة الثانية

* انظرِ الآن ماذا يكون؟

- العصافيرُ ذكرى تجول

كلّما أضحكَ الوردُ أعشابَه بالدخانْ.

العصافيرُ ذكرى تجولُ القطاراتِ والأنهر النائمة،

المنافي التي أشعلتْ لونَ أثوابِها.

والعصافيرُ مُذ غادرتْ نخلَها المُنتظر

عانقتها السنين التي أشعلتْ جمرةً بين أجفانها.

* أشعلتْها إذن!

- ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تعصفُ

والعصافير قدّامها تركضُ.

ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تركضُ

والعصافير قدّامها تعصفُ.

... دورةً ثُمَّ أخرى،

... خطوةً ثُمَّ أخرى،

... نظرةً مِن وجومْ.

       إنَّ التشكيل الاستعاري التصريحي الاسمي وهو ما يُسمى عند البلاغيين بـ "الاستعارة الأصلية"([96])، أراد الشاعر به الإفصاحَ عن الصراع القائم الدائم بين تحقيق الآمال (المستعار له ) وما يحول بينهما من أزمات نفسية.

  صورة                     غادرت

المستعار      العصافير     تجول        الآمال        صورة المستعار له

  منه         الريح         تعصف         عقبات الزمن

        مطلع أو استهلال النص يهيئ المتلقي للنظر (البصر) فبدأ نصه بصيغة أمر (أنظر) وفعل (التجول) ثم يختم الشاعر (نظرة من وجوم)، ثم ليستفهم بعدها عما سُينظر إليه (العصافير) المستعار منه مواشجاً بين عناصر (الريح، والعصافير، والورد) الذي تحركهُ الرؤيا الحلمية ولاسيما لحظة (تجول العصافير) واشتعال (لون الثياب) و(جمرة بين الأجفان) جسّدها الشاعر للآمال التي يطمح إليها، مانحاً الصورة أملاً آخر علهُ يجدهُ في أثناء تجواله وسفره من مكان لآخر فدال (القطارات، والأنهر، والمنافي) و(تجوال، وغادرت) دوال كلها على بحث الشاعر الدائم عن الآمل المفقود، وهذا ما يعزز أثر الخيال البصري في انبثاق هذهِ الصورة اللاشعورية العميقة التي تتصل بالوجود التي يعمد إليها الشاعر ليظهر مكنوناته([97])، كما أن هذهِ الصورة الاستعارية تشهد تباعداً في أجزائها فلم تتوالد من التشابه وإنما من التقريب بين حقيقتين متباعدتين، وهذا اعتماد على التشبيه التخييلي لا التحقيقي بعد حذف صورة المشبه وإبقاء صورة المشبه به بإدعاء الاتحاد بينهما فكان أن تجسدت لنا صورة استعارية تجري على النمط التصريحي([98]).

       ودال (الريح) كما هو متعارف عليه يتخذ أحياناً ((شكل السلطة التي لا يغفر لانحناءاتها ما ترتكبه من تمزيق، وكونها كذلك لا يعني بالضرورة أن كل عاصفة تستطيع أن تسيطر وتقود وتقبض على الروح الشامخة والمتعالية والمدركة لأبعاد المرحلة كما هي مدركة ما وراء تلك الأبعاد))([99])، أي تدرك العصف المنبعث من الريح.

      ويطالعنا الشاعر أديب كمال الدين في تشكيل استعاري آخر بصور استعارية على نمط مكني يشخّص الشاعر الغرفة فيضفي عليها صفات محسوسة كما المرأة التي تفرش ثوبها للأغاني على سبيل التخييل التي ترنمت بإيقاع هادئ بعد ضوضاء صاخبة امتزجت بها أصوات البائعين، عبَّر عنها الشاعر بصراخ النهار الطويل فكان أنْ شخّص النهار إذ أضفى عليه صفات حسية فاستعار له الصراخ في الإنسان بشاعرية عالية تعكس مشاعر وخلجات أحسَّ بها الشاعر في نصه قائلاً: ([100])

 

غرفةٌ فرشتْ ثوبَها

للأغاني التي تبتدي بعد أنْ ينتهي البائعونْ

من صراخِ النهارِ الطويلْ.

وفي نص شعري آخر من (دجلة) يطالعنا تشكيل استعاري مكني قائلاً فيه([101]):

دمعي أحاط بي

فرفعتُ عيني إليك

يا دجلة السحر الأسود والعري الأسود

كان جرحي أكبر من عنوانكِ السريّ

وأعظم من غرقى فراتكِ الطفل

وبدأتُ أتمتم عند قدميكِ العاريتين

نجمةً تهبطُ تهبطُ تهبط

حتّى تضيع في أقصى سماواتكِ الوحشية.

      جاء النصّ الشعري على وفق التشكيل المكني الذي يشير إلى قدرة المخيلة الشاعرة وتمكنها، إذ جعل المستعار له (الدمع)، والمستعار منه (القدر، المؤلم ، المعذب)، فدلت الصورة الاستعارية على تجسيد حجم المعاناة التي تعانيها الذات وتعيشها وتطارده وتحاصره في كل مكان بدليل البؤر الدلالية الدالة على ذلك (الفرات، ودجلة)، وهذا مكان أرضي، (السماء) _ مكان علوي. كما (كان جرحي أكبر) (وأعظم) (فأكبر وأعظم) الدالة على (أفعل التفضيل) ليبرز بهذه العبارات عمق عذابه من قدرهِ الذي أحاط به، فخطابه يتأتى لبث الشكوى وتصوير معاناة الذات من الزمن (القدر)، وهذه الصور تدور حول ذلك الفلك وعبر مدلول لوني يرمز (للخوف، والحزن، والتشاؤم، والخيبة، ...) بيد أنها لا يمكن أن تكون صورة معادة ومنبثقة من ذاكرته قبل أن تكون نابعة من حقيقة التجربة والرؤية الخاصة لحقيقة واقعية شعورية تصويرية، كما أن الإظهار اللوني جاء نتيجة صراع بصري احتدم بالحركية التي كان من أهم نتائجها الانزياح، (فدجلة) زمن المنظور البصري تتمظهر على السطح يكون لونه (سمائي)، لكنها على وفق منظور بصري صراعي من شأنه توليد انزياح يكون أسود([102]).

  ويطالعنا تشكيل استعاري آخر في نص (إشارة الموت) قائلاً فيه أديب كمال الدين([103]):

فأغمغمُ محموماً من كأسٍ..

تتحدّثُ عن أزهارٍ تطلعُ صابرةً من بين القضبانْ

ويعربدُ في قلبي الجوع.

حشّد الشاعر صوراً متلاحمة من الاستعارة المكنية (التشخيصية) عندما استعار صفة حسية من المرأة قوله(تتحدث)، ولحق ذلك قوله(أزهار تطلع) مشخصاً تلك الأزهار فهي متطلعة إلى أمل التحرر من قيود الحياة وسلبياتها. كما شخّص الجوع على وفق نمطية من التخيل، فهو يعربد في قلبه الضعيف الهزيل الذي استكان لما حلَّ به.

المستعار له     (الكأس)، المستعار منه     (المرأة)، (تتحدث) دليل المستعار منه المحذوف(المرأة).

وفي نص شعري آخر من (امرأة) يقول أديب كمال الدين([104]):

البحرُ قد يبكي وقد تبكي النجوم

لكنّما لا شيء يبقى للتذكّرِ أو يدوم.

في موتيَ المقتولِ أبحثُ عنكِ يا امرأةً

تفرُّ من الغزاة

ومن الأفاعي والجنونْ.

وأظلُّ أبحثُ أو أغنّي جائعاً عُريانَ

ما بين المفازات البعيدة

وأظلُّ أقتلُ ساعةً في إثْرِها أُخرى تخونْ.

       يصف الشاعر حالة من الضياع والفقدان للمرأة التي عاشت متربعة في تصوراته حتى أنه يشخّص البحر (المستعار منه) فيضفي عليه صفة البكاء عليها، وكذا النجوم، فهو يشارك مظاهر الطبيعة والكون في إحساسه والشعور بتجربته المأساوية، ثمَّ إنه يصوّر على نحو البصيرة الشعرية التي تستمد ملامحها من المبالغة الفنية كيف يُقتل موته وهو يبحث عنها بلهفة وحرقه وهو لا يعلم لها طريقاً فتتكشف لديه آليتا الزمان والمكان في وحدة اللامعقول وهو يبحث ويبحث ولا ينقطع عن ذلك البحث.

      ويطالعنا تشكيل استعاري لصورتين متقابلتين، الأولى صورة تصريحية فالشاعر يستشعر روعة الجمال ويحس به بطريق شعره المتكون من حروف وكلمات ونقط تفصح عن آلامه وآمالهِ، راسماً إياه عبر صورتين متقابلتين، الأولى صورة تصريحية (إلى الجمال) الذي يمثل (المستعار منه) ليرمز به إلى (الشعر) وهو المستعار له، تقابلها صورة ثانية (اللغة) على سبيل الاستعارة المكنية إذ استعار لها صفات حسية متعلقة بالإنسان هي (اليد ، والشفاه ، والروح ).

     عميقاً تنزلق (الذات، الشاعر) روحه الكلية في (روح اللغة، والشعر)، لينفصل من (الشعر) عن الأرض فيؤدي إلى (الخط، والكلمات، والمعنى)، ليحقق في أثنائها هذا الانفصال اتصالاً مع الزهد فينزلق و تتماهى ذاته وروحه مع روح (اللغة، الشعر) حد الهذيان (اللاوعي)، الذي ينفصل فيها من كل انتماء إلى الجهات إلا إلى (جمال الشعر، واللغة) ليدخل فيما وراءها، إذ أن روح الشعر (القصيدة ورمزية الحروف). فيتضح اتحاد شبه كامل تمركز حول الحرف ونضج من (اللغة) ذاتها طالعنا عبر تشكيل استعاري مكني دال على مزيتي التخييل والإيحاء في رسم هذهِ الصورة الشعرية في (لا فائدة) قائلاً([105]):

حين ولِدَ الحرف (هل لولادته فائدة؟)

نزلَ ليسبح في بحرِ اللغة

حتّى كاد يغرق في بحرها المتلاطم العجيب.

قيلَ له: ابحثْ عن نقطتكَ يا هذا!

قال: هل من فائدة؟

قيلَ له: لا معنى لك دونما نقطةٍ فانتبهْ!

     ففي هذا التشكيل الاستعاري ينضج (جسم الحرف، وجسم اللغة) وينعكس من مركزهِ، الحرف يمثل ذات الشاعر، والنقطة التي تمثل لدى الشاعر مركز الكون كونه يستمد شعريته ووجود وثبات كينونته من خلال البحث والإمساك بالنقطة، لاسيما حين نقرأ نزوله (في بحر اللغة) فالنزول في اللغة والبحث (عن النقطة) والشاعر والإنسان بعامة كصلصال دائم البحث عن كيفية الخروج من حدود هذا الصلصال – الوحدة التي تعيشها (الذات، الشاعر) إلى رمزية الحرف وجمالية اللغة هو بحث ذهني خيالي، ليطالعنا نص شعري آخر يبث طوراً للإشراق([106]).

 

ثانياً: توظيف الرؤية في التشكيل الاستعاري

      إنّ (الرؤية الشعرية) تتضمن الرؤية القلبية العقلية في أثناء طرح الشاعر لتصوراته ومواقفه بإزاء واقعه ومجتمعه، وإزاء كينونته ووجوده، فـ (الرؤية) تجمع بين وجودين واقعي ومتخيل في تشكيل فني منسجم للتعبير عن تجربة معيشة محاولاً فيها إعادة إنتاجها في نصه الشعري، فالتفريق بينهما (الرؤية والرؤيا) عن طريق موهبة شعرية خاصة داخلة فيها الثقافة والفلسفة والتراث العربي الإسلامي والإنساني في نسيج الخطاب الشعري، صانعين لهذا الخطاب حصانة من الانقراض؛ لأنهم لم يكتبوا ضمن شروط اللحظة الراهنة التي يرونها ويعرفونها، بل رأوها في إيقاعها التاريخي([107]).

     فإننا نلحظ أن(الرؤية الشعرية) ليست مبدأ معينا بقدر ما هي ظاهرة شمولية تشمل كل الأعمال الإبداعية سواء أكانت شعرية أم غير شعرية، فإن)الرؤية الشعرية) تضم بين أحضانها حتى ما يسمى بــ(الرؤيا) التي تنقلنا إلى المتخيّل والماورائي، وبهذا فالرؤية الشعرية تنفتح على الذات والعالم من خلال الوسائل الحلمية والحدسية و عمق التأمل ثم الامتزاج بالكون والتوحد بأشيائه([108])، ولا شيء يجعلنا ندرك قيمة الناحية الإبداعية والفنية وأهميتها سوى الرؤية التي تخلد العمل  وتجعله إنسانيا ومتلاحما بكل تفاصيله، عكس بعض الأعمال تكون سطحية جزئية بعيدة كل البعد عن أن تكون جوهرية عميقة، مجرد صور هشة لمظهر))بعمق جوهر الذات الإنسانية، ذلك أن مثل هذه الأعمال الأدبية هي من مظاهر الحياة المختلفة تكشف عنها القصيدة الشعرية في رتابة، ومن خلال رؤية سطحية عقيمة ... إن هذه الأعمال تدخل في" الإنتاجية "العامة، تستهلك في وقتها وفي حدود العصر الذي تنشأ فيها))([109])، أعطت الرؤية الشعرية المجال الواسع في المجال النقدي لتصل إلى تحديد الفوارق الجوهرية بين المبدعين فكان الهدف المبتغى الوصول إلى التعبير النقدي السليم فضلاً عن الذوق الفني والجمالي في توظيف الصور والمعاني والأفكار والإيقاع، فالشاعر المبدع هو من يعبر عن رؤياه الشعرية بقدرة فذه وخيال واسع ، ذلك أن الأديب المبدع الحق ((ينفرد .. بطاقة رؤيوية تنفذ إلى جوهر الحقائق الأساسية في الوجود وبقدرة على التعبير تتخطى اللغة التقريرية إلى لغة مجازية إيحائية، وعندما تتعمق رؤيا الأديب وتتضح يبلغ تعبيره أبعادا رمزية وأسطورية تعيد خلق اللغة والوجود))([110])،  قد رأى بعض الباحثين أن نجاح الأعمال الإبداعية  يتمثل في هذه الرؤى المستوحية من الجانب الشكلي للأثر الأدبي، وهذا ما يثير قضية الشكل والمضمون بدليل أن الرؤية الشعرية هي أفكار يستوحيها الشاعر من مخيلته يعبر عنها بالألفاظ اللغوية والأساليب البلاغية التي من خلالها يمكن التميز بين الشعراء ومعرفة المبدع من غيره، فيمكن القول إن الرؤية الشعرية كتلة متلاحمة الأجزاء ومتناسقة وهناك ربط عميق بين الشكل والمضمون فلا يمكن الفصل بينهما مهما بلغت درجة البلاغة والجمال إلاّ لآجل الدراسة والبحث؛ لأن أهم هواجس الشعر ((خلق صورة ذهنية يخالطها فعالية تخيلية لدى المشاهد _المتلقي_ تتوجه لخلق صورة أيقونية حسية ماثلة أمام عيني المتفرج _ والمتلقي _ والمطلوب منه أنْ يماهي هذه الصورة مع مرجعيته العاطفية والفكرية والجمالية، أي ينفعل بالصورة على وفق هذه المستويات، إن هذه الإنفعالية لا يمكن أن يتمثلها المتلقي مالم تنبع من تجربة مُعاشة ... تجربة فعلية أو محتملة))([111])؛ لذلك يرى الشاعر الألماني (ريلكه) أن الأشعار ليست ((كما يتصور الناس ببساطة مشاعر ... إنها تجارب، ولكتابة بيت واحد على المرء أن يرى مدناً عديدة وأناسا وأشياء))([112])، وفي أثناء دراستنا لمجاميع الشاعر أديب كمال الدين نرصد نماذج من التشكيلين الاستعاريين (التصريحي والمكني)، نحو ما جاء في (إشارة المدن)([113]):

مُدُنٌ: مأوى لرغيفٍ مُحْتضرٍ

ورغيفٍ مغموسٍ بالشهدْ،

مأوى للكوخِ المهدومِ، القصرِ الملآنْ

بالمرمرِ والغلمانْ،

مأوى لشوارع قد سُقِيتْ بالرغبةْ،

لسيوفٍ تخفي جسدَ امرأةٍ من دُرٍّ مُلتهبٍ..

تترجلُّ من هودجها الأسْوَد.

مُدُنٌ: مأوى للسرّاقِ، الشرطةْ

للشحّاذين، الخيلِ، البقّالينْ

مأوى لنساءٍ شَبِقاتٍ،

أطفالٍ ضاعوا، أرصفةٍ لا تحوي إلّا غُرباء.

يرسم الشاعر بالرمزية الحروفية صورتين متناقضتين متقابلتين، الأولى صورة تشخيصية للفقير الذي رمز إليه بالرغيف واستعار له صفة حسية تتعلق بالإنسان هي (مُحْتضر) على سبيل الاستعارة المكنية، تقابلها صورة ثانية للغني على نمط الاستعارة التصريحية الذي استعار له صورة الرغيف المغموس بالشهد كما في المخطط التوضيحي:      

                 تنوع الاستعارة يؤدي إلى تنوع الصور

          الاستعارة المكنية                            الاستعارة التصريحية

             المستعار له                                   المستعار منه

الصورة الأولى     الرغيف المحتضر       الصورة الأولى    رغيف مغموس بالشهد

صورة مولدة   مأوى للكوخ المهدوم    صورة مولدة   القصر الملآن بالمرمر والغلمان

الصورة المقصودة       الفقير المعدوم        الصورة المقصودة       الغني المترف

      فهاتان صورتان مشاهدتان من قبل الشاعر على مستوى المدن التي رآها جميعاً، فانعكس ذلك في شعره بوضوح، وهو انعكاس لحالة اجتماعية متناقضة تعيشها المدن كل زمان ومكان ويوغل الشاعر في بسط الصور لتلك المدن التي مثّلت المأوى أو الملاذ الآمن لشخوص عدة كالسراق، والشرطة، والنساء، والشحاذين، والأطفال، والغرباء.

      ونلمح في تشكيل استعاري آخر ذات اختزال تعبيري ولاسيما حين يصف (الحاكم، الجلّاد) المستبد و(الإنسان (الذات)، المقموعة) فضلاً عن وصفه لتلك الأغلال الصدئة وواقعه الذي أضحى (مزحة سوداء) فيقول في (صيحات النقطة)([114]):

استبدلتُ جلّادي بجّلاد آخر

كان الأول طويلاً وكذاباً

وكان الثاني قصيراً مليئاً بالسمّ.

استبدلتُ أغلالي بأغلالٍ أخر

الأولى كانت صدئة

والثانية مليئة بالمجهول.

واستبدلتُ مدينتي بمدينة أخرى

الأولى كانت بلا هواء أو نساء

والثانية كانت بلا ماء أو شمس.

***

لم يعد الشعرُ قادراً

على مجاراة ما  يجري

فالواقع تحوّل إلى مزحةٍ سوداء

يرددها كلّ دقيقة عقربا الساعة

دون أن ينظرا إلى الخلف

أو  إلى الجمهور .

      حشّدَ الشاعر صوراً متقابلة وحاصلة لدلالات سلبية لصورة (الحاكم الظالم) الذي استعار له صورة (بالجلّاد) الطويل الكذاب من خلال رؤيا حلمية. ثم تقابلها صورة تشخيصية (للإنسان المقموع) الذي يرمز له بـ (عقربي الساعة) واستعار لها صفات حسية متعلقة بالإنسان هي (النظر والنطق) وكذلك صورة تشخيصية لذات الشاعر الذي رمز إليه بالشعر واستعار له صفه حسية متعلقة بقدرة الشاعر الكتابة على سبيل الاستعارة المكنية.

      فهاتان صورتان مشاهدتان من قبل الشاعر على مستوى واقعهِ المعيش فانعكس هذا في نصهِ الشعري بوضوح، فضلاً عن إضفاء الصفات السلبية التي أطرت هذهِ الصورة بحيث يصل إلى متلقيه باللاوعي فيتأمل المشهد ويتفاعل معه، فحاول بيان القمعية التي مورست ضده والتي مورست على أبناء شعبه في كل مكان وزمان فأوغل الشاعر في بيان هذهِ السلبيات لذلك الحاكم الذي بدا قمعه واضحاً حتى على كتابتهِ، فحاول استشعار الطاقة الفنية لينزاح بها عن المألوف ويعيد تشكيلها ضمن رؤية متحركة عمادها تشخيص (الشعر، والوقت)([115]).

    (الشعر، والمدن، والواقع) وإضفاء صفة لونية سوداء على المزحة في تناقض مستمد من لدن الشاعر، فأضفى صفة على غير الموصوف لمباغتة أفق المتلقي وبعثه على التخييل توسلاً إلى معرفة القصد.          

المزحة              سوداء

الضحك (الفرح)        الحزن والتشاؤم

       وهي بؤر دلالية توحي بالقسر والإجبار المفروض على ذات الشاعر من قبل الحاكم، فضلاً عن أن (الشعر لم يعد قادراً) إيحاء و دليل على إلغاء السلطة للسان أي إلغاء الحرية الثقافية والفكرية التي فرضت عليه، قدم تعبيراً على رمزية الإيحاء؛ لأن الشعر إشارة ورمز إلى الذات الشاعرة المحكومة في دائرة السلطة.

ثم يقدم لنا تشكيلاً استعارياً آخر في (حياة) قائلاً([116]):

يا لها طفلتي

كلّ يومٍ لها نزوةٌ غامضةْ،

كلّ يومٍ لها ما تشاءْ!

      صوّر الشاعر الحياة بشخص الطفلة الغرّة التي تتقلب في نزواتها وهكذا الحياة تتقلب أيامها بين خير وشرٍّ وسعادة وشقاء، فكان أنَّ صرّح باللفظ الدال على المستعار منه الطفلة وحذف ما يدل على المستعار له وهو الحياة عامداً إلى تحريك ذهن المتلقي ومداعبة مخيلته بشيء من الإحساس بحب الحياة على ما فُطرت عليه من تقلبات، فهو يناديها بدلال وغنج (يا لها طفلتي) التي يلتمس لها العذر متى أخطأت أو أساءت إليه على نحو من الإيحاء والشعور بحتمية التواصل مهما يكن من أمر.

      وفي تشكيل شعري آخر ينزاح الشاعر أديب كمال الدين المولع بالحرف واللعبة الحروفية إلى استدعاء علامية حرف النون للبحث عن المرأة العاشقة وعن الزمن وبدايات (الذات، الحرف) التي عدّها لحظة خروج من عتمة المطلق و وحشة البياض إلى تخصيص العلامة وتأسيس البياض اللاوجود أو (العدم) بـ (العلامة)([117])، قائلاً في (محاولة في الحرف)([118]):

سقطت النون

وتحوّلتْ إلى عاشقٍ أبله

وامرأةٍ أذلّها الدهر

فسلبَ منها طيورها الأربعة

وشبابيكها الأربعة

وتاءَ لذتها التي ألقت القبض عليّ

     قدّم الشاعر تشكيلاً استعارياً تصريحياً عن المرأة العاشقة التي أذلّها العشق والبعد القسري عن المحبوب والفراق، وهذا السلب والتحول والسقوط جعلها تفقد (طيورها الأربعة) و(شبابيكها الأربعة) و(التاء) عبر لوحة تعبيرية مرتكزة على إيحائية الشاعر وعن موقف انفعالي لتجربة انزاحت عن ترعتها العقلية المفروضة من قبل القرينة البلاغية في الصورة المعبر عنها بالألفاظ (عاشق، وامرأة، وأذلها الدهر)، فنقل التركيب من الحسية والتجسيد إلى الغربة وسلب منها (طيورها الأربعة، شبابيكها، تاء لذتها) فضلاً عن خصوصيتها الأسلوبية التي انمازت في قدرته على التكييف مع سياق الجملة وأسلوب ربطهِ لعناصر الصورة الاستعارية مع الوعي الباطن والتجربة الشعورية التي رافقت شيئاً من التخييل، وفقاً لما يبتغيه الشاعر من محمولات دلالية.

      في نص شعري آخر من قصيدة (شارع الحشاشين) يقول الشاعر([119]):

أيّهذا النبيّ الكذّاب!

فارتبكتُ

وارتجفتُ

وجفَّ حلقي

وغامتْ عيناي

ولم أعدْ أبصرُ شيئاً .

    نلمح في الصور الاستعارية استعارة مكنية مكونة من (الاسمي والفعلي) كما في المخطط الآتي:    تشكيل الاستعارة المكني        

          النبي الكذاب          الحشاش          أصلية ( اسمية )

صورة المستعار له                                     صورة المستعار منه

        غامت عيناي           حالة اللاوعي         تبعية ( فعلية )

نلحظ اختزالاً تعبيرياً ولاسيما وهو يصف الحشاش الذي يرى أشياء غير واقعية ليس لها وجود إلّا في خياله، فضلاً عن تقويته للاستعارة المكنية وبيان دلالتها إذ رشح بما يلائم المستعار منه بمشهد تصويري مرئي لمتلقيه (ارتبكت، ارتجف، جفّ حلقي، اللاوعي، عدم الإبصار) لتلتحق وتتعانق مع حالة اللاوعي وحالة فقدانه لوعيه دلالياً وصورياً.

        ويطالعنا الشاعر أديب كمال الدين في نص شعري آخر يتضح فيه التشكيل الاستعاري التصريحي المتمثل في (تعانق الصور) المستعار منه، أما المستعار له فهو العشق الذي ألمَّ بذات الشاعر في قصيدة (إلى أين؟) قائلاً فيها([120]):

الشراعُ وسط السفينة

السفينةُ وسط البحر

البحرُ وسط قلبي

قلبي الذي يغرقُ شيئاً فشيئاً

في حلمه الهادئ العنيف.

***

السفينةُ وسط البحر

السفينةُ تمضي بجسدينا

أنا وأنت

أنتِ عارية كالرغبة

وأنا الرغبة نفسها، عريها، نارها الخالدة

أقبّلكِ من أقصى الصباح إلى أقصى المساء

أقبّلكِ من أقصى الشفتين إلى أقصى القدمين

أقبّلكِ من أقصى الدمِ إلى أقصى البحر

والبحرُ يمضي بنا عاريين

إلى أين؟

أصرخُ: يا إلهي، إلى أين؟

أفصح الشاعر في نصهِ الشعري هذا عن تشكيل استعاري تصريحي يتمثل في تعانق الصور

( الشراع        السفينة            البحر)        وتمثل صور المستعار منه

  (البحر          قلبي           حلمي )  

       من أجل الإفصاح عن مشاعر وأحاسيس إنسانية تتمثل في (العشق) المستعار له وعبر مفردات أضحت هي المكون لتركيب أو فكرة العشق الذي ألمَّ به، إذ تتجلى شعرية هذهِ المفردات (عارية، والرغبة، والتقبيل) و(السفينة، والبحر، والمضي) من إنضوائها في سياق صوري يمكننا عدّه من أرفع أشكال التخييل، خصوصاً وأنَّ الشاعر ضمَّ مفرداته بموجب الإحساس والإنفعال([121])، فيتجاوز الشعور إلى مرتكز لا شعوري (ميتاسايكولوجي) يغمره حدس مثاقف لأبعاد الحلم (في حلمه الهادئ العنيف) وأثره البادي والواضح على (القصيدة) بحيث تماس الإبحار والمضي ليتواصل في إبحاره إلى الرقي أو الارتقاء بالمعنى، ومن ثم التماس بين (العاشق ومعشوقته) فيقول (السفينة تمضي بجسدينا أنا وأنت، أنت عارية كالرغبة وأنا الرغبة نفسها) والتقبيل فيقول (أقبّلك من أقصى الصباح إلى أقصى المساء ...)، ففعل التماس والتقبيل متأتٍ من حالة الرغبة بوصفها أثراً متحولاً في الجملة الشعرية والرغبة هي العري والعري هو النار الخالدة. ثم تمضي السفينة بجسديهما العاريين فيختفي الغياب إلى حضوره الواضح من المستقر إلى اللامستقر:

الشراع         السفينة       البحر         ظاهر ( فضاء)

قلبي         يغرق شيئاً فشيئاً         باطن        مستقر

السفينة      تمضي      إلى أين      اللامستقر      (فضاء)(أصرخ يا إلهي إلى أين؟).

       الغياب الذي يتمثل في (الحلم، القلب) والحضور يتمثل في (البحر، السفينة) وهذا اللقاء الذي رسمته الصورة بين (الشراع، السفينة، البحر) (القلب، العاشق، المعشوقة) لكنها انتقلت إلى لقاء آخر بين الواقع والحلم حتى ارتفعت الدلالات والتقاء كامل جسدته المفردات على فضاء الصفحة الشعرية (الرغبة، العري، التقبيل). فضلاً عن أنَّ الفعل المضارع بدأ واضحاً في المقطع الثاني (أقبّلك، ويمضي، وأصرخ) في حين غلبت الجملة الاسمية على الفعلية في المقطع الأول([122]).

     ونرى أن الشاعر عبَّر عن الرؤيا والرؤية بخيال فذ وقدرة عالية إذ أدى الشاعر في تشكيله الاستعاري عبر موضوع الرؤيا والرؤية إلى تشييد الأنموذج الشعري والموقف الفكري والإيديولوجي من الظواهر الذاتية والموضوعية بصورة حسية ورمزية وإيقاعية تلائم التجربة التي عاشها الشاعر سواء أكانت واقعية عبر الرؤية أو خيالية حلمية بواسطة الرؤيا، استمد معانيها من واقع الحياة بما فيها من عبر وتصورات حول مصير الإنسان وحياته.


 

المبحث الثاني

فاعلية التشخيص والتجسيم في إثراء التركيب الاستعاري

       إنَّ الصورة الاستعارية تنبع بحسب التجربة الشعورية ومعاناة الشاعر التي تكشف عن المعنى الإنساني والحقيقة الفنية معا، ولم يقتصر ظهورها على موضوعات معينة بل اتخذها أداة تعبيرية فنية في أغلب ما طرقه من موضوعات، فصورها تصويرا يلائم نفسيته مع الحرص على أن تكون أكثر وقعا في النفوس، وتكتسب الاستعارة أهميتها في الخطاب الشعري بوصفها نقطة الارتكاز المهمة التي يستند إليها أسلوب التصوير البياني لما لها من إسهام فاعل وتأثير كبير في منح الصورة الشعرية عمقاً في المعنى وبُعداً فنياً يثير الخيال، إذ يوسع من آفاقه الرحبة إذا ما استطاع الشاعر المبدع أن يختار الألفاظ الموحية، ويوظّفها في غير ما وضعت له من معانٍ، لوجود قرينة تمنع إيراد المعنى الأصلي([123])، لذا سنركز على أهم نوعين للاستعارة هما:

1- الاستعارة التصريحية

      وتعرف بأن ((يشترك شيئان في وصف وأحدهما أنقص من الآخر، فتعطى الناقص اسم الزائد مبالغة في تحقيق ذلك الوصف له ))([124])، أو هي ((ما صرح  فيها بلفظ المشبه به دون المشبه )) ([125])، وهناك من رأى أن التشبيه هو الشكل الذي تطور وارتقى حتى تحول  إلى الاستعارة التصريحية، فهي إذن تعد الشكل المتطور الذي انتقل إليه التشبيه([126])، لأنها ((مبنية على أساس حلول حسي محل حسي آخر )) ([127]).

2- الاستعارة المكنية

      وهي التي لا يُذكر فيها لفظ المشبه به، بل يحذف ويُرمز بلازم من لوازمهِ([128])، وبلفظ آخر هي ((ما حذف فيها المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه)) ([129])، وقد مال الشعراء إلى هذا اللون من الاستعارة بكثرة ملحوظة مضاهاة بالنوع الأول (التصريحية) لا لشيء إلا بأنّها ((غنية بالخيال والمبالغة فالخيال فيها أظهر والمبالغة أوضح وهذا من جمال أسلوب الاستعارة ))([130]).

     ويبقى القول إن الاستعارتين (التصريحية والمكنية) هما الميدان الفسيح الذي انماز فيه نص الشاعر بوصفهما ((من أهم أساليب الكلام وعليها المعول في التوسع والتصرف وبها يتوصل إلى تزيين اللفظ وتحسين النظم والنثر)) ([131]).

      وإنَّ الاستعارة تستمد جمالها وحيويتها من مقدرة الشاعر الفنية في إكساب المعاني والأشياء دلالات جديدة، والبعد بها عن حدودها الجامدة، ولا شك أنَّ الاستعارة تضفي على الصورة جوًّا من الحيوية والحركة، إضافة إلى إكساب في المعاني ثراءً وخصوبةً، ولعل أكثر الصور الفنية التي يلجأ إليها الشعراء وسيلة من وسائل تقريب المعنى هما (التشخيص والتجسيم) ويسعى هذا النوع من الاستعارة إلى تحقيق أحد الغرضين: أول هذين الغرضين هو تجسيد الأمور المعنوية وإبرازها للحس في كيانٍ مادي ملموس، وثاني الغرضين هو تشخيص الجمادات وبث الحياة فيها ومنحها الحركة بشتى مظاهرها([132]).

       فالتجسيد يعني (( تقديم المعنى في جسد شيئي أو نقل المعنى من نطاق المفاهيم إلى المادية الحسية)) ([133])، وفيه يتم إلحاق المعنويات بالحسيات، إذ يتم تحويل المعنويات المجردة إلى حسيات تنسجم مع الحواس؛ لأن الألفاظ تغدو حينئذٍ ذات طاقات تصويرية إضافية تفوق تلك التي تنوء بها الحواس وحدها ابتداءً، إذ تتحول إلى حوامل جسمانية ثنائية المحمولات لا بين حاسة وحاسة، بل بين الداخل والخارج بين ما يشترك فيه الشاعر مع الآخرين أو بين ما يستقل بالشعورية وحده مما لا يدركه أحد سواه فكون هذا الزواج الثنائي عن طريق التجسيد هو تفريغ لذلك وإشراك للآخرين واطلاعهم على ما استأثرت به أحاسيس الشاعر الدفينة ؛ فهو نوع من التصوير ينقل الداخلي على أنه روح أو معنى متجسد من موضوع، وينقل الخارجي على أنه موضوع مستقل الوعي([134])، فهو من وسائل تقريب الصورة وتزيينها للإبانة عن المتخيلات الشعرية، والاهتداء إلى ما فيها من حسن وجمال([135]).

      ونجد أن النقاد قد اختلفوا بشأن تسميته، فالدكتور شوقي ضيف([136])، والدكتور عبد الإله الصائغ([137]) أطلقا عليه اسم (التجسيد)، وقد رأى أحد الباحثين([138])، ضرورة إهمال هذا المصطلح لما وجده من تباين في دلالته عند النقاد، وهناك من الباحثين من لم يفرق بين مصطلحي التجسيد والتجسيم([139])، ومنهم من يرى الفرق بينهما؛ لأن الجسم لكل المحسوسات والجسد خاص بالإنسان فهو بهذا يرى التجسيد تشخيصا، أما الدكتور عبد القادر الرباعي فقد ذهب إلى أن التجسيد تقديم المعنى في جسدٍ مادي حسي أمّا التجسيم فهو الارتقاء بالمعنى المجرد إلى مرتبة الإنسان فهو يدخله ضمن التشخيص([140]).

      فالتشخيص من أهم الوسائل الفنية وأحد أهم المرتكزات التي يعتمد عليها  الشاعر؛ لإيصال معانيه وأفكاره بصور فنية تشعُر وتحسّ، وتسمع وتتكلم، فيبث الحياة فيما لا حياة فيه، ويحتاج التشخيص إلى ملكه شعرية خاصة قادرة على النهوض به ومستعدة لخلق الأشكال للمعاني المجردة وإيداع الرموز للأشكال المجردة والمحسوسة لتصويرها كما تقع في الحسن والشعور والخيال؛ لأنه ضرب من الخيال([141])، وبطريقها يستجمع الشاعر قدراته الخاصة على تجميع ملامح اللون مع دقائق الشكل والمعنى والحركة، ويتطلب أسلوب التشخيص من الشاعر خيالاً خصباً، ونضجاً يستلزم منه القدرة على الإلمام بمحتويات الصورة، وعرضها في شكل فني متكامل يكشف ما بينها من علاقات، فحين يتلبس الشاعر بتجربته ويعايشها معايشة صادقة، فإنه يذوب في حَناياها حتى لا تكون ثَمة فوارق بين الأثر موضوع التجربة والمتأثر الشاعر، وهنا تصبح الطبيعة في نظر الشاعر ذاتًا إنسانيةً تسمع وتتحدث وتشعر وتنفعل وتتجاوب، ويستخدم الشاعر في تعبيره عن هذا الامتزاج الوجداني لغةً استعاريةً لا تعترف بالحدود بين الأشياء، وتخاطب الكائناتِ على أنها أشخاص تتجاوب معها وتلتحم، وهذه الظاهرة اللغوية الفنية يطلق عليها (التشخيص)، وهو أن يخلع الشاعر الملامح الإنسانية وصفاتها وفعالها الخاصة بها على المعنويات أو الحسيات الأخرى([142])، فالتشخيص هو ((إلقاء رداء من الذات على الوجود، ومنحه القدرة على التحسس والشعور، فالوجود جزء من كيان الشاعر، وامتداد من خياله، فتُمنح الكائنات وعياً إنسانياً يتحسس ويشعر، فيتحوّل الوجود من صورة واقعية جامدة دقيقة الأصباغ إلى قطعة من حياة ناطقة الملامح))([143])، فهو من الوسائل التي تمكن الشاعر من تصوير المعنويات والمحسوسات في صورة كائنات حية عاقلة على أساس تشخيص المعاني المجردة ومظاهر الطبيعة الجامدة في صورة كائنات حية تحس وتتحرك وتنبض بالحياة وإضفاء الصفات والخواص الإنسانية على الأشياء والمفاهيم التجريدية([144])، ومن هنا ارتأيت تقسيم المبحث على :

1-     التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الذات

2-    التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الزمن

3-    التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الموت

أولا: التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الذات

      تنتحب الذات في شعر الشاعر حينما تثيره الأشواق وتؤججه الذكريات، ويعرف هذا النوع من الشعر بالأدب الابتداعي، والذي يعنى بذات الشاعر ويعبر عن وجدانه وعواطفه؛ لأن الابتداعيين لا يتحدثون إلا عن أنفسهم وشعرهم مدارة العاطفة الجياشة والذهن المشتعل وطابعه الذاتية والتأمل والصوفية الحالمة ومصاحبة الآلام والأحزان والتجارب الحزينة فضلاً عن التعلق والاندماج مع الطبيعة([145])، ومن خلال التشكيلات الاستعارية النسقية لألفاظ (الحب، ومرض، ووباء، وجنون، وضياع، وزلزال، وجريمة، وخطأ)، نراها مختلفة بيد أنها تبيّن مظاهر متعددة في تصور واحد، فكل واحدة من هذه الاستعارات تعطينا منظوراً واحداً لتصور الحب، وإذا ما أردنا فهم تجربة هذا الانزياح الاستعاري المكني (للحب) فأننا عادة ما نستعين بتصورات نفهمها بوضوح أكثر، وتكون أكثر التصاقاً بتجاربنا، فنحن نعمد إلى الإستعانة بتصور الحب (( نواة مبنية بشكل أدنى بوساطة التفريغ المقولي: الحب، عاطفة، وبوساطة الارتباط بالعواطف الأخرى، نحو الميل نحو أحدهم، وهذه الأشياء الأنموذجية في التصورات العاطفية التي ليست مرسومة بوضوح في تجاربنا المباشرة، وبهذا يتم فهمها بدءاً بشكل مباشر، أي عبر الاستعارة))([146])، فيما لو توقفنا عند حد هذه اللفظة (الحب) نلحظها تشير إلى معانٍ لتجارب حتى تفهم بها الناس التصورات المعتادة من خلال هذه الاستعارات النسقية مثلاً نجدها تشير إلى:   الحب بحسب رؤية الشاعر

     

العاطفة        الحنان           الولع              التفاني          الرغبة

     إلا أنه لا يشار مطلقاً إلى الكيفية التي نفهم بها (الحب) من خلال استعارات (حب، ومرض، وجنون، وجريمة، وزلزال)، فلم نجد ما يحيلنا إلى المعنى الذي أعطانا الحق بالقول إن هذه التعابير عبارة عن طرائق اعتيادية في الحديث عن تجربة الحب في ثقافتنا، من خلال التلميحات الواردة إلى هذه الاستعارات العامة في المعاني الثانوية للكلمات نحو (حب، وجنون، ومرض، وجريمة) بوصفها معنى ثانوياً لكلمة ذات دلالات متنوعة:

مجنون = مفرط في الحب أو مفتون

مرض  = مفرط في التعب والحزن لهذهِ العلاقة

زلزال   = في هدّ هذا الإنسان وانهياره

       إلاّ أن هذه الإشارات ترد بوصفها جزءاً من حدود هذه الكلمات، وليس بوصفها جزءاً من كلمة حب([147])، وتنبع هذه من صميم ثقافتنا، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياتنا اليومية مما يجعلنا نقول بأن بنية (الجنون، المرض) تكتسب مظاهر من بنية استعارة الحب، كون إدراكاتنا وسلوكياتنا تتوافق وتتطابق في جزء منها لأنشطة، سلوكيات وإدراكات تصبح استعارة الحب جنوناً .

     فيتم تصور الحب بوصفه شيئاً لا يتم التحكم فيه، في حالة الحب جنون وما عدا ذلك كان الحب مرضاً فيتم نقل عدم تحكمنا في صحتنا وسلبيتنا في هذا التحكم إلى الحب.

     وهذهِ كلها تعد مظاهر سلبية للحب موجودة في هذه الاستعارات (مرض، وجنون، وجريمة، وموت، وزلزال)، ((فإنها تسلط الضوء على مظهر آخر يشبه المس بالجنون وهذا المظهر نجده في ربط ثقافتنا بين العبقرية الفنية والجنون))([148])، وفي هذا الصدد قال الشاعر أديب كمال الدين في (نون)([149]):

قلبي،

يا جنوني المُتّزن

...

أعتذرُ إليك

ثانيةً وثالثةً ورابعةً وخامسةً وسادسةً وسابعة

حتّى تكتمل بي سمفونية الاعتذار

ويكفّ الاعتذارُ نفْسه عن الاعتذار!

     وفي نص آخر من (نون)([150]):

حُبّكِ جرّاح

سيقتطعُ جزءاً من قلبي

وحين يعجز سيضعُ لي

شيئاً من السمِّ أشربه فأموت.

...

حُبّكِ وباءٌ أصابَ خلايا جسدي كلّها

فتساقطتْ كجبلٍ منهار.

      إنَّ التجربة العاطفية التي سكنت أعماق الشاعر نابعة من عاطفة مرتبطة بالقيم النبيلة، قد تتحول إلى حكمة إنسانية ومشاعر صادقة فهناك علاقة تصل بين الحب ((بوصفه تجربة إنسانية عزيزة وبين الحب بوصفهِ تجربة دينية، وليس أدل على الصلة الوثيقة التي تربط التجربة الدينية بالحب من ذلك النزوع المشترك الذي يجمع بين الصوفي والعاشق نحو الاتحاد بالمعشوق))([151]).

     والانصهار بين الحب والتصوف على الصعيد اللغوي بدأ يظهر واضحاً من خلال استعارة العشاق للمعجم اللفظي الديني في التعبير عن حبهم، حتى مال بهم الحال لأن يبيح العشاق لأنفسهم إطلاق ألفاظ العبادة على تجربة الحب   عبد        الحبيب

                عابد       المحبوب

وكان الشاعر أديب كمال الدين واحداً من هؤلاء المتصوفة. ومن جانب آخر فإنَّ الصوفية استعاروا لغة الحب الإنساني للتعبير عن مفاهيم العرفانية ذات الطبيعة الدينية الخاصة نحو ما يلحق بالمحب من ( سقم، وذبول، وسهاد)([152]).

      إنَّ فكرة، العشق الإلهي والوجد من الأفكار الأساسية عند متصوفة الإسلام والوجد هو شدة الحزن والحنين وتعلق النفس بشيء كانت أحبته فغاب عنها، أو فارقها أو فارقته، فثارت عواطفه في الجنان، وجاشت المشاعر في النفس، وبهذا يعد هو الحافز إلى الاكتمال، والمحرك الأقوى للمشاعر. وهذا لا يكون إلاّ في الذات المنتظمة نحو مثل أعلى صادق([153])، والشاعر أديب كمال الدين ربط بين التجربتين الصوفية والشعرية في إطار عشقي، فقد نحا الشاعر منحى آخر حينما اتخذ تجربة الحب المشوبة بطابع عرفاني معادلاً موضوعياً أو رمزاً لتجربة الأبداع الحروفي في كتابتهِ الشعرية. هذا التمازج والذوبان في دائرة التجربتين العشقية والإبداعية كان تجسيداً للتوحد والتماهي([154])، وربما (الحلول) بمعناه الصوفي بين كلٍّ من العاشق والمعشوق بين الإبداع الحروفي الرمزي وأديب كمال الدين.

   وفي نص شعري آخر نلحظ تشكيلاً استعارياً تصريحياً يصف فيه روحه بأنها صبورة على ريب الزمان وهو عاشق لما هو روحي ومقدس في (التباس نوني) قائلاً([155]):

هذه ليست النون،

هذه بداية مقدسة للنون.

هذا سطوع روحي

وحُبّ جارف كالشلال

كاحتواءِ الهلالِ لنقطةِ النون.

       انزاح الشاعر في تشكيله الاستعاري ليرمز إلى روحهِ وإلى بكائه ونوحهِ وقدرتهِ على الصبر، فاستعار أديب رمزية حرف النون (المستعار منه)، إذ يجد الشاعر بداية لكل حرف ويفرضها دونما تحديد لنهايته، تأسيساً منه لتصور من أن حروفية الذات الشاعر لا تنتهي ومشروعه وعذاباته لا تنتهي وتكتمل. إذ نرى أن بين البداية والنهاية المفتوحة تؤدي الحروف والنقاط أثرها الفاعل في رسم لوحة العالم الجمالي الذي يقصده الشاعر([156])، كما يعيد الشاعر أديب كمال الدين مشهد النون ((ممثلاً في الهلال والنقطة ورسم الحرف العربي بذائقة فنية فردية حادثة كي تلتقي في الأثناء القدامة والحداثة معاً استناداً إلى قداسة الأصل ودهشة اكتشاف الأبعاد السرية الكامنة في هذهِ القدامة ومدى الاقتدار على التجدد عبر الأزمنة والعصور والذوات الفردية والمتقلبة))([157]). فقد أفاد الشاعر من الرمزية الحروفية ليرسم عبرها صوراً متلاحقة من التشكيلين الاستعاريين التصريحي والمكني التي يوضح من خلالها ((ارتباط تجربته الحروفية بعذاباته، وبين التعبير والتشكيل بالكلمات والأشياء على اعتبار أن أي تجربة شعرية لا يمكن أن تكون مفصولة عن كيانه الاجتماعي والتاريخي والثقافي))([158]). وقد برهن على امتداده الوجداني للرؤية الشعرية والتحام الذات بالحرف فيقول في قصيدة (لِمَ أنتَ؟)([159]):

ولِمَ أنت،

دون غيرك،

مَن يُباحُ له بالسرِّ العظيم

يا شاعرَ الحروفِ المريرة؟

      أتت الصورة الأولى على سبيل الاستعارة التصريحية ووصف لحالة الضياع والفقدان(للمرأة / الأرض) المعشوقة التي تربعت في تصوراته ووعيه ولا وعيه فأصبحت قضية فاستعار لها صورة موحية كما يأتي:

                 الحرف            الرجل

المستعار منه        النقطة             المرأة           المستعار له

      ليلحقها بصورة استعارية تشخيصية (للرجل والمرأة) والذي رمز لها بـ (الحرف والنقطة) واستعار لهما صفات حسية متعلقة بالإنسان هي (الحب، والنوم، والأرق، والحرمان، والذكريات، ودموع، والحلم، والنطق) وهذا التنوع الاستعاري يؤدي إلى تنوع وتعدد الصور الاستعارية

المستعار منه         المستعار له             دليل المستعار له المحذوف

الحرف                  الرجل                        الحب، النوم، الملل

النقطة                    المرأة                         الحذف، التذكر

     ومن النصوص الأخرى التي عبر بها أديب كمال الدين عن علاقتهِ العشقية واستعار لها (الحب، والمرض) في قصيدته (اعتذار)([160]):

حين ذابَ ثلجُ شتاءِ القصيدة

فاضت الورقةُ البيضاء

بالحروفِ والنقاط.

...

كي أشفى من مرضِ حبّك

جربّتُ كلّ شيء

بدأتُ بالكيّ والنار

وأدمنتُ كأسَ الخمرةِ وشوارع التشرّدِ الخلفيّة

وعطفتُ على طلاسم السحر

وجنّه وجنونه ودخانه

ثمّ لبستُ خرقةَ الصوفيّة

حتّى انتهيتُ إلى الموت

إلى بوابةِ الموتِ الحديديّة.

...

جربّتُ كلَ شيء

كي أشفى من مرضِ حبّك

ولم أجرّبْ

مرّةً واحدة

أن أراك!

     تجلى الانزياح الاستعاري المكني بين (الحب، والمرض) في رسم مشهدي محاولاً فيه بيان حالة العشق التي أخذت بالفيضان على النص وعلى ذات الشاعر فالشاعر يوحد النص ويجعل لهُ مقومات الوجود والحياة، وعليه أن يكافحَ من أجل أنْ يشفى من مرض حبه لها، فهل للقصيدة شتاء، فالشتاء هو الذي دفع إلى منطقة الفيضان وهو مركز الفعل الشعري، فتنهض الفاعلية الشعرية على فكرة التشخيص في رسم المشهد حين يقول:

 

(فاضت الورقة البيضاء بالحروف والنقاط)

      جسد الصفحة الشعرية

      وجسد الذات الشاعر

      

بيد أن هذا الفيضان بالحب الذي شهده النص بدأ ينمو درامياً وبفعل لفظة (الشتاء) وهو ربيع([161])، والربيع صار له أثرٌ واضحٌ على (فضاء النص، الشاعر) (جسد الصفحة، والذات) فصار فيضاناً (بالحروف والنقاط)، فهذا العشق الإبداعي وبوصفه جزءاً من قلب الشاعر العارف، أصبح قاموس الشتاء بمائه ومطره

وربيعه بفيض الحب على جسد   الورقة البيضاء

  الذات الشاعر

      إنَّ هذا الرابط بين التجربة العشقية الإبداعية متمثلة عبر طرفيها الزمان والمكان (الشتاء/ الجسد والذات، والصفحة) في إطار حواري. والنقطة إذن هي ((الدم الذي سال نوراً من الله المطلق الديمومي الأزلي الجمال، وهي جوهر النور الذي اهتزت لهُ الظلمة وتزلزلت فخرج منها أول شكل في الخلق دالاً على جمال الذات الإلهية الشريفة المتمثلة بالرقم (1) رمز الأحدية وبالحرف الملك (ألف ) ... وصار الألف قلماً يُسطّر كلمات الله الأزلية ومن أبخرة دائرة النقطة والنون تكوّن الماء والهواء أو ما يسميه أهل الفيزياء بعنصر الخلق والتخلق))([162])، وربما إستلهم الشاعر فكرة (العلاج والشفاء) ليعبر عن حالة تعلّقه في تلك العملية الإبداعية فتغدو هي المرض وهي العلاج  فيقول (بأقراص النقاط ومستشفى الحروف).

       إنَّ بنية الخطاب اللغوي للمتن الشعري يجعلنا أمام مجموعة من النصوص لا تنقطع بحال عن روح الأنثى، إذ اكتسبت الأبنية اللغوية تأنيثها حينما اقترنت بمجموعة من العلامات اللغوية والنحوية التي منحت الخطاب هذهِ الفاعلية الأنثوية وتتمثل في فعل ضمير الخطاب (الكاف المكسورة) ذات الفاعلية الأنثوية المتجسدة التي يخاطبها الشاعر، والتي تمثل تكراراً عالياً نحو: (حبكِ جراح، حبكِ وباء، مرض حبكِ، في حبكِ، لعشقكِ، لمحبتكِ، إنكِ...) وكذلك الضمير المتصل في ياء المتكلم المقترنة بالفعل المضارع، فعدل به عن الغائب إلى المتكلم، ليدل على عدولهِ من التحول الدلالي من الغياب إلى الحضور والمواجهة (تقولي، وانحني، ويحاصرني، وخطيئتي).

       كما أن الأفعال الواردة الدالة على أن الحب (سيقتطع، يعجز، سيضع، جربت، بدأت، عطفت، أتعرف، أتعالج، دخلت، بدأ) كلها أفعال دالة على الاستمرارية في المعاناة من وجع هذا الحب.

       وترى الدكتورة أسماء غريب رؤية أخرى في إشكالية النساء في شعر أديب كمال الدين فقد قالت: ((المرأة في كتابات أديب كمال الدين تبقى قضية كبرى، ولا يقصد بها هنا المرأة الحرف أو النقطة، ولكن يقصد بها المرأة بمعناها "المادي" الخالي من كل رمزية عرفانية، أو صوفية، إذ إن (أديب كمال الدين) لا يكتب قصائده فقط لأهل العرفان وخرقة العشق))([163])، ولي رأي بذلك، نعم نصّ الشاعر وكتاباته لا تخلو من روح الأنثى، بدليل نصهِ الشعري في (نون)([164]):

أنتِ في عيني

وفي نور عيني.

في الأولى حبيبة

وفي الثانية نون.

فإذا جمعتهما وصلت القصيدةُ إلى الذروة.

*

مئات القصائد كتبتُها قبل أنْ تقولي: أحبّكَ.

ما الذي سأفعله، إذن،

لو نطقتِ بهذه الأسطورة

ذاتَ يوم؟

        ولكنه قصد بالمرأة ( الحروف والنقطة ) بدليل نصهِ الشعري في (نون)([165]):

وهكذا اتضحَ لكم كلّ شيء

فلا تسألوا، بعدها، في بلاهةٍ عظيمة

عن معنى النون!

*

لعنفوانكِ ينبغي أنْ أنحني،

لجمالكِ ينبغي أنْ أكتبَ الشعر،

لمحبّتكِ ينبغي أنْ أخترعَ أبجديةً جديدة،

لعشقكِ ينبغي أنْ أعيدَ اكتشاف الدموع.

      أفاد الشاعر من التشكيل الاستعاري المكني أن (الحب، نظرية تكتشف) ليبث في أثنائها آثار المعاناة المتغلغلة في أعماق الذات بحيث يتحول الشاعر إلى (مكتشف، ومخترع) لأبجدية من أجل عشقها، وهذا لا يعطي للشاعر فرصة للعيش والحياة كبقية البشر، بل هذا الانزياح يحرك بداخلهِ التيار الصاخب ليجعله في حركة وحيوية دائمتين. و (المحبوبة) لدى أديب كمال الدين تمثل تدفق (أبجدية) ويعني بها:

    ( الشعر )           ( الدموع )

 على جسد الورقة       على وجه الذات

      فهذا التدفق هو تحرك للظى الشعر، ولولا الشعر لما أحس الشاعر بالحياة، فعلى المحبوبة (النون) أن تبقيه حياً ومكتشفاً لحياة وأبجدية أخرى، فاستعارة الحب نظرية تكتشف ما يعيد إليه المعاناة والمعاناة تعيد إليه الشعر وتبعثه من جديد على وفق آلية استمرارية.

      وذهب إلى هذا الرأي الدكتور مصطفى الكيلاني، قائلاً ((تصل مجموعة (نون) الشعرية بــ (أحبك كما أحبك) بين ذات الشاعر والحرف بالخطاب المتداول الشبيه بالتواصل القوليّ بين عاشقين، أو هو الشاعر العاشق يخاطب معشوقتهِ النون بالترجيح الإنشادي مُتمثلاً في تكرار أحبكِ حتى لكأننا بهذا التخاطب العشقيّ نشهد موقفاً شبيهاً بمقام البوح ...فإنّ نشيد أديب كمال الدين في هذا السياق العشقي لا يتقيد بمكان و زمان مخصوصين. أما المتخاطبان فهما الذات الشاعرة وحرف (نون)... كأن يتواصل البوح بــ(خطاب الألف) إذ التصريح بجنون العاشق المهووس بالحرف باللغة بـ (الكاف) شأن النون...))([166])، إذ صرح  في نصهِ الشعري (اعتذار) قائلاً ([167]):

ثم لبستُ خرقةَ الصوفيّة

حتّى انتهيتُ إلى الموت

إلى بوابةِ الموتِ الحديديّة.

لكنّي لم أشفَ أبداً!

       وثمة مفارقة في الصّراع اللغوي بين الضميرين (أنا الشعر، وكاف الأنثى) في (حبكِ)، إذ يظل (أنا الشاعر) واثباً بإلقاء اللوم على حبها الذي ضيعه وتبعه من أجل الجوهر الرمزي للحروف، فيقول في هذا الصدد في (نون)([168]):

ينبغي أن أتعرّف إلى روحي

قبل أن أضيّعها الضياع الأخير

في حبّكِ الذي يحيطُ بي

كما تحيطُ السباعُ بغزالٍ جريح.

        ويكون ((اللقاء بين العاشق الشاعر والمحبوبة ]الحرف، النقطة[ يرضي (الأنا) الشاعرة وحدها وهو لقاء تجلى فاعليته على الورقة أو بتعبير ثان: هو زمن كتابة القصيدة ... إنه زمن علو الإحساس بالحياة، زمن إمساك الذات بها، وزمن المحبوبة التي يهديها الشعر حياة من خلال حلولها فيه))([169])، بينما ظل هذا الجوهر متردداً بين الظهور والاختفاء .

         فقد أبرز الشاعر قدسية الحرف ورمزيته بطريق التصوير الفني وقدسية المرأة (الأم، والأرض، والخصب، والنماء) واقعاً ودلالة في أثناء التشكيل الاستعاري المكني وحاول إثبات ملامح المرأة ليبث قضيته وصولاً إلى مغزاه وهو (اللغة) (الحرف، والنقطة) هي معشوقته وكذلك (الأرض) التي نفي عنها، فأعلن الشاعر حرمانه وملله من الحالة التي هو فيها فيقول (ستجنُّ النقطة من الحب والحرفُ من الحرمان!) مما عمق المعنى لدى الذات/ الشاعر، وهذا يعد مدعاة للقلق والخوف الذي يخشاه الشاعر في نفسه وباعثاً للإحساس بطعمي اللوعة والحرمان فيقول في نص من (اعترافات النقطة)([170]):

مرّ عشرون عاماً

أو ثلاثون

ربّما أربعون

لم أعد أتذكّر الرقم

لكنني أتذكّرُ أنني قدتكَ إلى الهاوية

- أيها الحرف -

قدتكَ إلى السعير، فجهنم، فَسَقر

ثم ألقيتُ بكَ في مهاوي الجحيم

أتذكّرُ أنني نسفتُ معناك

وأشعلتُ ذاكرتك

وألقيتُ القبضَ عليك

باسم الحبّ

ثم خنتكَ في أقرب فرصة!

       لم يتوقف عند حدود الحرمان والخيانة والوحدة بل تعدى حدود الإنخذال والإنكسار وأفصح عن ملمحي الوحدة والإنفراد الذي عرفت به قصائده، فتأتي القصيدة في شكل لمحة دالة، كما لا يتخذ من هذا الملمح مظهراً بقدر ما يستعير ملمح اليتم الدال أكثر على الوحدة في نص (حرف يحتضن نفسه) يقول([171]):

ففي النهاية

لن تكون أنت

سوى حرف أضاعَ نقطته،

سوى حرف يحتضنُ نفسه

وينامُ وحيداً

مثل يتيمٍ طُرِدَ من الملجأ.

      تكشف هذهِ الصورة واقعية إحساس (الذات/ الشاعر) فجاء التجسيد للحرف إسهاماً في تعميق إحساس الوحدة والغربة والنفي الذي يعيشه. وفعل (الاحتضان، والنوم، والطرد) بؤر دلالية دالة على الخوف، كما تحمل إشارة رمزية تجسد حالة ذلك اليتيم الذي يفقد حنو الأم (الأرض)، إذ قدَّم الشاعر معطيات تشير إلى فقدان (الحنو، والرعاية) وهي دلالات قصدية.

     حاول الشاعر أنَّ يمازجَ و يواشج في سياقات مختلفة بين بنيات كبرى وصغرى من خلال بنية التشخيص وإيماناً منه بأن ((الوظيفة الأساسية للتشخيص تعين الشاعر على أن يسقط آلامه وآمالَهُ على ما حولَهُ من مظاهر (الحلم) اللاوعي، فالشاعر عامة ينطلق من ذاته، وينتقي مما حوله ما يعزز هذهِ الذات وما يؤكد إحساساتها، ومن هنا يكون التشخيص صورة للآمال والمخاوف والأحزان منعكسة على الأشياء والأحياء من هذا الكون))([172])، فالتشكيلات الاستعارية ((للصورة الاستعارية الحلمية تعمل على تشكيل صورة العالم _ عبر الإحساس المتقد _ على هيأة إسقاطات سيكولوجية ذات طبيعة إهتلاسية غالباً ما تكون بصرية، وتتسم بطابع تأملي حزين يخيم عليه الشعور بالاكتئاب والنفور من العالم. وعلى الرغم من عظم التشوه الذي تتعرض له صورة العالم في الرؤية الشعرية السايكولوجية الحلمية فإن المظهر الغرائبي الفائق للمألوف هو الذي يهيمن على الرؤية الشعرية في اتجاهها الآخر))([173]).

 وقد لجأ أديب كمال الدين إلى (الحلم) بوصفه شخصاً على أنه شكل من أشكال التعويض عن الانحسار والتراجع الذي تعيشه الذات في الواقع. ففي طبقات الدنيا للوعي (الحلم) يتكون ليكون مكمناً لترسبات الذات الباطنية بإيحاءاتها الكثيرة (الإيجابية والسلبية)([174])، حاملاً بُعداً تشخيصياً يتحدى ليخلق له عالماً موازياً، لذا عمدَ الشاعر في ظل التشكيل الاستعاري المكني أن ينزاح في لفظه (الحلم) فينقل بطريق الإيحاء دلالة اللفظة إلى دلالة سلبية تتمثل بدخول كل شيء في غيبوبة الموت فيقول في قصيدة (حلم)([175]):

كانت باحةُ الحلمِ غامضةً مُتْرَبة

حين حطّتْ فيها نقطة كبيرة.

رقصتْ حول عقربي الساعة

فتحرّكا بعد قرون من الصدأ

ثم ضربتْ بجناحيها الناعمين عصا المايسترو

فبدأت الموسيقى تندلقُ على الأرض.

استفاقت المرأتان العاريتان من نومهما الطويل

وقبّلتْ إحداهما الأخرى

وبدأتا في الرقص.

    وفي ظلّ التشكيل الاستعاري المكني انزاح (الحلم)عن دلالته إلى(مكان) فالحلم هنا يتماوج كبؤرة واقعية تتمدد عبر لهجة الإيقاع لتكتب ما لم يقلهُ الشاعر، وما لا تتسع لهُ الكلمات، إذ جاءت تلك الاستعارات الغرائبية التي لم تقف عند رسم صورة للعالم بل تعدت إلى تصوير حقيقة العالم الداخلي وتكشف المواقف النفسية للشاعر والفكرية وربّما يكون هذا هو ((مبعث التشوه والتصدع الهائلان اللذان يطالان العالم بكل ما فيه من أشياء وظواهر بحيث يبدو ذلك العالم مصوراً للحزن والأسى ومبعثاً للرعب في أحيان أخرى))([176])،هكذا حافظت القصيدة على تناميها في هذا الاتجاه، لذلك فإن صراحتها الحركية في صور أخرى تهبط لتلتفت إلى الحاضر وتفاصيلهِ التي أخرجت القصيدة

(الشاعر)    الذات      الزمن      الواقع     الحلم      الذات، (المرأتان)(الساعة).

     يتضح من هذا المقطع أن الدهشة من ظاهرة (باحة      الحلم) مكان، هي محور الانطلاقة الأولى خصوصاً وأنه وصفه (بالغامض والمترب)، حتى يفاجئ المتلقي بسطر شعري آخر (حطّت فيها نقطة كبيرة).

     والملاحظ أن الأفعال (حطّت، ورقصت، وكانت، وضربت) ماضية قد عبّرت عن الموقف الشعوري الأول، كما أن لها أثراً رئيساً في حركة الأسطر حركة دائرية حتى يصل عبرها الشاعر إلى ما يشبه لحظة انحلال التوتر([177])، المتمثلة في (بدأت الموسيقى تندلق على الأرض)

السطر الأول / باحة الحلم      (زمن)

السطر السادس / الأرض     (مكان)

السطر الرابع / قرون من الصدأ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( أحداث + زمان )

  حتى تتحول الأفعال الماضية (استفاقت، وقبلت، وبدأتا، ومرّت، وتتوقف، ويدخل)إلى أفعال مضارعة وهذا تحول زمني من الماضي إلى الحاضر فيقول في خاتمة قصيدته (حلم)([178]):

مرّتْ لحظاتٌ ثقيلة

أثقلُ من الصخر

لتتوقّف بعدها المرأتان العاريتان عن الرقص

ويدخل كلُّ شيء في غيبوبةِ الموت.

     وهذا دال زماني آخر هو (غيبوبة الموت)، إذ يتضح أن الشاعر اعتمد على ثنائية ضدية (الحركة والسكون)، كما أن الشاعر أديب كمال  الدين لم يعطِ دال القطار رمزاً حسياً آخر غير دلالتهِ المعهودة هو (رحلة العمر، أو الحياة) الذي يمضي وليس بمستطاع الإنسان أن يفعل شيئاً (لتتوقف بعدها المرأتان)        هما (عقربا الساعة) ليدخل كل شيء في (سكون) هو (غيبوبة الموت)، لو أمعنا النظر في العنوان (حلم) وعلاقته بقول الشاعر في نهاية قصيدته (غيبوبة الموت)، فالشاعر يتحدث عن الزمن الوهمي لا الحقيقي؛ لأن الحقيقي هو المعاش([179])، وأما الوهمي الذي يمتد من خلال النظرة إليه عبر الوضع النفسي الذي يعيشه الشاعر، قد يكون ((أبطأ وأكبر من حجمه الطبيعي، لا أقصر وأسرع مما هو بالفعل))([180])، استطاع الشاعر أن ينفذ إلى أعماق الزمن وهو يصوغ عنوان قصيدته. وفي نص شعري آخر شخص الشاعر أديب كمال الدين فيه (الحلم) ومنحه ملامح الشخص (نحيل، وطيب، وله رأس، ويرتدي الملابس) فيقول في (محاولة في الرثاء)([181]):

جلستُ على بابِ الحُلْم

كان الحُلْم نحيلاً كموعدٍ ضائع

طيّباً كنارٍ بدوية.

باب الحلم          مكان

     حدد الشاعر في المقطع الأول المكان والحدث في القصيدة كما حدد الهدف قبل دخولهِ إلى جوهرها؛ لأن الباب يقود إلى الداخل وهو بجلوسهِ على (باب الحلم) علامة إشارية إلى الإعداد والتهيؤ إلى تلك الرحلة. ثم حدد الزمان في المقطع الآخر قائلاً([182]):

في الصيحةِ الأربعين

قلتُ:

أيّها الحلم

يا مَن يظهر ورقُ اللعبِ صورته

يميناً ويساراً

يسارا ويميناً

كم افتقدنا عطفك

كم افتقدنا ركوبكَ الخيل والمساءات

سائلا عنا نحن الحروف التي بلا نقاط.

     شهد هذا النص بالإضافة إلى تشخيص (الحلم) تشخيصاً آخر (للحروف)، ((فالشعور الفني لدى الشاعر لا يمكنه الانفصال عن الحلم خصوصاً أحلام اليقظة التي يستنبطها جاعلاً قصائده امتداداً لها فيمزج بين الذات والموضوع، فكانت الصور تخفي في جوهرها حقائق كامنة خزنتها الذاكرة واستحضرها لحظة الكتابة))([183])، هذا الخطاب الحلمي في المقطع المتقدم وفي (الصيحة الأربعين) دال زماني لا يمارس فيه الاحتجاج على الحرب بصورة الحرف. ((والطاقة التي يشغلها الشاعر ليست هي طاقة الحرف الذاتية، إذ ليس ثمة معنى للحرف هنا غير ذلك اللعب الذي ينزع فيه الشاعر من الحرف نقاطه ليبلور صورة انتزاع الآراء والمشاعر من أشخاص مسلوبي الإرادة الجنود إن طاقة الحرف هنا تختلف وتوجه مثلما توجه طاقة الجندي تماماً، ولا حيلة لكليهما سوى الإذعان))([184]).

     (الحلم، الواقع)، (اليمين، واليسار)، (أعلى، أسفل) فجمع الشاعر بين التناقضات، ولجأ إلى أسلوب حكائي منسجمٍ مع قصيدته النثرية لتبدأ حكايته المنطلقة في الواقع والزمان والمكان. وورود هذا الحلم ((عارضاً ثبتته الذات الشاعرة بالكتابة فاستحال إلى مجال الإثارة سؤال الحرف والنقطة مُنفصلين ومتواصلين في ذات الحين، وعند الأربعين تحديداً، هذهِ العلامة العمرية الفارقة التي سيكون لها شأن وأي شأن، في قادم أعوام الكتابة الشعرية داخل مدار الحروفية الشعرية العربية طبعاً عرفانياً))([185])، ولو أمعنا النظر في ميثولوجيا الحكاية والخيال العربي الإسلامي لدلالة الرقم (40) لوجدنا أنها ذات رمزية إيحائية دلالية تحيل على لحظة النبوة، أو زمن الحكمة.

      والاستخدام التحويلي (العام الأربعين، والصيحة الأربعين، والليلة الأربعين، والخزانة الأربعين، والطعنة الأربعين، والباب الأربعين) ترد (محاولة في الرثاء) ارتباكاً بين مختلف التجارب والخيبات بالحلم النحيل المهموز المفكك المومى المعطل الفاقد لأي معنى أو قيمة أو اتجاه، الحلم الباهت_ اللامبالي المُفصل عن الذات المُولدة له، وإذا نعي الذات هو بعض نعْي الحلم، كما يبدو نعْي الحلم هو الآخر بعضاً من نعي الذات، فتحتاج الذات الشاعرة هنا إلى حلم آخر أو إلى سبيل مختلف عنه كي تستمد قوة الرمز منه([186])، وفي باب الأربعين نجد الأمر مشيراً إلى حدّ أكبر في قصيدة (محاولة في الرثاء) فيقول([187]):

في البابِ الأربعين

لم يكن الحلمُ ليأبه لصيحاتي وحشرجتي

لم يكن يأبه لعريي وضياعي

كان الحلمُ هناك…

ليس مع ملكاته

ليس مع خدمهِ وحشمه

ليس مع حرّاسهِ وعرشهِ وذهبه

ليس مع مَن يأتمرون بإشارته

كان الحلمُ هناك…

مقتولاً

كحرفٍ سقطَ من فمٍ أخرس

كموعدِ حبّ مزّقته السكاكين

كنارٍ طيّبةٍ بالتْ عليها الكلاب.

      حتى إذا وصلنا إلى لحظة الاستيقاظ دخلنا إلى عام آخر يحملنا إلى الخيال فتتحول الصورة من إيحائية واقعية إلى إيحائية ترميزية([188])، فبذلك تحول دلالة الحلم إلى حالة من الضعف والانكسار، وهو مغترب وبعيد عن وطنه في عامه الأربعين، فشبه حاله بأنه ضعيف ونحيل كنار بني يربوع، إذ وجدنا ((حرف في حلم، وحلم كحرف ساقط من فم أخرس. إنه كالضياع من الحياة تماماً. الحلم هو الحياة المرجوة التي سقطت كحرف أجوف، وكموعد حب تبدد في زحمة الهموم، أما البول على النار فهو غاية التحقير والاحتقار منذ أولئك القوم الذين "قالوا لأمهم بولي على النار" الحرف هنا ضياع وفقدان، وهو مظهر الحياة التي يصف بؤسها. الحلم هنا يحاكي الواقع بالضبط، ليس هو الحلم الرومانسي الذي ينصب المرجو ويناشده أنه الحلم المقشّع بالواقع، والعكس صحيح، أما الحلم الذي يدغدغ الكيان الناعم والناعس فلا يتحقق ولا يجيء))([189])، إلا في نص آخر ((محاولة في السحر)) فيقول([190]):

سنعطيكَ حروفنا أيّهذا المُعَذّب

ونعلّمكَ نقاطنا أيّهذا المحروم

لكننا نخاف إن تعلّمتها

أن تسخرَ من الذهبِ وثيابِ الذهب

أن تسخرَ من البلدان

أن تسخرَ من الأثداءِ والسيقان

أن تسخرَ من الأحلام

فتكون مثلنا فارغاً

بارداً

ضائعاً

عارياً للأبد.

     جاء الشاعر أديب كمال الدين (بالحلم) مؤنساً ومتانّياً بقدرة ساحرة في تلك المحاولة يقول الساحر الرابع من الصين: أنا من يجعل باب الحلم يقيناً، ليخلق علاقات جديدة يخفي وراءها عالماً مليئاً بالدلالات والتلميحات التي تجعل توافرها ضرورة يفرضها تصحح الواقع وضراوة في مواجهته كينونة الذات، ثم يتراءى الحلم هنا ((إنتاجاً لإمكان معنى بفاعلية (الساحر، الشاعر) وفعلية (السحر)، الذي بدت علاماته ومعالمه في خيالات الشاعر واستيهاماته بالإنشاء والفسخ وإعادة الإنشاء توليداً يقارب دلالة الاستخدام السحري عند اعتماد كيمياء الحكاية وتراثها، بل تراثاتها القديمة والحادثة، عوداً إلى سحرية الحروف والنقاط))([191]).

      انزاح الشاعر أديب كمال الدين في ظل التشكيل الاستعاري المكني فجعل (للحلم) (كفاً)، وهنا يؤنسن (الحلم) فيقول في (محاولة في السحر)([192]):

 

وذابتْ كفّ الحلم

حتّى تحوّلتْ إلى أصابع هيكل عظمي

فصرختُ: يا دموعي يا إخوتي يا أصحابي

أين أنتم؟

أين أسراركم وإشاراتكم؟

      ينقلنا الشاعر إلى فكرة غير مباشرة ودون تمهيد لها هي (الموت)، بيد أن الشاعر أراد الحديث عن نقطة أو فكرة أخرى هي ( الزمن )، ويبدو ذلك واضحاً باستعمال الشاعر لأفعال الماضية (بدت، وذابت، وتحولت، وصرخت) وهذهِ أفعال بوصفها تخلق ((نوعاً من اللازمنية، كما هي الحال والمصور اللذين يضعان الأحداث خارج اطار الزمن))([193])، تحرك الشاعر عبرها معوضاً عن إحساسه الشعري المتمثل في السير التحولي المتبادل ما بين (بدت، وذابت) (الشمس، والقوم) (المر، والعسل) (الجميلة، والقبيحة)، فملاحظها حركة لا تعتمد تسلسل الزمن، فهي حركة ذهنية مبعثها التأمل...، محكومة بالمكان لا الزمان، وهذا ما يجعل منها بنية منطقية تفسيرية لا بنية تبدل و صيرورة، وقد يتبادل إلى الذهن عودة الشاعر في القصيدة لقولهِ (حتى تحولت إلى أصابع هيكل عظمي) إشارة إلى وقوع الموت وتفسخ جسد الإنسان بعد الموت.

      يُعد هاجس الحزن في شعر أديب بؤرة شعرية متميزة نابعة من انكسار الذات النفسي والوجداني وقد أفرز نصه بنى سياسية واقتصادية وثقافية هشة، والشاعر حوّل حزنه إلى مادة شعرية واضحة وفاعلة في نصوصه. واستطاع أن يوظف دال (الحزن) في ظل التشكيل المكني ليجعلهُ إنساناً مرة ويضفي عليه تجسيدات أخرى (الأكل، والنوم، والعين). انزاح الشاعر إلى كلمات جريحة لا ترسو في مكانيها النحوي والدلالي بل علت لتفسح المجال إلى إيجاد صور حزينة والتوسل بكلمات أو مفردات (الأسى، والرعب، والهّم، والحيرة، والعذاب، والموج) وغيرها من الدوال التي تصبّ في الحزن أو الموحية به في النص الشعري.

     في نص من قصيدة (قصيدتي الأزلية) يقول([194]):

ربّما سأخرج من البئرِ يوم يُبعَثون

أو ربّما يوم يُقالُ للأرضِ: ابلعي ماءك.

فأخرجُ من مركبِ نوح

أو من نارِ إبراهيم،

وقد أكلني الرعب

ولَفَظَني الموج

وأطفأت المأساةُ عيوني.

       جالَ الشاعر أديب كمال الدين في أروقة الماضي سعياً منه للبحث عن مصادر حزنه، وفي أثناء التمعن في أسلوبَيْ الإدانة والتأنيب لمرموزات ونماذج سلبية عاشت في الماضي و واصلت حضورها في الحاضر

(النار،          الطوفان،                البئر،              إخوة يوسف)

 

نار الحرب/ طوفان الموت والقتل/ الغربة الاغتراب/ رمز للغور وعدم الوفاء

    عبر صور سلبية معاصرة، ترسم حساسية الحال الشعرية بطريق أفعال وأسماء تتجلى بكل طاقاتها وأبعادها الرمزية والإيحائية الإحالية على التأريخ والدين والفكر والثقافة([195]). وبمطالعة (عتبة العنوان) يمكننا اختراق طبقات النص الشعري (قصيدتي الأزلية) إلى التفتح على جوانب أساسية وإشارية ودلائل رمزية ذات كثافة ومحمولات دلالية كاشفة عن مظاهر الحزن المتجذر في ذات الشاعر أديب كمال الدين، ثم يقرن نفسه برموز لها من الحزن الكثير البالغ في ذواتهم (نوح، وإبراهيم، ويوسف) انزاح نص الشاعر في ظل التشكيل الاستعاري التشخيصي بأن جَعَلَ دال (الرعب) و(الموج) و(المأساة) أشخاصاً؛ لأن الأكل واللفظ من لوازم (الإنسان) المستعار منه.

دال ( القصيدة )       يشير إلى العنوان الفعلي والنهائي لكل عمل شعري، ثم أسندها إلى دال آخر هو      ( الأزلية ) فأراد أن يكسب القصيدة وضعاً شعرياً ونفسياً قديماً مبتدئاً بآلام الأنبياء، ثم يتدفق الحزن الذي أكل الذات والمأساة التي أطفأت عين الشاعر من (البئر، والنار، وإخوة يوسف) فتتم استعارة الصور عبر عنصري المكان والزمان من أجل استثارة الذاكرة المشحونة بطاقة الحزن الأبدي والتقارب الشعري الراهن للشاعر، ليحكي عن تجربة إلقائه في بئر الحزن، والغربة، والموت، والأسى ثم يتجلى الحس الدرامي عبر أربعة مقاطع شعرية، فيتوجه الخطاب إلى الذات عبر النفس (لم يأبه نوح لصيحاتي) التي تشي بالعجز عن الوصول أو الارتقاء بالذات إلى مستوى النبوة، أراد الشاعر أن يمنح لنفسه صفة القداسة لما حلَّ به من (حزن ورعب) فيقول (هكذا أُلقيتُ في الطوفان) و (يا رجلاً مبحراً إلى الله خذني معك) محاوراً بطريق الاسترجاع التأريخي من القصص القرآني شخصية النبي نوح(عليه السلام) في (قصيدتي الأزلية) فيقول([196]):

 

وتركني في المركبِ دهراً فدهراً

حتّى إذا غيّبَ الموتُ نوحاً،

تحرّك المركب

تحرّك بي وحدي

لأواجه طوفانَ عمري

في موجٍ كالجبال،

     حتى ينقلنا الشاعر إلى فضاء صوفي محض بالجملة الشعرية (تسللت إلى المركب: المعجزة) ومنحها بعداً أسطورياً عبر التركيب اللغوي المتمثل في المقطع الشعري يقول([197]):

بعدما صعدَ الموجُ بنا كالجبال،

حتّى إذا هدأت العاصفة

وقيل يا أرض ابلعي ماءك،

هبط الكلّ من سفينةِ نوح

فرحين مُبَاركين

إلّاي.

  تلحظ الثنائيات المتضادة (الصعود، والهبوط، والفرح، والحزن) ولجوء

                           الذات    الآخر    الآخر    الذات

الشاعر إلى شخوص الأنبياء ( يوسف، ونوح، وإبراهيم)_عليهم السلام_ ليوضح ومبيناً مدى الحزن الذي سيطر على الذات عبر محاكاة قصص ممزوجة مستعارة وموظفة من قصص القران الكريم، لتخطى تجربة الأنا الشعرية هنا بأكبر قدر ممكن من تمثيل تجربة الاستعارة المكنية للحزن، في علامتيه الدينية والتاريخية المنطويتين على حضور وقوة في التدليل والتصوير والسرد، كما تحفل بتجربة الحزن والغربة والاغتراب العميق المتشظي على صعيد كل واحدة منهما وعلى صعيد تمثيل تجربته معاً، والتشكيل الاستعاري المكني في قوله ( يا أرض ابلعي ماءك) وتشخيص الأرض.

        وينزاح نصّ الشاعر أديب كمال الدين من قصيدة (البحر والمرآة) ليجسد الحزن ويجعل له (أنياباً) وهي لازمة من لوازم الحيوان (المستعار منه) المحذوف ويؤنسنه ويضيف لهُ صفه أخرى من صفات الإنسان (التكلم) فيقول([198]):

في حديقةِ الحيوانات،

تأمّلتُ في النمرِ طويلاً

حتّى كلّمني فقال:

إنَّ حزنكَ يشبهني

لكنَّ أنيابه أكبر مِن أنيابي.

الحديقة         مكان

تأملت           وقت

كلمني فقال         حوار

    هذا المقطع يحمل صورة أخرى لحزن آخر يبدأ من (صديقه الحيوان)، فالمكان والزمان (تأملاً طويلاً) وهنا يتماهيان من أجل تبيان شراسة وقوة حزن الذات دال (الأنياب، النمر)    مفردتان تعكسان منحى دلالياً يتسم بالوحشية في إطارها الرمزي، فيرى في استعارة النمر وأنيابه أقل ضرواة وشراسة من حزنه ما يخلفهُ الناب من حفر في الجسد من أثر، فاستعارة القوة والشراسة على سبيل المشابهة الذي ترسب واقترن داخل الذات.

جعل نصّ الحزن بؤرة استعارية دلالية منفتحة على مداخل نفسية أخذ منها الحزن مبلغاً كبيراً. ويتمظهر الحس البَصَري في (تأملت، وطويلاً) في زاوية المشهد من أجل التحريض والاستفزاز، فالنص يعمل على إظهار الحزن بصورة أقوى شراسة من ذلك الحيوان (النمر)، ليظهر حالة التماهي معه بطريق علاقة جدلية بين الإنسان والمكان (والمستعار له)، أساسه هو التبادل الحميم للبقاء للقوي أو الأقوى، والحزن وآثارهُ لا تزال باقية في ذات الشاعر و ذاكرتهِ من ذلك المكان.

       ويتواصل الشاعر أديب كمال الدين في ظل التشكيل الاستعاري المكني أن ينزاح عن دال الحزن إلى داخل آخر هو (الأسى) وجعله إنساناً وأضفى صفات إنسانية أخرى هو (الشكوى) و ( المشي) فيقول في (الرقصة) ([199]):

يا لأساي الذي

هدَّ بي الأبواب.

يا لأساي الذي

يشكو ولا يغتاب.

يا لأساي الذي

يمشي كما أمشي!

       إنَّ عبارة (يا لأساي الذي يمشي كما أمشي) تشكل بؤرة استعارية مركزية لإثارة المشهد الشعري وتثير حساسية الشخصنة التي يتحول فيها (الحسي) إلى (كائن)، هذا يمثل إشهاراً لحالة المأساة ولعمق الحزن أو إشهاراً للحالة القمعية التي أدت به إلى هذا المآل وجعل الحزن (يهدّ) عليه (الأبواب)، فالصورة البصرية للفعل (هدَّ) أعطت نوعاً من القوة التصويرية لحالة أو لفعل (الهدّ)، فهذهِ الحركة دال تعبيري استعاري عن صور متحركة مبنية على التقاط الأثر النفسي في الذات وتمثل هذهِ الصور لتأكيد الزمن النفسي السلبي، وكرر الشاعر (يا لأساي) ثلاث مرات، إذ جعل الأسى منادى كأنه يقدم معنى للتعجُّب من ثقل هذا الأسى وملازمته والحزن المسيطر على الذات.

تحركت دينامية الحزن في (خطاب الألف) لتجترح طريقة كمعادلٍ (للذات)، وعبر إظهار دال (الحيرة) التي تلبست الحرف وجعلهُ رداء لهُ، ففي ظل التشكيل الاستعاري المكني إنزاح الشاعر أديب كمال الدين ليجعل (الحزن، والمأساة، والحيرة) مؤنسنة

يأكل     تلفظ     تلبس

وهذهِ كلها لوازم المستعار منه (الإنسان)، في هذا النص أدت لفظتا (الذات، والألف) أثرا مهماً بوصفهما تدعمان (الإسقاط) الذي لم يأتِ من فراغ بأن يجعلا (حرف الألف) هو أيضا مؤنسناً فيضيفا عليه صفة (الحب) فيقول([200]):

الحيرةُ تلبّستْني

فلبستُها وخرجتُ إلى الشارعِ عارياً.

* * *

محبّتكِ تيّار

وأنا – الذي أكلني الحزنُ ولفظتني المأساةُ – غريق.

* * *

مِن العجيبِ أنْ أختاركِ أنتِ

مِن كلّ نساء العالم.

ربّما لأنّني أعرف أنّ اللقاء بك

يشبه امتطاء غيمة.

      ففي مفتتح القصيدة يتأرجح الحزن عبر الانزياح الاستعاري الدال عليه (الحيرة) ثم اللفظ ذاته (الحزن يأكل) (ولفظتني المأساة غريقاً) في جسد النص ويتمركز ليمتص حضور الأنا (المتشظي)، و(خرافاتك قيدتْ دمي بالسحر)، و(لكي أحرر مما هو فيه صرتُ ساحراً) فيستعين الشاعر بحركات السحر لكي يحرر نفسه من الحزن الذي أثر فيه، فالحزن هو الجزء الآخر من (أنا الشاعر) التي اتضحت تحركاتها في منطقة الأنا (تلبستني، وخرجتُ، وأكلني، ولفظتني، وأحرر) لتبين ((محو الحدود وإلغاء المسافات، وتشي بقدر عالٍ من الانتماء إلى الكينونة الذاتية العميقة والجوهرية والحرية المطلقة))([201])، فجاءت أنسنة(الحزن والمأساة والحيرة) وإظهارها الشخصاني في مشهد السرد الشعري وتمثيله لحالات الأنا وإشكالاتها. وهذا ما يعكس أجواء متضادة صادرة عن تصدع ألم محبتهِ للحرف(محبتك تيار) ثم تزداد حيرته وتعلقه بالحرف إذ أنّ (نونها نار) ويقول([202]):   

                   وألفي سقطتْ في النار.

ولم تكن النارُ برداً يا حبيبتي

ولم تكنْ سلاماً.

     ويتمارى في نص آخر من القصيدة ذاتها انزياح استعاري مكني آخر هو أنسنة

    (الارتباك و اللوعة)

    الحنين      تسبح

   صفات إنسانية للمستعار منه (الإنسان)([203])

       هذا التمظهر التشخيصي للحزن (الذي يمثل في دال اللوعة) في إصرار على تقدم الحزن الساخر وتعميق مشاعر الحزن على مقاطع القصيدة ثم تشظت رؤية الشاعر ليرسم الصورة المختلفة للحزن، بيد أن هذا نوع آخر من الحزن هو حزن الحروف بوصفها علامات خطية معبّرة حاول الشاعر أديب كمال الدين بوساطتها أن يقيم حواراً بين (الألف والنون) المشخصتين للوصول إلى معادل الحزن يخصب تجربته ويشريها ويبعث فيها الروح الإيحائية والتأثير النفسي.

       في نص شعري آخر ينزاح الشاعر إلى تشكيل استعاري مكني (اتجاهي) لدال (الحزن) في نص من قصيدة (قاف) يقول([204]):

البارحة قررتُ أن أزيل الحزن من دمي

فهبط الحزن من رأسي إلى قدمي

فابيضّ رأسي وضاع

وسقطتْ قدمي

وإلى الآن لم أجدْ رأسي

بل لم أجدْ قدمي!

      انزاح التشكيل الاستعاري في هذا النص ليضم تجربتي الفرد الفيزيائية والثقافية في مفردتي (الهبوط والسقوط) يتم من الأعلى إلى الأسفل وهي ألفاظ تدل على نشاط يتخذ وضعاً أو اتجاهاً منحرفاً عن دلالته الوضعية إلى دلالة استعارية لونية خصوصاً وأن الشاعر أكد على هذا الشيء (فهبط الحزن من رأسي إلى قدمي)

 

 

الحزن         أسود         ( دم )

أبيضّ         بياض        ( رأس )

      ودال السقوط اتخذت في أثناء التعثر دلالة إشارية مقترنة بدلالة مادية محسوسة، فالمستعار منه إسقاط حسية الفعل (حزن) الذي يسيطر على الذات المستعار له ويكمن ذلك في تصور الخلاص أو إزالة الحزن المتمثل بـ (سقوط القدم) هذهِ استعارة توضح فهم تصور

              تشظي              بياض الرأس

التشظي في الحزن ودماره وكيفية سيطرتهِ على الذات وانهيارها فقرر أزالته ، ويتم فهم مجال تصور هذا التشظي والانهيار هو تصور مجرد يتم عبر الارتباط بالاتجاه الفضائي تحت الدال على السفلية بتوظيف فعلي (الإزالة والسقوط) إذ إن لحسية الفعل أثراً فاعلاً في فهم التصور المجرد، بيد أن هذا الانهيار والتشظي لفعل (الحزن) ليس فضائياً فيزيائياً، وإنما يتم إدراكه من خلال المنحى السفلي وهذا بدوره فضاء، يتم جعل التصور المجرد للتشظي والزوال خاضعاً بدورهِ للتفضية، وهذهِ الاستعارة تنفتح على استعارة الخضوع والضعف والحزن والإحباط النفسي والحالة التي كانت تكابدها الذات، لذلك أخذت من وضع (تحت) مرتكزاً للاتجاه الفضائي تحت الدال على السفلية.

       وفي نص آخر يستعار الشاعر أديب كمال الدين (الحزن) ويجعله في المهد بدلاً من (الطفل المولود) الذي في المهد فيقول في (خرافات) مستفهماً عمن يرى هذهِ الأحزان([205]):

وأحزاننا في المهد، مَن لها؟

      فإنّ هذا الانزياح الاستعاري التشخيصي (للحزن) كان قد جعلهُ طفلاً ليبين تغلغلهِ في أعماقهِ منذ طفولتهِ بأن كان في واجهة المشهد واضحاً ومؤثراً في رسم صورة المشهد وهو يتردد على مركز الذات. فيتحول فيها دال (الحزن) بوصفه دالاً شعرياً ضارباَ في أعماق الذات وتجربته، فالمكان (المهد) و(الغربة) و(الموت) كلها دوال ما انفك الشاعر يخاطبها طوال تجربته الشعرية، وتعد بؤراً يستعرض بوساطة هيمنتها على كل شيء في الذات فيقول في المقطع الرابع من خرافات([206]):

الخرافةُ اتسعتْ

في العواصم التي ترتدي العقال والمايوه

بحثنا لأحزاننا عن منافٍ جديدة

فهرب الأصدقاءُ منا

تركونا نؤكل في الصحراء.

     في هذا المقطع يتماهى الشاعر مع حزنه وقد تحوّل إلى معادل موضوعي ونفسي علامي لتجربة الغربة والموت والفراق، عبر مقاربة سرد _ شعرية يتبين فيها الزمان والمكان ( الحفلة التنكرية)    الحياة      (زمن)

فألفاظ المكان (الشارع، والصحراء، والمنافي) دوال تشير إلى ضياع الشاعر وتيهه واغترابه، ولعل حزن الشاعر وغربته تجلت في كل مشهد وصورة شعرية، وهذهِ إشارة لتجسيد تجربة الحزن، الذي بدأ هو يبحث عن منفى جديد غير (ذات الشاعر) في هذهِ الحياة المقترنة بالحزن، وتنتهي منذ بدء القصيدة وحتى المقطع الأخير بصورة حاشدة ومنغمسة في الحزن والهم والأسى (والخرافة اتسعت، ونظرت إلى جثتي، وحفر قبري) (الموتى، والجثث) (في شلال ضحك هادر) ، وصل الحال بالذات الشعرية الساردة؛ لأن تخرج خارج إطار السرد لبث الشكوى والتي تتمثل في (فهرب الأصدقاء منا وتركونا نؤكل في الصحراء) هذا ينحدر من الامتداد الزمكاني ويشير إلى اختلاف مسارات الذاكرة والحلم في الكون الزمني، وينحدر أيضا إلى عجز الذات عن الوصول إلى مكان مما جعل أحزانه هي من تبحث عن منافٍ جديدة لتقيم فيها، وهذا يبين الأبعاد والغربة التي تتعرض لها الذات([207])، في أثناء الوقوف على مفردات الذات في شعر أديب كمال الدين إذ يتجلى الظهور البارز والقدرة الفذة في ألفاظ الذات مما جعل منها سمة واضحة في شعره تستحق البحث والدراسة لما رأينا من القدرة الجمالية من خلال الصورة التي قدمها والتي انبثقت من الخيال الواسع، فضلاً عن صياغة المعاني التي من خلالها عبر الشاعر عن سمو ذاته والأنا التي برزت عنده، وظهورها بصدق العاطفة والشموخ الذاتي.

 

ثانيا: التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الزمن

        يُعد الزمن أحد المظاهر الطبيعية التي تعامل معها الإنسان منذ القدم على وفق مبدأ المنفعة، فكل شيء في طريقه تعامله معه صادر عن خيال ينطلق مما ينفعه أو يضرّه، ويبدو أن هذا كان توجهاً إنسانياً عاماً في الزمن السحيق يتبع سلوكاً شعائرياً انتج الأسطورة . إن الشاعر يعيش الزمن في شعره للاسترجاع والوقوف على ما مر به من  ذكريات ألمت به أو بأسرته، فالزمن له  تأثير على نفسية الشاعر يعود إلى التجارب والأحداث التي يمر بها، وقدرته على التعبير عنها، فنجد صورة الزمن وتكرارها في شعر أديب كمال الدين متضمناً معاني عدة، فجعل من الزمن رمزاً للعدو الخارجي بما يحمله من ذكريات وهموم وآلام يتخللها جانب إيجابي، عكس هذه التجارب في شعره وأفرغ فيها ما جادت به قريحته في أفراحه وأتراحه التي عايشها في أثناء حياته، لما يمتلك من أداة الإبداع، ورهافة الإحساس، فوجد من صورة الزمن الحضن الدافئ والملاذ الآمن الذي احتوى كل آلامه وآماله التي انثالت عليه في حياته، فنجد أن الزمن قد تحول – إذن- إلى معادل موضوعي لفلسفته في الحياة، فالزمن مصطلح فلسفي، والشعر مصطلح أدبي، فربط بين الزمن والشعر نتج عنه تحول الزمن عن وصفه ظاهرة طبيعية إلى فضاء روحي تحلق فيه روحه ومشاعره وهو بذلك صنع المعنى الأعمق للعالم من خلال التجانسين الكوني والإنساني في شعره، حتى أصبح الزمن – بما يحمله من ذكريات- مصدراً خصباً لحقل المعاني الكامنة في نصوصه الشعرية، في محاولة لاستخلاص الروح الشاعرية في أجواء حالمة بالماضي، وتصارع الحاضر من أجل إشراقة المستقبل. فالشاعر يعيش في ظل شعور قوي بالزمن، لعل السبب في ذلك في الواقع الإحساس القوي بالذات([208])، انمار شعر أديب كمال الدين في تعاملهِ مع (الزمن) تعاملاً لافتاً للنظر بطريق انزياح هذا اللفظ عن مؤداه ومضماره الدلالي المألوف ليشي بإيحاءات جديدة يحدس أفق التلقي خصوصية هذهِ التحولات في النسج الشعري وبقرائن إنزياحية تؤشر لطبيعة تلك الانخطافات الترميزية، فإن المتلقي لنصوص أديب كمال الدين يعيش في أجواء وفضاءات أزمنة واقعية تقريباً وتخيلية في آن واحد كما أن هناك زمناً داخلياً داخل النص تدور عليه القصيدة هو زمن عام فيه أزمنة جزئية وخارجية له مساس بالواقع البعيد، وهذا الزمن بالمفهوم الرياضي الواقعي وبالمقابل الزمن الوهمي القلق الذي لا يُدرك إلا بعد اشتغاله في الذاكرة، وزمن الأحداث هو الخارجي الضام للأحداث الجزئية والمختزلة عبر سياق القصيدة، بيد أننا في هذا المقام يهمنا تحديده لتلك اللفظة (الزمن) وانتقالهُ وتحولهُ بوساطة الإنسان من دائرتهِ إلى دائرة المحسوسات الأخرى، وبهذا عمل الشاعر على تحويله ونقله بفعل الاستعارة، فاتسعت هذهِ اللفظة في أن تدخل في أهاب المحسوسات من الكائنات الحية العاقلة مرة، ومرة أخرى ناقلاً إياها إلى الأشياء الجامدة، في حين ينصهر الطرفان (المستعار له) و(المستعار منه) في بوتقة الاستعارة تنبثق منهما دلالات جديدة هي مزيج من دلالات الطرفين مجتمعة في معنى واحد مع احتفاظ كل طرف بدلالته القديمة مضافاً إليه دلالات مستحدثة، كما لمحنا بين ثنايا مجموع قصائده جملة من التعبيرات التي يمكن إدراجها ضمن الاستعارات الاتجاهية والأنطولوجية، المستندة إلى تجاربنا المختلفة الفيزيائية والثقافية، انطلاقاً من المحيط الذي نتصل به و ممارساتنا التجريبية لنقوم تفسير حول كيفية نشوء هذه الاستعارات التصويرية المستندة إلى تجاربنا، ويشكل الزمن عند الشاعر هماً أساسيا فيعد المدى الذي يتحرك في آناته و يحقق آماله وأحلامه أو يفقدهما، فخلع الشاعر على (الزمن) ملامح الإنسان وصفاته الدالة على العالم الخارجي لم يأتِ اعتباطاً أو عبثاً بقدر ما هو حامل في طياتهِ دلالات قصدية أو هي تعبير عن الإحساس الجاد بفعل ما آل إليه (الزمن) من مجريات وأحداث يصعب الحديث عنها مباشرة، فالخيال الاستعاري يهب المحمول اللفظي (الزمن) المستعار لهُ ملامح إنسانية يجعلها متحركة على مساحة النص بوصفه شخصاً قد مُنِحَ القرائن الاستعارية (الرأس، والناب، والعمر، والروح، والأكل، واللبس، والنوم) كينونة ذكورية تحيل على سلطة الآخر المغيب من قبل المتخيلة الشعرية فبقي خارج النص الشعري، ويمكننا أن نقسم هذه الاستعارات على نوعين:

1-                  أنطولوجية     2- اتجاهية

1-                  الاستعارات الأنطولوجية : التي تتضمن استعارات:

أ‌-                     تشخيصية

ب ـ استعارات الكيان والمادة

أ‌-                     الاستعارات التشخيصية:

 استعارة (الزمن شخص): نحو قول أديب كمال الدين في قصيدته (جنة الفراغ)([209]):               أحبّك كأنني أراكَ يا سيدي،

                                              فالرحلةُ متعبةٌ

                                      والزمنُ حاسر الرأس يبكي.

* * *

دمي احترق

فحاولتُ إطفاءه برملِ الحروف

      إنَّ استدعاء الشاعر (الزمن) هو تصوير مجرد يؤدي وظيفة المستعار لهُ، بوصفه شخصاً يمثل المستعار منه، فأسند الشاعر من خصائص الإنسان (الرأس والبكاء) حيث نسبها الشاعر لغير العاقل أي )للزمن(، وهذا قائم على انزياح استعاري تصويري دلالي بتوظيف التشخيص أي إظهار غير العاقل في صورة العاقل ليؤدي الوظيفة الاستعارية، فتشخيص (الزمن) مع الإنسان يعكس ويوضّح أحساس الشاعر بالمرارة والتعب والألم من هذه (الرحلة) بوصفها دالاً زمانياً، يفرز الانحصار بعد الانتشار، وانطواء الحياة الحافلة بالأحداث المتجسدة بأبعادها إلى رحلة (متعبة). وفي نص شعري آخر من ديوان (حاء) يقول فيه([210]):

الزمن يركض.. الزمن يغرق

(1)

الزمنُ يركضُ يركض

كلصّ يطارده شرطيّ شاهراً مسدسه الكبير

الزمنُ يغرق

كطفل يلفظ أنفاسه الأخيرة

أمامنا نحن الفقراء

الذين خُلِقنا دون أيدٍ أو أقدام.

(2)

الزمنُ شيخٌ كبير

طيّب كلحيته البيضاء

لكنْ حين أردتُ أن ألقي عليه تحية الوداع

فوجئتُ بغرفته المليئة بآثار الحناء.

      يمثل المستعار منه في (الركض) وفي الصفات (الطيبة، والشيخ، والكبير)، بينما يبدو المستعار له كامناً في التصور المجرد: الزمن؛ فالمستعار منه: الركض، والطيبة، وشيخ كبير، والغرفة، وآثار الحنة، والتحية  وصفات المستعار له: (عاقل، وحي، وإنسان، وإرادة) (الانتقال من نقطة إلى أخرى).

  فقد أسند الشاعر (الأفعال والصفات) للزمن وهي تنسب للعاقل، ولو أمعنا النظر لهذهِ الاستعارات المكنية من خلال الأفعال، نلحظ إيحاءات المعنى الشعري تبوح بمعان (يركض، ويطارده، ويلفظ) إذ هيمن الفعل المضارع؛ لأن الزمن تحرك في أنساق الزمن الحاضر، ورؤى الاستعارات منفعلة بمعانيها الراهنة، ليعبر ويبث آلامه ورؤاه تجاه الزمن وأحزانه المنعكسة على الأشياء والأحياء ليؤدي الوظيفية الاستعارية التشخيصية، كما انزاح نصّ الشاعر أسلوبياً منتقلاً إلى أسلوب التشبيه لبيان كيفية (ركض الزمن) ويشبهه (باللص الذي يركض خلفه شرطي)، وبيان غرق الزمن (كالطفل الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة) فأراد بيان الواقع الموضوعي المباشر الذي يعيشه أديب كمال الدين على أرض الواقع بما شبهه في سرعة الزمن وانتهائه وزوالهِ، فيما لو توقفنا عند هذا المكان (الغرفة) وشريطهِ سياق النص (مليئة) (بآثار الحذاء) فهو حيز يتسم بسمات البساطة وربما الفقر، وهي خصائص لا تعوم في منازل البسطاء الفقراء والمحرومين، فكأن الشاعر يولّد بطريق توظيف التشكيل الاستعاري معنى إبداعياً في رحم الرؤية المجازية إلى جوار الواقع، فقد كان الزمن ينسج عذابات وآلاماً وجودية في حياة الشاعر في رحم المكان (الغرفة) الحاصلة للون المعلوم (الحناء) الناهض من خلفية الرؤى المتنامية بوصفها طاقة إبداعية تنامت في المعلوم (فوجئتُ بغرفته المليئة بآثار الحناء)، كما يتحد الزمان والمكان ليشاركاه همومه وعذاباته.

     يجد أديب كمال الدين في ظل الاستعارة المكنية (للزمن) إحالة لمصيره فيحلّ الواقع التخيلي محل الصورة الواقعية، إذ تدب ناب الزمن لتحرك عجلة سيرك الحياة بسرعة للنهاية والزوال الحتمي لكل إنسان (الموت)، وفي استدعاء استعاري تجسيدي (مكني) آخر يجعل للزمن (ناباً) ويعض بها (الحياة) فيقول في ديوان النقطة([211]):

وحين عضّها الزمنُ بنابه

تحوّلتْ إلى سيركٍ عظيم

لا بداية له ولا نهاية.

       ففي ظل التشكيل الاستعاري جسد (الزمن) وأعطاه صفة حسية (العض) حينما جعل له ناباً، وهذا الفعل الحسي عمل على التحول بها إلى (سيرك) لا تعرف ملامحهُ سواءً أكانت من نقطة الابتداء إلى الانتهاء للدلالة على صفة عدم الثبوتية والاستقرار في ظل هذا الزمن المتحول والمتغير.

       نلحظ مظاهر التشخيص الاستعاري الشعري لدى أديب كمال الدين متعددة، وذات قدرة تنسيقية بينة، خصوصاً وأنه انطلق في الاشتغال على الشعر دالاً على وظيفة مجردة إلى محسوسة وبالعكس. كما حاول الخروج لأطر مختلفة للممارسات التشخيصية للاستعارة وتشكيلاتها في النص الشعري، إذ أسهم في عملية أنسنة الأفكار، وعمل الشاعر على إعادة توظيفها صياغياً تماشياً وموائمة مع متطلبات العصر الراهن، فعمد الشاعر إلى استعارات أخرى تسمى استعارة (الدهر، وعدو)، وتوظيف الدهر إشارة إلى استغراق الزمن الطويل، كناية عن العبء الذي تركه الوقت الطويل عليه، فيتم النظر في هذه الاستعارة إلى شيء مجرد يكمن في الدهر (الزمن)، والذي يلعب دور المستعار له عن طريق ما هو بشري، ويكمن في الدور الذي يلعب دور المستعار منه أو بالأحرى النظر إلى ما هو غير بشري يجعله بشرياً، انطلاقا من الخصائص والأنشطة البشرية، فقد عدَّ الزمن بمنزلة عدو يتربص بخصمهِ كل أشكال التنكيل والتنديد، ويحاول إلحاق الأضرار والخسائر به عن طريق التهديد والهجوم والغزو، وتجسدت هذه الاستعارة في قول الشاعر أديب كمال الدين في ديوان(أخبار المعنى) في قصيدة نسيان المعنى فيقول([212]):

- ومضيتُ أجرُّ عذاباتي نحو القبُب الخضر.

- لكنْ طوّقني الدهرُ وصاحَ بقلبي: اتبعني..

حتّى تعرف سرّي، سرّ النسيان.

فمضيتُ لنقطف أوراقاً يخفيها في البئر.

  وفي نص آخر من الديوان ذاته في قصيدة (أخطاء المعنى) يقول([213]):

نهضَ الموتى قربَ الباب، انشقّوا

كالومضِ، انشقّوا كشياطين صغارْ.

قومِي، أثلجني موتُ أبي، عذّبني دهري الأعمى..

صرخاتُ الجدِّ المحمول على رمحِ المعنى.

من بابكِ حتّى محرابكِ حتّى موتي

أشفقتُ على نفْسي.

        وبعد قراءة النصين يتجلّى الانزياح الاستعاري (للزمن)؛ إذ يتجلى بسمات ومحورات بشرية كافة في صفات الشخص العدو نحو: الشر والهجوم العدواني واختلال الوزن وما إلى ذلك من صفات أخرى ذكرت في القصيدة، فالمستعار له (الزمن) والمستعار منه (العدو).

        ومن هنا يتبين أنه مصدر للشر ودلالة على معاناة الشاعر ومجتمعه من سلوكيات وممارسات عدوانية ألقت بظلالها على (الذات والآخر) فهو يصف عذاب دهره (بالأعمى)، وكأنه لم يرَ غيره ليلحق به الأذى والعذاب والمكر والخيانة فضلاً عن معاناتهِ من الغربة التي تعيشها الذات، والمتلقي هنا يدرك الحس المأساوي المتروك في النفس الإنسانية إذ لم يستطع التخلص من أجواء العذابات والخيبة والعداء التي حاصرته في ظل الأنظمة الدكتاتورية.

     عمد الشاعر إلى الانزياح في ظل التشكيل الاستعاري التشخيصي على (الموعد، والوقت، واللقاء بالحبيبة) وجعله شخصاً ضاع في زحمة الطريق كما تعرض لعملية اختطاف فقال في ذلك في مجموعة: نون([214]):

الموعدُ الذي ينتظرنا ضاعَ في الزحام

وقيل إنّه تعرّضَ لعمليةِ اختطافٍ مُدبّرة

شاركتِ فيها بكلِّ جوارحك

وفساتينكِ التي لا حصر لها.

   ففي النص الشعري بدأ الفضاء المرتسم مستأثراً بزمن ماضٍ مسترجع كما توضح الترسيمة:

 ( الموعد)           الزحام            العناصر المشاركة في الاختطاف

                     ( الجوارح ، الفساتين)       المرأة ــــــــــــ ( الأرض)

وقت ( زمان)          مكان        

                         الحواس    الجسد   

                    فاعلية الزمان والمكان والحس

فكان المكان هو نسق الإيحاء الموازي لسهم الزمن المسترجع، فالاستعارة المكنية للزمن أبانت عن فاعلية المكان، وعن الأشياء التي تفسر العلاقة الشعورية بالمكان (المرأة) التي تحمل دلالة الأرض، وكان(الانتظار أو الموعد) بُنِيَ على فكرة الإحساس بالزمن البعيد المرتبط بالقيمة الاسترجاعية. إنَّ الانتظار جاء هنا يمثل تصوراً ما يدور في ذهن الشاعر من استرجاع عبر اللحظات التي أتاحها زمن الانتظار لذلك (الموعد - الشخص).

     ونجد استعارة المادة والكيان، إذ اندرج ضمنها استعارة الزمن شيئاً متحركاً، وهذا ما يظهر في (إشارة الجسر) إذ يقول([215]):

إلهي،

مرَّ سريعاً حلمُ العمر

كغريبٍ يتوكأُ على عصاه

وهو يعبرُ جسراً من سبعةِ أمتار.

 (حلم العمر) ـــــــــــــــــــــــــــ وقت (دال زماني)

المرور ـــــــــــــــــــــــــ (المشي سريعاً) للإنسان

      فتمت هذه البنية الزمانية عن طريق الاستعارة التصريحية التي تمثلت في المستعار منه (حلم العمر) وكأن الزمن بمرور السريع، والمرور الخصيصة اللازمة لذلك الحلم وشأنه شأن بقية الأشياء المتحركة. فيعد (حلم العمر) مستعاراً منه شيئاً متحركاً (للزمن) المستعار له، وهذا يعدّ تحولاً زمنياً إلى زمن آخر، عمد الشاعر إلى انزياح أسلوبي آخر وهو أسلوب التشبيه لبيان سرعه العمر وانقضائِه. وفي نص شعري آخر من قصيدته (حرف يحتضن نفسه) يقول([216]):

دع الزمن ينهمرُ من نافذةِ العمر

أو من نافذةِ الفندق

والساعات تدفعُ بعضها بعضاً

في ازدحامٍ عجيب.

           يعد الزمن (مستعاراً لهُ) شيئاً متحركاً و(المطر) مستعاراً منه، وفعل (ينهمر) الدال على الحركة والاستمرار هو لازمه ونوع الاستعارة مكنية، إذ يمثل دالة الانتقال والتحول من نقطة إلى أخرى بحسب اتجاه الحركة واعتبار الزمن شيئاً متحركاً وهذا نابع من انموذج التصور الزمني الذي تمدنا به ثقافتنا، فلنتوقف قليلا عند لقطة (الانهمار) وهو للأمطار، أمر مقصود أراد به الشاعر تسليط الضوء على الوظيفتين الأدائية والدلالية للزمن بالقياس إلى المكان الذي أنهمر منه (نافذة) وهذا يعني أن عمر الإنسان يمضي سريعاً متحركاً إلى النهاية الحتمية (الموت)، والاستعارة التشخيصية في دفع الساعات بعضها لبعض.

2- الاستعارات الاتجاهية: وهذهِ تتجلى في:

أ‌-       استعارة الماضي/ وراء     زمن

ب‌-   استعارة المستقبل/ أمام      زمن

  إن الدلائلَ الاستعارية التصريحية التي انزاح إليها الشاعر تحمل دلالات قصدية يُنظر إليها من صميم التجربة الثقافية، فتم النظر إلى (الماضي) من (وراء)، وهذا تصور مجرد متأتٍ من الاستعارة الماضي خلف الأنا، واستعارة المستقبل أمام الأنا، وبعبارة أخرى يكون الماضي عند ظهر الأنا وخلفه لا يراه إذ لا عين للكائن عند القفا ترى ما وراءه فتبصره فهو غائب ولذلك يعدّ الماضي غائباً([217])، فيقول الشاعر أديب كمال الدين في مجموعة: نون([218]):

خرجَ لي الماضي، أمامكِ، أيّتها النون

فقرّرتُ أنْ أنسفه

حتّى تكون حياتي جديرةً بك

نظيفةً، طريّةً، دون أدغال.

أتت الاستعارة الاتجاهية من ( الخروج ) ــــــــــ الماضي   ـــــــــــــــــــــــــ  ( أمامك )

                         من وراء        وقت      زمان من الأمام

فيكمن المستعار منه في الاتجاه الفضائي (وراء) بينما المستعار له يتمثل في التصور المجرد (الماضي)، فقد صرح بالمستعار منه في صورتين هما (الماضي، وأمام) وحذف المستعار له (الزمن)  فقد تمت بنية استعارة (الماضي، و وراء) عن طريق الاتجاه الفضائي المرتكز على تجاربنا سواء أكانت فيزيائية أم ثقافية.

      أما استعارة المستقبل أمام، تجلت في قوله في (نون) قائلاً([219]):

البارحة سقطَ عامٌ جديدٌ أمامَ داري

ففتحتُ البابَ مدهوشاً

وجمعتُ شظاياه

ثُمَّ صنعتُ منها تمثالاً لك.

البارحة     ــــــــــــــــــــــــــــ     عام جديد

زمن ماضٍ          المستقبل

      السقوط يتجسد من الأعلى إلى الأسفل وهذا ما نلحظه في الدلائل الواردة في نصهِ (أمام، وفتحت، والباب) وكلمة الإسقاط قرينة لفظية لتجسد أن ((المستقبل عند الأمام مواجهاً للأنا وقدامه يراه، إذ للكائن عين عند مقدمة الرأس ترى ما يواجهه فتبصره، فهو مائل هناك على مسافة تتقلص شيئاً فشيئاً بحكم تنقل الذات إليه فاقترابه هو منها؛ ويكون الحاضر عند موضع "الأنا" غير منفصل عنه حالاً حيث حل جسده على أساس الوجود في حيز واحد في زمن واحد يعيشه ويعربه))([220])، وبهذا انزاحت بُنية الاستعارة المكنية التي كمنت في إسقاط الاتجاه الفضائي (أمام) الحامل لدلالة الارتفاع المجرد؛ بينما (المستعار لهُ) كامن و دال على المستقبل أي إخضاعه للتصور المجرد (المستقبل) للتفضية.


 

ثالثا: التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الموت

       لقد وعى الإنسان منذ بداية الخلق أن الموت كأس وكُتِبَ على الأنفس تذوقه، وإن الموت باب يدخله الناس بلا استثناء ، وقد أكد أبو العتاهية هذا المعنى منذ القِدم فقال([221]):

المَوْتُ بابٌ وكلُّ النّاسِ داخِلُهُ،      يا لَيتَ شعري، بعدَ البابِ، ما الدَّارُ

فصار اليقين الإنساني بقوة الموت وجبروته ولهذا لم يكن شطح الأسطورة مكاناً كبيراً للحديث عن الموت، ولم نجد للإنسان على مدار الزمن أهمية كبيرة للتحدي ولا المساومة، من هنا كان للفلسفة أثر فاعل في بيان حقيقة الموت، وذلك بطريق عرضه في صور متعددة.

       فقد ألح الشاعر أديب كمال الدين على فكرة الحتمية التي تسلم بوجود بداية للأشياء ونهاية لها، وقد ساعدت على ترسيخ هذهِ الفكرة الحتمية للتأريخ المتشكلة أيضاً بشكل آخر من ضغوط الحقيقة اللاهوتية، أو من الحقيقة التي يشكلها الأقوياء، فتأريخ حقيقة شيء ما هو تأريخ تعاقب القوى التي تستولي عليه([222])، وينطوي تحت سلطانها أن إنتاج فكرة الحتمية جعل منها جزءاً من بنية الفكر، فالفكر لا يمكن أن يتصور بداية للأشياء دون أن يسلم بنهايتها، فكان الموت ولا يزال واحداً من أبرز القضايا التي تشغل فضاءً واسعاً من تفكير الإنسان، كونه يمثّل خاتمة الحياة لكلّ مَن يعيش في الدنيا، فهو يغتال النفوس كلّ يوم ولأسباب متنوعة؛ فضلاً عن أنه يعدّ رمزاً مهماً في ديننا الإسلامي، فهو أمرٌ لا مفرّ منه؛ أينما ذهب ومهما بلغ من العمر عتيا، فالموت يُعد واحداً من أشكال انتقال الذات إلى عالم الغيب، وهو ملمح صوفي قديم تأتي لحظات الانتشاء على مشارفه؛ لأنه الطريق الأسهل إلى مكاشفة الحق والتوحد به، بوصفه يحمل دلالة التلاشي والعدم ومن ثمة التكون مرة أخرى في المجهول، فضلاً عن شكله الميتافيزيقي الذي ينجذب إليه المتصوفة بمقارباتهم الوجدانية للكينونة التي حجبت عنهم([223])، والموت هو المحور الأساس في النص نجد ذكره متنوعاً وعبر عدة أزمنة؛ ولأن الزمان هو شكل تجربتنا الداخلية التي تستشعرها كامنة في لحظاتنا القصيرة التي نحياها، فالزمن في نظر الشاعر يفضي إلى الانحدار المتمثل في الموت، ولذلك فإن الدلالة النفسية تشير إلى التسلط القهري للزمن الذي يعمق مجرى الضياع، وبهذا يكون الزمن مساوياً للموت، فيظهر أديب كمال الدين الموت بهيئة إنسانية شخصانية متحركة في مواضع شتى من كتبه الشعرية وفي سياقات شعرية متباينة، بحيث يشكل صورة استعارية جزئية متعددة، بما يقوي شخصية الموت، فيظهر الموت لدى أديب كمال الدين في ظل التشكيل الاستعاري (إنساناً) ينام بجانب (البحر) الذي أنسنهُ الشاعر، على السرير في قصيدة (معاً على السرير) قائلاً([224]):

ينامُ البحرُ بجانبي على السريرِ مطمئناً

لكنّ الموت يتظاهرُ بالنوم

ويبقى يعدُّ عليَّ أنفاسي،

يبقى ينظرُ إليَّ بارتيابٍ وشكّ

مضطجعاً بجانبي، كذلك، على السرير!

   البحر         إشارة الرجل            ذات الشاعر ( مذكر)

    الموت استعار لهُ الشاعر] النوم، النظر...[ وهذهِ اللوازم كلها من صفات الإنسان المستعار منه المحذوف.

     تظهر الصورة الاستعارية ملازمة الموت والزوال للإنسان، فعمد للتشخيص من أجل تعميق الإحساس والشعور بالمعاناة والقهر من ملازمته لهُ حتى وهو مضطجع على سريره فتنامت الصورة على وفق تجربة الشاعر.

     وفي (إشارة الفجر) يقول([225]):

أرسلتَ إليَّ فجرَك

بعدما صلّيتُ وبكيتُ بدموعِ اليُتم.

...

هل آخذهُ إلى الحرب؟

لكنّي شبعتُ من الحربِ والدمِ والهذيان.

أإلى الهذيان إذن؟ أعني إلى الشِّعْر؟

آهٍ كتبتُ الكثيرَ منه حتّى صار هذا الكثير يؤذيني!

     في ظل التشكيل الاستعاري المكني شخص الشاعر الموت وجعله (يحب) وهذهِ لازمة من لوازم الإنسان.

 

الموت        نهاية لبداية حياة أخرى          سواد (نوم، سكون)

الفجر        بداية لحياة أخرى         بياض (حركة، سكون)

      أضاف الخطاب منذ عتبة القصيدة بـ (إشارة الفجر) إلى حالة الهم من حتمية الموت أو جدلية (الحياة والموت)، كما اشكل الشاعر على هذه النهاية المؤلمة والزوال، ولا تتوقف دعوة الشاعر عن الاستفهام الذي تكرر بواقع تسع مرات واستفهم بحرف الاستفهام (أ) الهمزة، وأداة الاستفهام التي تكررت (هل) أربع عشرة مرة هو مشحون بتراكم استفهامي، كما هو بيان لأزمة الشاعر من الموت وإظهار سلطته على الحياة حيث لا يبقى للإنسان سوى الاستفهام حتى تسقط الإجابة في إشكالية اللاأدرية الملتبسة (لا أدري، وبل أدري) (يحب، ولا يحب) في سبيل التيه والضياع التي تعيشها الذات([226]). والجمل التشكيلية متأتية من مشهدية تبرز عبر عناصر السرد والدراما فالسطران الشعريان (الأول والثاني) يوضحان زاوية ثابتة من المشهد (أرسلتَ إليّ فجرك) (بعد ما صليت وبكيت بدموع اليتم)، في ظل جو زماني معين هو (بعد ما صليت) و(وقت الصلاة)، لتنحى الجملة منحىً مكانياً آخر، ذهبت بها إلى )السوق، والمقهى، والبحر) من أجل إثارة الحاسة البصرية في المشهد الأخير ومن أجل التحريض والاستفزاز عبر ارتياده هذهِ الأمكنة المختلفة، ليأتي بعدها سطر شعري آخر كرد فعل درامي فيقول (الموت لا يحب الفجر بل يحب الكوابيس، والسكاكين، وجسد المرأة). ثم يصير باحثاً عن حل لمن يعطي هذا (الفجر) المرسل، حتى ينظم الشاعر (الأنا) إلى هؤلاء الذين عُرض عليهم هذا (الفجر) ثم قال (هل آخذه إلى الحرب؟) مستفهماً ليجيب من بوابة التصريح الأنوي (لكني شبعت من الحرب والدم والهذيان)، فكشف الشاعر عبر التشخيص للموت التجربة الأليمة والحالة المأساوية والنظرة السوداوية للواقع والتمزق النفسي الذي تعيشه الذات من (الموت).

  وفي تجربة أخرى قدم الشاعر أديب كمال الدين صورة استعارية مكنية (للموت) توحي بطبيعة الرؤية النفسية للموت وما يفعلهُ في صرعاه فيقول في (حوارات النقطة)([227]):

 

أيّهذا المهووس

نعم، فالموتُ سيأكل الثمرة

ويمتطي البحر

ويجفف الثدي

وحتّى الشمس لن تسلم منه!

الثمرة         النبات     

البحر         الماء                 مكونات/ موجودات الحياة

الثدي         التناسل

الشمس        زواء الضوء

       إذ يجسد الشاعر في هذا التشكيل الاستعاري مشاعر الخوف والرعب من الموت الذي اتخذ صورة حسية (الأكل، والامتطاء، والجفاف، وزوال) عميقة الأثر لتثير انطباعات تنسجم مع هوس الشاعر بسيطرة (الموت) على كل الموجودات الكونية، وقد بالغ بها جراء انطلاق وتوسع خياله نحو اللاوعي، فيصبح (الموت) مجسداً وماثلاً في كل مكان، مما يجعل النفوس والموجودات الكونية، مهيأة لمواجهة الموت، وما يثيره في النفس من قلق وخوف ورعب وهلع.

      بيد أن التشكيل الاستعاري المكني (للموت) عند هذا الحد المشهدي بل تعداه إلى إثارة الحس البَصَري لأن يرى كيف يهجم الموت على كل شيء سعياً منه في تجسيم الرؤية السيكولوجية فيقول في (إشارة اللعب)([228]):

إذ أشرف كلُّ شيء على الرحيل

وصارَ للموتِ خطو ودبيب:

أليسَ مِن حقّي أنْ ألعبَ مع الإنسان؟

     فيجعل للمستعار لهُ (الموت) صفة الخطو والدبيب، دلالة المشي وذكر لازمة من لوازم المستعار منه (الإنسان). فهذهِ استعارة تشخيصية للموت، أثار فينا صورة أخرى حينما جعلهُ (يمشي) كمشاعر الترقب والحذر المريع من الموت و وحشيته التي تمنعهُ حتى اللعب مع أي إنسان آخر. كما تعدى الشاعر في تشكيل استعاري مكني آخر إلى الحس السمعي حينما جعل الموت هو (المُخاطِبْ) للذات (الشاعر) فيقول في قصيدته (تناص مع الموت)([229]):

"مرحى" قلتُ للموت!

هل قلتُ للموتِ: "مرحى"؟

أم إنّه الموت

قالَ لي في برود:"أهلا وسهلاً"؟

      الصورة السمعية المتشكلة عبر حوارية الشاعر والموت الذي يقول (أهلا وسهلا) ثم يصفها (بالبرود)، بغية تجسيم الرؤية النفسية المتأزمة للذات وتصبح الصور متضامنة بعضها مع البعض لتخلق وتصور مشهداً درامياً مثيراً للموت والفزع منه حتى أصبح هذا الشعور منقولاً ومثيراً لأحاسيس ذات المتلقي، إذن هي صور تصب كلّها في بؤرة نفسية متأزمة من هذهِ الحتمة المؤلمة للشاعر. وفي مقطع شعري آخر من (ساحر) يقول([230]):

وحين بدأ بعزفِ الخريف

اظلمّت السماءُ واكفهرّت

وأحاطتْ به عواصفُ البرقِ والألم

لكنه حين عزفَ الموت

ذُهِلَ على الفور

إذ أحاطتْ به مئاتُ الجثث

من كلّ جانب .

       يفصح لنا هذا المقطع عن صورة سمعية أخرى، لكن هنا يجعل الموت هو العازف في ظل التشكيل الاستعاري المكني حينما يشخص (الموت) فيجعل منه  أنساناً يعزف، فالعزف يكشف عن شعور مُزجَ فيه الحزن والخوف من أول العزف، بعد ذلك يستفز الشاعرُ المتلقي حينما يبدأ العزف وقت (الخريف) الحامل لدلالة رمزية على النهاية والزوال، وفيه يرى الشاعر أي انطلاق العزف في ظل وقت الخريف الذي يشبه الموت وعالمَهُ، هو إحساس جسدته الصورة الاستعارية التي أفصحت عن انطباعات ذاتية عميقة مؤثرة نحو الصورة الحسية والبصرية أمام متلقيها (أظلمت السماء، اكفهرت، أحاطت به عواصف البرق والألم) لتنبىءَ هذه الحركة عن حركة أخرى متجسدة في سقوط الجثث على الأرض وقت بدأ العزف، بدا معه هذا الشعور بالرعب الذي يبثه بدءاً (العزف، والخريف) في قلب الشاعر وفي أعماق الإنسان، استطاع أن ينقله إلى المتلقي، مما يتضح لنا أن آلياته الإبداعية تتطابق مع انفعالاته النفسية المستمرة في عملية إخراج هذا المشهد الممسرح على الورقة الشعرية، وهو يعبر عن تفاعل دينامي بين البنية النفسية – الإنفعالية ورؤيته الشعرية التي طغى عليها الخيال، وعاظم شعور الشاعر في انتفاضه وامتعاضه من (العزف والخريف) ينبئ بدخول الموت أو إشارة إلى الزوال([231]). وفي نص شعري آخر من (تناص مع الموت) يقول([232]):

 

قالَ لي الحرف:

لا تأبهْ كثيراً

فالكلُّ سيموت،

حتّى الموت نَفْسه سيموت!

     حتى يصبح الشاعر غارقاً في الذهول والفزع من الموت، مما يظهر النص انطباعات نفسه متولدة في ذات الشاعر التي يخيم عليها الحزن التأملي الثقيل، فعبر التشكيل مجسداً عمق رؤيته النفسية من (الموت) الذي استفز خيال الشاعر نحو صور وتشكيلات استعارية مكنية، إذ يقول في قصيدة بعنوان (مهند الأنصاري ثانية)([233]):

كيفَ تُحطّمُ أيّها الموت،

أيّها الوحشُ المُهذّب،

بوّابةَ المستحيل؟

بل كيفَ تقولُ الذي لا يُقال،

أيّها الموت،

أيّها الوحشُ السليطُ اللسان؟

        استطاعَ الشاعر أن ينزاح في رؤيته الذاتية في ظل التشكيل الاستعاري التشخيصي أن يجعل الموت (سليط اللسان) و (وحشاً ومهذباً)، وكلها تقع في دائرة الموت لتكون مساوية في فعلها وتجاهها نحو الموت وقسوته وسطوته على الإنسان، فهذا المشهد التصويري جاء متوائماً مع نزوع الشاعر وانفعالهِ من شراسة الموت.

      وفي مشهد آخر يتحرك النص ليخلق الإحساس (بسوداوية الموت)، بتوظيف الخطاب اللوني الشعري الذي وسع مديات الصورة اللونية، إذ فتحت مجالاً درامياً حوارياً بين (الغراب، والموت) فقال في قصيدة (الغراب)([234]):

حين مرّ الغرابُ من فوق رأس الموت

قال: أنا الغراب.

قال الموتُ: ثم ماذا؟

قال الغرابُ: أنا الغراب الأسود!

فضحك الموتُ وقال: أنتَ بالنسبة لي

أكثر بياضاً من الثلج!

      فهذه صورة متكاملة قائمة في ظل الاستعارة التشخيصية للموت الذي صيرت منه إنساناً (يضحك ويتحدث) أبدت عن خيال متمكن، استطاع أن يمزج أركان الصورة التي لم تنزحْ عن نموها الداخلي وأثرها المأساوي العميق في ذات الشاعر، وبفعل الحوارية بين (الغراب، والموت) و(الغراب) حيوان تقترن دلالته برمزية الشؤم، فالموت فضلاً عن ما يشير إليه من شعور بالخوف والرهبة اللذين ينبعثان من صوت وصورة هذا المخلوق. وفعل وقوفه على (رأس الغراب) ونعته (بالأسود) وعبر الصورة السمعية (ضحك الموت)، أضفت قدرة الموت وشراسته على جميع الموجودات، وكأنها تريد التعبير عن شيء لكن بتوظيف مدلول لوني يرمز للحزن والخيبة وسطوة (الموت) حينما قال (أكثر بياضاً من الثلج) وجاء على وزن(أفعل) التفضيل، فهذا الإظهار اللوني (السواد) و(البياض) نابع من تجربة شعورية تصويرية تنزاح لبيان الصراع البصري بين (السواد والبياض) للغراب والموت، وهو مزيج من ترابطين بصري وسمعي لرسم الصورة من أجل شحن صفة (سواد) أو سوداوية الموت (السواد) بكل ما لديه من دلالات موحية وأعادت خفية على أخذ، فالشاعر يتوخى في ظل الاستعارة التشخيصية بعداً أكبر من الناحية البلاغية، وكأنه يريد الوقوف عند (قتامة و سوداوية الموت) ولحظة الموت فانتهاء حياتهِ، ولما تمثله لدى الشاعر أديب كمال الدين، بوصفها ذريعة لما يجيشه في داخلهِ من تهوم وخيبة وحزن من هذهِ الحتمية([235]).

      وفي نص آخر من (الحرف والغراب) يجسد آلية الحوار بين النقطة والحرف ليسأل عن معنى (الحياة والموت) ([236]) قائلاً:

قالَ الحرف: ما معنى النقطة؟

ومسح بألمٍ صورتَها من كتابِ الوجود.

قالَ الموت: ما معنى الحياة؟

وغسلَ بلا مبالاةٍ يديه الضخمتين من الدم!

       الحياة : مفهوم زمني         ماضٍ

       الموت: مفهوم زمني          حاضر

      أفاد الشاعر من شخصنة الحروف التي حاولت الوقوف على معنى الحياة، يتضح لنا أن (الموت) في هذا النص الشعري يسأل عن (الماضي) الحياة، وهذهِ الثنائية (الموت، والماضي) تدخلنا في متاهة، لفتح باب الحوار بينهما محاولة منه لإدراك هذهِ الحتمية ومحاولة للإفلات من (الموت) وسعياً منه للخلاص منه، بيد أنَّ السطر الشعري الذي يبدأ بـ (غسل) فعل زمنه ماضٍ وفاعله مستتر، بقية إثارة الحاسة البصرية لدى المتلقي من بشاعة الموت وهو يغسل (يديه) التي نعتهما الشاعر بـــ (الضخمتين) من (الدم) متعجباً من فعلتهِ هذهِ، كما أراد أن يظهر الحالة المأساوية للموت جاعلاً من مأساة الإنسان الوجودية ليتخذ طابعاً فلسفياً شمولياً، جعل منه مشتركاً كونياً ليصبح في أمس الحاجة إلى كل جزء من ماضيه القريب البعيد، يعدّ الموت فعلاً ماضياً لا ينسب لفاعلهِ دائماً، فالموت غالباً يكون خارج نطاق مقدرتنا على الفهم، إذ يحيط الغموض بجميع نواحيه وهو يمثل للإنسان إشكالاً حاداً، فأكثر الحقائق الكونية إزعاجاً هي حقيقة الموت.

بعدها استطاع أديب كمال الدين أنْ يضع نفسه في موضع القوة، إذ انه الباحث المتسائل من خلال حوارية (النقطة والحرف) في (ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة) قائلاً([237]):

سألت النقطةُ الحرف:

كيف تعرّفتَ إلى جنون الموت

ولم تتعرّف إلى جنون الحقيقة؟

قال الحرف: لأنني شغلتُ بنَفْسي

فأنا الموت

وأنا الحقيقة!

     إنَّ هذا الإلحاح للتعرف على جنون الموت مفاده السعي للبحث عن كيفية الخلاص من هذه النهاية الحتمية إذا ما جاء فجأة خصوصاً وأنه وصفه بصفة (الجنون)، فجعل الشاعر نفسه متماهياً مع الموت وهذهِ الحقيقة المؤلمة حينما أنسن الحرف ليشير به إلى نفسه، وبهذا استطاع الشاعر أن يفلت من الموت واستنجد به ولاذ للخلاص منه، فالاستعارات التشخيصية نمت نمواً عفوياً آخذاً بعضها ببعض لتكتمل الصورة الشعرية الاستعارية، وعمل الشاعر أديب كمال الدين على (لفظة الموت) فشخصه مع طبيعتها الرمزية، ليصبح النص شبكة من العلاقات الاستعارية المتناسلة دلالاتها النصية في سياقات جديدة مجسدة الرؤية الشعرية عبر تفاعل لغوي كامن في رحم النص([238]).

       ويطالعنا في نص شعري آخر من قصيدة (في المطار الأخير) تشكيل استعاري تصريحي مصوراً فيه مرحلة الشيخوخة, أي شتاء العمر وخريفه (نهايته) وهو الموت قائلاً([239]):     

حسناً نحن الآن في المطار الأخير

(أهو المطار الأخير؟)

السماء مُلبّدةٌ بالغيوم

والشتاء هو الوقت

        فدوال (المطار, وملبدة بالغيوم, والشتاء, والوقت, والوداع)([240]) كلها تصوغ بالكلمات المعبرة مصورة تجربة أزمة الذات بكل حمولاتها إذ تلقي بظلالها على بنية الملفوظات الأخرى من النص الشعري لتنزاح عن مؤداها لدلالات أخرى بغية تطويعها نحو شعرية الموت, فكثف الشاعر استفهامه عن الموت (المطار الأخير) عبر أسلوب الاستفهام وعلامة الترقيم لتنساب جمله بدلالة الموت في الحياة التي تعانيه كل الموجودات في الأزمان كلّها:

المطار          مكان

السماء          

الشتاء           زمان 

وقت الوداع    

فهذه الأسئلة تحمل إشارة رمزية لروح الذات الشاعر القلقة المحبطة من تلك الحتمية.

       هكذا نجد لدى الشاعر أكثرَ مِنَ انزياحٍ إضافيٍّ شِعريٍّ خالِصٍ، وجَماليّةً في الأسلوب إذ استطاع بشحن قُدرتِهِ ومَهارتِهِ في فاعلية التشخيص والتجسيم أن يَبعَثَ قدرَتَهُ الرّوحيّة كي تخلع صفات الإنسان على ما هو محسوس أو معنوي، فتُصبحَ أكثرَ قوّةً، وأوضحَ معنًى، وهذا ما يُميّزُ التركيب الاستعاري؛ إذ يَسعى إلى وظيفةٍ جَماليّةٍ تَسبقُ الوظيفةَ البلاغية، فمن خلال مفردات الذات والزمن والموت سعى الشاعر إلى رسم صورة نتجت عن الاغتراب الذاتي الذي عاشه الشاعر والحنين إلى مراحل مضت، فكان لهاجس الذات والزمن والموت في نصوصه الفعل المميز المعبر عن معاناة أليمة، وحكايات حزينة، عاشها وسعى من خلال النصوص الشعرية إلى التخفيف عن الذات التي واجهت المأساة على وفق درجة تحمله للوقائع والأحداث من حوله، وكان الصراع بين الذات والموت وسرعة الزمن حالة صراع نفسي مستمر، حاول الشاعر التماسك وسط دوامة الانهيار؛ لذا تكون الحياة النفسية حركة تأثر وتأثير، إذ تتفاوت الصور الشعرية في أشكال عدة ومسالك شتى، مثَّلت واقع الشاعر أفضل تمثيل؛ فكان المرآة التي انعكست عليها تجاربه، وهواجسه، ومشاعره.

ونستخلص الحديث عن الثلاثية المهمة في شعر أديب كمال الدين (الذات، والزمن، والموت) وتأثير هذه الثلاثية في تجاربه الشعرية وما آلت إليه من مصاعب وتقلبات وغربة وحنين، التي ارتبطت مع بعضها البعض أشد الارتباط فأنتجت جانباً لهُ دلالته التحليلية من خلال الرؤى الفكرية للتشكيل الاستعاري الذي بدأ برؤيته المعرفية لذاتهِ ليصل إلى الرؤى المعرفية للزمن، ومن ثم النهاية الحتمية "الموت"، فظهر التشكيل الاستعاري من خلال هذه الرؤية المعرفية التي يتجسد الخيال الجامح فيها والقدرة الفذّة ليتحقق الجانب المعرفي والتحليلي أمام هذه الثلاثية وخلق علاقة متلاحمة و وشيجة بينه وبين هذه الثلاثية من خلال التشكيل الاستعاري الذي كان عاملاً مؤثرا في نصوصه الشعرية ليبث أجواء الخيال والجمال في شعره.


 

 

 

 

الفصل الثاني

شعرية التشكيل الاستعاري

 



 

المبحث الأول

العنونة في شعر أديب كمال الدين

        لا نسعى في هذا المقام لمناقشة العنونة أو التنظير لها والخوض في إشكالية  مصطلح (العتبة) ورحلته في السياق التاريخي، لأن هناك الكثير من المعاينات والدراسات والبحوث التي وقفت عندها(*)، فاهتم الباحثون بعتبة العنوان على مر العصور؛ لأنه يعد حلقة وصل لتوجيه القارئ من جهة وتوجيه النص (العنوانات الفرعية) من جهة أخرى، لارتباط تسميات النص الفرعي بالعنوان الرئيس([241])، إذا كان العنوان رئيساً أو فرعيا فهو القدر الحتمي الذي يفتتح به النص الشعري، فهو ((مقترح رئيس يتسلم يد المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقه وتأويله))([242])، فلكل بناء مدخل ولكل مدخل عتبة ولكل عتبة عنوان، فالعنوان هو المصباح المغري الذي يضيء النص ويجذب القارئ للقراءة والمتعة فعند التسمية يتحول إلى كائن يكسب الشهرة ويتحول من العدم إلى الوجود([243])، ونستطيع الوقوف على الأسس الجمالية والبلاغية التي يحويها العنوان لأنه المفتاح الموصل إلى فهم النص والغوص في أعماقه، وما يعنينا هو تحليل العنوانات الفرعية المندرجة ضمن الدواوين الشعرية، إذ إن كلاً منها عنوان من هذهِ العنوانات الفرعية مستقل بقصيدة، فهو بمثابة العنوان الرئيس لتلك القصيدة.

      وسنقف على نماذج لعنونات فرعية من قصائد أديب التي أضحت متعدية وسيلة التسمية إلى غاية في ذاتها أي استراتيجية، لا تقود القارئ إلى النص فحسب بل لتقيم حوارية بين القارئ والنص، وتشرع في طرح أسئلة وتبدأ لذة القراءة لقارئ ينتشر في النَّص.

-       ففي ديوان " أخبار المعنى" سنقف على عتبة العنوان (موت المعنى)([244]):

1- مستوى البنية: سنجلي في هذا المحور أو المستوى طبيعة البنى التركيبية، بدءاً ينتمي العنوان إلى نمط الصيغة الاسمية كما في هذهِ الترسيمة التالية التي نوضح فيها بنيته التركيبية:-

1-    البنية السطحية: موت المعنى          مركب اسمي إضافي

2-    البنية العميقة: هذا موت المعنى        مركب اسمي

3-    جملة بسيطة: هذا موت المعنى        مركب إسنادي

             مسند إليه      مسند

      يبدأ بنكرة هي كلمة (موت) وقد أضيفت إلى معرفة (المعنى)، وهذهِ إضافة محضة وهذا الحدث الاسمي: موت المعنى، تنتقل النكرة "موت" من فضاء المجهول والتنكير إلى فضاء المعلوم التعريف من خلال المضاف إليه (المعنى) بوصفه معرفة، واكتساب النكرة "موت" سمة المعرفة لممارسة التحديد والتعيين (موت المعنى)، وبهذا ينبثق النص الفعلي من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالفعل، ومن الاحتجاب إلى الانكشاف وحيازة القوة، وإذا انتقلنا إلى البنية الأخرى "الجملة البسيطة" التي تكونت من مركب إسنادي (مبتدأ و خبر) إذ أزيح فيه المسند إليه عن الوجود الفعلي، وأتيح للمسند ممارسة الهيمنة الوجودية، كما أن الحذف للمسند إليه والاقتصاد في العنوان قوة تدليلية تنماز بالحضور ليس على صعيد الدلالة فحسب بل على التلاعب بالبنى النحوية للغة.

المسند إليه          يحدد ويعين هوية الشيء نحو (هذهِ، هي)

المسند            يشير إلى كيفية الشيء أو فئة أو نوع العلامة([245]).

وهذا ما يمارسه المسند في عنواني ( موت المعنى )، و (هذا) موت المعنى عبر تعينه بأن لكل شيء بداية ونهاية (حياة/ موت) وكل شيء في الوجود إلى زوال، بيد أن الشاعر حاول أن يغير المسار ليبدأ من الموت إلى الحياة فيضعنا نص العنوان على عتبة التخييل، ويتيح للمتلقي (تصور هذه الحتمية المعكوسة لدى الشاعر)،(النهاية   البداية )،(الموت    الحياة) بمعنى انه قدم صورة مشهدية لواقع مرئي واقعي يدفع به نحو اللامرئي (جسر من الواقعي إلى الخيالي أو بالعكس).

1-    البنية المعجمية: دال "الموت" لا يخرج عن دلالة النهاية أو الزوال أو الغياب أو الفقدان، أما دال "المعنى" الذي ورد في لسان العرب([246]) وفي غيره من المعاجم لا يخرج عن معان هي:

1-    الحال الذي يصير إليه اللفظ ( أي مصير الشيء وحاله).

2-    إظهار ما يتضمنه اللفظ أو معنى الشيء ومحتواه ( بمعنى الكشف).

3-    الوقوف على المضمون الدال عليه اللفظ أي بمعنى ( الإظهار).

 بيد أن المعنى الذي أراد الشاعر أن يبثه في طيات نصوصهِ الشعرية وعبر قصائدهِ أن لدال المعنى معانيَ أخرى ووظائف ومسارات عدة تنتهي به إلى الفلسفة حتى صار للمعنى بوصفهِ كلمة دالة على صيغ وظيفية، وبهذا تجاوز المعنى التقليدي إلى بيان فلسفة المعنى مقترباً من عملية التأويل التي تبحث عما وراء النص أو ما وراء اللغة وعندما يصبح الشغل الشاغل الأول التفكير في معنى الوجود([247]).

وفي نص العنوان حقل دلالي عام ينتظم على ( المعنويات ) ويفترض على الصعيد العلائقي  تضادات مكونية

                    الموت                   المعنى

الإنسان             معنوي                   معنوي         الحرف

النبات             الموجودات                 اللغة          الكلمة

الحيوان              غياب                   حضور        الجملة

                     حي                    غير حي

  في ضوء هذهِ المقاربة التركيبية* للعنوان يمكننا قراءة المستوى الدلالي الذي يتكون بالبعد العلامي في "موت المعنى" في أبعاد عدة تساير القراءة الناجزة لمهمتها بوساطة ربط مرجعيات العلامة بأجواء النص، وهي تستنطق الوفرة الاحتمالية بين (العلامة    الأيقون)، و( العلامة    الرمز) ، فيتضافر ويتفاعل الشيئان(تركيبية + معجمية) نلحظ العنوان مرمياً في محيط البنية البلاغية وانطلاقاً من الدهشة من (موت المعنى) يمكننا أن نتعامل معه بنيةً بلاغية وسميوطيقية تفيض عن ذاتها، منزاحة من حافة مدلول إلى حافةِ مدلول آخر، وبناء على ذلك فإنَّ العنوان "موت المعنى" بوصفه علامة سيميائية ترتكب في الفضاء التأويلي مستويين من المعنى   ]التقريري، الإيحائي[([248])، كما في الترسيمة الآتية:

          موت المعنى      دال(1)         مدلول(1) المعنى التقريري

          علامة أـدبية       دال(2)          مدلول(2) المعنى الإيحائي

 

 

3- المستوى الدلالي:

      عمدَ الشاعر إلى أن يكون الاسم الأول مكتسباً للتعريف من الاسم الثاني بوصفه نصاً مبنياً على إضافة معنوية محضة، ليغدو المركب الإضافي مبنياً في مستواه المعجمي على وفق علاقة تضادية (الحضور والغياب / الحياة والموت) علاقة قائمة على حتمية وصراع ينتهي (بالموت) في حين أن (موت المعنى) أفصح بدلالتهِ عن سيطرة الموت وهيمنته على الواقعة الثانية (المعنى)، ليكون الموت هو المسيطر الوحيد فيما لو انتقلنا إلى حركة التضاد بينهما عبر هذه الترسيمة:

     موت                                    المعنى                             

(1) غياب          حضور(2)         حياة(1)        موت(2)

  لا غياب                           لا حياة        لاموت

     ليرسخ أراد الحضور والحياة لهذهِ الرحلة المعكوسة التي تبدأ من الموت إلى الحياة (النهاية إلى البداية). ومن هنا تفسر مفردة (موت) في العنوان الفرعي قائمة على تضاد (موت) هو بداية رحلة الذات وصولاً إلى (حياته)، فالموت يتعرف بالمضاف إليه (المعنى) وليغدو الموت هو البداية واللازمة لوجود الذات ومتخلياً عن دلالته المعجمية. فهذا العنوان المشتغل في إطار التشكيل الاستعاري الآتي:

(المستعار منه)            (المستعار له)               (القرينة)

 الإنسان                    المعنى                      الموت

        استناداً إلى الترسيمة أعلاه يشتبك المشبه بالمشبه به بقواسم مشتركة، الإنسان (جسد كيان مادي) و(مبعث ومكمن اللذة) و(ارتباط الكتابة بالحب والفعل الشجي مجازاً) و(ارتباط الكتابة بالجسد) والمعنى (اللغة كيان مادي جسم من الأصوات) و (اللذة والمتعة بوصفها معطياً من معطيات النص وهي متعة الكتابة التي تحكمها قواعد تنظيم وتقدم متعة الخلق والإبداع) و (ارتباط الكتابة بالحب والفعل الشجي) و (اللغة أدلة تفرزها حركة خاصة)([249]).

      وبذا يتم التوصل إلى علائق رابطة بين (الموت) و (المعنى) على صعيد التلاؤم الدلالي بينهما، من حيث أن (الموت) حقيقة حتمية وجودية على كل الموجودات والكائنات، وهو بذلك يواجه ما كان ثقافياً، الذي يحيلنا إلى " نظام وأداة للتواصل" (المعنى) فالحتمي يواجه الطبيعي، وهذهِ الحقيقة الحتمية التي تفتك بكل ما هو موجود تستطيع ( الذات/ الشاعر) أن يختار لنفسه طريقة فذة في مواجهة الموت عبر الامتلاء من الحياة باتباع خياراته (الثمانية). وإذا كان جلجامش واجه (سيدورى) بعد تطواف، فإن امرأة الغابة (لأديب كمال الدين) كان لها فضل السّبق في تأسيس ذات الشاعر وكينونته في المعنى/ الوجود، إذ إن لها القدرة على الخلق والخصب والإيجاد من خلال إيقاظ ( تفاح الصبوات) فيقول في "موت المعنى" ([250]):

 وأهاتفُ أنكيدو القابعَ في أعماقي: أنّ امرأة الغابةِ توقظُ فينا تفّاحَ الصبواتِ وتقتلُ طلعَ الربّ حذارِ.

التفاحة رمز أسطوري/ ديني، فالجمع بين المعطيين سببه التداخل في النظر إليها بوصفها (شجرة، ثمرة) وبين الوعيين الأسطوري والديني بكيفيات معينة فالتفاحة هي رمز للخصب والحب في آن معاً، بينما يرى التراث المسيحي فيها شجرة الغواية التي أكل منها آدم وحواء([251]). إذن حاول الشاعر أن يؤسس ذاته في اللغة (الحرف)، الوجود، فتأسيس الحرف يعني منحه (هوية وجوده) الدالة عليه فيقول([252]):

أشاورُ كلكامش ليلاً لنؤسس مكتبةً لحروفِ الحقِّ، الحبِّ، وحاءِ الشعراء المنسيين.

      إذن العنوان يُمشهر صراعاً بين الوجود واللاوجود لينتهي إلى موت الذات ليأس، ويبدأ رحلته إلى الحياة ولكن عبر الحرف ودلالته المتشكلة كمفاتيح ((لاكتشاف المعنى لدى الشاعر عبر اللعبة اللفظية التي اختطّها لنفسه، وان بقيتْ تحمل معها طريقة الحروفيين في تحميل دلالات الحرف معاني أخرى تختلف من لفظة إلى أخرى، فراح يبحث عن ماهية المعنى، ومعنى المعنى. لكنه في حقيقة الأمر لا يدخل في هذه اللعبة، بقدر ما يمر عليها ظاهرياً حين يحاول أن يجعل نصوصه متصلة بها باطنياً للتعبير عن موقفه من الحياة وحركة الوجود وطبيعة الأشياء، بصفة الشاعر مكتشفاً للأشياء و(لأسرار)المعنى، أو (أسرار) الخلود كما كان جلجامش يحاول، فكان أن فاز بخلود الذكر وفناء الجسد، كما وظف الحوار داخلياً عبر نزوع درامي نابع من كينونة الوجود ذاتها التي يحاول توكيدها بوساطة دفاعه عن سر الاكتشاف وسرّ الخلود، وسرّ امتلاك ناصية الحرية ، فهو يبحث عن كنه الحياة عبر كنه الحرية ذاتها، فالمعنى لديه تحرر في الانطلاق؛ تحرر جامح داخل حقيقة هذه الكينونة))([253])، فضلاً عن الوظيفة الأيقونية البَصَرية التي تتمثل في حركة الأسطر الشعرية لقصيدة "موت المعنى" فهي حركة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وكذلك من أعلى الصفحة إلى أسفلها إذ تشير إلى:

أ‌-     فكرة الحتمية التي تسلم بداية للأشياء ونهاية لها، تساعد على ترسيخ هذهِ الفكرة حتمية التاريخ التي تشكلت أيضا بشكل أو بآخر في ضغوط الحقيقية اللاهوتية أو من الحقيقة التي يشكلها الأقوياء، فتاريخ حقيقة شيء ما هو إلّا تاريخ تعاقب القوى التي تستولي عليه وينضوي تحت سلطانها([254])، فبنيته قائمة على نتاج هذهِ الحقيقة لذا كيف أن نتصور للأشياء بداية بلا نهاية دون التسليم بنهاياتها، فإذا ما ربطنا بنية السواد على فضاء الورقة الشعرية مع الواقع التاريخي والزمن الاجتماعي للشاعر(أديب كمال الدين) فإنها بنية تفصح عن بنية متحركة وامتلاء للشاعر وانثال الكلام الشعري على فضاء الورقة الشعرية، ليدل بهذهِ البنية أو الحركة على الصراع بين البداية والنهاية([255]).

ب ــــ كما تشير إلى فكرة الثنائيات المتضادة التي تساند حركة التضاد التي تقدمنا بها آنفاً، وتشير إلى حالات الصراع بين (الحياة/الموت) و(الخير/الشر) و(الحضور/الغياب) و(البداية/النهاية)، وهذهِ كلها دلائل على الواقع المتناقض الذي تعيشه الذات، وحاول عكس هذا التناقض على الحتمية الحقيقية التي بنى بها ديوانه الشعري ( أخبار المعنى ) إذا ابتدى بــ ( موت المعنى ) وانتهى إلى:

 

(وصول المعنى)         البداية (الحياة).

-         عتبة قصيدة (الثعالب)([256]) :

      يتراءى لمتلقي هذهِ العتبة كأنه أمام تلغيز يصعب فك شفراتهِ، متوجهاً به نحو انحراف دلالي يستفز به القارئ ويراوغه، وسوف نتعامل معه من خلال ثلاثة مستويات:

1-    مستوى البنية التركيبية:- نسجت العتبة كينونتها في مستواها السطحي (الملفوظ) عن طريق مفردة واحدة وهي (الثعالب) نشاطاً كائنياً وعبر هذهِ الترسيمة:

البنية السطحية: الثعالب      جملة اسمية ( خبر لمبتدأ محذوف)

البنية العميقة:   هم الثعالب

البنية البسيطة: هم    الثعالب

            مسند إليه    مسند

      عمِدَ الشاعر إلى حذف المسند إليه مستهدفاً أقصى إمكانات التكثيف والإيجاز من أجل تحفيز فاعلية التلقي بتأويل ما ارتكبه من حذف وانحراف عن البنية التركيبية الدلالية، فغدا العنوان بعد هذا الحذف والإيجاز والتلغيز قوة دلالية منمازة يضع كمية من الإعلام والإشهار من حيث هو مُخير شؤون المبتدأ وهناك تناسب بين وظيفة (الخبر) في النظام النحوي. ومن هنا يضع عتبة العنوان على عتبة التخييل ويفسح المجال أمام متلقيه ومعرفة من هم الثعالب؟

1-                  البعد المعجمي: إن الكينونة التي تكونت منها وانخلق العنوان وكذلك النص الشعري هي مفردة واحدة (الثعالب)، وهذهِ المفردة في سياق اشتغالها النصي تتمظهر في إطار حقل الموجودات الذي يمتلك أساليب الدهاء والخديعة والمكر  

 

 

الحقل الدلالي

موجود

حي

الطبيعة

       ففي الحقل الدلالي تتشظى إلى أكثر من معنى يخالف المعنى الظاهري المرتكز في أذهان الناس بوساطة مؤشرات أو قرائن عدة وردت في النص الشعري (الثعالب)([257]):

وَدَمي ثعلبٌ ميّتٌ

وفي النصّ ذاته يقول

وَدَمي ثعلبٌ قاتلٌ مُثقلٌ بالظلامْ.

     وإذا أردنا أن ننسل إلى المعنى لابد من أن نقف عند دال (دمي) وهو يخص مادة (دم) ويَدَمى، ادم، دمياً، دمى، فهو دام، ودم، إذن هو إشارة إلى كائن (آدم) _ كرمز بشري أيضاً، والكائن البشري أيضاً يمتلك أساليب الدهاء والخديعة والمكر،                                          موجود

وهنا يتحول اللفظ من كائن حيواني يقابله كائن بشري، وعبر هذه      حي

الكينونة التي تألف منها عالم النص الشعري ننفذ إلى المستوى       إنسان

الدلالي الخاص بالمفردات التي لها دور علائقي بالعتبة نحو         ثقافة

 (الرياح، والشباك، ومبحر(الفرات))                               

مبحر    بمعنى هو من يقود تلك الرحلة البحرية   حدث   إرادة      أحداث

الريح    رهينة الإرادة     وهي التي تقود تلك الرحلة

الشبابيك      موجود     غير حي

 

      الثعالب        موجود       حي

إذن الريح رهينة الإرادة المتمثلة بالثعالب، فالخطاب يفصح لنا عن حلقة وصل بين (الثعالب) والريح هي التي تقود       وهو يحيل على الرئاسة والإخضاع. فالريح لها قوة كبرى فجعلت من القوة الصغرى تذعن لها هو (الثعلب ) فيقول الشاعر([258]):

وَدَمي ثعلبٌ ميّتٌ

مُبحرٌ باتجاه التي لا تُسمّى،

لا يُقالُ بأسرارها أو يُباحْ.

مُبحرٌ باتجاه الرياحْ.

     وعتبة العنوان (الثعالب) بؤرة تتوسل الاستعارة إليه لتنطلق في تأسيس عالمها الدلالي بالمماثلة الماثلة إزاء القائمة بين الموجودات المتوافرة في النص الشعري التي أشار إليها الشاعر.

ولو قلنا بالإمكان أن تحوز اللغة موضع المشبه والثعالب المشبه به والقرائن

الشباك           الثعلب          عناصر متكافئة

ذكاء إنساني     ذكاء حيواني

فيقول الشاعر في (الثعالب)([259]):

فالثعالبُ تلتفُّ حَولي، الثعالبْ

تلعقُ الآنَ أعضاءَها في دَمَي الميّتِ.

قرّبي. فجرُكِ الآنَ ملآنْ.

مرَّ عشرون عاماً وشبّاككِ الآنَ ملآنْ

فالشباك كمين للثعالب عبر التمويه، وهو إعداد كائن إنساني وصناعته فيقع سيد الخديعة والمكر والدهاء " الثعلب" في قبضة الظلام والغموض والذهول إذن هناك مقارنة بين

  ذكاء          دهاء

  إنسان          حيوان

  عقل           غريزة

  تمويه          مكر

  ثقافة           طبيعة

      وعلى وفق هذا التوحد والانسجام الاستعاري تتوحد المفردتان لتحوز موقع المشبه به (الثعلب)، والقاسم المشترك بين اللغة المشبه والمشبه به ليست إلا هذا الشباك الذي يموه به الكائن البشري (آدم/الشاعر) فريسة العالم ويصوغ لنا قصائدهِ عبر طاقة الخيال= الريح، ولو عدنا إلى المعنى غير المرتكز في أذهاننا والدخول بموشور التحليل السيميائي حتى نصل إلى المعنى المبتغى من خلال جذر دال (الريح): روح، فالروح هي النفس وحابه حياة الكائن الإنساني الخيال، إذن وبهذا التأويل للعنوان مشاطرة مع القرائن الدالة في النص الشعري تتكشف لعبة الاستعارة وجماليتها فأفضى الشاعر ظلال (الثعالب) على اللغة بما تشير لهُ وتحملهُ من مكر وخديعة ودهاء في اقتناص الفريسة، فكائن العنوان في الاستعارة اكتسب وظيفة سيميائية من خلال القرائن أو الرموز التي تشير عليه في النص الشعري (الشباك، والريح) و(الثعالب) ومنحها مشاهد بصرية تتمرأى أمام متلقيها على فضاء الورقة الشعرية، إضافة إلى تفاعل هذهِ المفردات وتجاوبها مع بعض في التدليل الإشاري وفيما لو يتفاعل دال ريح مع ثعلب تنشأ دلالة ثانية من خلال السيميائية الاستعارية هي الكائن (الشاعر) الذي يقتنص العالم بالكلمات([260]).

-         عتبة (سهرة صامتة)([261])، من ديوان ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة تنتمي كينونة العنوان إلى نمط الصيغة الاسمية أو المركّب الاسمي المكون من (اسم و وصف)، ويبدأ بنكرة كما يتبع صفة أيضاً نكرة وهنا يطابق (صامتة)، (السهرة) أي الصفة والموصوف في الإعراب والتنكير والتأنيث.

-         وقد جاء هذا الوصف موضحاً للاسم السابق عليه وخصص الاسم ببيان صفة ما كان منه سبب([262]).

       وإن مثل هذهِ الممارسة المجهولية التنكيرية والإصرار على البقاء في المجهول كان قد تم في فضاء البنيتين السطحية والعميقة للتركيب، ففي هذهِ الترسيمة سنقدم البنية التركيبية:

1-    البنية السطحية: سهرة صامتة       مركب اسمي نعتي

2-    البنية العميقة: هذهِ سهرة صامتة     مركب اسمي

3-    جملة بسيطة: هذهِ سهرة صامتة     مركب إسنادي

           مسند إليه    مسند

      وهذهِ الترسيمة تطلعنا على إعلان البنيتين السطحية والعميقة المكونة للتركيب إصرارها في البقاء في تلك المجهولية والتنكير، وهذا ما لا يعد محتملاً لمتلقي العنوان فلا بد من يُوفي هذا العنوان بالمعنى الكامل الذي يقف وراء هذا التركيب تاركاً صفه (الصمت، والهدوء، والإقصاء للصوت الإنساني) يخيم على أجواء هذهِ السهرة وأي سهرة هذهِ صامتة؟

       والآن نقف مع المستوى المعجمي لكينونة العنوان وصلة الوصل الرابطة بين الدلالة والمعجم التي تفصح عنها العنوان (سهرة صامتة)، فعبر هذا المستوى ليحصل المتلقي على التنظيم الدلالي المتخفي عبر طبقات العنوان، ولفظة (سهرة) توحي وتشير إلى الاجتماع والاحتشاد بقصد التفريج عن النفس لجمع من الناس كما انها تنماز بإعداد وتحضيرات وطقوس مستدعاة تضامن جماعي، وبهذا يفسح الشاعر لمتلقي النص المشاركة لتوقع هذهِ السهرة وكيف ستكون أجواؤها ما أن وصفها بـ (صامتة) حتى خرق أفق هذا الانتظار والتوقع للمتلقي للخروج وانزياح هذهِ السهرة عن المألوف، فضلاً عن أن السهرة تنماز بعنصر صوتي يضج بأجواء المكان، ولفظة (الصمت السهرة) من حيث إن السهرة تدل على احتفال وصوت وحضور للكائن وفيه إشارة دالة إلى ظهور الكائن الإنساني وامتدادهِ في العالم، في حين أن الصمت بؤرة مركزية سالبة تعمل على إقصاء الصوت الإنساني إلى منطقة الهامش([263]).

  المستوى الدلالي: إن نص العنوان انتظم في حقل دلالي أشار على الموجودات وهو يفترض على الصعيد العلائقي تضادّاً بين مكونيه (صوت، وصمت) ، (فرح ، وحزن)

 

 

 

 

سهرة           تضاد              صامتة

فرح                                حزن

لافرح       ماتحت التضاد         لاحزن

   وهنا يتضح أن السياق انزاح لا هو فرح ولا هو حزن على وفق الترسيمة أعلاه، فضلاً عن أن عتبة العنوان ضمن هذهِ الترسيمة يتجاوز حال التضاد إلى حال التناقض ولذلك يتخذ المحور الثاني (تحت التضاد) مجالا لاشتغاله (لا فرح/ لا حزن)   إشارة لحالة اللامبالاة وللاهتمام واللامسوؤلية.

     إنَّ بث الشاعر دال ( الصمت ) حتى جعل كينونة العنوان مقرونة بالتناقض من حيث إن (سهرة) تحيل المتلقي إلى فضاء الأنس والفرح والسرور في تضاد مع دال (الصمت) الدالة على التهميش والإبعاد، وهذا التناقض الدلالي في كينونة العنوان هو من جعلته يشير إلى وظيفته الإغوائية المدهشة في الإمساك بالمتلقي عبر ربط بنيته التركيبية بعناصر لغوية غير ملائمة كما في الترسيمة التالية:

        سهرة                                    صامتة

        فرح                                     حزن

       صوت                                   سكون

        حياة                                     موت

مؤشر للانتصار والبقاء والوجود           مؤشر للإقصاء والتهميش والعدم

      ولعل الدلالات المتخفية عبر طبقات العنوان هي من نهضت بدلائل العنوان وعبر هذا التناقض يحول الصمت إلى صوت والحزن إلى فرح والموت إلى حياة.

        كما يبث عبر هذهِ الكينونة استدعاء (الحياة صامتة) وليست سهرة صامتة وهو يصور حالة اللامبالاة التي انتابت الذات وهو يرسم العنوان، بذلك تظهر صورته حينما فقد الشاعر إحساسه بالزمان والمكان والحياة والفرح، والصمت إشارة إلى امتناع الذات من التواصل مع هذهِ السهرة وعدم مبالاتهِ لما يجري ويدور فيها من طقوس وتحضيرات ويدور فيها، فضلاً عن أنه فعل تسيد أجواء تلك السهرة وأصبح فاعلاً في إشاعة الهدوء والسكون، فالصمت هو من جعل الذات تنعزل من تلك السهرة ومن بلوغهِ لهدفه.

إن تبادل كل من    السهرة      الفرح       الحياة        الدور الاستعاري

                الصمت     الحزن      الموت

       فتارة تكون السهرة الفرح (الحياة) وتارة يكون الفرح (الحياة) السهرة، وتارة يكون (الصمت) حزناً (موتاً) وبالعكس، وهذا ما يؤكد انبثاق كلتا الاستعارتين من بنية استعارية متكونة من نسق تصويري للكائن.

-       عتبة (قمر أسود وكلب رمادي)([264])، من ديوان (أربعون قصيدة من الحرف):

مستوى البنية: تتمظهر صيغة العنوان في (الصيغة الاسمية) الآتية:

1-    البنية السيطة: قمر أسود و كلب رمادي            مركب اسمي

2-    البنية العميقة: هذا قمر أسود وهذا كلب رمادي      مركب اسمي

3-    الجملة البسيطة: هذا قمر أسود  و  هذا كلب رمادي    مركب إسنادي

             مسند إليه  مسند  عاطفة  مسندإليه   مسند

     إنَّ المركب الاسمي يتكون من اسمين أولهما نكرة والآخر نكرة أيضاً، وهكذا بقي الحدث الاسمي في فضاء المجهول والتنكير، إضافة إلى إضفاء صفة السواد على القمر، وعملية حذف (المسند إليه) والإتيان بالخبر مباشرة كأنه أراد الإفصاح عما بداخلهِ من خيبة أمل وفقدان وأسى وأوجاع من الواقع المحيط به.

     والوقوف على المستوى المعجمي يحيلنا على الوقوف على المستوى الدلالي لنص أو بنية العنوان الدال على "الموجودات" مفترضاً تضاداً بين مكونيه غير الحي ( قمر) و حي (كلب) يتضح هنا أن السياق انزاح لا هو بالحي ولا هو بغير الحي على وفق هذه الترسيمة:

 

غير حي          تضاد           حي        محور أول (تقريري)

لا حي       تحت التضاد      لا غير حي     محور ثانٍ (إيحائي)

      وكما هو متعارف أن القمر هو كائن في الفضاء العلوي سَيثير الذاكرة ويشحنها بفاعلية التخييل والتصوير المنزاح من الأسفل إلى الأعلى، فضلاً عن أن النص الشعري يومئ إلى المكان([265]). 

    فالمحور الأول يعمل على وفق الثنائية الضدية (أسود، وأبيض) حي وغير حي، إضافة إلى ضدية أخرى هي مكانية ( أعلى ، وأسفل )، وهي في منأى عن السياق النصي، على نحو مستقل لكل

                                        السماء    الأرض

                                          قمر      كلب

                                          مكوّن معجمي

     وبهذا يتضح المحور الثاني هو ما تحت السياق الذي أضفى كائناً لغوياً جديداً يسميه نص العنوان قمراً أسود و كلباً رمادياً، وبهذا أخذت الصيغة الاسمية سمة دلالية جديدة، فضلاً عن أن التمايز اللوني دخل في الكينونة كأساس ومحرك للنص والعنوان وإبراز المفارقة والتضاد المهيمن على العتبة وتفاعل الطبيعيات (القمر، والكلب) دخولهما وانصهارهما ضمن علاقة تحويلية، جعله حاملاً لدلالات إيحائية مكثفة فإذا قاربنا كينونة العنوان بوصفه بنية استعارية متحققة عبر الانزياح والتناقض والتحول اللوني للقمر (من البياض إلى السواد) وكذلك انزياحُه عن خصائصهِ الرمزية وتفعيله الفاعلية اللونية وتذويبها في أتون حالة السواد، فثيمة التمايز اللوني والاقتصاد على هذين اللونين (أسود، وأبيض)، هي ثيمة معمقة في روح الشاعر، وهذهِ الصورة الاستعارية تمكنت من خلق الانزياح عبر شحن العنوان بهذهِ المتضادات:( قمر   غيرحي)، (كلب   حي) ليكشف عن البنية العميقة التي تضم موقفين متعارضين متضادين: أسود  رمادي     

 1 - حالة السواد والحزن المكتتف الذات   أعلى   أسفل     

"وصف الذات" + "زمانها" جمال قبح أما المقطع الثاني حالة الاندماج بين الذات و واقعها أي "الزمن والذات"، إذ إن الذات نفسها كأنها من الجمادات ولم تحس بشيء، زيادة على أن الشاعر أخذ من "الكائن الحيواني" رمزاً تمكن من نقل الأحداث وبوصفه شاهداً ومصاحباً لما جرى من أحداث جرت مع الأنا والقمر فجعل الشاعر الكلب معادلاً رمزياً لزمنه و واقعهِ.

2- كلب رمادي        مستوى رمزي

    قمر أسود           مستوى وصفي

   والثنائية الضدية القائمة بين ( القمر، والكلب)، (أسود، وأبيض)، (حي، وغير حي) قامت على ضدية أخرى هي مكانية( أعلى، وأسفل)،  تمثل بخروج الشاعر من العراق إلى منفى آخر وأن تغير الزمان فبقي "أسود":       القمر     الكلب

 

[السماء   الأرض]      اتجاهان متعارضان

 

 

 

 

   الكلب      زمان       أبيض       رمادي          الحاضر

                  أسود                        المستقبل

   القمر      مكان      أسود        الخروج من       الماضي.

      وهكذا اتضح النشاط الاستعاري للعنوان ولا يلبث هذا الفضاء المكاني " القمر" يتحول إلى فضاء واقعي مقموع بين (الذات، والشاعر)؛ إذ إنه المكان الحقيقي الذي نفي منه الشاعر ليقيم في منفى آخر وعلى هذا الأساس يغدو العنوان (قمر أسود وكلب رمادي) في اشتغالهِ الاستعاري    (مكان أسود و زمان رمادي) إشارة إلى واقع الذات وبهذا الشكل امتدت البنية الاستعارية وفاضت علينا بالمعاني والدلالات.

-         عتبة "الموتى يرقصون عند الباب" ([266])، من ديوان "رقصة الحرف الأخيرة"

-         المستوى التركيبي للبنية:

يُثير العنوان لمتلقيه شيئاً من الدهشة والغموض بدءاً من بنيته التركيبية التي تشابكت، إضافة إلى ما ينوبها من تداخل الجمل في إطار تركيبها ينماز بالتعقيد وذلك ما سنوضحه عبر هذهِ الترسيمة:

                    جملة مركبة

    جملة مركبة

 


[المبتدأ + الخبر]        [فعل + فاعل]         [ظرف مكان + المضاف إليه]

  جملة اسمية              جملة فعلية            شبه جملة (ظرفية)

 

1-    البنية السطحية: الموتى يرقصون عند الباب         جملة مركبة

 

2-    البنية العميقة:  الموتى يرقصون    عند الباب     جملة مركبة إسنادية

3-    الجملة البسيطة: مبتدأ   فعل فاعل (ظرف مكان وهو مضاف)(الباب مضاف إليه))

     فالاقتصار على المبتدأ والجملة الفعلية مكونة من الفعل المضارع والواو في محل رفع فاعل، وهذهِ الجملة الفعلية بدورها في محل رفع الخبر إضافة إلى إسنادهما لحالتهم الظرفية المكانية (عند الباب).

     فالحذف المتأتي والحاصل في البنية الأولى يندلق به نحو فتح باب التأويل ودخولهِ في مجال الاحتمال والممكن، ليصب في صالح تعميق دلالة البنية العميقة عبر أحداثها التكافؤ الإعرابي والتعريف والجمع، فهذا التصور ينحو بنا نحو المستوى المعجمي للعنوان.

شكلت كينونة العنوان حقولاً دلالية معجمية منتظمة تتضح في الترسيمة الآتية:      الموتى        يرقصون       عند الباب

       موجود         حدث           تأكيد

        كائن           إرادة

    إنَّ هذهِ المفردات المشتغلة في سياق الكينونة، وفي أطار حقل الموجودات الحية (كائن) ، (الموتى)     طبيعة إذ تتجابه مع الثقافة (الرقص)، (الباب) كلاهما نتاج الثقافة

    إرادة     نتاج العقل

     وهكذا تتواجه الثقافة مع الطبيعة إحداهما تفاجئ الأخرى على الصعيد الأنطولوجي، كما أن لا يمكن أن تستغني أحدهما عن الأخرى، وعبر هذا استطاع العنوان تأسيس منطقة الشعري القائم على قلب الموازين، إذ جعل (الموتى) كالأحياء وهو يقومون بفعل الرقص، مما دعا هذا القلب إلى قلب نظام البنية وتشابكها، أي بمعنى انعكس هذا القلب على النظام التراتبي للبنية التركيبية المكونة للعنوان.

    ولا بدّ من الإشارة إلى الوظائف التي قامت بها "شبه الجملة" الظرفية في الحقل الدلالي للدوال التي تمثلت بـ "عند الباب" إذ تؤكد حال الموتى هم عند الباب إذن تزيل الشك عن "المسند إليه" ألا يكون كائناً آخر.

 إضافة إلى ما تبثه وتثيره دوال الكينونة من تضادات اتجاهية ومكانية مترتبة بعضها عن بعض وهي بدورها تشير إلى القيمة والتفاضل والثقافة هي المسؤولة لإنتاج النص([267]).      خطاب العنوان

                           المحور الدلالي

       الموتى                                               يرقصون

       الأعلى                                                  أسفل

       السماء                                               الأرض

        ذراع                                                    قدم

 أراد الطيران بالسماء                                 أراد الضحك (بالأعماق)

الفجر(بداية لحياة الآخرة)                         القبر (نهاية) لحياة الدنيا

       الحزن                                                  الفرح

                       عند الباب

                      فضاء الحدث

         واستناداً إلى هذهِ الترسيمة يستبد العنوان بعنصرية موقع "المشبه به" المستعار منه والعناصر المكافئة له موقع "المشبه" المستعار له، هكذا فالعنوان انزاح عن معناه الحرفي الذي وضعهُ له الشاعر إلى المعنى الاستعاري الذي يخص التناقض والتضاد في مفردتي (الحزن والفرح) ، (والحياة والموت)، وهذا إحالة إلى حالة الصراع الإنساني مع الوجود ويدخل في فضاء صراع الحزن والفرح والحياة والموت.

      ونرى أن عتبات النص الشعري، ليست مجرّد مدخل أو مخرج للقصيدة الشعرية فهي كينونة ذاتية لكينونة النص، فلا يوجد نص بدون عتبات ولا العكس، في ضوء العلاقة الجدلية بالآخر، فيشكل العنوان عتبة أساسية  في  تحديد النص الشعري،  فمن خلاله تتجلى جوانب جوهرية تحدد الدلالات العميقة لأي نص، فالتشكيل الاستعاري للعنوان هو أول عنصر يثير انتباه القارئ كعنصر إثارة و تشويق  يختزل مضمون النص في غالب الأحيان.


 

المبحث الثاني: استعارية التوظيف الحروفي

عند أديب كمال الدين

      إنَّ مفهوم الشعرية (Poetics) مصطلح قديم وحديث في الوقت نفسه نابع من الشعر، إذ تعود أصوله إلى كتاب الشعر لأرسطو، الذي اعتمد نظرية المحاكاة بوصفه الأساس النظري لشعريته، التي يمكن أن نطلق عليها (شعرية المحاكاة)([268])، فهذا المفهوم يعد بوصفه عِلمًا يدرس الوظيفة الشعرية، لكون الوظيفة الشعرية تبرز، وتهيمن حتى تتحقق في الشعر([269])، فهي من الألفاظ التي حاول الشكلانيون الروس بعثها ولم يعرفها العرب القدماء بمعناها الحديث، فترددت عندهم ألفاظ مثل (الشاعرية) و (شعر الشاعر) و (القول الشعري) و (القول غير الشعري) و (الأقاويل الشعرية)([270])، وأن الشعرية أو الشعريات، مادامت الشعريات مجرد جمع لمصطلح الشعريةـ " كعلم للشعر" يعنى بمواصفات الخطاب الفني وماهيته وتسهم في البحث والتأصيل للكتابة النقدية التي تحوم حوله إذ إن اللغة الأدبية أو اللغة الشعرية، قديما وحديثا، هي تلك اللغة التجاوزية، التي تخترق المعيار و((تختلف عن اللغة القياسية؛ لأنها تنزاح بطبيعتها عن معيارية اللغة؛ لأن هدف اللغة الأدبية هو إثارة انفعال لا تقرير وقائع، فهي لغة استشرافية بطبيعتها لأنها لا تعرف اختزال المعنى، إنها توسع وتضيق في ذات الوقت التفاوت بين الرمز والفكرة، بين العلامة والمكتوب، والمكتوب والمعنى المحدد))([271]).

       وتشكّل دلالات الحروف مفاتيح لاكتشاف المعنى لدى الشاعر بطريق تلك الإيحاءات والرموز التي وظفها في الحرف، فأصبح الحرف عند الشاعر الصورة الناطقة لما يجول في أعماقه من أسرار وخفايا، فحملت تلك الحروف دلالات ومعاني تختلف من لفظة إلى أخرى، وكأنه جعل من ((الحرف دليل العلم والعلم معدن الحرف))([272])، فراح يبحث عن ماهية المعنى، ومعنى المعنى في تلك الحروف فالحروف هي أمة من الأمم لا تموت، ولها أرواحٌ دائمة الفيض والهبوط أبد الآباد، من العالم الأعلى على أشكال الحروف المتوافرة في العالم الأدنى، وهذه الأرواح أبدية الفيض، دائمة الهبوط على الدوام، قائمة مقامها الذي خُلقت فيه، تلزم ما لزمته الأفلاك ملازمة لفيض الأرواح على أشكالها([273])، ومنظومة الإبداع الشّعري الذي يستثمر المساحات الرّمزيّة اللامتناهية حتّى يتّخذ الحرف رابطة تصل بين إنسان وآخر، ذلك أنّ الإنسان هو ((الحقيقة الأساسيّة التي نستطيع إدراكها في العالَم، فهو يتّصف بالحضور والقرب والامتلاء والحياة، وفي الإنسان وبه وحده يصبح كلّ ممكن واقعا، لهذا فإنّ إهمال الوجود الإنسانيّ أو تغافله معناه الغرق في العدم))([274])، كما أنّ فعل التّجاسد لا يتمّ إلاّ (على حَرْف) وإذا كانت صفة (الحرف) قد لابست الجسد فإنّ الشعراء وظفوا قصائدهم على الحروف الأبجدية المستقطَر من حرف الجسد حينما جعلوا الحرفَ (علامة تعبيريّة جسديّة) زيادة على وصفه (علامة تعبيريّة لغويّة) فكيف سيتفاعل الشّاعر مع طلسم شفره بمعارفه ثمّ بأبجديّته وجسده؟.

       إنَّ المتأمل في الخطاب الصوفي يجد حقيقة مفادها أن الكتابة الصوفية كتابةٌ تنزع إلى التحرر من التمركز حول الأنا وعنجهية الذات، وكأنها تكتب نفسها بنفسها، أو كأنها تكتب عبر وساطة أنا انمحت أناها بأنا المطلق، وليست الضمائر المستعملة في الخطاب الصوفي، مهما بدت متضخمةً فيه أو متكثّرة، إلا مظهرا من مظاهر اللغة التي تفرض إرغاماتها فرضا على الخطاب ليكون خطابا ذا معنى، وإلا فإن الخطاب الصوفي، لولا إكراهاتُ اللغة، سيكون خطابا بلا حرف أو صوت أو ضمائر أو كلمات، خطابا متحررا من قيد الحرف والوصف، وإذا صحت التسمية فهو خطاب العماء أو خطاب البياض بامتياز، لأنه قبل كل شيء خطاب أحوال وأذواق لا خطاب أقوال وأوراق، العربي أو يهبط دونها؛ فكلا في نهاية المطاف يفضي إلى تشخيص مظهر من مظاهر الحقيقة المطلقة بغض النظر عن شكلها ولونها وتمظهراتها التي لا تحصى عددا، علمنا ذلك أم جهلناه، فلكلِّ مظهر خطابي مشروعه الفكري وجمالياته الخاصة به، ورؤاه التي تؤثّثه، ولعلّ  ما يؤكِّد صحةَ هذا الرأيِ أن الصوفية استدرجوا غير قليل من التجارِ عبر الإبداعية السابقة في التراث العربي، وأدرجوها في ضمن خطاباتهم، ولكن من منصة رؤيوية جديدة([275])، ولئن عُدّ القلم عند الصّوفية (علم التّفصيل) فإنّ ((الحروف التي هي مظاهر تفصيلها، مجملة في مداد الدّواة، ولا تقبل التّفصيل مادامت فيها، فإذا انتقل المداد منها إلى القلم تفصّلت الحروفُ به في اللّوح وتفصّل العلْم بها إلى لا غاية، كما أنّ النّطفة التّي هي مادّة الإنسان مادامت في ظَهْر آدم مجموع الصّور الإنسانيّة مجملة فيها ولا تقْبل التّفصيل مادامت فيها. ولمّا انتقلت إلى لَوْح الرّحِم بالقلم الإنسانيّ تفصّلت الصّورة الإنسانيّة))([276])، على هذا الاعتبار يرتكز الاصطلاح الصّوفيّ على أسّ معرفيّ مفاده اعتبار ((القلم عِلْم التّفصيل. والنّونِ علْمَ الإجمال))([277])، ولمّا كان الإجمال رسما لكائن واحتمالا لممكن تقاسم كلّ من النّون والألِف تجربة الخلق، وتبادل قلم الشّاعر ونونُ أنثاه مهمّة البعث، فهو ((علم باحث عن خواص الحروف إفرادا وتركيبا، وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب وصورته تقسيمها كماً وكيفاً، وتأليف الأقسام والعزائم، وما ينتج منها، وفاعله المتصرف، وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة))([278])، وبعد التقصي والبحث وجدنا أن هذه الظاهرة التي غلب عليها الرمز الحروفي والكتابة الحروفية التي وظفها الشاعر أديب كمال الدين لها مسميات عدة منها التقطيع الكتابي([279])، أو التفريق البَصَري([280])، أو الكتابة التشكيلية والتي يعنى بها اعتماد الحروف المقطعة مثلما تعتمد الحروف الموصولة في الأداء التواصلي، ويكون اتجاه الكتابة من اليسار إلى اليمين أو من الأعلى إلى الأسفل أو يكون بشكل مدرج([281]).

ومن هنا يعالج الشاعر في تجربته الحروفية موضوعات ومعانيَ إنسانية يرمز إليها إضافة إلى حروفها الدالة على الألفاظ المخصوصة لها على نمط استعاري بروح شاعر فنّان يرسم لوحات متناهية في الروعة والجمال، فالحرف جزء من أسراره، إضافة إلى إحساسه في الحرف من قدرة على استكناه أزمنته الماضية والحاضرة وكشف المستقبلية منها وقدرته على خلق أسطورته الشخصية، ويعلن عما منحته التجربة الصوفية ومواجد المتصوفة له من مقترح حرفي وأسئلة قصوى عن الحرف وقدراته التي لاتحد. ويصرح الشاعر بالحرف (أسطورة خاصة) ويعرف به أداة لحفر منجمه الشعري ويشهد أن للحرف مستويات هي([282]):

1-    المستوى الهيئي (الشكلي).

2-    المستوى الدلالي.

3-    المستوى التحويري.

4-    المستوى الطلسمي.

5-    المستوى القناعي ويتخذ أشكالاً مختلفة منها:

أ- الصوفي   ب- الأسطوري   ج- التراثي.

      وإذا ما صح لهذه المستويات أن تتفرع في الإطار التنظيري تعسّر أن تفعل هذا على جسد النص الذي يبدل أدواره الحرف وتصبح هذه المستويات غالباً قسمات لوجه واحد ولو أردنا أن نضع مقترحاً أو مقترباً قرائياً لأسطورة الحرف عند الشاعر لتمثل في امتزاج هذه المستويات وانصهارها في حروفياته([283]).

       إنَّ الباحث في الحرف عند أديب كمال الدين يستلزم خبرة سابقة بالرمز الصوفي و(الشظية) الحرفية فيه، والتجليات الإشارية لدى المتصوفة ودرجات الحرف ومعانيه عندهم التي لا يستدل عليها بهيئاتها وأشكالها المجردة أو الدلالية في النص بل بأولية العلم بالمعجم الصوفي ومصطلحاته ومكابداته، واذا ما أردنا أن نفرّق بين تجربة أديب مع الحرف وتجربة الشعراء المجددين ممن كان للتراث الصوفي مكان في مرجعيتهم الشعرية (أودنيس تحديداً)([284])، لألفينا أن شغف أديب بالحرف ليس إلاّ شغفاً بشظية صوفية (متمثلة بالحرف) لا بالبعد الصوفي المتكامل أو المرجعية الصوفية الفكرية أو الدينية، وإنَّ الحرف لديه وسيلة لاستكناه أبعاد لاتحد في طاقتها على التجدد أبعاد شكلية ودلالية تتخذ أقنعة مختلفة وأشكالاً متغايرة، ويصعب علينا ونحن نرصد شذرات من تجربته الحرفية أن نقول بانتهاء سلطة التجريب في دلالة الحرف لديه لأنّ التجريب الحرفي قد أخذ عنده حيزاً مفتوحاً ولانهائياً وقد أشار الشاعر ذاته إلى طموحه بأن يفيد من (الكلمة، الحرف) إلى الأقصى فقد فجّر الحرف فيه أسئلة قصوى وإمكانات لاتحد([285])، فيرى نفسه ((مخلوقاً قرآنياً، صوفياً، حروفياً. نعم، فمن القرآن الكريم نهلتُ معارفي في مختلف الأصعدة. فالقرآن الكريم بحر عظيم وفيه علم ما كان وسيكون، أي علم الأسئلة الكبرى التي واجهت البشرية منذ خلق آدم إلى يومنا هذا عبر أخبار الأنبياء والمرسلين، وتفاصيل عذاباتهم ومعاناتهم وصبرهم وغربتهم وأحزانهم وهم يبلّغون في مختلف الأزمنة والأمكنة رسالةَ التوحيد والمحبة والسلام واحترام الآخر وعدم تحقيره أو الاعتداء عليه بأيّ شكل كان وبأيّة صورة كانت. وهو لكلّ كاتب وشاعر وأديب كنز لا يفنى من المعارف اللغوية، والروحية، والفكرية، والأسرار الإلهية، والقصص المعتبرة، والمواقف الأخلاقية ذات المضامين العميقة، والحوارات الفلسفية واليومية ما بين الخالق ورسله وما بين رسله وأناسهم. ومن التصوّف تعلّمتُ معنى التأمل في ملكوت ملك الملوك، ذاك الذي يقول للشيء كنْ فيكون. وتعلّمتُ عظمةَ الزهد، وأسرار الروح الكبرى، ومعنى سياحة الروح عاريةً إلا من رحمة ربي في زمن يعبد الناس فيه دنانيرهم ودولاراتهم حدّ الجنون. ومن الحرف تعلّمت فن التجلّي عبر الكلمة، والتجلّي عبر النقطة، والتجلّي في المسافة الكائنة ما بين الحرف وما بين النقطة، والتجلّي عبر غياب النقطة فإذا الحرف تراه وحيداً كوحدة يوسف في البئر، والتجلّي عبر غياب الحرف فإذا الساعات تتساقط في الطريق كأوراق الشجر الصفر في الخريف))([286]) .فإن علاقة الصوفي بالرمز على المستوى الأول علاقة وثيقة، فهو يشبه الفيلسوف بطريقة ما فهو يستولد المجهول باحثاً عن ماهيات الأشياء في بواطن الأشياء, يبحث عن الماهية والكينونة التي يصعب الوصول إليها، و لعلّنا بعد الغوص في بحار الشاعر الحروفية والوقفات النقدية نقسم حروفه على ما يأتي:

أولاً: حروف منفردة في النص الشعري

1-حرف الألف

       بعد جرد المجاميع الشعرية للشاعر أديب كمال الدين نلحظ دلالات حروفية مختلفة في نصوصه كما في قوله([287]):

يجلس الألفُ في حضرةِ الإمبراطورة

طفلاً يلهو ويلعب

والإمبراطورة تعاني من داءِ الكآبةِ والعظمةِ والغرور

والطفلُ ينتظرُ أن تتحوّل الإمبراطورة إلى غيمة

لتمطره أحلاماً ولعباً ومباهج.

*

كيف تفصحُ عن نفسكَ وأنت مُدّثر

بكلّ هذا الالتباس؟

       يصوّر الشّاعر اللوحة الحروفية المتجسدة بحرف الألف بوقفات عدة ودلالات أعطاها للحرف، فجَسّدَ الجمال الحروفي أروع تجسيد، إذ نجد حرف الألف له عدة حالات منها النائم والميت، والمنتبه، والحزين, واللاعب، والبريء، والمتمني، والتقي، والمتلبس، فأعطى بذلك للنص حركة مضطربة تدل على ذات الشاعر التي كابدها في ظلّ الحصار، فعاش مع الألف بحالة تصوّر نشوتها بإحساس مفرط من الشاعر وسط تساؤل الشاعر عن الالتفاتات الالتباسات والتغيرات التي دلّ عليها حرف الألف.

 

    وفي مقطع شعري آخر من قصيدة (بطاقة تهنئة) يقول الشاعر([288]) :

وكانَ سقوطكَ مُدوّياً

كلُّ الحروفِ سمعتْ به:

الحاءُ التي بكتْ

والراءُ التي ارتبكتْ

والتاءُ التي امتدّتْ طويلاً

كبحرٍ عظيم.

كلُّ الحروفِ سمعتْ به

إلا الألف-

الذي هو أنت-

تظاهرَ بالصمم.

       وظّف الشّاعر الأحرف فكون منها منظومة حروفية تحولت عن طريق التشخيص إلى إنسان ينبض ويحس بالحركة إضافة إلى شعورها وإحساسها الذي تفاعل مع السقوط المهيب للألــــــــــــــــــــــــــف فنجد الحروف (الحاء       بكت، الراء         ارتبكت،  التاء        امتدت طويلا) مستثنياً ذات الشاعر التي جسدها بحرف الألف الذي تظاهر بالصمم ولم يكن أصم في حقيقته بل تظاهر بذلك حتى لا يبوح بخفايا النفس التي تجول بخاطرته، ليخوض في تفاعلات نفسية مفعمة بالحزن والغوص العميق إلى الفكر بوساطة توظيف أحرف تمتلك الأفعال الإنسانية (البكاء، والارتباك، والتمدد، والصمم)، وبذلك تحولت هذه الحروف بدلالاتها الرمزية إلى منظومة دلالات إيحائية اجتمعت مع بعضها لإيصال المعنى، وعمل على تحويل كل انتباهه من (الأنا) إلى (الأنت)([289])، فـ "أنا" والتي هي ذات الشاعر (إلا الألف-الذي هو أنت- تظاهرَ بالصمم) تساوي النفس المفكرة([290])، فالتفكير عملية نفسية بحتة ومعقدة، نلمس آثارها في الصياغات اللغوية، وترتبط الـ "أنا" بعملية التفكير بوصفها مجموعة من العمليات تشمل الإدراك والتفكير والتذكر، وهي مسؤولة عن إبداع العمل الفني، وإبرازه إلى الوجود استجابة للبواعث الداخلية أولاً، والخارجية ثانياً، التي تؤدي دور المؤثر في نفسية المبدع([291])، وثمة نوع من الارتباط بين الـ "أنا" و "الذات"، فقد عرفت الأخيرة بكونها مجموعة من الآراء والمعتقدات التي يؤسسها الفرد ليُعبر بها عن هويته من خلال البيئة التي يعيش فيها([292])، فالشاعر هو ابن بيئته ينحدر بانحدارها ويستقر باستقرارها، ولما كانت تلك الآراء والمعتقدات مصدرها الفرد فإنه من البديهي اتصافها بالنسبية، إذ إنها تعطي صاحبها تصوراً خاصاً لذاته وإمكاناته وسماته ومجمل فاعلية شخصيته([293])، ولذلك فقد عرف بعض الفلاسفة الـ "أنا" بمجموعة الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان والتي تذكره بها ذاكرته لتدفعه إلى القيام بما يحقق ذاته، ونجد أن الشاعر أديب كمال الدين قد وظف الأنا الشاعرة ورسم مسار تجربته في اكتناه سرّ الحرف ومراتب تدرّجه في كشف متخفٍ للغة الشعرية وجمالها([294]).

     أما في مجال التعبير الأدبي تأخذ هذه القضية بعداً أساساً، إذ إنَّ من النقاد من أرجع فضيلة الأدب إلى ((كونه معبراً عن الذات، وأنَّه يمثل مع التجربة كلاً متماسكاً يكاد يكون فيه الأسلوب بصمةً لصاحبه، حتى انه ليتعذر علينا الفصل بينهما، بل إنَّ الأسلوب قد يكتسب قوته من طبيعة الشخصية التي استخدمته))([295])، وربما أكسبت قوة شخصية الأديب التعبير الأدبي قوة ليست متوافرة عند استعمال غيره لها، وهذا يعود إلى جملة من العوامل، من أهمها السياق ونمط النص ((وكم من عبارات كان لها أثرها في النفوس لم تكن لتحدث هذا الأثر لو لم تصدر عن شخصية بذاتها، وان الأديب ذا الشخصية القوية المؤثرة يخلق للكلمة باستخدامه إياها مجالا واسعاً، ولا يلبث الكثيرون أنْ يجدوا أنفسهم واقعين في أسارها، فمن حيوية الشخصية وقوتها تستمد الكلمة حيويتها، وهي بهذه الحيوية والقوة تؤثر في الآخرين، وتفرض نفسها عليهم))([296]).

      ويواصل الشاعر توظيف تلك الإيحاءات الحروفية في نصوصه وسط تشكيل استعاري مفعم بروح تخيلية فيقول([297]):

حينَ ماتَ الألفُ أورثني همزتَه.

فاحترتُ بأمرِها.

      وظّف الشاعر التشخيص لحرف الألف ووهبه الصفة الإنسانية (يموت ويورث) فجمع بين حرف الألف والهمزة وكأنه أراد التعبير عن ورث الابن لأبيه بقوله: (حينَ ماتَ الألفُ أورثني همزتَه) فرمزيّة الهمزة في سياقها الإنشائيّ قد انفتح بها على محاورة الجسد الحسّيّ بعد أن غلّب نحو الفطرة على نحو الفطنة ممّا وفّر لها قدرا من الأريحيّة خفّفت عنها نوائب الزّمن لا سيّما إذا ما طفت على همزة رأسٍ صوفيّ مفعم بروح مؤمنة تختزلها رمزيّة الألِف التي جسدها بالموت دلالة على الانكسار والعجز والوهن، الذي أصابه بالحيرة من خلال تلك التقنية الأسلوبية في استعارته الحروفية، فجاء بالموت والورث إزاء الحياة وما بعدها، وكأنه يريد أن يفصح بهذه التقنية عن نوازع تأملية تعود لعالَمين مختلفين، فهو عن طريق أنسنته تلك الحروف ليُعبر عن فلسفته في الحياة الدنيا والآخرة، وهي فلسفة تَرِدُ من رافدين: الفكر الإسلامي وتعاليم الإسلام، والتكوينين المعرفي والثقافي المتأتيين من روافد متعددة.

      ويعمد الشاعر إلى خلق وجود مستقل عن ذاته، فيبتعد عن الحدود الغنائية و الرومانسية التي نجدها في الشعر العربي، ليبحر في الذات الإلهية عبر كيان جديد للحرف يجرّده من ألِف الجسد بعد أن أفرغه من دواعي التّشهّي وحصّنه من شوائب التشظّي وامتدحه في مناجاة هي أقرب إلى المزج بين الإجلال والشّفقة، بوساطة قصيدته الموسومة بـ (الموكّل بفضاء الله) يقول فيها([298]):

اسْمَحْ لي أيّها الألِف

المُوكَّل بفضاء الله

والموكّل بفضاء الصّبْر

والموكّل بفضاء الكتابة

تذرعُها وتذرعُك،

اسمحْ لِي أن أمتدحك

و أمتَدِح محبّتكَ التي ملأتْني

شمْسًا حقيقيّة

مِنَ السُّرةِ حتّى العُنق.

  فالألف له من الأسماء اسمُ الله، وله من الصفات القَيُّوميةُ، وله مقامُ الجَمع، وله المراتبُ كلها، وله مجموعُ الحروف ومراتبها لأنه يسري في مخارجها كلها سريان الواحد في مراتب الأعداد وسريان التجلي الإلهي في الكون، فهو قيوم الحروف، يتعلق به كل شيء، ولا يتعلق هو بشيء، يُظهِر الحروف ولا تُظهره، ويُخفي اسمَه في جميع المراتب، وكذلك الألفُ سرى في الحروف على تَبايُن ألفاظها، فضلاً عن الألف يُعطي الذات فهو ألف الشاعر وذاته([299])، ففي النص يتدبر الشاعر عظمة الخالق في خلقه، ويذهب إلى أن عظمته هي التي أربكت المتشككين بوصفه العالم بكل شيء ليصل في نهاية الأمر إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الموجِد والخالق مستدلاً عليه بالموْجَد المخلوق، فيستنبط الدليل من ذات المخلوق على وجود الخالق، فالحضور الدلالي العميق لحرف الألف الذي يعبر فيه عن مساحات فكرية ورؤى عقلية بعيدة الغور، فالتوظيف الإبداعي للألف يخرج في أكثر شواهده لإنزياحات خرجت عن دلالتها الحقيقية، فالمشهد هنا تأملي ودلالة نفسية عميقة أكثر من أي شيء آخر، فحولت دلالته من جانبها الحسي إلى جانبها التأملي العقلي، بتجسيده للبعدين السيكولوجي من جهة الفاعل (الذات) والصوتي من جهة (سمات الأداء الشفهي)، فنجد التباين واضحاً في هيئة الحرف يعود إلى التباين في الحالة النفسية للشاعر والشحنات الإنفعالية التي تواجهه، فيعبر من خلال الحرف عن الكلام والجمل التي تجول في خفايا النفس ونوازعها التي تؤرقه، وما خلف الأفق هو الذي تنشده روحه المتطلعة والمؤمنة في الوقت ذاته([300])، بما يعانيه من مشاعر إحباط وانكسار تحتاج إلى ثقة وإيمان وتوكل، وإن الفكر الإيماني الذي ينبع من روح صوفية نجدها في شعر أديب يبقى في أطار التكليف الشرعي، إذ قصد الوصول إلى الإيمان الحق الذي لا يأتيه الباطل، فالإيمان العقلي هو الذي يصمد أمام الصراعات الفكرية السائدة، والعقل ((هو الحاكم المطلق والوحيد في إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه))([301])، وهو الذي يدافع عن حقيقة وجود الخالق وماهية المخلوق، وبشكل عام استعار الشاعر رمزية حرف الألف إلى ذاته.

2-حرف الباء

يوظّف الشاعر حرف الباء في نصوصه توظيفاً يرمز به إلى دلالات عدة فيقول([302]):

الباءُ لها شكلُ الأنثى،

الباءُ جمالٌ وحشيٌّ

الباءُ: الليلُ بلا أحداقٍ ونجوم.

الباءُ: فِراشٌ مكتظٌّ بالمعنى..

الباءُ: البحرُ بعيدٌ: سجّادةُ ألوانٍ غامضةٍ بالطيرْ.

الباءُ: الصحراءُ هنا تمتدُّ مفاجأةً للهاربْ.

      فهو يوظف من حرف الباء شكل الحرف بطريق المفهوم الكوني للأنثى إذ يجعل منه روحاً ويستدل بها على الجانب الأنثوي يستمدها من روح الوجود كما يأتي:

الباءُ لها شكلُ الأنثى          المرأة

الباءُ جمالٌ وحشيٌّ            صفة المرأة

الباءُ: الليلُ بلا أحداقٍ ونجوم        زمان

الباءُ: فِراشٌ مكتظٌّ بالمعنى          امتلاء

الباءُ: البحرُ بعيدٌ: سجّادةُ ألوانٍ غامضةٍ بالطيرْ       مكان

        روح المكان           مجهول

الباءُ: الصحراءُ هنا تمتدُّ مفاجأةً للهاربْ         مكان

     فهو يرى أن حرف الباء كان مصباحاً كاشفاً لطاقة أنثوية مطلة على المكنون نوعاً من الدخول أو الولوج في عملية التحول والتطور والاستعداد إلى استقبال حالة الامتلاء التي تدعو إليها الذات الشعرية عبر حرف الباء، بوساطة البحث عن الذبذبة الأنثوية التي تحرك الكون، فالشاعر استعان بحرف الباء؛ ليكشف عن تجليات الوجود، ((وقد جُعلت النقطة تحته لأن صدور الكون من الباء إنما يَظهَر في الجانب السفلي من مقام الباء، فتكون النقطةُ بين الباء وبين الكونِ هي عينُ التوحيد، أو الحاجزُ الذي يَمنع الكونَ من الشِّرْكِ، فيبقَى التوحيدُ معصومًا في الخَلق والأشياء... حرف الباء يتحدث عن الجمال الوحشي، أي البدائي الذي ظهر أول ما كانت عملية الخليقة، بكل ما فيها من قوة وعنف واختمار وانفجار، جمال أسود وكأنه ليل معتم لا أثر فيه للضوء، ولكنه مع ذلك فهو سجادة من الألوان الغامضة، وغموضها هذا نابع من أنه لا يُعرف كيف ولماذا خرجت منه ألوان أخرى وجموع من الفراش المكتظ بالمعنى رغم كل هذا السواد والظلام العظيم))([303])، ونجد تكرار حرف الباء ست مرات، فهو ظاهرة صوتية تميزت بها القصيدة الحرة، وهو إلحاح على جهة معينة في العبارة يعني بها الشاعر أكثر من عنايته بسواها، وكذلك يسلط الضوء على نقطة حساسة في العبارة ويكشف عن اهتمامه بها، زيادة على ما يضيفه النص من دلالة النفسية يفرغ الشاعر من خلالها أحاسيسه ومشاعره المكبوتة ليصل إلى حالته الطبيعية([304]).

  ويواصل الشاعر رمزية حرف الباء، وهو ما نلمسه في مقطع شعري آخر من قصيدة (كيس الحروف)([305]):

ارتبك الطفل،

قال أريد الباء:

باء الكون والبسملة

مدّ يده

فأخرج أو فخرجت له

باء البرابرة.

      عمِدَ الشاعر بخيال واسع إلى الجمع بين الطفل وحرف الباء فكلاهما أساس الوجود وبداية لحياة جديدة فليس القصد أن يشكل الشاعر جملاً إنما المقصود من الأحرف كحقائق وجودية، وهذا ما وجدناه من حقيقة حرف (الباء) فانه سرّ الوجود، بوصفه نابعاً من فكرة تلخيص القرآن الكريم بسورة الفاتحة، والفاتحة بالبسملة، والبسملة بالباء، والباء بالنقطة، فهي بالتالي (( رمز للتعين الأول، الذي يشكّل وسطاً بين الواحد والكثير. أما نقطة الباء فتشير إلى وجود العالم أي الموجودات. ووقوعها تحت الباء تمثيل لتبعية الموجودات للتعين الأول. وهي رمز الإنسان الكامل عند الصوفية))([306])، ولعله أشار برمزه إلى الطفل إلى ذاته وما حمل في داخله من معاناة، فالطفل دال على ذلك الحزن الشديد والمعاناة الذاتية([307])، عمدَ الشاعر أديب إلى استعارة رمزية حرف الباء عن البسملة أو بداية لكل شيء عندما جعل الباء باباً.

3-حرف التاء

  وفي مقطع شعري من قصيدة (محاولة في الحروف) يقول الشاعر([308]):

وتاء لذتها التي ألقت القبض عليّ

بتهمة التلصص.

      يعبّر الشاعر بطريقة خيالية وتشكيل استعاري حروفي متصوراً؛ لأن صوت التاء يوحي بإحساس لمسي وسط تلك المشاعر والصفات الإنسانية، فجعل من حرف التاء رمزية لمراقبته لتلك المرأة التي جعلت منه إنساناً وصل لحالات ومشاعر مضطربة غلب عليها التوتر وعدم الاستقرار، فالقت القبض عليه وسيطرت عليه بشكل كامل ولا يسع عقله التفكير إلا بها.

 

 

4-حرف الجيم

    ويستمر الشاعر في دلالة متنوعة واستعارة تشكيلية حروفية، إذ نرى رمز الجيم في قوله([309]):

جيمُ الجنونِ والجوعِ والجنّ

جيمُ الجثةِ والجنسِ والجلجلة

أطلقتكِ فخاف منكِ الناقدُ الوصوليّ

       يعبّر الشاعر بتلك الرمزية للحرف عن حالة الانكسار القصوى إذ تبلغ درجة الجنون بدلالة اعتماد الأسماء إلى حد بالغ على حساب الأفعال وهو ما يكون على صلة وثيقة بدلالة الانكسار العميق في النص، فالشاعر أصبح يعيش حالة من اليأس إزاء عالم الدنيا جراء الحروب والدمار وحالة من التعطش والشوق إلى عالم الآخرة، استعار من رمز حرف الجيم التي تدل جميعا على معنى واحد فيه الخوف والرعب

جيم الجنون          زوال العقل (فقد سيطرته على أفكاره)

جيم الجوع           عدم الأكل بسبب الجنون

جيم الجن           يقصد بالجن ليصف الظلمة المعتمة

جيم الجثة           الجسد الميت

جيم الجنس          الشيء المثمر

جيم الجلجلة          صوت الرعد

       فلعله أراد التعبير عن أن الإنسان يثمر أي يجعل من الدنيا تمشي ومن ثم يموت، وبالمرحلة الأخيرة قصد يوم القيامة ومثلها بصوت الرعد، وقد جاء بلفظة (أطلقتكِ) بالكسر أي أخرجتكِ للناس بالارتكاز على أصول القيم والمبادئ التي لا تنحرف عن التفكير المستقيم بعد ما وصل إلى حالة من القلق الإنساني والمعرفة الحتمية نتيجة ما عاشه من غربة الأهل والوطن إضافة إلى المأساة التي يمرّ بها بلده وهو بعيد عنه، فيبقى هذا القلق الفكري عن نهاية مصير الإنسان الشغل الشاغل في فكر الشعراء والأدباء عن الحقيقة التي يحدث لكيان الجسد الذي يُفنى على مرِّ الزمان، فالشاعر بإيمانه العميق يدرك الحقيقة الحتمية لفناء الجسد وما يحدث بعد فراق العالم السفلي وصعود الروح إلى العالم العلوي متأملاً تلك القراءات في الكتب السماوية([310])، ونجد المعنى نفسه بالرمز إلى جيم الجثةِ والجوعِ والجلجلة([311])، فهي غريبة على الواقع أي يعني حالته وصلت مرحلةً غريبة وعصية على التصديق أي تصديقها مستحيل.

5-حرف الحاء

      وينتقل الشاعر إلى حرف الحاء بعدة رموز ودلالات تأخذ أبعادها الفنية في دلالة تشكيل استعاري حروفي ففي قصيدة (قاف) يقول([312]):

قلبي الذي يشبهُ طفلاً مشاكساً،

قلبي الذي نسي حاءَ الحقدِ إلى الأبد

وتشبّثَ كمجنونٍ بحاءِ الحريّة

أرسلَ لي برقيةً يسخرُ من فشلي النونيّ العظيم.

       يعبّر الشاعر أديب بتلك الرمزية الحروفية التي أراد بوساطتها تناسي غريزة الحقد الإنسانية ويعيش في حيثياته بقلب ملؤه الأمل والتفاؤل بتلك الحرية التي طالما ينتظرها ويسعى للوصول إليها، فيسوق المتلقي بمساندتها نحو فكرة مقاومة الفساد ومحاولة إصلاح الوضعين الاجتماعي والسياسي في مشاهد الفساد والقفز فوق لحظة الكتابة متطلعاً نحو أفق العودة والزمن المرتقب.

     ويبقى ينشد الشاعر في نص شعري آخر من قصيدة كيس الحروف متمنياً الوصول إلى حاء الحنين والحب والحلم كقوله([313]):

قال: أريدُ الحاء:

حاء الحنين والحبّ والحلم

مدّ يده

فأخرج أو فخرجت له

- وا أسفاه –

حاء الحرمان والحقد والحرب

      يرسم الشاعر لوحة حسية روحية مزدانة بتلك الرمزية الحروفية التي جسّم بوساطتها حرف الحاء، فجمع بين ما هو عاطفي يريد الوصول إلى حياة الحنين والحب والحلم وبين ما يجمع اليأس والقنوط في الحياة من خلال الحرمان والحقد والحرب، فشكل بفلسفته ما هو عقلي وما هو خيالي تفصح عن طريقة فنية شبه رياضية لبناء القصيدة الحديثة, فأخضع الصرامة العقلية لطاقة العاطفة, مما يجعل القصيدة التي يحسسنا الشاعر بثقل مفرداتها وقوتها مختصرة, ومختفية وراء الثنائيات (الحب وما ينتج عنه من حنين وحلم، الحرب وما ينتج عنها من حرمان وحقد), فتلك الثنائيات التي يلعب بها حرف واحد، إثارة فارق كبير بين كلمتين كبيرتين، متنافيتين في المعنى والدلالة بين الفعل المنتج للجنس البشري والفعل المنتج لهلاكه، فنحن أمام معادلة في حالة صراع دائمة، تمثل فيهما الحب واستعادة الحياة مقابل الحرب التي ترمز إلى الموت والتدمير والخراب، هذه الحرب التي حتى وهي تكف عن حضورها الفعلي تتحول إلى شظايا مألوفة لدى الشاعر، فيصير استذكار الحبيبة تطابقا مع مرور شظايا حيّة من الحرب التي ألفها وجهه، ويصير الحب والحنين إلى الحبيبة استحضارا جديدا للحظة الموت، رغم انها قد تكون خالية من فعل التدمير الذي تميزت به الحرب، انه إعلان عن خيبةٍ خفيةٍ تتسربل إلى الروح، فالحرب والحقد والحرمان تتأسّس مواضعاتها وفقا للمسار الشّعري كخطوط هندسية تنحني لتشكل زوايا تنبني كأشكال هندسية، ومن ثم يصبح التصوّر للموضوعة الحروفية غير مرتبط بمفهومها القاموسي ولكن بتصوّرها للشكل الهندسي، فتفجر علامة قراءة جديدة مرتبطة أساسا بالقراءة الشعرية لكن في مدارها الفلسفي، ويبدو لي أن الحرف في فلسفته العميقة هو شكل هندسي يبحث في جوهره عن قراءة جوهرية لا ترتبط برتبته القاموسية ولكن بمعناه المتساوق وشكله الهندسي، فالحاء تشكل استطالة الحياة نحو اللانهائي، فهي حبل الروح والحياة الذي يتسلقه خلودها المبتغى في نهائية الجسد، فالحرف حينئذٍ حين يرسم إبداعيته شاعر حروفي، إنما يمتد في سرّ الشكل ليتجاوز نهائية المظهر إلى لا نهائية الجوهر، فشعرنة الحرف إضافة إلى شكلانيته الهندسية يقذفان التصور والفهم في أتون ماورائية حرفية تسكن الشكل الظاهر لقاموسية قارة([314]).

6-حرف الزاي

       وتبدأ المحنة الحقيقة عندما تتكسر جدران الحلم وعالم الكون الافتراضي الذي تعيشه الحروف لتنسكب على الواقع, ويتحول الحلم ومستوى الوعي الباطن إلى وعي ظاهر مفضوح, وهنا يشتغل مفهوم العُري عند انكشاف عالم الحلم وسوءاته أمام عالم الواقع. وهكذا يحدث الارتباك في لحظة كونية مهولة، وبشكل عام نجده استعار حرف الزاي للزمن، في نص شعري آخر من قصيدة (ارتباك الزاي)([315]):

كانت الزاي ارتباكاً جديداً

بنقطتها التي تشيرُ إلى فوق.. فوق ماذا؟

...

كانت الزاي ارتباكاً جديداً

...

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟ ثم ماذا؟

لكن الزاي أغنية لا تجيء

وإنْ أتتْ فغزلها عنيف

عنيف كقنبلة.

 الزاي          هي صورة المرأة الضحية نتيجة الحروب

 الزاي         جسد المكان (المدينة، وطن) المرأة      تفاعل بين الجسد والمكان الحرف الرمزي بين الجسد والواقعة.

     أفاد الشاعر أديب كمال الدين من الكتابة الرمزية كونها فضاءً تتعاطى فيه (كيان الأبجدية)، و(كيان الجسد) من خلال مساحة رمزية قادرة على أن تعكس رؤية العالم، فوجد الشاعر نقطة تلاقي بين الحرف والجسد ليعكس لنا حادثة مؤرخنة، فجاءت هذه الصورة الاستعارية تحيل إلى ما يتعرض له الجسد وما يتعرض له من انتهاك وعنف أثناء الحروب.

    فيضعنا هذا التشكيل الاستعاري أمام صورة استعارية إيحائية تضع الحسي على المحك الأيديولوجي، فحرف الزاي واضح وبسيط فإن النقطة بإشاراتها (فخذاً مرسوماً على الجدار وأكاذيب حقيقية وأزمنة حمير ملوّنين يغنّون)، يحيلنا إلى انها أصبحت رسماً فقط وأكذوبة حقيقية ليشير إلى حالة العنف الذي مورس في سنوات الحروب.

     في المقطع الخامس يضعنا الشاعر أمام سياق آخر يتقاطع فيه جسد المرأة مع جسد المكان (مدينة، وطن) وبهذا يكون ارتباك الزاي أشد وألم، وشكل عام وظف الشاعر أديب رمزية حرف الزاي للزمن.

7-حرف السين

       وفي دلالة حرف السين نجد نصاً شعرياً في قصيدة (موت المعنى) يقول فيه([316]):

وأختارُ لموتي مأساةً وأؤسس سيناً أخرى لا تدخلُ في كلماتِ اليأسِ، السورِ،   السجنِ، سلامِ الرعبِ، سقوطِ الأسنان.

       إذ يعبّر الشاعر باستعارة موحية إلى رمز السين يشير بها إلى حتمية الموت وأنها فعل أساس وجوهري، فلا يمكن للذات أنكاره وسط القلق، والرهبة من الموت وتأمله، فهو فعل يمتلك قوة الإضاءة؛ فكأنما تكون الذات غارقة في عماها، وعندما تكتشف موتها، تنفتح في أعماقها طاقات وإمكانيات عدة لمعرفة الوجود، ومعرفة ذاتها وتجاوزها، فنجد الشاعر يمتلك هذا الحس التراجيدي بالموت كنهاية لحياة الكائن، وهو إحساس حاد لا يجد له عزاء في حياة ثانية بعد الموت، أو الاحتماء بفكرة الخلود  فهو بتحققه من أن الموت فناء شامل أكمل اكتشافه للموت، ومعه ترسخ في روحه هذا الإحساس بنهاية الحياة التي مصيرها الزوال والفناء، لكن نجده يؤسس حرف السين خالياً من (اليأسِ، السورِ، السجنِ، سلامِ الرعبِ، سقوطِ الأسنان.) رغم عمق المأساة إلا إيمانه المطلق والروح الصوفية التي تؤمن بحتمية الموت في حل وترحاله، لكنه تفاؤل من فرط الألم، والذي يتطلع إليه الشاعر هو العالم الآخر، أي الخروج من عالم الدنيا بما فيه من ألم وحزن ووجع وأنين، وإنّ اشتداد الوجع الدنيوي الذي أنهك جسمه جعل الشاعر يفكر في اختيار الموت فهو بالنسبة له الخلاص، لأنه يؤمن بأن العالم الآخر سيمنح روحه انتصارا وإشراقا وتفاؤلا، ومع حبه العظيم لجمال الدنيا، فإنه صار مأخوذا إلى الحياة الآخرة التي تخلصه من العذاب الجسماني الذي يعيشه.

ونلحظ للسين دلالة أخرى بتشكيل استعاري يقول فيه([317]):

قالت: عليكَ، إذن، بالسين

ففيها السكينة والسمّ والسكّين.

   يحاول الشاعر الكشف عن الدلالة الرمزية للسين بهذه الوقفة الحروفية، فالحرف عنده يأخذ أبعادا مختلفةً إذ هو (السكينة، والسم، والسكين)، فالغرض مدلول ترميزي يتعمده الشاعر، وهو ما يعني أن الحرف في حدّ ذاته لا يتخذه الشعر اعتباطا، بل هو جوهر دلالي في النص، والحيز الذي يتخذه الحرف ذو بعد دلالي مثله مثل الحيز الذي يتخذه دلاليا اللفظ والجملة والنص بإشارة حسية صوتية إلى عمق البؤس والمأساة وإلى الرغبة في اكتشاف لغة الهدوء والطمأنينة من خلال تفعيل المفردات اللغوية وإكسابها معاني دلالية غير مألوفة([318])، فالسكينة تدل على ((ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب، وهي نور في  القلب يسكن إلى شاهده ويطمئن ، وهو مبادي عين اليقين))([319])، فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، وسكونه وزوال قلقه واضطرابه، ولهذا نجده قد استعار رمزية حرف السين للدلالة بشكل عام على المجهول، وتجيء مختصر كلمة سؤال.

8-حرف الشين

     وفي نص شعري آخر من قصيدة إشارة شين الشهوات نجد الشاعر يكرس دلالة مبتكرة لحرف الشين بقوله([320]):

إلهي،

قتلتْني شينُ الشهواتِ في الفجر

وألقتْ عليَّ القبض في الظهر

وسجنتْني عصراً

وجَلَدتْني ليلاً.

لكنّي في الأثناء

كنتُ أستنجدُ بالياء وبالسين

وأمدُّ إليكَ

كفّين مِن وجعٍ وأنين.

     يعبّر الشاعر برمزية حرف الشين عن شهوة عارمة التي يضعف أمامها الإنسان وسط استعارة خيالية مقرونة باليأس والحرمان والانهزام، من خلال أفعال (القتل، والقبض، والسجن، والجلد) التي تمتد من الفجر حتى الليل، لكن نجد عودة الأمل والرجوع والإنابة والإشباع والانتصار على تلك الشهوات والنزعات الشيطانية من خلال الاستنجاد والاستعانة بنفس موجعة ومؤلمة تعود إلى الله من خلال (كنتُ أستنجدُ بالياء وبالسين) فليست الشهوة هنا غاية، وإنما هي وسيلة إلى غاية أخرى، فهي شهوة يرافقها التشفي من المجتمع الذي أذله ومن الحرمان الذي قهره، وقد نجد استعاراته لرمز الشين دلَّت على الشرِّ.

9-حرف القاف

   وننتقل إلى دلالة حرف القاف وما تحمله من رموز مختلفة كما في قول الشاعر في قصيدة (قاف)([321]):

يا معجزة القاف

بل يا اعتذار القاف بما هو مكتوب

في اللوحِ المحفوظ،

     نجد أن حرف القاف يأخذ بعداً ومفهوماً آخر من حيث الدلالة، فهو أول حرف في كلمة القلب، فهناك علاقة بين القلب وعملية الإدراك التي جسدها بفعل الاعتذار باستعطاف في العفو، واستشراف الأمل الجديد في مستقبل قد يحمل واقعا أقل حزناً مما فيه، وسط مهارة في القول والتفنن في الإيحاء الحروفي فقد نجد المنظور الصوفي إلى الطبيعة بوصفها تعينات وفيوضات مادية للجمال الإلهي فحاول استنطاقها والتوصل من خلالها إلى فك شفراتها التي يخاطبنا بها العلو، وهذا يؤول بنا إلى فرق جوهري يحيل إلى اختلاف أساسي بين نمطين: الأول عيني حسي خالص في وضع لا تجاوزي، والثاني عيني حسي يتعالى بوساطة الكيف الحسي الخيالي إلى تركيب شهود عياني لسريان الألوهية في الطبيعة التي تحولت، من خلال الموقف الروحي والتشكل الغنوصي للتجربة الصوفية في إهابتها بالعلو المحايث، إلى شيفرة أو شيفرات يقرأ الصوفي فيها، بضرب من الكشف، لغةً ذات حدين إحاليين أحدهما حسي فيزيائي والآخر روحي إلهي([322])، فيرسي تصورًا عرفانياً يعتقد في سريان الجوهر الإلهي فيها جامدها وحيها، وتحليلاً للعلاقة بين الوحدة والكثرة المنبثقة فيها، و((صور في مرآة واحدة بل صورة واحدة في مرايا مختلفة))([323]). ويواصل الشاعر رمزية حرف القاف بدلالة إيحائية مغايرة كقوله([324]):

أردتُ أنْ أكتبَ قافاً

فكتبتُ- بما يشبه الخطأ- لقلقاً.

ضحكتُ، ونمتُ

طفلاً سعيداً يحلمُ باللقالق.

     يعبّر الشاعر بتلك الكتابة الحروفية الاستعارية المغرقة بالإيحاء والرموز والإشارات التي تشكل متّكأ دلالياً يفجر البعد الفكري لموضوع النص بحيث يستلزم تداعي باقي الأفكار ضمن تركيبية لغوية متوازنة من دون أن يغوص في المتانة والتنميق، من خلال حرف القاف حيث عمد إلى الانزياح في الكتابة بكتابة (لقلقا) بدل حرف القاف لما يدل عليه اللقلق من رفع الهموم والحزن عن الشاعر.

10-حرف الكاف

     بوساطة رمزية حرف الكاف نقرأ قول الشاعر([325]):

الكاف هي المفتاح ..

كل يوم أتوسّل الهيا

راكعا  ساجدا كي تنقذني

من جبال نفسي و وديانها و ممراتها الضيقة .

      صيّر الشّاعر حرف الكاف الذي يشير إلى مَن يملك الكمال وحده، صيره مفتاحاً لتأويل النص الذي استطاع بوساطته أن يرسم لوحة رمزية بمدلولات واسعة مترابطة متجانسة، تعطي المشهد الذي يريد أن يقدمه الشاعر للقارئ، فحرف الكاف له مفتاح يحاول الشاعر التمسك به بإيقاعه الشعري الذي يشابه النفس المتموجة بين اليأس والأمل.

 11-حرف الميم

وفي نصّ شعري من قصيدة (إشارة كم كتبوا) نجد دلالة لحرف الميم بقوله([326]):                      وا أسفاه-

لم يستطيعوا

أنْ يجتازوا ميمَ الموت.

      إنَّ الشاعر أراد التعبير بحرف الميم عن الموت فهو حقيقة ثابتة، وقضاء مقدر، لا مهرب منه، ولا منجاة، فهو يخاطب من أشغلهم الموت وأوقد في نفوسهم جذوة قلق أفسد عليه متعة الحياة، وكدر صفوها، لكنه أدرك هذه الحقيقة، وكان على يقين راسخ بأن الموت منهل يرده الجميع، ولا يمكن للمرء أن ينجو من سهامه.

وينتقل الشاعر إلى دلالة أخرى في نص شعري من قصيدة (قاب قوسين) يقول فيها([327]):

يا لمجدك

إذ صارتْ ميمُكَ شفاءً لما في القلوب.

...

صارتْ ميمُكَ لغةً لدمعِ المُحبّين.

...

صارتْ ميمُكَ رداءً لصرخةِ المظلومين.

...

صارتْ ميمُكَ وطناً للعاشقين.

...

ميمُكَ لم تكنْ وهماً.

...

ميمُكَ جَنّةُ الرحمن.

...

ميمُكَ جَنّةُ المأوى.

يعبّر الشاعر بمشاهد ولقطات متتابعة يقتنصها من الحياة عبر دلالات استعارية مختلفة لحرف الميم من حيث معاني الألفاظ وأبعادها, ومن خلال تراكيب مختلفة، يتلاءم مع التجربة الشعورية التي عبر بنزعة صوفية إيمانية عن رحلة سيدنا محمد (ص) حينما أسري به إلى السماء السابعة، وقد برع الشاعر في إحداث التفاعل بين النص والمتلقي عبر تضافر اللغة الإبداعية الشعرية بتراكيبها وبلاغتها, وقد جعل المتلقي في حالة الوقوف في مركز الحالة الإنفعالية التي أرادها, مما يقوي حدث الاتصال بين المرسل والمتلقي, فحالة المجد والعظمة التي انتابت الشاعر جراء الواقع جعلت المتلقي أيضا يشعر بأنه مشارك في هذا الواقع والرحلة، فنجد تكرار حرف الميم بدلالات مختلفة في محاور القصيدة، والغاية من هذا الرمز بحرف الميم الذي أعطى دلالات مختلفة لم يصنع لذاته ولكنه هادف إلى تبليغ رسالة بوساطة تشكيل حرفي تمثل في تعداد فضائل المصطفى رمز لأول حرف من اسم النبي محمد (ص) فالميم بهذه الانسيابية الصوتية لا تخدش لحمة الصوت بالحرف ولحمة الصوت بالمعنى ولحمة المعنى بالحرف فلا نكاد نميز بيسر بين الحرف والصوت والمعنى وهذا ما من شأنه أن يسهل فهم القصيدة ويجعل معانيها تنال بيسر من أقرب السبل، فالمتأمل لهذا الرمز الميمي يجده يصب في حقل دلالي واحد إلا وهو تبليغ الرسالة وإن تنوعت الروافد والمشارب التي أدى حرف الميم بمتغيرها الصوفي إلى حالة يصورها الشكل الاتي:

إذ صارتْ ميمُكَ شفاءً لما في القلوب          العلاج والدواء الروحي

صارتْ ميمُكَ لغةً لدمعِ المُحبّين            الخشوع والطمأنينة

صارتْ ميمُكَ رداءً لصرخةِ المظلومين            الناصر والمعين

صارتْ ميمُكَ وطناً للعاشقين          ملاذ آمن

ميمُكَ لم تكنْ وهماً          الثبات واليقين

ميمُكَ جَنّةُ الرحمن           مكان يأوي عباد الرحمن

ميمُكَ جَنّةُ المأوى           مكان يسكنه الشهداء

     ثم ما آل إليه هذا التدهور، بعد المآسي التي أصابت الشاعر وغربته وبعده عن وطنه وما حدث لوطنه من دمار وخراب ليمثل بذلك حالة من حالات الاغتراب الذاتي، بما يحدثه من صراع بين ( الأنا ) ومجريات الحياة وضغوطها فيدل على ضرب من الاغتراب الروحي عن الواقع مثلما يدل على تعويض عن هذا الواقع، فلا يجد الحرف، إلا الحنين والشوق ليبث شكواه وحزنه ليرفع العبء عن الكاهل، فيحس الشاعر بضرب من الطمأنينة، ومثالا يتمنى أن يتحقق من جديد، مع اليقين بأن التاريخ لا يكرر نفسه، ولذلك يظل المثال قائما في الذهن يسير أينما يسير المرء.

12-حرف النون

      تبدأ الرحلة الدلالية للنّون بالرغم من الملابسات المعرفية التي تنهل عليها من المرتكز أو المعين الصوفيّ([328])، ويبقى لحرف النون وقع كبير في نفس الشّاعر يعزز ذلك قوله([329]):

لكلّ مَن لا يفهم في الحرفِ أقول:

النونُ شيءٌ عظيم

والنونُ شيءٌ صعبُ المنال.

     انزاح نصّ الشاعر استعاريا إلى رمزية حرف النون (المرأة) ليصف آلامه وعذاباته من جبروت هذه المرأة التي عبر عنها بالنون، فشخصه وأضفى عليه بعدا إنسانيا من صفات الكائن  الحي.

المرأة (الحرف) بوصفها الخالقة للحياة إذ يمنحها شعورا سلطويا وهيمنة على الرجل (ذات الشاعر) ,فاتخذ منها دالة حقيقية أو قناعا أو كليهما مشتقة ومرتبطة بالنون(المرأة) فقد تكون:

 

صورة      المرأة         هي السلطة والعنف الممارس على الذكر.

          المرأة         هي صوت آخر يقاسم خطاب القصيدة.

إيحائية    المرأة         هي القدر الذي تقاتل الذات للإنفلات منه.

    

 فاستعار رمزية النون بدلا من المرأة لترجمة صراعات مؤثرة على الذات، والحرف يتحمل دلالات أكثر مما تتحمله دال (المرأة)([330]), فالصورة الاستعارية التي رصدت هويتها عبر الحرف(النون) المرأة وهي ترتبط بالكائن الإنساني ليكشف عن الحياة والامتداد في عالم الموجودات لكن هذا يتم عبر اللغة التي تعد الوسيط الذي يسمح بنقل تجربة الموجود في الوجود والوسط الذي تتكشف فيه علاقة الذات بالعالم في الوقت ذاته([331])، وعبر العلائق الوشيجة بين الحرف والمرأة جاءت صورة التشكيل كالاتي:

      الحرف                                  المرأة

     غير عاقل                              كائن عاقل

               مجرد                                  محسوس

               حدث                                 إرادة عاقل

   مادة جسد من الأصوات                   جسد كيان مادي ملموس

اللذة والمتعة كمعطيين من معطيات النص        مبعث اللذة مشحون بعواطف

                                                   وانفعالات                                                                      

      وهي متعة الكتابة التي تحكمها قواعد                 مرتبطة بالجسد .

         تنظم وتقدم متعة تخلق الإبداع .

      قدّم الشاعر انزياحه عبر مشهد حواري بينه (الذات) و(الحرف), فيمثل ارتباطاً لمحورين يجسدان عبر استعارة (النون)  (المرأة) بطريقة رمزية إيحائية لعوالم ممكنة يتصورها, وتعد هذه التصورات عاكسة لتجربة شعورية وانفعالات لذات الشاعر. ونجد قوله في قصيدة قاف قائماً على وحدة رمزية مؤثرة يقول فيها([332]):

أيّتها النون

خذيني إلى الساحلِ أو إلى البحر

إلى الصمتِ أو إلى الكلام

إلى اللغةِ أو إلى الطمأنينة.

* * *

أيّتها النون

أرسلتُ إليك الشين

هل وصلتْ؟

وأرسلتُ إليك اللام

فهل وصلتْ؟

      إنَّ الفاعل ياء المخاطبة في (خذي) العائد على النون (المرأة) في جملة خذيني, نجده يحمل دلالة قصدية دالة على حالة البعد الذي بين الذات (الشاعر) وحرف النون (المرأة) إضافة إلى توظيفه أسلوب النداء الدال على المنادى البعيد كلها أدلة تصب في مجرى العلاقة التي تجمع بين (الذكر, والأنثى) غير المتواشجة والمتوائمة وهذا ما يفهم من سياق النص الشعري, فالذاتُ تفتقر إلى شيء وتحاول الخلاص من شيء آخر وهذا توضحه حركة المتضادات

الصمت            انفصال   / الساحل  

                                                      اتصال            

الصوت            اتصال    / البحر         

     تنفجر هذه الثنائيات لتصور صدى الصوت الداخلي للذات بانطباع خارجي والنون هي الأنثى وإذا كان الإنسان لا غنى له عن الحياة فالحياة لا غنى فيها عن المرأة، ذلك أن ((المرأة ليست مجرد شريكة للرجل في حياته، وإنما هي رمز للحياة نفسها، أو بمعنى أدق يرتبط إقبالها بإقبال الحياة))([333])، وهي المركـز حيث يتجسد الفيض الإلهي بصورتها عندما تفيض عن أسرار الهـــــلال لتخرج هادئة بحثاً عن حرية الأمل وحرية العقل، فتبدو هنا صـورة النقطة هي مركز حرف النون الذي أفرد له مجموعة شعرية لما تحمله النون من تصوّر لعلم الأجمال:  الدواة التي تحتوي في مداها  إجمالا الحـروف (أي صورة العالم) في مقابل القلم (أي حضرة التفصيل)([334])، فتتحـد النون بالقلم في تكوين خصب الحياة كاتحاد  الذكر و الأنثى،  لهــــــذا تقترن النون بالنقطة والهلال صوريا كاقتران الدواة بالقلم، ونرى في هذا النص مسألة لابد من الإشارة إليها في قوله (أرسلتُ إليك الشين هل وصلتْ؟ وأرسلتُ إليك اللام فهل وصلتْ؟) أن هذا السحر اللفظي والخيال الواسع لعله قصد في ذلك أن هناك ملائكة للخير والشر فرمز الشاعر لملائكة الشر بحرف الشين و كما هو معرف أول حرف من لفظة الشياطين، ورمز لملائكة الخير باللام  لأن أغلب الملائكة الموكلين بالخير تنتهي أسماؤهم بحرف اللام([335]).

13-حرف الهاء

     ونجد نصاً شعرياً يبين الاستنفار للطاقة التحفيزية للحرف من قصيدة (محاولة في الهاء) يقول فيها([336]):

 

هاءُ الهمهمة

هاءُ الهروبِ الجديد إلى القضبان

هاءُ العنكبوتِ وبيض الحمام والنقر وسط القلوب

هاءُ هروب الحروف إلى المناطقِ الخارجةِ عن الجغرافيا

هاءُ الكتمان والحرمان والإذعان

هاءُ الأصابع: هل تصل إلى المفتاح؟

هاءُ هبوب الرياح.

      إنّ الوظيفة الأدائية للحرف هنا لم تكن معنية بالكلمة التي لها تعلّق بدخول الحرف في تركيبها بل بتعلّق الحرف بالإنفعال وما يتشكّل في ضوئه من علاقات تسمح بهذا الانزياح، فالهاء كانت:

هاءُ الهمهمة      (مفتاح القصيدة)     صوت خفي يصدر من الهمّ والحَزَن

   هاءُ الهروبِ الجديد إلى القضبان               منفى أو سجن جديد

   هاءُ العنكبوتِ وبيض الحمام والنقر وسط القلوب     إيحاء ديني روحي

هاءُ هروب الحروف إلى المناطقِ الخارجةِ عن الجغرافيا      إلى أعماق           الحب التي هي خارج المحدودات

هاءُ الكتمان والحرمان والإذعان     الألم والقسوة لتسليم امر خارج عن رغبة

هاءُ الأصابع: هل تصل إلى المفتاح؟    سؤال عن بداية انتقال لحياة جديدة

بهاء هبوب الرياح                       وسيلة اتصال

 فقد أحس الشاعر بوحدته، فرسم لهذه الوحدة صورة مثقلة بالظلمة والمرارة والإحساس عبر من خلالها عن دلالة رمز الهاء بلوحة استعارية غلب عليها الحزن والحيرة، فعبرت عن حالة الشاعر وما صدر من انفعال وشجون في حياته بما تكون لديه من فهم عميق للحياة وإحساس مفرط بتناقضاتها وهذا ما يولد عنده في الغالب شعورا بالقلق والحزن عكسه على نظمه للشعر، لأن الشعر في حقيقته ((ترجمة فنية للمعاني الفكرية التي لونت الحضارة الإنسانية بألوان فلسفية متعددة تلخص تجارب الإنسان وخبراته من خلال الممارسة الحقيقية والملاحظة لأطراف الحياة المختلفة، تلك الحياة التي أوحت للإنسان بتفاسير لكل ظاهرة في الوجود))([337])، وإن هذه الأوجه المتعددة التي رسمها الشاعر والتي تمثلتها (هاءُ الهمهمة، هاءُ الهروبِ الجديد إلى القضبان، هاءُ العنكبوتِ وبيض الحمام والنقر وسط القلوب، هاءُ هروب الحروف إلى المناطقِ الخارجةِ عن الجغرافيا، هاءُ الكتمان والحرمان والإذعان، هاءُ الأصابع: هل تصل إلى المفتاح؟ هاءُ هبوب الرياح.) تلتقي كلها في محاور عدة، من ذلك محور الحزن ومحور الهروب ومحور الخلاص ومحور الحب ومحور القسوة ومحور الانتقال والاتصال وصورة انحباس الأصوات وسيادة الصمت، إضافة إلى صورة ارتباط التجربة بالزمن ويعود هذا الالتقاء إلى وحدة التجربة في نفس الشاعر، التي جعلته يمزج بين ألوان من الوحدة والغربة والحزن العميق في نص واحد، ليكشف عن التمزقين النفسي الروحي وعن تخبطه وهو يلمس جاهداً سبيل الخلاص بروح صوفية بوساطة الربط بين العنكبوت والحمام ومحاولتها في الوقوف لخلاص رسول الله (ص) ونجاته من كفار قريش.

وبروح صوفية مفعمة بالإيمان ووصول الشاعر إلى الإشارة السبعين يوظّف رمز دلالة الهاء بتشكيل استعاري من قصيدة (إشارة الهاء) التي يقول منها([338]):

 

إلهي،

في الإشارةِ السبعين

سأصلُ إلى هائكَ أو سرِّ هائك.

هكذا أومّلُ القلبَ في كلِّ مرّة

تبدأ بالجمرِ وتنتهي به.

     يعبّر الشاعر بنفس صوفية مملؤة بالأمل يجسد من خلالها عن الدلالة الرمزية لحرف (الهاء) ( أصلُ إلى هائكَ أو سرِّ هائك)         آخر الحروف من حروف لفظ الجلالة (الله)، وهو أقصى الآمال التي تطمح النفس الصوفية الوصولَ إليها، في لغة حلمية تسير لا تنقطع بشكل كامل وسط غموض شفاف يعد جوهر الشعر يجسد العشق الصوفي للذات الإلهية جعلها _ أي النفس الصوفية_  دائمة التطلع لرؤية هذه الذات، ولذلك عشقت كل ما تتجلى فيه، وبالطبع إنها لا تتجلى إلا في كل جميل ((ويتخذ الصوفية من الجمال الحسي درجا يرقون به إلى معرفة الجمال المطلق))([339])، عن طريق شفافية الرؤية ورقة الذوق، فحالة اليقظة والانتباه والتأمل العميق شعور عميق بالذل والانكسار والخضوع والافتقار لله عزّ وجلَّ للخلاص من المحنة التي تتنازع روح الشاعر وما يقاسيه، لتكشف عن مفارقة الإنسان الطامح إلى الخلاص من الدنيا والفوز في الآخرة.

 


 

ثانيا: حروف متداخلة في النص الشعري

لم تقف التشكيلة الحروفية عند أديب بنظم الحرف الواحد والدلالة عليه بل نجد هناك حروفاً عدة يعبر الشاعر باستعارة حروفية وسط خيال واسع ورؤية عميقة كقوله([340]):

إلهي،

كانَ ذلك يوم ظهوري

شمساً من حرف

ونقطةَ روح.

كانَ ذلك يوم خروجي منتصراً

أحملُ كافاً في كفّي اليمنى

وأحملُ، في كفّي اليسرى، النون.

     يفصح الشاعر عن كينونة الحرف فكل حرف هو كائن قائم بذاته يتداخل مع الموجودات في صورة استعارية جسّدت حرفي الكاف والنون، في ظل الرؤيا الصوفية للحرف حيث ((لكل حرف عند الصوفية إشارته وأهميته. أكان مقطعا، منفصلا عن باقي الحروف ... والحرف أيضا هو باب ضيق يسلكه المؤول الصوفي ويبحث فيه عن الحقيقة..))([341])، فجعل التتابع الحروفي لحرفي الكاف والنون منتظماً فما يدل على فعل أمر بمعنى (كَنْ)، و((باتصالهما ينعدم المستحيل))([342])، فسِرُّ الحرف الذي خلق به الله الكون والكوائن، وأودعه في طبع الإنسان الذي أوجده على صورته بكلمة (كُنْ)، فنحن أمام تأويلين ما بين استقلال الحرفين، وهو يدل على كاف الخطاب المذكر ونون النسوة، وكل منها له دلالاته الخاصة، وما بين انسجامهما وفي ذلك توحد الذكر والأنثى، وبزوغ القوة التي لا يمكن شجبها أو وقفها، وهنا مكمن التوحد الذاتي مع الآخر سواء كان توحدا روحيا صوفيا، أم توحدا فعليا([343]).

    ويستمر الجسر الهندسي من المنظومة الحروفية التي تتجلى ضمن تشكيل استعاري  يرسمه الشاعر ويلونها الحرف كما في مقطع شعري من قصيدة (زلزال) يقول([344]):

لستِ نوني

أنتِ ألفي ونوني

صادي وصيرورتي

رائي وطفولتي

موتي وبعثي من الموت.

       يعبر الشاعر بمنظومة حروفية استعارية أنطولوجية ربط بوساطتها الشعور النفسي بالأسلوب القولي، وكيفية ترجمته إلى فنون قولية تجسده، إذ إنَّ اللسان في حقيقة أمره مبيِّنٌ عن خبايا النفوس ليعطي تصوراً كاملاً أو يكاد أن يكون كاملاً عن التجربة التي عاشها وعبر عنها بهذه الرموز الحرفية التي تمتد فيها مشاعر الشاعر إلى بث الحياة إلى حروفه، فيلتحم بها ويتأملها كما لو كانت هي ذاته، ويُلغي الثنائية التقليدية بين الذات والموضوع، ومن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن تهتزَّ صفتا الوضوح والتمايز، ويختل مبدأ التناسب المنطقي، ويصبح الحديث عن الحدود الصارمة التي لا ينبغي أنْ يتجاوزها التعبير الاستعاري ضرباً من سوء الفهم لطبيعة الاستعارة ذاتها، والاستعارة الأصيلة على وجه الخصوص لا تعتد كثيراً بالتمايز والوضوح المنطقيين، ولا تعتمد كثيراً على حدود التشابه الضيقة بقدر اعتمادها على تفاعل الدلالات الذي هو بدوره تجسيد لتفاعل الذات الشاعرة مع موضوعها([345]).

      ويواصل الشاعر الغوص في أعماق الحروف في ظل تشكيل استعاري كقوله من قصيدة (الحاء والألف)([346]):

قالت حروفُ الحقّ

وهي تناقشُ في الألفِ الشاب:

هل سَيُكْتَب له أن يعيش؟

...

وحدهُ الحاء

قال: اتركوه فهو شمسي.

هو مَن سيذكرني كلّما هلَّ اسمي.

وسيكتبُ عن رأسي وقد تناهبه الغبار

وحُمِلَ فوق الرماح

 صوّر الشاعر المنظومة الحروفية في صلة عميقة للتصور الشعري النابض بالخيال، وثرائه التعبيري وجعلها وسيلة يعبر عن الحياة بشؤونها وشجونها المختلفة، وما تجود به قريحته وانفعالاته وأحاسيسه وأخيلته، في ظل الصورة الاستعارية التي رسمت لتجسيد العناصر الفعلية التي تكمن في الشخصية الإنسانية وشخصها في حروفه (قالت، تناقشُ، سَيُكْتَب، اتركوه، سيذكرني، تناهبه، حُمِلَ)، فاستحالت خصائص حية كأن تكون حروفه إنساناً فجعل لها منكباً على وفق التشكيل الاستعاري المكنى، ولكن هذا الكائن الحروفي ليس اعتيادياً أبدا.

     ويبقى الشاعر يعكس ما يجول في قريحته وجعل حرفه ينطق بكل ما يعيشه من تجارب وما يمر به من أحداث كما في قصيدة (قاف القضبان) قائلاً([347]):

جلست الجيمُ خلفَ القضبان

فرأت الحاء ترقصُ

وهي تشيرُ إلى الحُبّ،

وتضحكُ

وهي تشيرُ إلى الحرّيّة.

فيما كانت الجيمُ مُثقلةً

بنقطتِها التي صيّرتْها جُثّةً

تنزفُ ليلَ نهار

دماً وكوابيس.

     يرسم الشاعر لوحة حروفية بدلالات وألفاظ مختلفة عبر فيها عن مشاعره وإحساساته المضطربة بين حالة الحياة الضاحكة التي تتجسد بالحب والحرية والرقص وبين حالات الحزن ودرجاته التي تتفرع أشكال التعبير عنها لكي تدلل في النهاية على طبيعتها ومقدارها الذي حل بالشاعر، فقد كانت الصورة واضحة قائمة متجسدة تلك الأفعال المتفاوتة والمشاعر المتضاربة التي عكست ذات الشاعر في لحظة انفعالية انتابت الشاعر فهي بذلك كانت ((سبيلا للتوحد بين الداخل والخارج وبين الذات والموضوع وبين العقل والإنفعال، وهذا يجعلها مسرحا رحبا تجتمع على أرضيته أكثر المشاعر خصوصية وعالمية في وقت معا))([348])، ولعل (البؤرة الحزينة) التي غلبت على النص، كانت دوافعه كامنة في أعماق الشاعر ونتيجة لذلك تأتي الصور مشحونة بهذا الدافع لأن الصور ((لا تفد إلى الخيال عفو الخاطر وان كانت تبدو كذلك، إذ هو في الحقيقة ينسجها بتحريض من الواقع القابع في الأعماق، أو قل يصوغها من نسيج هذا الواقع))([349])، والشعر هو ((بوح الشاعر بذات نفسه من خلال صوره))([350]).

 

ثالثا: التشكيل الحروفي

ومن هذه التشكيلات الاستعارية الحروفية نجد قصيدة (إشارة الميم والواو والتاء) يقول([351]):

فلم أجدْ مَن يعينني على ضياعي المكتوب

سوى الحروف،

سوى الميم والواو والتاء.

      يعبر الشاعر وسط حروف متناثرة تتكون من الميم والواو والتاء لتعبر بذلك عن حقيقة حتمية إلا وهي (الموت)، فقد سيطر اللون التشاؤمي والنغم الحزين من ضياع تلك الحروف ولم يجد إلا أحرف (الميم، والواو، والتاء)، فهذا الرمز الحروفي لم يأت من فراغ بل هو نابع ((من شعور خفي بمأساوية الوجود تلك المأساوية التي تتجلى له بالموت الذي يمثل خاتمة كل حياة مهما بلغ غناها))([352])، فهذا التشخيص للموت جعل الشاعر يتأمل في رحلة الحياة القصيرة المليئة بالأوجاع والآلام والتي قضاها بعيداً عن وطنه وشعوره بالوحدة والغربة، فألقى به هذا إلى الحزن إلى التفكير في حقيقة الموت وقيمة الحياة، فخرج إلى معان فلسفية دليلا على عمق تفكيره وتأمله في الحياة وسعي الإنسان فيها، إذ ((يرجع شقاء الإنسان مهما يكن سببه المباشر إلى إدراكه أن الذات حبيسة، وان طاقاتها الحيوية تتبدد عبثاً في صراع داخلي لا طائل وراءه))([353]).

 وبعيداً عن الموت يعيش الشاعر بأمل وتفاؤل كقوله([354]):

القُبلةُ حلم

والموعدُ حاء الحلم

ولام الحلم

وميم الحلم.

      يعبر الشاعر بصورة استعارية بوساطة أحرف دالة غلبت عليها المعاني السامية في بث الأمل وتصور الأمنية وهي:

الحاء       لام       ميم = حلم

       فالصورة الشعرية عبر مدلولها الحلم له وظيفة نفسية من جهة، ووظيفة تكثيف من جهة أخرى، أي اختزال التجربة الحياتية بصورة دقيقة يعبِّر فيها عن قضية ذاتية، والغالب فيها أن تكون جزءاً من تجربة الشاعر الخاصة، فيوظِّف الشاعر الحلم للتعبير عن خيالاته ومشاعره بصورة غير مباشرة، وهذا النمط من الدلالات يحتاج إلى قدرة عالية لاكتناه المعاني الخفيَّة الغائبة خلف النصّ، ليأخذ بعداً دلالياً آخر يتمثَّل في الهروب من الواقع الأليم الذي يعيشه بما فيه من مصاعب يحاول أن يؤنس وحدته، ويخفِّف من حدَّة الشعور بالاغتراب الروحي والمكاني، وهكذا يتحوَّل الحلم إلى وسيلة للهروب من الواقع، وأسلوب للتعبير عن رغبات الشاعر.

     ويعود الشاعر إلى بداية الكون والقانون الحروفي المتمثل بـ الحاء والباء فيقول([355]):

في حاءِ حُبّكِ التي وسعتْ كلَّ شيء

وُلِدَتِ الباءُ بريئةً كدمعة.

*

اجتمعت الحاءُ بالباءِ فكانَ الكون!

   يصور الشاعر تلك الملفوظات المختزلة لوجدنا ثنائيّة الحاء والباء منسجمة مع المحاكاة الطبيعيّة لمخارج الحروف وصفاتها: الحاء حرف حلقيّ باطن مفعم بجيشان المواجد أمّا الباء فحرف شفويّ ظاهر لا يخلو من إيماءات حسيّة، كأنّ الحرف يتجاوز دلالته الثقافيّة ليرتدّ إلى دلالة طبيعيّة بدائيّة موشّاة بحلم اللذّة كما لهج بها الشّعراء، وبلذّة الحلم كما حلّلها (فرويد)([356]).

      لقد تجلّت الأبعاد الصّوفيّة العميقة لحوار الرّوح والجسد في حاء الحبّ وبكثافة حسّيّة وروحانيّة عالية رمزت إليها حاء الحرف الأنثويّ، وأعلى درجات المحبة هي محبة الذات الإلهية وهذا ما أشار إليه الشاعر (في حاءِ حُبّكِ التي وسعتْ كلَّ شيء) فهذا أصدق الحب حيث سقط كل حب في القلب والجوارح لسعة حب الذات الإلهية وهو غاية مطلوبة فلا يوجد شيء، في الجوهر والمظهر، إلا وهو مرتبط بحقيقة الذات الإلهية، التي هي محدث الوجود منذ الأزل، ولولا تلك القوة الخارقة الخفية، لما كان الوجود زاخراً بذاته، وقائماً بحاله، ومع هذه المظاهر الكونية، كانت ظاهرة الحب، فهو على اختلاف درجاته وتجلياته، يستند إلى الحب الإلهي، الذي هو أصل في وجود مشاعر الحب في الخليقة وبين الناس فربط الشاعر بخيال واسع قدرته الفنية (اجتمعت الحاءُ بالباءِ فكانَ الكون!) حيث الكون قائم على أساس الحب فضلاً عن أزلية الحرف فالحرف له بداية في الوجود.

 ونجد في مقطع شعري آخر من قصيدة (يا صاحب الوعد) دلالة حروفية في ظل تشكيل استعاري يقول فيه([357]):

لبّيك

يا حاء الحق.

لبيكَ يا سين السرّ

وياء السرّ ونون المحبّة.

لبّيك

دمعي يطفر.

حافياً أركض

خلف خيول المنتصرين

ورأسي أشعث.

أصرخُ: لبّيك،

كيف يُسْلَبُ قلبُ النبوّة؟

       يعبّر الشاعر بإيحائية رمزية من خلال (يا حاء الحق. لبيكَ يا سين السرّ وياء السرّ ونون المحبّة) التي شكَّلت اسم الحسين (ع) التي ألهمت الحب الحقيقي في نفس الشاعر بروح مطمئنة فأصبح مثلا يُحتذى به في التضحية والفداء من أجل كرامة الإنسان وحفظ كلمة الحق، فجَسّدَ الشاعر المعاناة والمصاعب التي مرَّ بها بالوجع والظلم والشعور بالأسى والغدر الذي واجهه سيدنا الحسين (ع) في كربلاء بوصفها من المآسي الكبرى، فهي ((أنواع شتى من مآسي الإنسان في جو القيظ والعطش والقسوة والقتل الجماعي وحز الرؤوس، هناك مأساة الجنون البشري، ومأساة الخيانة، ومأساة القتل المجاني، وكذلك مأساة المروءة والفضيلة... الحسين أكبر من الحياة، ولعله لكبره وعلوه خارج الدائرة التي يمكن للمرء ضمنها أن يتوحد مع البطل رغم تطلعه إليه ولذا يكون التعبير الفني عنه قاصراً على مداه الفاعل))([358])، فاستدعاء شخصية الحسين تمثل علاقة فنية بارزة نظرا لما تحمله الشخصية من قيم ومعان إنسانية تُحتذى علي مر العصور‏.‏

      وفي نهاية المطاف نصل إلى الدوافع والاستنتاجات التي ألقت على الشاعر بتجزئة هذه الحروف والدلالة عليها كما رأينا من رموز الحروف المفردة والمجتمعة والمتشكلة مع أحرف أخرى لتكون لفظة لها دلالتها اللفظية والمعنوية، فضلا عن هذه الأحرف لها دلالات سيميائية وربما تكون علامات تشكيلية تعطي تفسيرها الدلالي للتجزئة، فكل حرف له علامة ورمز دال عليه.

    إنَّ المتلقي لنصوص أديب كمال الدين يحتاج إلى معرفة ودراسة تشكيلية بصرية ليصل إلى المعنى الحقيقي للنص. فنجد بعد الدراسة والخوض في غمار الحروف في ظل التشكيل الاستعاري أن لغة الشعر عند الشاعر أدت إلى كثافة وتركيز في الدلالة اللفظية والمعنوية والإفصاح عن القيم الشعورية، وتشكيل الحياة أو الأشياء أو المشاعر ورسمها وتلوين المعنى وإثارة الخيال وتنشيط العوامل التأويلية والإيحائية في قصيدته الحروفية، وفي ظل هذا التقطيع ينتقل الشاعر عبر الناحية الصوتية والتشكيلية للمفردات والتراكيب في تجزئتها إلى مقاطع أو حروف صوتية ونبرات تزيد في قدرة الألفاظ على الإيحاء بشكل جديد في اللفظ والقراءة وتصبح بعد استخلاصها من مدلول السياق.


المبحث الثالث

انعكاسات الذات صورة الأنا في ذوات ثابتة ومتحركة

    إذا كانت الظواهر الطبيعية والاجتماعية تتميز بالوضوح وإمكانية التحديد، فإن الظواهر النفسية والروحية تبقى مستعصية لتشابكها وتعقيدها وارتباطها بالجانب غير المحسوس، وهناك من الشعراء من جعل قصائده أشبه بالاعترافات الشخصية العاكسة لحياته المريرة التي اكتوى بنارها، فعبر بقصائده عن معاناته وآلامه وأحزانه، وكانت بمثابة ((فضاء شعري يعاد فيه إنتاج أنا الشاعر أي سيرته الذاتية من خلال أنا المتكلم))([359])، فالأنا الشاعرة هي ((شعور يبرز الذات بشكل طاغ بحيث ينشط الفنان ضمن دائرة لا تتعدى حدود شخصيته، مشيحاً بوجهه عن أماني البيئة التي يعيش فيها، أو متخذاً منها إطاراً مجملاً أو مشوهاً لكيانه))([360])، ومن هنا نجد أن الأنا مركز البواعث والأعمال التي من خلالها يؤقلم الإنسان مع محيطه، ولا يخفى انها آلية شعرية وجدت لها صدى موغلاً في الفكر الأسطوري والتراثين الصوفي والأدبي، وهذهِ القصيدة أو التقانة وجدت في أعمال شعرية عربية وعراقية كونها تقدم وتعكس رؤى الشعراء المتعددة والمعبرة عن ذواتهم وواقعها، ومن هؤلاء الشعراء أديب كمال الدين الذي استفاد من الفكر الصوفي، وقد عمد إلى هذهِ التقانة للإفادة منها لعكس صورة معاناته وقضاياه وعكس لصورة الأنا وصور الواقع المعاش للذات، خصوصاً وان الذات عانت بشدة من ممارسات وضغوط وتهجير، فأضحت مرآة الشاعر مرآة فاعلة وعاكسة لواقعها المأزوم وهي تتصل بظرف خاص، مستعيناً بها لعكس تجربة ذاتية غير منفصلة عن واقعه، فجاءت صورة مستثمرة واقعاً معبراً عن عمق الألم والمعاناة وعبر إنزياحات استعارية تصريحية تارة ومكنية تارة أخرى محققة في النص الشعري سواء من الموجودات والجمادات والمحسوسات لتشهد الذات عبر هذا التعالق بين توظيف هذهِ التقانة والانزياح الاستعاري حالة التماهي والاتحاد بينها، حتى بلغت هذهِ المماهاة بين (الذات/ صورة الأنا) و (الاستعارة/ صورة الأنا) إلى أنسنة الكثير من الموجودات وخلع صفات إنسانية تارة وأنثوية تارة أخرى، فعكس من خلال صورة الأنا آلمه ومرارته وتجربته الشعرية الذاتية، كما تحولت الأنا في شعر أديب كمال الدين صورة عاكسة لأبعاد ووقائع ذات صلة بالآخر، أي لم تقتصر على كينونة الذات بوصفه يعيش هذه الواقع والألم والإحساس نفسه، لأن الشعر ((مرآة من الشعور تنعكس فيها صور الطبيعة بواسطة الألفاظ انعكاسا يؤثر في النفوس انقباضا أو انبساطا))([361])، وعبّر الشاعر في هذه التقانة وبما تبثه وتوحيه من سمات عاكسة للذات وواقعها، عبّر ثلاثة أنواع من انعكاسات الذات (المكبرة، والمصغرة، والموازية) وسنتوقف عند:

1-انعكاسات الذات المكبّرة: وهي ذات مغامرة تعلن عن نفسها بتلك الطاقات التي تدل على تكبير وتضخيم الرؤية داخل النص الشعري، إذ يقول أديب كمال الدين في (قبور المعنى)([362]):

غابةُ أنثى تتقاطعُ في موسيقى غامضةٍ، تتسربلُ بالألوانْ

حتّى أيقنتُ بأنَّ الماءَ له شيء مِن شكلي..

وبأنّي أتلاشى قرب زجاج الغابة ذئباً

يبحثُ عن أنثاهْ،

وبأنّي الليل. فماذا يحدث؟

   إن هذا اليقين والاتحاد مع هذا الموجود ليمارس تجربة الصوفية يبرز بوساطتها صورة الأنا في الآخر الطبيعي (الماء والليل) ليعكس صورة بحث الذات عن هويتها بطريق استفهامهِ وتلاشيه وضياعه (قرب زجاج الأنثى) ففي النص إنزياحات استعارية تصريحية عدة تمثل بؤراً دلالية تدور في هاجس البحث عن الذات في هذهِ الحياة والواقع المؤلم كما في المخطط الآتي:

الأنا       الذات تتمظهر عبر(موجودات، محسوسات) للتعبير عن الزمن

الأنا   الماء (حياة و وجود)  الغابة ( مكان)  مراحل الحياة سنوات الطفولة

الزمن    الليل (نهاية)                       الأنثى (الحياة) الوجود  الصبا

الكهولة                                              توحد الذات مع الأنا

    فالتوحد بين الذات (الشاعر) والأنا وصولاً إلى (الماء) يمكن أن نعده مؤشراً على صوفية الشاعر،  فالأنا لدى أديب كمال الدين لها حضور قادرٌ على ((إحضار المشابه والمثيل من خلال حضور الصورة المتخيلة))([363]). كما عمِدَ إلى الأنا أخرى لموجود طبيعي هو " الليل" وهذا الدال يشهد تراجعاً ضوئياً وانسحاباً ليعمل الليل على إرخاء ظلاله على الموجودات كلها، فالليل يضعنا أمام فائض قيمة عجيبة بالتناهيات ويشير إلى إحالة أخرى هي إحالة إلى خبرة الحياة كلها المفتوحة على احتواء الحركة والدأب والكد المستمر أي أنه عمل دلائل عدة منها:

 

* إشارة زمنية للكف عن العمل       معطى زماني.

*إشارة للدخول في مرحلة عمرية أخرى أي     الانتقال من سن إلى سن   أخرى       وصولاً إلى الكهولة      

وهو أيضاً معطى زماني.

* إحالة إلى التعب والشقاء من هذه الحياة.

       التحام الأنا مع الليل إذ هو تحول وانتقال آخر هو "سنوات الثمانينات" تعد مرحلة ثالثة من عمره، حيث لبس فيها خرقة العرفان، إذا جاء الليل يقف هذا (العارف/ الشاعر) بين يدي ربّه وقد رمى وراء ظهره كل علم وصورة، وصرف عنه كلّ شيء حتى يتمكّن من النزول الربّاني([364])، هذهِ الاحتمالية كلها تدور في فلك واحد وأشار إلى المعطى الزماني الذي تعيشه الذات، فأخذ الليل صورة عاكسة لصورة حياة الذات وزمنيتها المعاشة، إضافة إلى الأفعال المبثوثة في النص الشعري (تتقاطع، وتتسربل، وأيقنت، ويبحث، ويلعب) كلها أفعال تقوم بمهمة تنامي التطور الدرامي المناسب للحدث الشعري والعاكس لتجربته الذاتية، فحَشدَ الشاعر صوراً من التشكيل الاستعاري التصريحي المرئية للأنا للإفصاح عن هاجس البحث عن الذات وهويتها والمكان في ظل تعاقب مراحل عمره وتقادمها من الطفولة حتى الكهولة:

                             الغابة      المكان

صورة المستعار منه             تلعب      الطفولة                  صورة  المستعار له

                              تضحك     الصبا        

                             تنضو       الشيخوخة(الكهولة)    

      إنّ دال الغابة يمثل إشارة إلى الذات وصباها متبلورةً بـ(المكان)، خصوصاً وانه حيّز ينماز بصورة (السواد والظل) بوصفها قادرة على تغييب الرؤية لكثرة أشجارها، فعمد إليها للإشارة إلى تعاقب السنوات على هذا المكان الذي عاش فيه مراحل عدة حتى غدا توالي السنوات وارتحاله عن هذا المكان مُغيّباً عن ذاكرته بفعل الزمن، كما أن الغابة لها طفولتها وربيعها وصيفها وشتاؤها وخريفها كذلك الإنسان له طفولة وصبا وكهولة، كما أن المكان في النص الشعري اتخذ سمة حاصلة لتناقضات وثنائيات متضادة نحو:

موسيقى غامضة                              تتسربل بالألوان

    مسموع                                           مبصر

  غير واضحة                                      واضحة

تحريك مخيلة وأحاسيس دفينة                 إثارة وشد الانتباه (النظر)        

     وهذهِ كلها ثنائيات تتظافر لتُهيّئ المتلقي للدخول عبر المرآة إلى ذات الشاعر و واقعهِ المليء بالتناقضات.

     واستعار الشاعر لدال (الضحك واللعب) وأسندها إلى الغابة التي بثّ بها القدرة على الحركة الإرادية وجعلها (تلعب، وتضحك، وترفض، وتغضب) هو انزياح استعاري مكني حامل لدلالة قصدية إيحائية عالية ليبث عن معنى إيحائي آخر ليشير بها إلى الذات وليس فقط المكان، فاستعار (اللعب) وهو معادل استعاري لمرحلة الطفولة التي تشهد الذات بها ارتباطاً مكانياً وزمانياً الغابة، أيام الذات (الصبا) وهما قطبان يراد بهما العبث.

      كما استعار دال الضحك فهو دال يحمل إشارة إلى الفرح والسرور والسعادة، وهو صوت مسموع وهيئة شكلية تتضح على المحيا ومستقبل بـ (الصوت، البصر)، فالشاعر عمد إلى هذا اللفظ للإحالة على تبديد الهموم والأتراح التي تحل بالذات خصوصاً وأنه أشار إلى ذلك قائلاً([365]):

الغابةُ تلعبُ، واللعبُ هنا فظٌّ كالسكّينِ وقاسٍ..

والأصبعُ ترفعُ شيئاً،

والضحكاتُ تمزّقُ غيمَ الغرفةِ مِن شفةٍ حتّى أخرى.

الأنثى ترفضُ، والأنثى قرب الأنثى، لا شيء سوى الأنثى.

      (فالضحكات تمزق غيم الغرفة) تمثل مرحلة الصبا التي تعد مرحلة امتلاء وانغمار في هذهِ الهيئة الملامحية المتشكلة على المحيا والشفتين، إذن أصبحت معادلاً استعارياً لأيام صبا الذات ومراهقتها التي تحمل صعوبات نفسية فكرية روحية. فالحيز المكاني (الغابة) اتصفت بالقساوة والشر خصوصاً وأن الشاعر صرح بها فقال (واللعب هنا فظ كالسكين وقاسٍ) فذات الشاعر تعكس لنا حالة اللعب في هذا المكان وفي هذهِ المرحلة التي مرَّ بها، لتنتقل بنا الأنا إلى عكس صورة أخرى تمثل إشارة إلى انتقال الذات إلى مرحلة أخرى هي الشباب وقسوته والحرب ومقابلة الموت وجهاً لوجه أكثر من مرة([366])، هذهِ الأبعاد التي عكستها أنا الشاعر والأحداث نابعة ومنبثقة من حالة نفسية مأزومة من انعكاسات الواقع عليها، وعمق التجربة هي من مكنت الأنا من نقل وعكس هذهِ التجربة وتضمينها فيقول بهذا الصدد([367]):

 

أولمْ لي شيئاً يا زمن الأنثى.

أوَ تعبثُ بالغابةِ قربي وأنا أتمزّقُ أزمنةً من رغبات؟

لا تصرخْ، لا تطعنْ، فأنا مرميّ في ماضي الماضي.

الغابة ترفضُ، تغضبُ، تخفي ضحكتَها

الألوانُ تسيلُ: الأخضرُ في حضنِ الأحمرِ، والأزرقُ بلّورْ،

والأصفرُ يشهرُ ألوان عذابي

كي أخرجَ طفلاً في عاشرتي..

وحشاً في العشرين، وكهفاً في السبعينْ.

الغابةُ تلعبُ. انظرْ، حدّقْ، لا شيء سوى التحديق الأعمى!

   وقد آزرت صورة الذات هذا الإعلان في سياق ارتدادها إلى الماضي لتستمد عناصر التجربة ما يعينها على التشكّل عبر النص الشعري الحاضر، فعبر هذهِ الأنا ينتقل ويتحول إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الكهولة التي يستعار لها لفظ (الغابة تنضو شيئاً) إشارة إلى مرحلة أو نهاية عمر الإنسان وسنواته التي تتناقص شيئاً فشيئاً، فيقول([368]):

الغابةُ تنضو شيئاً، تتسربلُ بالفتنةِ، تنمو، تتجلّى.

الغابةُ أيامٌ غامضةٌ تتكسّرُ ليلاً

لغةً عارمةً بالدعوةِ للبحرِ. الأنثى تضحكُ قرب البحرْ.

تكشفُ شيئاً هذي الأصبعْ.

      إنَّ تقانة الأنا وصورها المنعكسة عن الذات اتخذت من الخيال وسيلة لبث ثنائيات متضادة نحو (الحياة/ الموت، البداية/ النهاية، الحضور/ الغياب) وحضور هذهِ الثنائيات في ثنايا النص الشعري هو حضور إيحائي يمثّل غياب الكينونة (ذات الشاعر) الفاعلة لتغدو الأنا كائناً إيحائياً له القدرة على تصوير أحداث وأبعاد واقعية و وقائع لتجربة ذاتية معاشة، فالتصوّرات التي عبّر عنها الشاعر إشارة ودليل على وعيه لحضور المرآة واتصالها بمفاهيم الكينونة، لتنتقل هذهِ المرآة إلى عرض لحظات زمنية ومراحل عمرية مختلفة.

           اللعب            الضحك             العبث

          الرفض            الغضب            التخفي ( الإخفاء )

       فكانت (الغابة/ الأنثى) بُعدين عكستهما الأنا للـ (المكان، حياة) وبدورها تعكس معطيات زمانية، واهتمام الشاعر بالماضي وبتلك المراحل وعرضها واستعادتها وإصراره على رفض الواقع المعاش عبر استغراقهِ في الحديث عن مراحل عمره فيقول (أنا أتمزق أزمنة من رغبات)، (فأنا مرمي في ماضي الماضي)، (يبكي في أحشائي شيخ مزقه سيل الألوان الجارف)، (رجل عذبه جسد الأنثى يغفو سنوات ويفيق على سد من لذّات) إذن جعل أديب كمال الدين الأنا أساساً في النظر إلى الماضي والحاضر، إذ كانت الإنزياحات والتشكيلات الاستعارية المتعاضدة (التصريحية والمكنية) هي بؤرة دلالية مهمة للنظر في (المكان، والزمان، والذات)، والبحث عن هوية الذات وينظر إليها من منظور واحد (الحاضر) ويمكن الرجوع إلى الماضي من خلال الأنا والاستعارات التي تتعالق ليرى فيها موازاة لمستويات أخرى من مراحل عمره تتجلى لنا عبر صورة الذات فيقول([369]):

الغابةُ تلعبُ. انظرْ حدّقْ أنفقْ عمرَك..

لا شيء سوى التحديق الفاسق!

الغابةُ ملهاةٌ والشيخُ مضى للقبر.

الأنثى شبعتْ مِن لعبتها..

لبستْ ثوباً أسْوَد يسترُ عري الجسد البضّْ.

والطفلُ بكى، منتصف الليل بكى.

وأنا أحملُ تابوتَ الشيخِ بألوانِ الأنثى، ببكاء الطفلْ،

أمضي لقبورِ الماءْ.

     يطالعنا في النص الشعري انتقال في مستوى الخطاب الذي بدأ بفعل الأمر فيقول (أنظرْ، وحدّقْ، وأنفق) العائد إلى (أنا الذات) الشاعر لينقلنا إلى أحداث حاضرة وواقعة في بلدات الذات وزمانها (لبستْ، وأحملُ، وأمضي) إشارة إلى زوال عمر الذات ونهايته وهو يمضي إلى قبور الماء، وهذا الخطاب يفصح في طياته عن أحداث واقعهِ في الزمن الماضي وينعكس على تعدد الضمير الأنوي عند أديب كمال الدين والمتمظهر عبر مستويين الأول مُصرّح به (أني/ أنا)، والآخر مستوى الاندماج الفعلي مع الآخر (أيقنت، وتلاشى، ويبحث، وأخرج).

فدعوة الذات من الخلاص      هي دال على استمرار عمل ذلك المحذور في دخيلة نفسه الساعية إلى الخلاص، بوصفهِ أسلوباً من أساليب المتصوفة ووسائلهم التي لم تعد يجد غيرها منقذاً لروحه من عصيانها وشركها([370])، كما أتت بوصفها دعوة لِلملمة شتات روحه في ظل هذهِ الفضاءات فذات الشاعر تعكس وتستجلي عوالم الذات التي طالما ألهم انغماسها في تلك المرارة([371])، فالأنا تعكس صوراً عدة منعكسة في دعوتها وصراخها:

1-    فعل الخلاص من الذات

2-    الخلاص من قيد الاستلاب

3-    دعوة للخلاص من الحرب

4-    الخلاص من الواقع والهموم والمرارة

فالأنا التي كانت تعكس صورة الإنقاذ من كل ما تقدم لم تعد كذلك بل تجاوزت إلى دعوة أخرى تتمثل في الخلاص والإنقاذ من نفسه.

2- انعكاسات الذات المصغّرة: إن الذات لا تلبث إلا في البحث عن أعماقها، لتعيد إنتاج كينونتها، معلنة عن نفسها من خلال تصغير وتضييق الرؤية داخل النص الشعري وصولاً إلى عمق التجربة، كما في نص (باء المعنى)([372])، يقول فيها:

أين تكونين اليوم؟

عذّبني جسدي بالنارِ. فقامتْ أعضائي مِن غفوتها..

قصّتْ رأسي كالعشبِ وألقتهُ بعيداً في المرآةْ.

البابُ خرابٌ: هل يسمعُ صوتُكِ صوتي؟

أم إني سكران يصرخُ فوقَ السطح حتّى يحتجّ الجيرانْ؟

  إنَّ الصورة المنعكسة في هذه الأبيات جاءت متناسقة مع معاناة الذات التي صوّرها الشاعر على شكل تساؤلات تثير المتلقي، وقد انتقاها من مفردات كينونته المعذبة، فسيطر مشهد (العذاب: القصّ للرأس) على هذهِ الصورة المنعكسة المصغرة، فألقت بظلالها على النص المشهد على فضاء الورقة بوساطة مشهد الأنا المصغرة:

 

 

 

       تلاقي الصورتين في الأنا

      عذبني جسدي        الجسد             العدو الآخر    

 صورة      قامت أعضائي        الأعضاء                         صورة

المستعار له   قصت رأس           الرأس                             المستعار

          هل يسمع صوتك صوتي    الصوت          أنا الشاعر   منه  

      اني سكران يصرخ        الصراخ            

     بغية تعزيز مشهد حالة العنف والقتل من الآخر على الذات وكذلك عكس حالة احتجاج الذات واستهجانها واستنكارها من الآخر، فاستطاع الشاعر بوساطتها أن يقدم أنا شعرية تعكس المأساة والهموم والعذابات التي جرت لهُ في الماضي وكذلك لا زالت تقع على الذات في الحاضر من الآخر العدو، فاستعار الشاعر لهذهِ (الأعضاء، والجسد، والرأس) كلها لأسباب خارج أزمة الجسد لتفصح عن واقع أيضاً مأزوم وعكس صورة الآخر المعادي الذي تمثل (عذبني جسدي بالنار، فقامتْ أعضائي من غفوتِها )، وكذلك عكست حالة المفارقة في الحركات وما يعادلها استعارياً ثلاث حركات جسدية متمخضة عن الحركة.

     هذهِ الصورة المرآتية تعكس المفارقة في تتابع الحدث الدرامي وانتقال الخطاب من التعبير بالجمل الماضوية الدلالة (عذبَ، وقام، وقصّت) إلى صور ذات فعل حاضر ( يسمع، يصرخ ). إنَّ الصورة الذاتية المنعكسة تنقل صورة أخرى أيضاً تأثرت بالحس المأساوي والواقع المأزوم، فينتقل الشاعر من الموجودات إلى الجمادات ليحاورها (هل يسمعُ صوتُكِ صوتي) هذهِ صورة استعارية مكنية كونه أضفى صفة إنسانية (الصوت) لدال (الباب) وهذهِ كلها إشارات ودوال تعكسها المرآة للإشارة إلى أن كل ما يحيط بالذات الشاعر من موجودات جمادات قد لحق بها الأذى والهم والعذاب من العدو ( الآخر).

      وتعكس ذات الشاعر صورة استقاها الشاعر من التراث الديني بعد أن أزاح عنها صيغتها الحرفية الممثلة للواقعة أو تسلسلها الحدثي، محاولاً زجّها بصورة جديدة معاصرة وبثوب شعري جديد فاستدعى الشخصية من الماضي لتستوعب أحداثا غير داخلة في واقعها وأحداثها الأصلية

 لشخصية أديب       (نوح النبي) الأنا ( نوح/الشاعر) فيستوعب هذهِ الشخصية وتعكس صورة ذاتية لأفعال أخرى كما في المخطط:

1-     فعل الانتظار والجلوس وحيداً               سفينة      النجاة

2-     فعل الرسم لأشياء وموجودات حية وجماد    غراب     دال الشؤم   بداية

                                              حمامة    دال السلام   الحدث

                                               صيحات   الاستنجاد  

                                             ابن نوح      العصيان

3-    فعل الاستدعاء والنواح أي بمعنى الحلول والانبعاث بشخصية (نوح / أديب) استطاع الشاعر أن يعكس مستوى الزمن الحاضر عبر صورهِ التي عبّر عنها بجمل فعلية مضارعة (أنتظر، وأجلس، وأرسم، ويجلس)     هذهِ هي نهاية الحدث، وفعل الرسم المؤكد بلام التوكيد يدل على وقوع فعل النواح على من قام بالرسم(الفاعل)، وليس على المرسوم (المفعول به)، 

              نوح / النبي                      أديب (أنا الشاعر)

     فيقول الشاعر في (إشارة نوح)([373]):

إلهي،

أفنيتُ العمرَ كلّه

أنتظرُ نوحاً

رغمَ أنّي أعرفُ أنّ نوحاً

قد جاءَ ومضى.

...

أرسمُ رجلاً يشبهني تماماً

يجلسُ على الشاطئ

ليرسمَ نوحاً وينوح!

     ويعبّر الشاعر عن فعل الجلوس إذ وصفه بـ( الوحيد) صفة تعبر عن استمرارية الذات و ديمومتها واستغراقها في الوحدة والنواح التي تعيشها الذات، إضافة إلى ما تمنحهُ الصفة للذات من هوية متفردة خاصة في حالة (الانتظار والنواح)، فالذات تعكس ثبات حالة فعل الكينونة على (الانتظار والجلوس، والنواح والرسم) وما يؤكد هذا (أنا منذ ألف ألف عام)، وفعل الرسم متأتْ للشخصية (أنا الذات) والمفارقة حدثت أن الذات هي من قامت بفعل الرسم لشخصية (نوح) ولم يلحظ أن الأنا عكست لهُ صورة وفعل النواح والبكاء الطاغي على المشهد الشعري للشخصية التي قامت بفعل الرسم وليس المرسوم.

3- انعكاسات الذات المتوازية: إن الذات ترى نفسها سلطة مرجعية لجميع الحالات في النص الشعري، فهنا نجد صورة ذاتية مساوية ومعادلة للصورة التي يرسمها، ويطالعنا لهذا النوع نصوص عكست تجربة الشاعر بصورة مستوية ومنها نص (نسيان المعنى)([374]):

 

لكنْ طوّقني الدهرُ وصاحَ بقلبي: اتبعني..

حتّى تعرف سرّي، سرّ النسيان.

فمضيتُ لنقطف أوراقاً يخفيها في البئر.

مرّتْ عشرةُ أيامٍ وشهور وسنينْ.

لم نصل السينْ.

وبقيتِ أمَامي جسداً حيّاً يتبعني

في موتي، يكتبُ سفسطتي وعنائي..

ويناقش دولابَ الفجرِ، سريرَ اللذّةِ، بابَ المعنى قربَ فراشي..

ويرّبتُ فوق الكتفينْ،

يهمسُ لي بالغامضِ مِن حرفِ السينْ

ويمزّقُ ثوبَ مسرّاتي

ويهشّمُ كلماتِ الحُبّ، يصادرُ قدّاحَ طفولةِ قلبي..

وبقيتِ أمَامي جسداً حيّاً يتبعني في موتي، يهزأُ منّي،

يشتمني ويقدّمُ لي، في طبقٍ من ذهبٍ، فاكهةَ الموت.

     هذهِ الصورة الذاتية تعكس حالة الذات وهي تعاني من (محاصرة وتطويق) الزمن لها إذا انزاح استعارياً ليجعل من المعطى الزماني عدواً للذات فأضفى عليه صفات إنسانية (الصوت/ المشي)، وجعل حرف السين هو مرآة الذات التي تعكس محاصرة الزمن لها، واستطاع الشاعر أن يعكس ويفصح عن معاناته وهو يتوق ويسعى للخلاص منها والابتعاد عنها. فالذات تعكس بؤراً دلالية متحوّلة في مستوى خطاب في التعبير من الدلالة على الماضي (صاح، مرّت، مضيت) إلى مستوى التعبير للدلالة على الحاضر (نصل، نقطف، يكتب، يهمس، يناقش، يربّت، يهزأ، يشتم، يقدّم)، إذن استطاعت أنا الشاعر أن تعكس تصاعد الحدث الدرامي وتناميه الذي يفصح عن أن النص يسير باتجاه تشاؤمي إذ يقول (لم نصل/ يمزّق ثوب مسراتي/ يهشّم كلمات الحب/ يصادر قدّاحَ الطفولة / ويقدّم لي، في طبقِ من ذهبٍ، فاكهة الموت) إذ قدم النهاية الحتمية لكل إنسان هو(الموت)، عبرت مرآة الذات عن الزمن بوصفه عدواً إضافة إلى انزياحهِ من المعطى الزماني إلى (الحرف) وجعله هو الآخر أيضاً يتبعهُ ويحاصره وبقي جسداً حياً يتبعهُ (حرف السين)، فهذهِ الصورة المنزاحة استعارياً شكلت انزياحاً تصاعد حس هذهِ الملازمة من (الزمن (العدو)/ حرف السين) للذات الساعية للإنفلات منها، إذن هو انعكاس لصورة الرائي وعكس لمكنوناتهِ الداخلية ومعاناته من الواقع. وفي نص شعري آخر (إشارة الرياح) اتضحت صورة ذاتية متوازية أخرى فيقول([375]):

إلهي،

في الستّين

لم أزلْ مثل ورقة سقطتْ مِن شجرة

...

رياحُ ستّين سنة مضتْ

ولا رياحُ ستّين سنة قادمة

في الطريق!

  إنّ النص يبدأ بـ (الستين) وهي إشارة إلى عمر الذات (أنا الشاعر) هي معطى زماني. كما حشد صورة استعارية تصريحية تثري النص نحو:

 المستعار      الرياح       إشارة إلى عقبات الزمن         المستعار لهُ

  منه            الورقة        روح الشاعر        الورقة           الرياح 

                   حي           حي         موجود طبيعي     محسوسة

                  كائن نباتي    كائن عاقل     الضعف والرقة   القوة أثناء عصفها

                  طبيعي        موجود       صيغة مفردة       صيغة جمع

                                                   الذات             الزمن

                     آلية النص الذاتي

     عكست الصورة الذاتية فعل الإصرار والثبات على مواقفها ومبادئها التي لا يمكن أن تجرفها الرياح المتغيرة بتغير (الساعة، واليوم، والفصل)، أي عقبات الزمن التي تتوالى على الذات بمرور الزمن وتغيره. وهذا التأكيد على المعطى الزماني بألفاظ (الساعة، واليوم، والفصل) كلها بؤر دلالية تعزز من قوة الذات التي تواجه التغير والتبديل لعقبات الزمن في جميع دوالها، كما أن الحدث هو انعكاس لأبعاد واقعية تتمرأى فيها وعبرها الزمن الذاكراتي المصوّر للذات وحقيقة قوتها وإصرارها على مبادئها وهي تواجه هذهِ القوة الطبيعية (وبمفردها)، استطاع الشاعر أن يصوّر حالة إحساسه باللوعة والبكاء، فالذات التي عكست صورة (الورقة لا تتبدل) (روح الشاعر لا تتبدل) لم تعد كذلك فأصبحت الورقة هي (قلبه الذي لا تجفف دموعهُ الحرى)، وكذلك الرياح والعقبات التي توالت في السنين الماضية لم تعد هي؛ لأن روح الشاعر (ذاته) تقدمت بالعمر فلا يمكن أن توجد ستين أخرى في عمرهِ المتبقي.

   ويبقى القول إن انعكاسات الذات عند الشاعر أديب كانت حافلة بالعمق المعرفي والفكري والغنى الدلالي والشعري، في محاولة تعكس مرآة الشاعر وإرهاصاته الوجودية والاجتماعية، عبر صورة خيالية فذة جعلت من نصوص الشاعر صوراً مرئية تتفاوت في أنماطها وأشكالها، فتارة مكبّرة وتارة مصغّرة وتارة متوازية تعود إلى الصراع بين ذات الشاعر وواقعه بكل ما يمليه من دلالات ورموز.


بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله الذي كان بِعبادهِ خبيراً وبصيرا والصلاة والسلام على من بعثهُ ربهُ هادياً ومعلماً ومبشِراً ونذيرا محمد(ص) وعلى آله وصحبه الغر الميامين.

الخاتمة:

بعد الرحلة الممتعة في غمار (التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين) نصل إلى أهم النتائج التي تمخض عنها الكتاب، أن النص بمفرده عاجز عن الإلمام بشعر الشاعر، ومكنوناته النفسية في زمن معاصر يسجل شعره من خلالها الشعوب وآمالها في كل زمان ومكان لذا نوجز ما توصلنا إليه بالآتي:

1-                امتاز الشاعر بالثراء الشعري لإصداره ست عشرة مجموعة شعرية، ضمت في متنها قصائد غلب عليها التشكيل الحروفي حتى عرف بـ (ملك الحروف) فاستمد موضوعاتها من خلال رؤيته الواقعية ونزعته الصوفية في نظرته للوجود والأشياء من حوله، فجسّد أنفاسه الملتهبة وما أحسّ به من غربتين داخلية وخارجية قيمة تعبيرية تشكّلت في النهاية مجاميع شعرية لها الصدارة في الوقت الحاضر، إذ نالت إعجاب قدر لا يستهان به من النقاد والدارسين.

2-                إن حضور التشكيلات الاستعارية الحروفية وتنوعها قد شكل حضوراً طاغياً انماز في نصوصه جميعها، فشكلت لازمة أو ظاهرة فرضت نفسها على طبيعة الدراسة, فعناية الشاعر واشتغاله على التنويع للتشكيلات وجدت الصدى في نفس الباحث، إذ كانت تكتنز دلالات مقصدية تنفجر بإيحاءات متنوعة تتحكم في إنتاج النص الشعري, فشكلت البؤرة الأساس في تشكل الصور الفنية فهذا التعدد في التشكيلات الاستعارية الحروفية والصور الشعرية في خطاب الشاعر أديب كمال الدين فتح المجال لرصد مظاهر إنزياحية تبعث على التأمل والتفكير بمعاني النص، فكانت عنواناً بارزاً لجوهر نتاجه الشعري الإبداعي كما إن دلالاتها الفائضة حثت متلقيها لمتابعتها والانصهار ببوتقة رموزها الحروفية وصولا إلى الغاية المرجوة من إيصال رسالة المنشئ التي كان الطبع والعفوية أساسين لازمين تقوم عليهما فهي تشير إلى قدرته التنسيقية الهائلة وثراء معجمه الشعري خصوصاً أنه انطلق من الاشتغال على الشعر بوصفه دالاً على وظيفة محسوسة تنطلق في جوهرها إلى الانتقال بذهن المتلقي من المجرد إلى المحسوس.

3-                حملت نصوص الشاعر استعارات دالّة متنوعة محتفظة بطاقتها الحروفية الإيحائية الرمزية حتى أصبحت من أبرز معطيات عالمه اللاشعوري حتى يصور بمخيلته الثرة المبدعة متقابلات دالّة ولوازم فنية ذات صور تناقضية، فاستعار الشاعر عدداً من الوقائع والشخصيات وأعاد صياغتها بما يتناسب أو يتواءم مع روح عصره فنشأ منها عالم جديد ذو بنى ومكونات تنجسم مع بعضها سعيا لإدراك ماهية العالم، فهو - أي الشاعر- يستعير مكونات من عوالم خارج النص ويستحضرها مجسداً إياها في الوقت ذاته سعيا منه للربط بين ذاته ومسألة الأسس الحضارية.

4-                أفصح الشاعر عن ارتباط تجربته بتلك المعاناة الجماعية, بين التعبير والتشكيل بالكلمات, انطلاقا من التجربة الشعرية التي لا يمكن أن تنفصل عن كيانها الاجتماعي، والتاريخي، والثقافي, كما زاوج أديب كمال الدين بين الهم الذاتي والوطني، وأفصح عن امتداده الوجداني للرؤية الشعرية والتحام الذات بالحرف وبالأخص حرف الألف, كما أنه لا يمكن أن يواجه هذا الشعور بالتلاحم إلا من خلال توظيف ذلك المعادل الموضوعي بوساطة عملية من الخلق والإبتكار وعبر استنزاف الكلمات بمعنى أنه أراد تحقيق ذاته بالحروف ورمزيتها والتفرد بها وكذلك يدخل هذا في تشكيل شخصيته الثقافية.

5-                ظهرت ثلاثية مهمة في التشكيل الاستعاري الحروفي للشاعر نتجت عن تفكيره العميق ورؤيته الوجود من حوله، إذ بدأت الثلاثية برؤيته لذاته والمقصود بها كل مكونات الذات ومفرداتها من نفس وروح وجسد، ومن خلال الوعي بالذات يتحقق الوعي بما هو خارج الذات المتصل بها والتي تؤثر فيه ويتأثر بها، وهو يشمل الزمن بكل تفاصيله ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وتكتمل هذه الثلاثية بالنهاية الحتمية لكل المخلوقات إلا وهو الموت والفناء، وبهذا تكتمل ثلاثية أديب كمال الدين التي كان للتشكيل الاستعاري أعظم الأثر في تصويرها.

6-                إن المدلولات الاستعارية لدوال مثل (الحرب, والموت, والقتل, والدم, والمنفى, والطوفان) التي أفصحت عنها نصوص الشاعر وحاولت تجسيد الواقع المأزوم صارت في بعض الأحايين ملتحمةً بمرارة ذلك الواقع وأزماته ليحيل المتلقي إلى المخبوء والمسكوت عنه في طيات هذه الدلائل والتشكيلات الاستعارية، بحيث تبدو عباراته وكأنها وثائق اجتماعية وسياسية تنبئُ عن واقع يعاني من الحروب والانكسارات والانهزامات المتوالية حتى يومنا هذا.

7-                تمثل حضور الآخر المعادي لدى الشاعر أديب كمال الدين في تشكيلات استعارية متنوعة نحو دال مثل (البحر، والزمن، وذاته) فلجأ إلى توصيفه ومحاورته وترويضه ليخفف من وطأته على ذات الشاعر. كما شكلت الثنائيات المتضادة (الخير، والشرّ) (الخفاء، والتجلي) (الحياة، والموت) (الحضور، والغياب) (الذكر، والأنثى) حضورا بارزاً ورمزيا لافتا بوصفها ذات قدرة إيحائية عالية في التراث الصوفي وذات مقصدية عالية في إثراء دلالات النص الشعري وتوليد معانٍ جديدة له، فحملت تشكيلاته الاستعارية بصورها المتنوعة طابعا فلسفيا ذا ميزات إنسانية، إذ ركز كثيرا على ثنائية (الحياة والموت) وعلى ما تؤول إليه نهايته الحتمية وكذلك عمره الذي ينفق سدى في هذا الكون، وهذا  أكثر ما اتضح في ديوانه الأخير (رقصة الحرف الأخيرة).

8-                تنوّع التجربة الشعرية في نفس الشاعر وعمق خياله في وسائل تشكيل الصورة الحسية الاستعارية، فكانت الصورة (البصرية، والسمعية، والذوقية، والشمية، واللمسية) إضافة إلى الصور اللونية والثابتة والمتحركة، وما كان من تبادل المدركات الحسية التي تناوبت فيها، فجاءت مادته الحروفية بلغة تصويرية دقيقة في تجسيد كل ما انتابه من حالات شعورية استمدت في جوهر روحاً متلاطمة  الأفكار متنوعة الأخيلة.

9-                جمالية الصورة الساخرة التي أدخلها الشاعر في صميم عمله الشعري بحكم ثقافته التي فتحت له آفاقاً للإطلاع الواسع، إذ نجح في صياغة هذه الصورة فأعطى لها خطوطا خيالية، رغبة في التنوع والإبتكار والإبداع، للتعبير عن عواطفه وتصوير مشاعره, فرسم لنا صوراً رائعة منها ما هو خيالي, ومنها ما هو واقعي ومعظم هذه الصور كانت تستمد عناصرها من بيئته وخبرته وتجاربه في الحياة، فأفصحت تشكيلاته الاستعارية الحروفية وخطابه الشعري عن تبني الشاعر لفكر سياسي متناول بطريقة السخرية والتهكم أو يمكن أن نسميه (السخرية السوداء).

10-           كشف التحليل الفني والقراءة النقدية في شعر أديب كمال الدين عن مستويات من الأداء اللغوي فعبر عن تجربته الحروفية ضمن مستويات التنوع التشكيلي للحرف العربي، بقدرة فنية عالية عن ماهية الحرف العربي بوصفه الوسيلة التعبيرية الأدائية في نصوصه الشعرية، فهو له الوسيلة والغاية معا، إذ رأى في الحرف رمزاً تعبيراً يشاركه همومه في ظروف تجسدت في ذات الشاعر، فالحرف شخص (يتكلم، وينتقد، ويحب، ويلهو، ويلعب، ويكره، ويحقد، ويبكي) يملك الحركات والأفعال الإنسانية كلَّها.

11-           ألحّ الشاعر في أكثر نتاجاته الشعرية على الحروفية الرمزية (الألف والنقطة) ثم وظف غيرهما ليجسد حالة التوهج والعشق للغته العميقة الدلالة بحروفها جميعاً حتى أخذت هذه النبرة تخفّ شيئا فشيئا لتركز على قضايا كونية فلسفية، فصار ديوانه الأخير هو الأكثر إلحاحاً على إنفاق عمره، إنها تصاعدت مع تقدم عمر الشاعر واقترابه من نهايته الحتمية.

12- نجد رموزاً وإشارات ودلالات متنوعة تجسدت في مكنونات الحرف عند الشاعر، فالحرف سرّ بذاته، لما فيه حضور الذات الإلهية وفاعلية توصيلية وعنفوان داخلي لا يمكن سبر أغواره مطلقاً، فالشاعر عاش في محاور رمزية للحروف حتى يستلّ منها ما انطوت عليه من حقائق وأسرار ربّما عصيت على غيره.

        فهنا ترسو مراكبي وأجدني شاكراً لله خالقي ومبدعي الذي لم أصل إلى برّ الأمان إلا بمنّه وفضله سائلاً إياه تعالى أنْ أكون قد وفقت في عملي ومسيرة بحثي هذه فإنه وليُ ذلك والقادر عليه.

 

 


الشاعر في سطور

 أديب كمال الدين شاعر ومترجم وصحفي من العراق مقيم حالياً في أستراليا. ولد عام 1953 في محافظة بابل. تخرّج من كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد 1976. كما حصل على بكالوريوس أدب إنكليزي من كلية اللغات- جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم الترجمة الفوريّة من المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا 2005. أصدر 19 مجموعة شعريّة بالعربيّة والإنكليزيّة، كما تُرجمتْ أعماله إلى العديد من اللغات كالإيطالية والفارسية والفرنسية والأوردية والإسبانية. نال جائزة الشعر الكبرى عام 1999 في العراق. واخْتِيرَتْ قصائده ضمن أفضل القصائد الأستراليّة المكتوبة بالإنكليزيّة عاميّ 2007 و 2012 على التوالي.

صدرت عشرة كتب نقديّة عن تجربته الشعريّة، مع عدد كبير من الدراسات النقدية والمقالات، كما نُوقشت العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت أعماله الشعريّة وأسلوبيته الحروفيّة الصوفيّة في العراق والجزائر وإيران وتونس.

* صدرت له المجاميع الشعرية الآتية:

- تفاصيل ، مطبعة الغري الحديثة ، النجف، العراق 1976 .

- ديوان عربيّ ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1981 .

- جيم ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، العراق 1989.

- نون ، دار الجاحظ ، بغداد ، العراق 1993.

- أخبار المعنى ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، العراق 1996.

- النقطة (الطبعة الأولى) ، مكتب د. أحمد الشيخ ، باب المعظّم، بغداد، العراق 1999.

- النقطة (الطبعة الثانية) ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان 2001.

- حاء ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،  بيروت، لبنان 2002.

- ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة ، دار أزمنة للنشر والتوزيع ، عمّان ، الأردن 2006.

- شجرة الحروف ، دار أزمنة للنشر والتوزيع ، عمّان ،الأردن 2007.

- أبوّة Fatherhood ، (بالإنكليزية) دار سيفيو، أديلايد، أستراليا 2009.

- أربعون قصيدة عن الحرف ، دار أزمنة للنشر والتوزيع ، عمّان، الأردن 2009.

- أربعون قصيدة عن الحرف، Quaranta poesie sulla lettera  (بالإيطالية: ترجمة: د. أسماء غريب)، منشورات نووفا إيبسا إيديتوره ، إيطاليا 2011.

- أقول الحرف وأعني أصابعي ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان 2011.

- مواقف الألف ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان 2012.

- ثمّة خطأ Something Wrong ، (بالإنكليزية) دار ومطبعة Salmat ، أديلايد ،أستراليا 2012.

- الحرف والغراب ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان 2013.

- تناص مع الموت: متن در متن موت (بالأورديّة: ترجمة: اقتدار جاويد) ، دار كلاسيك ، لاهور، باكستان 2013.

- إشارات الألف ، منشورات ضفاف ، بيروت ، لبنان 2014.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الأوّل، منشورات ضفاف ، بيروت ، لبنان 2015.

- رقصة الحرف الأخيرة ، منشورات ضفاف ، بيروت ، لبنان 2015.

- في مرآة الحرف ، منشورات ضفاف ، بيروت ، لبنان 2016.

- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الثاني، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016.

- الحرف وقطرات الحب  La Lettre et les gouttes de l'amour  (بالفرنسية: ترجمة: د. ناجح جغام) دار جناح، فرنسا 2017.

- حرف من ماء، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2017.

موقعه الشخصي:      www.adeebk.com


المصادر والمراجع

 

أولاً: المصادر المطبوعة

-         القرآن الكريم .

1-           أخبار المعنى: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد_ العراق، ط1، 1996م.

2-   أدب المهجر، دراسة تأصيلية تحليلية لأبعاد التجربة التأملية في الأدب المهجري: صابر عبد الدايم، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1993م.

3-       الأدب والغرابة: دراسة بنيوية في الأدب العربي، عبد الفتاح كليطو، دار الطليعة، بيروت، 1982م.

4-       أدبنا الحديث بين الرؤيا و التعبير: ريتا عوض، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، ط1، 1979م.

5-       الأدب وفنونه: د. عز الدين إسماعيل، دار الفكر العربي، القاهرة، ط6، 1976م.

6-       أربعون قصيدة عن الحرف: أديب كمال الدين، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2009م.

7-   أساس البلاغة: جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت– لبنان، ط1، 1319هـ -1998م.

8-   الاستعارات التي نحيا بها: جورج لايكوف ومارك جونسن، تر: عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء_ المغرب، ط2، 2009م.

9-       الاستعارات والشعر العربي الحديث: سعيد الحنصالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ، المغرب، ط1، 2008م.

10-       الاستعارة في النقد الأدبي الحديث: د. يوسف أبو العدوس،  الدار الأهلية، الأردن، ط1، 1997م.

11-       أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني، ت.هـ. ريتر، مطبعة وزارة المعارف، استانبول، 1954م.

12-       الأسلوبية بوصفها مناهج الرؤية والمنهج والتطبيقات: رحمن غرگان، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2014م.

13-       إشارات الألف: أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 2014م.

14-       الاشتغال الفضائي في شعر ناصر مؤنس دراسة سيميائية: آلاء عبد الأمير،  دار المخطوطات، هولندا، ط1، 2015م.

15-       إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين: صباح الأنباري، منشورات ضفاف، بيروت_ لبنان، 2014م.

16-       اصطلاحات صوفية: محيي الدين بن عربي، مكتبة لبنان، بيروت، 1969م.

17-       أصول التصوف الإسلامي: حسن الشرقاوي، دار المعرفة، الإسكندرية، 1991م.

18-       أصول المعرفة والمنهج العقلي: د. أيمن المصري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء_ المغرب، ط1، 2010م.

19-       أضِف نوناً: قراءة في "نون" أديب كمال الدين، د. حياة الخياري، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2012م.

20-       أقول الحرف وأعني أصابعي: أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت_ لبنان، ط1، 2011م.

21-       ألفاظ الصوفية ومعانيها: حسن الشرقاوي، دار الكتب الجامعية, الإسكندرية، ط2، 1975م.

22-       الإنسان والزمان في الشعر الجاهلي: د. حسني عبد الجليل يوسف، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1988م.

23-       البلاغة العربية قراءة أخرى: د. محمد عبد المطلب، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة.

24-       البلاغة العربية مقاربة نسقية بنيوية: د. شكري الطوانسي، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2011م.

25-   البلاغة فنونها وأفنانها في البيان والبديع: د. فضل حسن عباس، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط12، 2009م.

26-       البلاغة والأسلوبية: د. محمد عبد المطلب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م.

27-       البلاغة والتطبيق: د. أحمد مطلوب و د. كامل حسن البصير، مطبعة دار الحكمة، بغداد، ط2، 1990م.

28-       البناء الفني لرواية الحرب في العراق: عبد الله إبراهيم: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1994م.

29-       بناء لغة الشعر: جون كوهين، تر: أحمد درويش، مكتبة الزهراء، القاهرة، 1990م.

30-   بنية الرؤيا و وظيفتها في القصة العراقية:  د. صالح هويدي، سلسة الموسوعة الصغيرة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1993م.

31-       بنية اللغة الشعرية: جان كوهين، تر: محمد المولى، محمد العمري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1986م.

32-   البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ، تحقيق بشرح حسن السندوبي، المطبعة التجارية الكُبرى، مصر، ط1، 1920م.

33-   التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، أمبرطو ايكو، تر: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1،2000م.

34-   تاج العروس من جواهر القاموس: أبو الفيض محب الدين السيد محمد مرتضى الزبيدي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت_ لبنان، ط1، 1306هـ.

35-       تجليات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين: د. أسماء غريب، منشورات ضفاف، ط1، 2013م.

36-       التحليل السيمائي للخطاب الشعري: د. عبد الملك مرتاض، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005م.

37-   التشكيل البَصَري في الشعر العربي الحديث، (1950-2004م) بحث في سمات الأداء الشفهي "علم تجويد الشعر": د. محمد الصفراني، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2008م.

38-   التصوف في الشعر العربي، نشأته وتطوره حتى آخر القرن الثالث الهجري: عبد الحكيم حسان، مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة الرسالة، 1954م.

39-   التصوير المجازي، -أنماطه ودلالالته - في مشاهد القيامة في القرآن، د. اياد عبد الودود عثمان الحمداني، بغداد، ط1، 2004م.

40-   التصوير المنهجي ومستويات الإدراك في العمل الأدبي والشعري: أحمد الطريسي، شركة بابل للطباعة والنشر، الرباط، 1989م.

41-   تطور الشعر العربي الحديث في العراق- اتجاهات الرؤيا وجماليات النسيج: د. علي عباس علوان، منشورات وزارة الإعلام _ الجمهورية العراقية، سلسلة الكتب الحديثة، 1975م.

42-       التعبير البياني رؤية بلاغية نقدية: د. شفيع السيد، مكتبة الشباب، (د.ت).

43-       التفكيك الأصول والمقولات: عبد الله إبراهيم، دار إفريقيا الشرق، المغرب، 1989م.

44-   تمظهرات القصيدة الجديدة، مقاربات إجرائية في الرؤيا والشكل والأسلوب: محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، أربد، الاردن، ط1، 2013م.

45-   تهذيب اللغة: الأزهري: أبو منصور محمد بن أحمد ، تحقيق الدكتور عبد الحليم النجار ، د. ط ، القاهرة ، الدار المصرية للتأليف والترجمة، د.ت.

46-   توظيف التراث الصوفي في الشعر العربي الحديث من خلال أعمال جبران، عبدالصبور، البياتي، عفيفي مطر، أدونيس: لحسين السماهيجي، دار فراديس للنشر والتوزيع، المنامة_ مملكة البحرين، ط1، 2012م.

47-       الثابت والمتحول(صفة الحداثة): أدونيس، دار العودة، بيروت، ط1، 1978م.

48-       جماليات النص الأدبي: محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2013م.

49-       جماليات النص الأدبي دراسة في البنية والدلالة: د. مسلم حسب حسين، دار السياب، لندن، ط1، 2007م.

50-   جماليات النص الأدبي وأدوات التشكيل وسيمياء التعبير: د. فيصل صالح القصيري، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2011م.

51-       الجملة العربية، دراسة لغوية: محمد إبراهيم عيادة، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1984م.

52-       جيم: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد_ العراق، ط1، 1989م.

53-       حاء: أديب كمال الدين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2002م.

54-   الحب عند رواد الشعر الجديد رموزه ودلالاته: د. عبد الناصر حسن محمد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1، 2000م.

55-       الحرف والطيف، عالم أديب كمال الدين: مقاربة تأويلية، د. مصطفى الكيلاني، تونس، 2010م.

56-       الحرف والغراب: أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت_ لبنان، ط1، 2013م.

57-   الحُروفي،33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية: د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007م.

58-   الحروفية العربية الهواجس والإشكالات: د. محمود شاهين،  وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق،2012م.

59-   حسن التوسل إلى صناعة الترسل: شهاب الدين محمود الحلبي ت(725هـ)، تح: أكرم عثمان يوسف، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1984م.

60-   خمسة مداخل إلى النقد الأدبي: ويليز س . سكوت (مصنف)، تر وتح: د. عناد غزوان وجعفر صادق، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981م.

61-   دراسات في الأدب الجاهلي، منطلقاته العربية وآفاقه الإنسانية، (الفصل الثالث الطفولة ورموزها في التراث والأدب): د. عادل جاسم البياتي، طبع ونشر الدار المغربية، الدار البيضاء – المغرب، 1986م.

62-       دراسات في الشعر العربي المعاصر: شوقي ضيف، دار المعارف، ط10، 2003م.

63-       دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده: د. محمد غنيمي هلال، دار النهضة، مصر، القاهرة، د.ت.

64-   دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، قرأهُ وعلّق عليه: محمود محمد شاكر أبو فهر ، مكتبة الخانجي - مطبعة المدني، القاهرة،  1984م.

65-   دير الملاك: دراسة نقدية للظواهر الفنية في الشعر العراقي المعاصر: محسن اطيمش، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982م.

66-       ديوان أبي العتاهية، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1406هـ - 1986م.

67-       ديوان عربيّ: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد- العراق، ط1، 1981م.

68-       الرؤيا في شعر البياتي: محي الدين صبحي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 1987م.

69-   الرؤية و الفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب: د. أحمد الطريسي أعراب، المؤسسة الحديثة للنشر و التوزيع، ط1، 1987م.

70-       رقصة الحرف الأخيرة: أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، لبنان، ط1، 2015م.

71-   رماد الشعر: دراسة في البنية الموضوعية والفنية للشعر الوجداني الحديث في العراق، عبد الكريم راضي جعفر، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1998م.

72-       الرمز الشعري عند الصوفية: د. عاطف جودت نصر، دار الأندلس ودار الكندي، بيروت، ط1، 1978م.

73-   الزمان والمكان وأثرهما في حياة الشاعر الجاهلي وشعره، دراسة نقدية نصية: د. صلاح عبد الحافظ، دار المعارف, القاهرة، 1982م.

74-       الزمن في الأدب: هانزمير هوف، تر: أسعد رزوق، مراجعة العوضي الوكيل، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، 1986م.

75-       سحر الشعر: رفائيل بطي، المطبعة الرحمانية، القاهرة، مصر، 1922م.

76-       السيميائيات الواصفة: أحمد يوسف،  منشورات الإختلاف، الدار العربية للنشر والمركز الثقافي العربي، ط1، 2005م.

77-   سيميائية الخطاب الشعري في ديوان مقام البوح: للشاعر عبدالله العشي، شادية شقروش، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 1431ه_ 2010م.

78-       شؤون العلامات من التشفير إلى التأويل: د. خالد حسين، دار التكوين، دمشق، ط1، 2008م.

79-       شجرة الحروف: أديب كمال الدين، أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان- الأردن، ط1، 2007م.

80-       شرح ابن عقيل: محمد محي الدين عبد الحميد، منشورات سيد الشهداء، د.ت.

81-       الشعر بين الرؤية والتشكيل: د. عبد العزيز المقالح، دار العودة، بيروت، ط1، 1981م.

82-       الشعر الحديث في البصرة (1947– 1995م) دراسة فنية، د. فهد محسن، بغداد، سلسلة رسائل جامعية، ط1، 2007م.

83-       الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية: د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، 1981م.

84-       شعرنا الحديث إلى أين: د. غالي شكري، منشورات دار الأفاق الجديدة ، بيروت ، ط2 ، 1978م.

85-       الشعر كيف نفهمه ونتذوقه: اليزابيث درو, ترجمة محمد إبراهيم الشوش,  منشورات مكتبة متيممة, بيروت, 1961م.

86-   الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: إسماعيل بن حماد الجواهري، تح: أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة، ط4، 1987م.

87-       الصورة الأدبية: د. مصطفى ناصف، دار الأندلس، بيروت، ط3، 1983م.

88-       الصورة البيانية في النص النسائي الإماراتي: وجدان عبد الإله الصائغ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1998م.

89-       الصورة السمعية في الشعر العربي قبل الإسلام: صاحب خليل إبراهيم منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000م.

90-       الصورة الشعرية: سي دي لويس، تر: أحمد نصيف الجنابي وآخرون، دار الرشيد، بغداد، 1982م.

91-       الصورة الشعرية في شعر الرواد: د. علياء مسعودي، سلسله دراسات، بغداد، ط1، 2011م.

92-       الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر عصفور، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1992م.

93-       الصورة الفنية في شعر أبي تمام، د. عبد القادر الربّاعي، الأردن، ط1، 1980م.

94-   الصورة الفنية معيارا نقديا: منحنى تطبيقى على شعر الأعشى الكبير: عبد الإله الصائغ، دار الشؤون الثقافية العامة، آفاق عربية، بغداد، ط1، 1987م.

95-   الصوفية في الشعر المغربي المعاصر، المفاهيم والتجليات: محمد بن عمارة، شركة النشر والتوزيع المدارس، ط1، 2000م.

96-   عتبات، جيرار جينبت من النص إلى المناص: ترجمة: عبد الحق بلعابد، تقديم: د. سعيد يقطين، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، ط1، 2008م.

97-   العلاماتية وعلم النص: إعداد وترجمة: د. منذر عياشي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء_ المغرب، ط1، 2004م.

98-       العلامة الشعرية، قراءات في تقانات القصيدة الجديدة: د. محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط،1، 2010م.

99-       علم أساليب البيان: غازي يموت، دار الأصالة للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1983م.

100-      علم عناصر الفن: فرج عبو، دار دلفين للنشر، ميلانو، 1982م.

101-      علم العنونة: عبد القادر رحيم، دار التكوين، ط1، 2010م.

102-   علم لغة النص، المفاهيم والاتجاهات: سعيد حسن بحيري، مكتبة لبنان ناشرون، الشركة المصرية العالمية للنشر– لونجمان، ط1، 1997م.

103-   العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقدة، أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني,  حققه وفصله وعلق حواشيه, محمد محيي الدين عبد الحميد, مطبعة السعادة, مصر, ط2, 1955م.

104-   العنوان في الشعر العراقي الحديث، دراسة سيميائية: حميد الشيخ فرج، دار ومكتبة البصائر، بيروت، لبنان، ط1، 2013م.

105-      العنوان وسميوطيقيا الاتصال الأدبي: د. محمد فكري الجزار، دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م.

106-   العين: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ط2 ، دار ومكتبة الهلال، د.ت.

107-      غواية التجريب: مناف جلال الموسوي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 2012م.

108-   الفتوحات المكية: ابن عربي، دار صادر، ضبطه وضع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999م.

109-      فصوص الحكم: للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، علق عليه: أبو العلا عفيفي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

110-      فلسفة البلاغة: ريتشاردز، تر : سعيد الغانمي و ناصر حلاوي، أفريقا الشرق، الدار البيضاء، بيروت، 2002م.

111-   فن الاستعارة، دراسة تحليلية في البلاغة والنقد مع التطبيق على الأدب الجاهلي: أحمد عبد السيد الصاوي، دار بورسعيد للطباعة، الإسكندرية، 1979م.

112-      فن الشعر: إحسان عباس، عمان، ط4، 1987م.

113-      في التصوف الإسلامي وتاريخه: نيكولسون، ترجمة: د. أبي العلّا عفيفي، ط1، القاهرة.

114-      في حداثة النص الشعري: علي جعفر العلاق، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 1990م.

115-      في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية: د. خالد حسين حسين، دار التكوين، ط1، 2007م

116-      في النقد الأدبي، دراسة وتطبيق: كمال نشأت، ساعدت الجامعة المستنصرية على طبعه، بغداد، ط2، 1976م.

117-      في النقد التحليلي للأدب، الفانو، رحلة مضيئة إلى إضاءة الشعر: جاسم كريم حبيب ، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990م.

118-   القاموس المحيط والقاموس الوسيط في اللغة: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي، تحقيق: الأستاذ أحمد الراوي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1978م.

119-      قراءات بلاغية: د. فاضل عبود التميمي، دار الضياء، النجف الأشرف، ط1، 1429هـ- 2008م.

120-   القصيدة السير ذاتية، بنية النص وتشكيل الخطاب: د. خليل شكري هياس، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2010م.

121-      قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، منشورات مكتبة النهضة، ط3، 1967م.

122-      قضايا الشعرية: رومان جاكبسون، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، المغرب، 1988م.

123-      قضايا في الأدب والنقد رؤية عربية: د. ماهر حسن فهمي، دار الثقافة، قطر، الدوحة، 1986م.

124-      قضايا في النقد والشعر: يوسف حسين بكار، دار الأندلس، بيروت، ط1، 1984م.

125-      قلق النص، محارق الحداثة: غالية خوجة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2003م.

126-      الكامل في النقد الأدبي, كمال أبو مصلح, المكتبة الحديثة, بيروت, ط5, 1983م.

127-      كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة، مكتبة المتنبي، المعارف العباسية، بغداد، 1941م.

128-      الكشف في علم الحرف: الشيخ أحمد البوني، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت، ط1، 1425هـ-2004م.

129-      كل الطرق تؤدي إلى الشعر: عز الدين إسماعيل، الدار العربية للموسوعات، ط1 بيروت، لبنان، 2006م

130-   لحظة الأبدية، دراسة الزمان في أدب القرن العشرين: سمير الحاج شاهين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981م.

131-      لسان العرب: جمال الدين بن مكرم الأنصاري ابن منظور، بيروت، دار صادر للطباعة والنشر، د.ت.

132-      اللغة والجسد: الأزهر الزناد، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، العراق، ط1، 2014م.

133-      ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة: أديب كمال الدين، أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، ط1، 2006م.

134-   مبادئ النقد الأدبي: أ.أ.ريتشاردز، ترجمة: د. مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1963م.

135-   المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين بن الأثير، تحقيق: الشيخ كامل محمد محمد عويضة، بيروت، ط1، 1998م.

136-      المحيط في اللغة: آبن عبادة، الصاحب إسماعيل ، تحقيق: محمد حسن آل يسن، د. ط، عالم الكتب، د.ت.

137-      محيط المحيط: بطرس البستاني، بيروت، مكتبة لبنان، 1977م.

138-      مستقبل الشعر وقضايا نقدية، د. عناد غزوان، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1994م.

139-      مشكلة الحب/ مشكلات فلسفية (5): زكريا إبراهيم، مكتبة مصر، مصر، 1984م.

140-      مشكلة الحياة/ مشكلات فلسفية (7): زكريا إبراهيم، مكتبة مصر، مصر، 1970م.

141-   مصطلحات النقد العربي السيماءوي الإشكالية والأصول والامتداد: مولاي علي بوخاتم، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005م.

142-      معالم جديدة في أدبنا المعاصر: فاضل ثامر، وزارة الإعلام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975م.

143-      المعجم الأدبي: جبور عبد النور، دار الملايين، بيروت- لبنان، ط2، 1984م.

144-   معجم اصطلاحات الصوفية: تصنيف عبد الرزاق الكاشاني، تحقيق وتقديم وتعليق: د. عبد العال شاهين، دار المنان، القاهرة، ط1، 1992م.

145-   معجم التعريفات: علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، تحقيق ودراسة: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، القاهرة.

146-      معجم ديانات وأساطير العالم: إمام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، القاهرة، د.ت.

147-      المعجم الفلسفي: جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني- بيروت، دار الكتاب المصري، القاهرة.

148-      معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: مجدي وهبة وكامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1984م.

149-      معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين احمد بن فارس بن زكريا، دار الفكر، بيروت، ط2، 1998م.

150-   المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمود علي النجار، أشرف على طبعه: عبد السلام هارون، القاهرة، د.ت.

151-      مع "الشيخ الأكبر" ابن عربي: حاوره: عصام محفوظ، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2003م.

152-   مفتاح العلوم: أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي، حققه وقدّم له وفهرسته عبدالحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت_لبنان، ط1، 2000م.

153-      مقالات في الشعر الجاهلي: يوسف اليوسف، دار الحقائق، بيروت، ط4، 1985م.

154-      مقالات في اللغة والنقد: تمّام حسان، عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط1، 2006م.

155-   مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون، تحقيق: عبد السلام شدادي، بيت الفنون والعلوم والآداب، الدار البيضاء، 2005م.

156-      مقدمة جبرا لمسرحية عبد الرزاق عبد الواحد الشعرية(الحر الرياحي): جبرا إبراهيم جبرا، بيروت، ط1، 1982م.

157-      مقدمة الشعر العربي: علي أحمد أدونيس، دار العودة، بيروت، لبنان، ط3، 1979م.

158-   منزلات الرؤيا الشاعر العربي المعاصر وعالمه: د. إبراهيم أحمد ملحم، عالم الكتب الحيث للنشر والتوزيع، ط1، 2010م.

159-      مواقف الألف: أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان، ط1، 2012م.

160-   المواقف والمخاطبات: محمد بن عبدالجبار النفري، تحقيق: آرثر يوحنا اربريه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، د.ت.

161-   الموجة الصاخبة شعر الستينيات في العراق, سامي مهدي، وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1994م.

162-      موسوعة علم النفس والتحليل النفسي: فرج طه وآخرون، دار سعاد الصباح، الكويت، ط1، 1993م.

163-      موسوعة الفلسفة: عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1984م.

164-   موسوعة لالاند الفلسفية، معجم مصطلحات الفلسفة النقدية والتقنية: اندريه لالاند، تعريب: خليل أحمد خليل، عويدات للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2008م.

165-      النثر الصوفي، دراسة فنية تحليلية: د. فائز طه عمر، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 2004م.

166-      النص الأدبي في التراث النقدي والبلاغي: إبراهيم صدقة، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2011م.

167-      النص والقراءة (الميتالغوي): مصطفى الكيلاني، دار أمية، تونس، 1994م.

168-   نظام الارتباط و الربط في تركيب الجملة العربية: مصطفى حميدة، مكتبة لبنان ناشرون، الشركة المصرية العالمية للنشر، بيروت، الجيزة، ط1، ١٩٩٧م.

169-   نظريات الشخصية: دوان شلتر، ترجمة: حمد علي الكربولي و عبد الرحمن القيسي، مطبعة جامعة بغداد- بغداد، ط1، 1983م.

170-   نظرية الأدب: رينيه ويليك، بالاشتراك وأوستن وارين، ترجمة : محيي الدين صبحي، مطبعة خالد الطرابيشي، دمشق، 1972م.

171-      نظرية البنائية في النقد الأدبي: د. صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط3، 1987م.

172-      نظرية التأويل: بول ريكور، تر: سعيد الغانمي، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2003م.

173-      نظرية اللغة و الجمال في النقد العربي: د. تامر سلوم، دار الحوار، اللاذقية، ط١، 1983م.

174-      نقد الشعر القومي: د. عمر الدقاق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1978م.

175-      النقد العربي التطبيقي بين القديم والحديث: طه مصطفى أبو كريشه، مكتبة لبنان، ط1، 1997م.

176-      النقد والدراسة الأدبية: حلمي مرزوق، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1982م.

177-      نقد ودراسة وتطبيق: أحمد كمال زكي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م.

178-      النقطة: أديب كمال الدين، المؤسسة العربية لدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2001م.

179-      نون: أديب كمال الدين، مطبعة الجاحظ، بغداد_ العراق، ط1، 1993م.

180-      نيتشه والفلسفة: جيل ديلوز، تر: أسامة الحاج ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنش ، بيروت، ط1، 1993م.

181-   وحدة النص وتعدد القراءات التأويلية في النقد العربي المعاصر، إيمان عيسى ناصر، مملكة البحرين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2011م.

182-   الوساطة بين المتنبي وخصومه: عبد العزيز الجرجاني، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، ط3، 1966م.

183-   وهم الحداثة ( مفهومات قصيدة النثر انموذجاً): محمد علاء الدين عبد المولى، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2006م.

 

ثانيا: المصادر الاجنبية

1-            Tzvetan Todorov, Recherche sur le Symbolisme linguistique; Poétique  N18 /1974.; (Le mot d’esprit et ses، rapports avec le symbolique),  p234.

 

ثالثا: الرسائل والأطاريح

1-            الاستعارة في ظل النظرية التفاعلية "لماذا تركت الحصان وحيداً" لمحمود درويش انموذجا: جميلة كرتوس، (رسالة ماجستير)، جامعة مولود معمري تيزي وزو، كلية الآداب، الجزائر، 2011م.

2-            تأثير التشكيل في رؤى الشاعر العراقي المعاصر: قيس صبيح غميس، (رسالة ماجستير)، جامعة بغداد، كلية التربية ابن رشد، 2003م.

3-            التشكيل البصري في الشعر العربي منذ 656هـ، (دراسة تأويلية): عيسى محمد صالح، (اطروحة دكتوراه)، جامعة الموصل، كلية التربية، 2004م.

4-            الرؤيا والتشكيل في الشعر العربي المعاصر: د. سلام كاظم الآوسي، (أطروحة دكتوراه)، كلية التربية، ابن رشد، جامعة بغداد، 2000م.

5-            الرسم بالكلمات في شعر السياب -دراسة فنية-، خيري صباح الدين فريد، (رسالة ماجستير)، جامعة الموصل، كلية التربية، 2001م.

6-            الرمز في الشعر العربي قبل الإسلام: مؤيد اليوزبكي، (اطروحة دكتوراه)، كلية الآداب، جامعة الموصل، 1992م.

7-            الصورة الفنية في شعر ابن المعتز: فالح كامل إسكندر، (رسالة ماجستير)، كلية الآداب، جامعة البصرة، 1985م.

8-            مصطلحات الدلالة العربية، دراسة في ضوء علم اللغة الحديث: جاسم محمد عبد العبود،( اطروحة دكتوراه)، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 2003م.

9-            المكان في شعر محمود درويش: حسن غانم فضالة، (اطروحة دكتوراه)، كلية التربية صفي الدين الحلي، جامعة بابل، 2011م.

 

رابعا: البحوث والدوريات

1-            أديب كمال الدين عالم من حروف: صلاح الطائي، (مقال)، جريدة الدستور العراقية، 27كانون الأول، 2014م.

2-            إشارات الألوان: قراءة فـي ديوان «الحرف والغراب» لأديب كمال الدين (3-1) الموت سيد الحروف كلها: د. أسماء غريب، (بحث)، السنة الرابعة، ع/9، الخميس- 28 ايار( مايو ) 2015م.

3-            الأنساق اللغوية ومرايا النص في الخطاب الشعري الليبي: ديوان غزة هامة لا تنحني، للشاعر راشد الزبير السنوسي نموذجاً، د. صبيحة عودة، (بحث)، مجلة جيل الدراسات الأدبية الفكرية، ع/ 3، أيلول، 2014م.

4-            أنسنة الحرف والنقطة وانزياحهما في شعر أديب كمال الدين: مها يوسف عاجل، (مقال)، جريدة المشرق، 30 آب – أغسطس، ع/3007، السنة الحادية عشرة، 2014م.

5-            أنماط الصورة والدلالة النفسية في الشعر الحديث في اليمن: خالد علي حسن الغزالي، (بحث)، مجلة جامعة دمشق، مج/27، ع/2،1، 2011م.

6-            أيقونة الحرف في شعر أديب كمال الدين، د. عبد القادر فيدوح، (بحث)، مجلة الأقلام، ع/3، 2014م.

7-            البحث عن الخارج – دراسة في مستويات التشخيص وعلاقاته التناصية في شعر السياب: الدكتور إياد عبد الودود الحمداني، (بحث)، مجلة الأقلام، ع4-5، 2006م.

8-            التأصيل الفني للبكائية القديمة في الشعر الجاهلي: د. مريم البغدادي، (بحث)، مجلة أبحاث اليرموك، مج4، ع1، 1986م.

9-            ترسيم الإشارة ودلالة الحروفية في ديوان "إشارات الألف" لأديب كمال الدين: عبد الحفيظ بن جلولي، (مقال)، جريدة اليوم الجزائرية، ع/4765، تاريخ: 14 أيلول –سبتمبر، 2014م.

10-       التشكيل الاستعاري في شعر ابن زمرك بين الرؤية والرؤيا: د. جنان قحطان، (بحث)، مجلة الآداب، ع/106، 2013م.

11-       تنويع مصادر الحروفية في الرسم: مقال، ياسين النصير، (مقال)، جريدة الاتحاد، 23 ديسمبر، 2005م.

12-       حروفيات فلسفة المعنى: د. قيس كاظم الجنابي، (بحث)، مجلة الموقف الثقافي، ع/ 3، 1999م.

13-       الحروفية العربية بين الشعر والتشكيل: محمد حافظ، بحث مقدم إلى في المؤتمر العام الأول لنقابة التشكيليين، 1989م.

14-       الحروفية العربية من التصوف إلى التشكيل: عمران القيسي، (بحث)، مجلة الفكر العربي، بيروت، ع/15، 1980م.

15-       الحساسية الميتافيزيقية في الشعر الحديث: حسن مخافي، (بحث)، مجلة جسور، ع/2، 1993م.

16-       خطوط الحرف السرّية قراءة نقدية في شعر أديب كمال الدين، د. بشرى موسى صالح، (مقال)،  مجلة آفاق عربية، آذار– نيسان، 1999م.

17-       السيميوطيقا والعنونة: (بحث)، مجلة عالم الفكر، الكويت، مج25، ع/ 3، 1997م.

18-       شجرة الحروف أداء متقن وتفرد في التجربة: منذر عبد الحر، (مقال)، جريدة الدستور العراقية، ع/ 3022، 3 آذار – مارس، 2014م.

19-       شعرية السرد السنمائي والتركيبات الحكائية في الشكل الفلمي: طه حسن الهاشمي، (بحث)، مجلة الأكاديمي، ع/52، 2009م.

20-       الصورة والرؤية عند زهير بن أبي سلمى: د. عبد القادر الرباعي، (بحث)، مجلة أبحاث اليرموك، مج/1، ع1-2، 1983م.

21-       صوفية الرؤيا، الحلم، الموت، في ديوان يطوف بالأسماء للشاعر عبد الله العيني: هارون العبيدي، (بحث)، مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، ع/3، أيلول، سبتمبر/ 2014م.

22-       في غياب المهيمنة الأسلوبية، مقال مزمار للوقت: د. ناهضة ستار، (مقال)، جريدة العراق، صفحة النافذة الثقافية، 5/ آذار/ 2002م.

23-       قراءة في النقطة لأديب كمال الدين مفاجأة المتلقي بجمالية القسوة: نجاة العدواني، (مقال)، صحيفة الزمان اللندنية، ع/877، 27آذار، مارس، 2001م.

24-       محاولة في تعريف الشعر الحديث: أدونيس، (بحث)، مجلة شعر اللبنانية، ع/11، حزيران/ 1959م.

25-       محنة الحروفي بين المفارق والصوفي: عبد المطلب محمود، (مقال)، جريدة العالم البغدادية، 19 نوفمبر تشرين الثاني/ 2014م.

26-       من الحرف إلى المعنى: حاتم الصكر، (مقال)، جريدة القادسية بغداد، 7 تشرين الثاني، 1991م.

27-       هزني الحرف وأطلق فيّ صراخ المجاهيل: مقابلة مع الشاعر أديب كمال الدين، جريدة الجمهورية، بغداد، ع/7985، 16 أيلول 1991م.

 

خامسا: الحوارات والمواقع الالكترونية

1-            باب حوارات بالأخص الحوار الذي أجراه معه الأستاذ (عبدالغني فوزي) التي أشار فيه إلى سنواته ونقل تجاربها المتراكمة القاسية وكل الأحداث التي وقعت عليه، 17 يناير 2010م، (  ( www.adeebk.com

2-            توالد المعنى ما بين الحرف والنقطة، قراءة في ديوان شجرة الحروف: وجدان عبد العزيز، موقعي كتابات و دروب: 27/2/2009م.

3-            حوار مع الشاعر أديب كمال الدين، في جريدة ميدل أيست أونلاين: عذاب الركابيّ، 11/1/2012م.

4-            شجرةُ الحروف: أديب كمال الدين: مُغامرة التُخوم القصيّة للحياة والموت أمْ لعبة "المَصائر المُتقاطِعة"؟، مصطفى الكيلاني، (مقال)، مواقع كتابات والمثقف والندوة، 12 تشرين أول، 2007م.

5-            النون أي سر نسوي تحت الهلال: وديع العبيدي, مجلة المهاجر الإلكترونية، ع/13, كانون الأول: 2005م.


المحتويات

المقدمة................................................................................ 7    التمهيد: مداخل تعريفية .......................................................    9  المستوى اللغوي والاصطلاحي للتشكيل  .......................................  9  المستوى اللغوي والاصطلاحي للاستعارة .....................................  14  الشعر الحروفي المفهوم والتطور  ................................................  22   الفصل الأول:

جدليّة التركيب الاستعاري وظهوراته في شعر الشاعر ....................  29  المبحث الأول:

توظيف ثنائية الواقع والوهم...................................................   31  توظيف الرؤيا في التشكيل الاستعاري  ........................................  39  توظيف الرؤية في التشكيل الاستعاري ........................................  50  المبحث الثاني:

فاعلية التشخيص والتجسيم في إثراء التركيب الاستعاري .............  62   التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الذات  ............................ 67  التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الزمن ..........................  102  التركيب الاستعاري المستند إلى مفردات الموت  ............................ 114  الفصل الثاني:

شعرية التشكيل  الاستعاري....................................................  127   المبحث الأول:

العنونة في شعر أديب كمال الدين ..........................................  129   المبحث الثاني:

استعارية التوظيف الحروفي عند أديب كمال الدين ...................... 151   حروف منفردة في النص الشعري .............................................  158   حروف متداخلة في النص الشعري ...........................................  188   التشكيل الحروفي /..............................................................  192   

 

المبحث الثالث:

انعكاسات الذات صورة الأنا في ذوات ثابتة ومتحركة .....................  198   

انعكاسات الذات المكبّرة  ........................................................  199   انعكاسات الذات المصغرة  ......................................................  207   انعكاسات الذات المتوازية  ......................................................  210   الخاتمة      .........................................................................  215  

 سيرة الشاعر  ...................................................................  220   المصادر والمراجع .................................................................  222   المحتويات  ........................................................................  243   

 

 

 



([1]) أساس البلاغة ،الزمخشري: جار الله أبو القاسم محمود بن عمر ، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت– لبنان، ط1،1319هـ -1998م: 1/53، مادة الصورة.

([2]) لسان العرب، ابن منظور: جمال الدين بن مكرم الأنصاري، بيروت، دار صادر للطباعة والنشر، د.ت (فصل الشين، حرف اللام: 13/380).

([3]) القاموس المحيط والقاموس الوسيط في اللغة، الفيروز آبادي: قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي، 729هـ - 817، أو 816هـ ، تحقيق: الأستاذ أحمد الراوي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1978م، باب اللام ، مادة (الشكل): 3/401.

 ([4]) سورة الإسراء: 84.

([5]) المعجم الوسيط: قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمود علي النجار، أشرف على طبعه: عبد السلام هارون، مجمع اللغة العربية، القاهرة، د.ت، مادة الصورة: 1/530.

([6]) ينظر: في النقد التحليلي للأدب، الفانو، رحلة مضيئة إلى إضاءة الشعر: جاسم كريم حبيب ، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990م: 15.

([7]) محيط المحيط: بطرس البستاني، بيروت، مكتبة لبنان، 1977م، مادة ( شكل).

([8]) المعجم الأدبي: جبور عبد النور، دار الملايين، بيروت_ لبنان، ط2، 1984م: 69.

([9]) ينظر: الشعر بين الرؤية والتشكيل: د. عبد العزيز المقالح ، دار العودة ، بيروت، ط1، 1981م: 33- 34.

([10]) ينظر: الرسم بالكلمات في شعر السياب -دراسة فنية-: خيري صباح الدين فريد، رسالة ماجستير، جامعة الموصل، كلية التربية، 2001م: 20.

([11]) لسان العرب: 4/ 618.

([12]) المحيط في اللغة: ابن عبادة، الصاحب إسماعيل، تحقيق: محمد حسين آل ياسين، د.ط، عالم الكتب، د.ت، ج2، مادة عور.

([13]) تهذيب اللغة: الأزهري: أبو منصور محمد بن أحمد، تحقيق الدكتور عبد الحليم النجار، د.ط، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، د.ت، مادة عار.

([14]) محيط المحيط: بطرس البستاني، مادة عور، 643.

([15]) أساس البلاغة: الزمخشري، 1/ 284، مادة عور.

([16]) ينظر: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين بن الأثير، تحقيق: الشيخ كامل محمد محمد عويضة، بيروت، ط1، 1998م، 1/ 348.

([17]) العين: الفراهيدي: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، د.ط، دار ومكتبة الهلال، د.ت، 2/ 239، مادة عور.

([18]) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني,  حققه وفصله وعلق حواشيه, محمد محيي الدين عبد الحميد, مطبعة السعادة, مصر, ط2, 1955م: 286.

([19]) مفتاح العلوم: السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي ، حققه وقدّم له وفهرسه: عبدالحميد هنداوي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت_لبنان، ط1، 2000م: 369.

([20]) ينظر: نظرية البنائية في النقد الأدبي: د. صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط3، 1987م: 360. و التصوير المجازي، -أنماطه ودلالالته- في مشاهد القيامة في القرآن الكريم: د. اياد عبد الودود عثمان الحمداني، بغداد، ط1، 2004م: 55.

([21]) مصطلحات الدلالة العربية، دراسة في ضوء علم اللغة الحديث: جاسم محمد عبد العبود، (اطروحة دكتوراه) ، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 2003م: 42.

([22]) الاستعارات والشعر العربي الحديث: سعيد الحنصالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2008م: 76.

([23]) ينظر: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية: أمبرطو ايكو،  تر: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب، ط1، 2000م: 14- 15 .

([24]) مفتاح العلوم: 147.

([25]) الكامل في النقد الأدبي: كمال أبو مصلح, المكتبة الحديثة, بيروت, ط5, 1983م: 119.

([26]) ينظر: السيميائيات الواصفة: أحمد يوسف ،  منشورات الإختلاف، الدار العربية للنشر والمركز الثقافي العربي ، ط1، 2005م: 121.

([27]) الموجة الصاخبة شعر الستينيات في العراق: سامي مهدي، وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1994 م: 252 – 253.

([28]) ينظر: البلاغة فنونها وأفنانها في البيان والبديع: د. فضل حسن عباس ، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان _الأردن، ط12، 2009م: 158.

([29]) البيان والتبيين: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ، تحقيق بشرح حسن السندوبي، المطبعة التجارية الكُبرى، مصر، ط1، 1920م: ج1/ 153.

([30]) ينظر: قراءات بلاغية: د. فاضل عبود التميمي، دار الضياء، النجف الأشرف، ط1، 1429هـ- 2008م: 35.

(2) ينظر: الاستعارة في النقد الأدبي الحديث: د. يوسف أبو العدوس،  الدار الأهلية، الأردن، ط1، 1997م: ٥٤.

([32]) ينظر: الصورة الأدبية:  د. مصطفى ناصف، دار الأندلس بيروت، ط3، 1983م: 142.

([33]) أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني، ت.هـ.ريتر: مطبعة وزارة المعارف: استانبول: 1954م: 41.

([34]) تطور الشعر العربي الحديث في العراق - اتجاهات الرؤيا وجماليات النسيج: د. علي عباس علوان، منشورات وزارة الإعلام _ الجمهورية العراقية ،1975م، سلسلة الكتب الحديثة 91: 360.

([35]) ينظر: مبادئ النقد الأدبي: آ.أ ريتشاردز ، ترجمة: د. مصطفى بدوي ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1963م، د.ط : 312، و مستقبل الشعر وقضايا نقدية: د. عناد غزوان، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1994م: 117.

([36]) مبادئ النقد الأدبي: 312.

([37]) فن الاستعارة، دراسة تحليلية في البلاغة والنقد مع التطبيق على الأدب الجاهلي: أحمد عبد السيد الصاوي ، دار بورسعيد للطباعة، الإسكندرية ، 1979م: 306.

([38]) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: د. جابر عصفور، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1992م: 227.

([39]) للمزيد عن سيرة الشاعر. ينظر أديب كمال الدين في سطور ص: 219_ 221 .

([40]) نظرية الأدب: رينيه ويليك ، بالاشتراك وأوستن وارين ،  ترجمة : محيي الدين صبحي ، مطبعة خالد الطرابيشي ، دمشق، 1972م: 206.

([41]) ينظر: شعرنا الحديث الى أين:  د. غالي شكري، منشورات دار الافاق الجديدة ، بيروت ، ط2 ، 1978م: 142.

([42]) ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس: أبو الفيض محب الدين السيد محمد مرتضى الزبيدي، ط1، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت_ لبنان، 1306هـ ، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: إسماعيل بن حماد الجواهري، تح: أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة، ط4، 1987م ، و معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، دار الفكر، بيروت، ط2، 1998م: (مادة حرف).

([43]) ينظر: الحروفية العربية بين الشعر والتشكيل: محمد حافظ، بحث مقدم إلى المؤتمر العام الأول لنقابة التشكيليين، 1989م

([44]) ينظر: الحروفية  العربية الهواجس والإشكالات: د. محمود شاهين،  وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2012م: 16.

([45]) ينظر: تنويع مصادر الحروفية في الرسم (مقال)، ياسين النصير، جريدة الاتحاد، 2005م.

([46]) ينظر: الحُروفي،33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية: د.مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007م: 63-71.

([47]) إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين: صباح الأنباري، منشورات ضفاف ، بيروت- لبنان، 2014م: 2.

([48]) أيقونة الحرف في شعر أديب كمال الدين: د. عبد القادر فيدوح، مج الأقلام، ع الثالث، 2014م.

([49]) ينظر: أنسنة الحرف والنقطة وانزياحهما في شعر أديب كمال الدين: مها يوسف عاجل، جريدة المشرق، 30 آب – أغسطس، ع 3007، السنة الحادية عشرة، 2014م: 10.

([50]) ينظر: التعريفات: الجرجاني، علي بن محمد السيد الشريف تحقيق ودراسة: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع: 76. و الرمز الشعري عند الصوفية: د. نصر عاطف جودة، دار الأندلس ودار الكندي، بيروت، ط1، 1978م: 408.و في التصوف الإسلامي وتاريخه: نيكلسون، ترجمة: د. أبي الوفاء العفيفي، ط1، القاهرة: 76-77، وينظر: أديب كمال الدين عالم من حروف (مقال)، صلاح الطائي، جريدة الدستور العراقية، 27كانون الأول 2014م.

([51]) ينظر: الحروفية العربية من التصوف إلى التشكيل: عمران القيسي،  مجلة الفكر العربي، بيروت، ع 15، 1980م.

([52]) ينظر: مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن محمد بن خلدون، تحقيق: عبد السلام الشدادي، بيت الفنون و العلوم و الآداب، الدار البيضاء، 2005م: 239

([53]) ينظر: غواية التجريب: مناف جلال الموسوي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 2012م: 38. والرؤيا في شعر البياتي: محيي الدين صبحي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 1987م: 23-25.

([54]) ينظر: التصوير المنهجي ومستويات الإدراك في العمل الأدبي والشعري: أحمد الطريسي، شركة بابل للطباعة والنشر، الرباط، 1989م: 23.

([55]) ينظر: بنية اللغة الشعرية: جان كوهين، تر: محمد المولى، محمد العمري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1986م: 212- 215

([56]) الأنساق اللغوية ومرايا النص في الخطاب الشعري الليبي: ديوان غزة هامة لا تنحني، للشاعر راشد الزبير السنوسي نموذجاً، د. صبيحة عودة، مجلة جيل الدراسات الأدبية الفكرية، ع/ 3، ايلول، 2014م: 48

([57]) ينظر: الصورة الفنية في شعر ابن المعتز: فالح كامل اسكندر، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة البصرة، 1985م: 267

([58]) النص الأدبي في التراث النقدي والبلاغي: إبراهيم صدقة، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2011م: 120

([59]) ينظر: دلائل الاعجاز: عبد القاهر الجرجاني، قرأهُ وعلّق عليه: محمود محمد شاكر ابو فهر ، مكتبة الخانجي - مطبعة المدني، القاهرة،  1984م: 44.

([60]) ينظر: نقد ودراسة وتطبيق: أحمد كمال زكي، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م: 15.

([61]) الآدب والغرابة: دراسة بنيوية في الأدب العربي، عبد الفتاح كليطو، دار الطليعة، بيروت، 1982م: 61.

([62]) الشعر الحديث في البصرة (1947 – 1995م) دراسة فنية، د. فهد محسن فرحان، بغداد، سلسلة رسائل جامعية، ط1، 2007م: 214.

([63]) بناء لغة الشعر: جون كوهين، تر: أحمد درويش، مكتبة الزهراء، القاهرة: 35

([64]) ينظر: نظرية البنائية في النقد الأدبي: 359. و قضايا في الأدب والنقد رؤية عربية: د. ماهر حسن فهمي، دار الثقافة، قطر، الدوحة، 1986م: 211

([65]) نظام الارتباط و الربط في تركيب الجملة العربية: مصطفى حميدة، مكتبة لبنان ناشرون، الشركة المصرية العالمية للنشر، بيروت، الجيزة، ط1، ١٩٩٧م: 89.

([66]) نظرية اللغة و الجمال في النقد العربي: د. تامر سلوم، دار الحوار، اللاذقية، ط١، 1983م:281.

([67]) البلاغة العربية مقاربة نسقية بنيوية: د. شكري الطوانسي، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2011م:205.

([68]) فلسفة البلاغة: ريتشاردز، تر : سعيد الغانمي و ناصر حلاوي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، بيروت، 2002م: 94.

([69]) ينظر: تأثير التشكيل في رؤى الشاعر العراقي المعاصر: قيس صبيح غميس، (رسالة ماجستير)، جامعة بغداد، كلية التربية ابن رشد، 2003م: 13.

([70]) الرؤيا والتشكيل في الشعر العربي المعاصر: د. سلام كاظم الآوسي، (أطروحة دكتوراه)، كلية التربية، ابن رشد، جامعة بغداد، 2000م : 5.

([71]) تأثير التشكيل في رؤى الشاعر العراقي المعاصر: 13.

([72]) المصدر نفسه.

([73]) ينظر: التشكيل الاستعاري في شعر ابن زمرك بين الرؤية والرؤيا: د. جنان قحطان،(بحث)، مجلة الآداب، ع/106، 2013م: 232.

([74]) الأسلوبية بوصفها مناهج الرؤية والمنهج والتطبيقات: رحمن غرگان، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2014م: 176.

([75]) التشكيل الاستعاري في شعر ابن زمرك (بحث): 232.

([76]) ينظر: قلق النص، محارق الحداثة: غالية خوجة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2003م: 132

([77]) ينظر: في النقد الأدبي: دراسة وتطبيق، كمال نشأت، ساعدت الجامعة المستنصرية على طبعه، بغداد، ط2، 1976م: 79.

([78]) الصورة الأدبية: 13

([79]) النقد والدراسة الأدبية: حلمي مرزوق، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1982م: 113.

([80]) ينظر: بنية اللغة الشعرية: 6.

([81]) ينظر: قلق النص: 133.

([82]) شجرة الحروف أداء متقن وتفرد في التجربة: منذر عبد الحر، جريدة الدستور العراقية، ع/ 3022، 3 آذار – مارس، 2014م.

([83]) ينظر: أنسنة الحرف والنقطة وانزياحها في شعر أديب كمال الدين (مقال): 10.

([84]) فن الاستعارة: 344.

([85]) يعتقد أدونيس بداية ظهور هذا المصطلح لأول مرة في كتابات جبران خليل جبران فيقول: "مع جبران تبدأ في الشعر الحديث الرؤيا التي تطمح تغيير العالم"، مقدمة الشعر العربي: علي أحمد أدونيس، دار العودة، بيروت، لبنان، ط3، 1979م: 81. فضلاً عن القول كان جبران هو "مؤسساً لرؤيا الحداثة ورائداً أول في التعبير عنها"، الثابت والمتحول(صدمة الحداثة): أدونيس، دار العودة، بيروت، ط1، 1978م: ج3/163.

([86]) ينظر: أصول التصوف الإسلامي: حسن الشرقاوي، دار المعرفة، الإسكندرية، 1991م: 256، وألفاظ الصوفية ومعانيها: حسن الشرقاوي، دار الكتب الجامعية, الإسكندرية، 1975م: 178.

([87]) محاولة في تعريف الشعر الحديث: أدونيس، مجلة الشعر، ع11، حزيران، 1959م: 79.

([88]) بنية الرؤيا و وظيفتها في القصة العراقية:  د. صالح هويدي، (الموسوعة الصغيرة)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1993م: 20.

([89]) في غياب المهيمنة الأسلوبية، مزمار للوقت: د. ناهضة ستار، (مقال)، جريدة العراق، صفحة النافذة الثقافية، في 5/ آذار/ 2002م.

([90]) شعرنا الحديث إلى أين؟: 76. وينظر: الرؤيا في شعر البياتي: 310.

([91]) ينظر: الحساسية الميتافيزيقية في الشعر الحديث: حسن فحافي، مجلة جسور، ع/2، 1993م: 92.

([92]) ديوان عربي: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد- العراق، ط1، 1981م:  275.

([93]) النقطة: أديب كمال الدين، المؤسسة العربية لدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2001م:  93- 94.

([94]) ينظر: أنماط الصورة والدلالة النفسية في الشعر الحديث في اليمن: خالد علي حسن الغزالي، (بحث)، مجلة جامعة دمشق، مج/27، ع/2،1، 2011م.: 276.

([95]) ديوان عربي : 278- 279.

([96]) الاستعارة الأصلية: هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق، إنَّما سُميت هذه الاستعارة أَصلية؛ لكونِها بالأصالة منْ غيرِ ابتنائها على استعارةٍ أُخرى، بخلافِ التبعية التي بنيتها بقولِه: (وهيَ ما كانَ فيها المستعار فعلاً أوْ حرفاً أو اسماً مشتقاً). ينظر: مفتاح العلوم: 374. والبلاغة فنونها وافنانها : 216.

([97]) ينظر: الشعر الحديث في البصرة: 228 – 229.

([98]) ينظر: دير الملاك، دراسة نقدية للظواهر الفنية في الشعر العراقي المعاصر: محسن اطيمش، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982م: 241.

([99]) قلق النص ومحارق الحداثة: 310.

([100]) ديوان عربي: 275.

([101]) حاء: أديب كمال الدين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2002م: 134.

([102]) ينظر: علم عناصر الفن: فرج عبو، دار دلفين للنشر، ميلانو، 1982م: ج1/136. و نقد الشعر القومي: د. عمر الدقاق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1978م: 176. ودراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده: د. محمد غنيمي هلال، دار النهضة، مصر – القاهرة، د.ت: 80.

([103]) جيم: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد_ العراق، ط1، 1989م: 202.

([104]) جيم: 224.

([105]) أربعون قصيدة عن الحرف: أديب كمال الدين، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2009م: 96.

([106]) ينظر: قلق النص ومحارق الحداثة: 250.

([107]) ينظر: غواية التجريب: 38. ووهم الحداثة ( مفهومات قصيدة النثر انموذجاً): محمد علاء الدين عبد المولى، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2006م: 152.

([108]) ينظر: في حداثة النص الشعري: علي جعفر العلاق، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 1990م: 16.

([109]) الرؤية و الفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب: د. أحمد الطريسي أعراب، المؤسسة الحديثة للنشر و التوزيع، ط1، 1987م: 13.

([110]) أدبنا الحديث بين الرؤيا و التعبير: ريتا عوض، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، ط1، 1979م: الواجهة الأخيرة.

([111]) شعرية السرد السنيمائي والتركيبات الحكائية في الشكل الفلمي: طه حسن الهاشمي، (بحث)، مجلة الأكاديمي، ع 52، 2009 م: 139.

([112]) الصورة الشعرية: سي دي لويس، تر : أحمد نصيف الجنابي وآخرون، دار الرشيد، بغداد، 1982م: 97 .

([113]) جيم: 198. 

([114])  ما قبل الحرف... ما بعد النقطة: أديب كمال الدين، أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، ط1، 2006م: 72- 73.

([115]) ينظر: التشكيل الاستعاري في شعر ابن زمرك (بحث): 236.

([116]) جيم: 213.

([117]) ينظر: الحرف والطيف ، عالم أديب كمال الدين، مقاربة تأويلية، د. مصطفى الكيلاني، تونس، 2010م: 40.  

([118]) النقطة: 31.

([119]) أقول الحرف وأعني أصابعي: أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت_ لبنان، ط1، 2011م:80.

([120]) ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة : 107_ 108.

([121]) ينظر: خمسة مداخل إلى النقد الأدبي: ويليز س . سكوت (مصنف)، تر وتح: د. عناد غزوان وجعفر صادق، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981م: 354.

([122]) ينظر: قلق النص ومحارق الحداثة: 163 - 165.

([123]) ينظر: دلائل الإعجاز: 67.

([124]) حسن التوسل إلى صناعة الترسل: شهاب الدين محمود الحلبي ت(725هـ)، تح: أكرم عثمان يوسف، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1984م: 134.

([125]) علم أساليب البيان: غازي يموت، ط1، بيروت، دار الأصالة للطباعة والنشر، 1983م: 249.

([126]) ينظر: الصورة الفنية في شعر ابي تمام: د. عبد القادر الربّاعي، الأردن، ط1، 1980م: 169.

([127]) المصدر نفسه.

([128]) ينظر: مفتاح العلوم : 487.

([129]) علم أساليب البيان: 250.

([130]) المصدر نفسه: 254.

([131]) الوساطة بين المتنبي وخصومه: عبد العزيز الجرجاني، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي البجاوي، ط3، القاهرة: 242.

([132]) ينظر: البلاغة والتطبيق: د. أحمد مطلوب ود. كامل حسن البصير، ط2، مطبعة دار الحكمة، بغداد، 1990م: 355 – 356.

([133]) الصورة الفنية في شعر أبي تمام: 169.

([134]) ينظر: مقالات في الشعر الجاهلي: يوسف اليوسف، دار الحقائق، بيروت، ط4، 1985م: 278.

([135]) ينظر: الصورة السمعية في الشعر العربي قبل الإسلام: صاحب خليل إبراهيم منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000م: 252.

([136]) دراسات في الشعر العربي المعاصر: شوقي ضيف، دار المعارف، ط10، 2003م: 236.

([137]) الصورة الفنية معيارا نقديا: منحنى تطبيقي على شعر الأعشى الكبير: عبد الاله الصائغ، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، آفاق عربية، بغداد، 1987م : 417-419.

([138]) (البحث عن الخارج – دراسة في مستويات التشخيص وعلاقاته التناصية في شعر السياب): الدكتور إياد عبد الودود الحمداني، مجلة الأقلام، ع4-5، 2006م: 10 وما بعدها.

([139]) ينظر: الاستعارات التي نحيا بها: جورج لايكوف ومارك جونسن، تر: عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، ط2، 2009م : 45.

([140]) ينظر: الصورة الفنية معيارا نقديا: 149، 374، 376.

([141]) ينظر: فن الشعر: إحسان عباس، ط4، عمان، 1987م: 147- 148.

([142]) ينظر: الصورة السمعية في الشعر العربي قبل الإسلام: 251، و ينظر الصورة الشعرية (سي دي لويس) : 71.

([143]) أدب المهجر دراسة تأصيلية تحليلية لأبعاد التجربة التأملية في الأدب المهجري: صابر عبد الدايم، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1993م: 131.

([144]) ينظر: قضايا في النقد والشعر: يوسف حسين بكار، دار الأندلس، بيروت، ط1، 1984م:  3، و رماد الشعر: دراسة في البنية الموضوعية والفنية للشعر الوجداني الحديث في العراق، عبد الكريم راضي جعفر، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1998م: 232.

([145]) ينظر: النقد العربي التطبيقي بين القديم والحديث: طه مصطفى أبو كريشه، مكتبة لبنان، ط1، 1997م: 99.

([146]) الاستعارات التي نحيا بها: 101.

([147]) ينظر: الاستعارات التي نحيا بها: 101.

([148]) كلمة المترجم: ( تعبر اللغة العربية بصورة واضحة بين الربط بين الجنون والعبقرية، فالجنون من الجن، والجن خلاف الأنس. وحين نريد وصف أحدهم بأنه عبقري أي من "عبقر" وهو موضع تزعم فيه العرب أنه موطن للجن، ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه أو جودة صنعه، فإننا نقول إنه من الجن، أو أنه جني لأننا نعتبره أتى بما يفوق طاقة الأنس)، الاستعارات التي نحيا بها : 147.

([149]) نون: أديب كمال الدين، مطبعة الجاحظ، بغداد_ العراق، ط1، 1993م: 37.

([150]) نون: 28.

([151]) مشكلة الحب، مشكلات فلسفية (5): زكريا إبراهيم، مكتبة مصر، مصر، 1984م:121.

([152]) ينظر: الحب عند رواد الشعر الجديد رموزه ودلالاته: د. عبدالناصر حسن محمد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1، 2000م: 220.

([153]) ينظر: التحليل السيمائي للخطاب الشعري: د. عبد الملك مرتاض، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005م: 123. و الصورة الشعرية في شعر الرواد: د. علياء مسعودي، سلسله دراسات، بغداد، ط1، 2011م: 75.

([154]) ينظر: رماد الشعر: 7- 11.

([155]) شجرة الحروف: أديب كمال الدين، أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان- الأردن، ط1، 2007م: 50.

([156]) ينظر: توالد المعنى ما بين الحرف والنقطة، قراءة في ديوان شجرة الحروف: وجدان عبد العزيز، (مقال)، موقعي كتابات و دروب، 27/2/2009م.

([157]) شجرةُ الحروف: أديب كمال الدين: مُغامرة التُخوم القصيّة للحياة والموت أمْ لعبة "المَصائر المُتقاطِعة"؟، مصطفى الكيلاني، (مقال)، مواقع كتابات والمثقف والندوة، 12 تشرين أول، 2007م.

([158]) وحدة النص وتعدد القراءات التأويلية في النقد العربي المعاصر، إيمان عيسى ناصر، مملكة البحرين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2011م: 241 .

([159]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 92.

([160]) أربعون قصيدة عن الحرف: 39_ 40.

([161]) يقول ابن منظور في لسان العرب: ( باب: ربع " والشتاء كله ربيع عند العرب من أجل الندى، قال : والمطر عندهم ربيع متى ما جاء، والجمع أربعة ورباعٌ ").

([162]) تجليات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين: د. أسماء غريب، منشورات ضفاف، ط1، 2013م: 50 -51.

([163]) تجليات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين: 151.

([164]) نون: 39_ 40.

([165]) نون: 15.

([166]) الحرف والطيف عالم أديب كمال الدين الشعري: 39.

([167]) أربعون قصيدة عن الحرف: 40.

([168]) نون: 150.

([169]) منزلات الرؤيا الشاعر العربي المعاصر وعالمه: د. إبراهيم أحمد ملحم، عالم الكتب الحيث للنشر والتوزيع، ط1، 2010م: 35.

([170]) ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة: 37_ 38.

([171]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 97.

([172]) الصورة البيانية في النص النسائي الإماراتي: وجدان عبد الإله الصائغ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة ، 1998م: 39.

([173]) جماليات النص الأدبي دراسة في البنية والدلالة: د. مسلم حسب حسين، دار السياب، لندن، ط1، 2007م: 91.

([174]) ينظر: صوفية الرؤيا، الحلم، الموت، في ديوان يطوف بالأسماء للشاعر عبد الله العيني: هارون العبيدي، (بحث)، مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، ع/3، أيلول، سبتمبر/ 2014م: 72.

([175]) شجرة الحروف: 81.

([176]) جماليات النص الأدبي دراسة في البنية والدلالة : 91 -92 .

([177]) ينظر: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية:  د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، 1981م: 255.

([178]) شجرة الحروف: 83.

([179]) ينظر: لحظة الأبدية، دراسة الزمان في أدب القرن العشرين: سمير الحاج شاهين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981م: 79.

([180]) الزمن في الأدب: هانزمير هوف، تر: أسعد رزوق، مراجعة العوضي الوكيل، مؤسسة سجل العرب، القاهرة، 1986م: 20.

([181]) النقطة: 5.

([182]) النقطة: 6.

([183]) الحروفي 33 ناقدا يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين، الشاعر والحلم: 226. وقراءة في النقطة لأديب كمال الدين مفاجأة المتلقي بجمالية القسوة: نجاة العدواني، (مقال)، صحيفة الزمان اللندنية، ع 877، 27آذار، مارس، 2001م.

([184]) الحروفي : 33 ناقدا ً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين: 169.

([185]) الحرف والطيف: 52.

([186]) ينظر: الحرف والطيف : 53.

([187]) النقطة: 8_ 9.

([188]) ينظر: الحروفي: 226.

([189]) النقطة دراسة في معاني الحروف: حسن ناظم، الحروفي: 169.

([190]) النقطة:  13.

([191]) الحرف والطيف: 53.

([192]) النقطة: 12.

([193]) الشعر الحديث في البصرة: 369.

([194]) شجرة الحروف: 22.

([195]) ينظر: جماليات النص الأدبي وأدوات التشكيل وسيمياء التعبير: د. فيصل صالح القصيري، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2011م: 147.

([196]) شجرة الحروف: 20.

([197]) شجرة الحروف: 20.

([198]) رقصة الحرف الأخيرة: أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، لبنان، ط1، 2015م: 55.

([199]) ديوان عربي: 289- 290.

([200]) نون: 83 .

([201]) تمظهرات القصيدة الجديدة، مقاربات إجرائية في الرؤيا والشكل والأسلوب: محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، أربد، الاردن، ط1، 2013م: 54.

([202]) نون: 84.

([203]) ينظر: نون: 84.

([204]) نون: 45.

([205]) حاء: 141.

([206]) حاء:142.

([207]) ينظر : العلامة الشعرية، قراءات في تقانات القصيدة الجديدة: د. محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2010م: 124، 241.

([208]) ينظر: مشكلة الحياة، مشكلات فلسفية (7): زكريا إبراهيم، مكتبة مصر، مصر، 1970م: 310-311.

([209]) نون: 75.

([210]) حاء: 136.

([211]) النقطة: 18- 19.

([212]) أخبار المعنى: أديب كمال الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد_ العراق، ط1، 1996م: 196.

([213]) أخبار المعنى: 141.

([214]) مجموعة نون: 42.

([215]) إشارات الألف: أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان، ط1، 2014م: 128.

([216]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 97.

([217]) ينظر: اللغة والجسد: الأزهر الزناد، دار نيبور، العراق، ط1، 2014م: 293.

([218]) نون: 39.

([219]) نون: 29.

([220]) اللغة والجسد: 293.

([221]) ديوان أبي العتاهية ، دار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت ، 1406هـ - 1986م ، حرف الراء ، الموت باب : 168 .

([222]) ينظر: نيتشه والفلسفة: جيل ديلوز، تر: أسامة الحاج ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر،  بيروت،  ط1، 1993م: 8.

([223]) ينظر: صوفية الرؤيا، الحلم، الموت، في ديوان يطوف بالأسماء للشاعر عبد الله العيني (بحث): 75.

([224]) أربعون قصيدة عن الحرف: 26.

([225]) إشارات الألف: 28- 29.

([226]) ينظر: جماليات النص الأدبي: محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2013م:153.

([227]) ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة: 62.

([228]) إشارات الألف: 67.

([229]) أربعون قصيدة عن الحرف: 23.

([230]) ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة: 50- 51.

([231]) ينظر: جماليات النص الأدبي وأدوات التشكيل وسيمياء التعبير: 92.

([232]) أربعون قصيدة عن الحرف: 24- 25.

([233]) الحرف والغراب: أديب كمال الدين، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت_ لبنان، ط1، 2013م: 78.

([234]) حاء: 121.

([235]) ينظر: معالم جديدة في أدبنا المعاصر: فاضل ثامر، وزارة الإعلام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975م:396. و علم عناصر الفن: ج1/136. و البناء الفني لرواية الحرب في العراق: عبد الله إبراهيم: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1994م: 11.

([236]) الحرف والغراب: 76.

([237]) ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة: 64.

([238]) ينظر: جماليات النص الأدبي دراسة في البنية والدلالة:90.

([239]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 77.

([240]) ينظر: المصدر نفسه: 77.

(*) من هذهِ الدراسات على سبيل المثال لا الحصر: في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية: د. خالد حسين حسين، دار التكوين، ط1، 2007م. وعلم العنونة: عبد القادر رحيم، دار التكوين، ط1، 2010م. والعنوان في الشعر العراقي الحديث، دراسة سيميائية: حميد الشيخ فرج، دار ومكتبة البصائر، بيروت، لبنان، ط1، 2013م. وعتبات، جيرار جينبت من النص الى المناص: تر: عبد الحق بلعابد، تقديم د. سعيد يقطين، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، ط1، 2008م. و العنوان وسميوطيقيا الاتصال الأدبي: د. محمد فكري الجزار، دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م.

([241]) ينظر: السيميوطيقا والعنونة: مجلة عالم الفكر، الكويت، مج25، ع/ 3، 1997م: 108.

([242]) القصيدة السير ذاتية، بنية النص وتشكيل الخطاب:  د. خليل شكري هياس، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2010م: 100.

([243]) ينظر: شؤون العلامات من التشفير إلى التأويل: د. خالد حسين، دار التكوين، دمشق، ط1، 2008م: 20.

([244]) أخبار المعنى: 143.

([245]) ينظر: نظرية التأويل: بول ريكور، تر: سعيد الغانمي، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2003م: 36.

([246]) ينظر: لسان العرب: مادة (معنى).

([247]) ينظر: الحروفي 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين: 257-276. و النص والقراءة ( الميتالغوي): مصطفى الكيلاني، دار أمية، تونس، 1994م: 4.

([248]) ينظر: العنوان في الشعر العراقي الحديث: 134. وفي نظرية العنوان: 185-186.

([249]) ينظر: الاستعارة في ظل النظرية التفاعلية " لماذا تركت الحصان وحيداً" لمحمود درويش انموذجا، جميلة كرتوس، (رسالة ماجستير)، جامعة مولود معمري تيزي وزو، كلية الآداب، الجزائر، 2011م: 125- 130.

([250]) أخبار المعنى: 143.

([251]) ينظر: المكان في شعر محمود درويش: حسن غانم فضالة، (اطروحة دكتوراه)، كلية التربية صفي الدين الحلي، جامعة بابل، 2011م: 215. و معجم ديانات وأساطير العالم: إمام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، القاهرة، د.ت: ج1/105-106.

([252]) أخبار المعنى: 143.

([253]) مقال: حروفيات فلسفة المعنى: د. قيس كاظم الجنابي، مجلة الموقف الثقافي، ع 3، 1999م.

([254]) ينظر: المكان في شعر محمود درويش: 302. و الاشتغال الفضائي في شعر ناصر مؤنس دراسة سيميائية: آلاء عبد الأمير، دار المخطوطات، هولندا، ط1، 2015م: 277.

([255]) ينظر: سيميائية الخطاب الشعري في ديوان مقام البوح، للشاعر عبدالله العشي، شادية شقروش، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 1431ه_ 2010م: 221. والمكان في شعر محمود درويش: 302.

([256]) جيم: 252.

([257]) جيم: 252.

([258]) جيم: 252.

([259]) جيم: 253.

([260]) ينظر: الاستعارة في ظل النظرية التفاعلية: 92. و: في نظرية العنوان: 262-265.

([261]) ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة: 135.

([262]) ينظر: شرح ابن عقيل: محمد محي الدين عبد الحميد، منشورات سيد الشهداء، د.ت: 191. و الجملة العربية، دراسة لغوية: محمد إبراهيم عيادة، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1984م: 86.

([263]) ينظر: جماليات النص الأدبي أدوات التشكيل وسيمياء التعبير: 193. و في نظرية العنوان: 443. و:العنوان في الشعر العراقي الحديث: 132.

([264]) أربعون قصيدة عن الحرف: 56.

([265]) ينظر: جماليات النص الأدبي: 61.

([266]) رقصة الحرف الأخيرة: 83.

([267]) ينظر: في نظرية العنوان: 215- 217.

([268]) ينظر: فن الشعر: 210.

([269]) ينظر: قضايا الشعرية: رومان جاكبسون، ترجمة: محمد الولي و مبارك حنون، دار توبقال، المغرب، 1988م: 9.

([270]) ينظر: مصطلحات النقد العربي السيماءوي الإشكالية والأصول والامتداد: مولاي علي بوخاتم، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005م:64.

([271]) التفكيك الأصول والمقولات: عبد الله إبراهيم، دار إفريقيا الشرق، المغرب، 1989م:75.

([272]) المواقف والمخاطبات: محمد بن عبدالجبار النفري، تحقيق: آرثر يوحنا اريريه، هيئية المصرية العامة للكتاب، القاهرة، د.ت: 117.

([273]) ينظر: الكشف في علم الحرف: الشيخ أحمد البوني، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت، ط1، 1425هـ_ 2004م: 23.

([274]) موسوعة الفلسفة: عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1984م: 2/634.

([275]) ينظر: الرمز الشعري عند الصوفية: 334_342. والنثر الصوفي، دراسة فنية وتحليلة: د. فائز طه عمر، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 2004م: 262_263.

([276]) التعريفات: 75.

([277]) معجم اصطلاحات الصوفية: تصنيف عبدالرزاق الكاشاني، تحقيق وتقديم وتعليق: د. عبدالعال شاهين، دار المنان، القاهرة، ط1، 1992م:118. و اصطلاحات صوفية: محي الدين بن عربي، مكتبة لبنان، بيروت، 1969م: 294.

([278]) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة، مكتبة المتنبي، المعارف العباسية، بغداد، 1941م: 1/650.

([279]) ينظر: التشكيل البصري في الشعر العربي منذ 656هـ، دراسة تأويلية: عيسى محمد صالح، أطروحة دكتوراه، جامعة الموصل، 2004م: 122.

([280]) ينظر: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، (1950_2004م) بحث في سمات الأداء الشفهي " علم تجويد الشعر" : د. محمد الصفراني، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2008م: 186.

([281]) ينظر: التشكيل البَصَري في الشعر العربي الحديث: 168. و التشكيل البَصَري في الشعر العربي منذ 656هـ : 122.

([282]) ينظر: الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية: 301_312. و هزني الحرف واطلق فيّ صراخ المجاهيل: مقابلة مع الشاعر أديب كمال الدين، جريدة الجمهورية، بغداد، ع7985، 16أيلول 1991م:7.

([283]) ينظر: الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية: 301_312. وخطوط الحرف السرّية قراءة نقدية في شعر أديب كمال الدين، د. بشرى موسى صالح، مجلة آفاق عربية، آذار_ نيسان، 199م: 3_4.

([284]) ينظر: من الحرف إلى المعنى: حاتم الصكر، جريدة القادسية، بغداد، 7تشرين الثاني، 1991م:5.

([285]) ينظر: هزني الحرف وأطلق فيّ صراخ المجاهيل: 7.

([286]) حوار مع الشاعر أديب كمال الدين، في جريدة ميدل أيست أونلاين: عذاب الركابيّ، 11/ 1/ 2012م.

([287]) نون: 103_104.

([288]) الحرف والغراب: 36_37.

([289]) ينظر: الزمان والمكان واثرهما في حياة الشاعر الجاهلي وشعره، دراسة نقدية نصية: د. صلاح عبد الحافظ، دار المعارف، القاهرة، 1982م: 1/295.

([290]) ينظر: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: مجدي وهبة وكامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1984م: 309.

([291]) ينظر: نظريات الشخصية: دوان شلتر، ترجمة: حمد علي الكربولي وعبد الرحمن القيسي، مطبعة جامعة بغداد_بغداد، ط1، 1983م:599.

([292]) ينظر: المعجم الفلسفي: جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني_ بيروت، دار الكتاب المصري، القاهرة: 579.

([293]) ينظر: موسوعة علم النفس والتحليل النفسي: فرج طه وآخرون، دار سعاد الصباح، الكويت، ط1، 1993م:45.

([294]) ينظر: موسوعة لالاند الفلسفية، معجم مصطلحات الفلسفة النقدية والتقنية، اندرية لالاند، تعريب: خليل أحمد خليل، عويدات للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2008م: 2/824.

([295]) البلاغة والأسلوبية: د. محمد عبدالمطلب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م: 160.

([296]) الأدب وفنونه: د. عز الدين إسماعيل، دار الفكر العربي- القاهرة، ط6، 1976م: 33.

([297]) رقصة الحرف الأخيرة: 30.

([298]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 64.

([299]) ينظر: الفتوحات المكية: ابن عربي، دار صادر، ضبطه و ضع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999م: 1/ 65.

([300]) ينظر: التشكيل البَصَري في الشعر الحديث، (1950_ 2004م): 104.

([301]) أصول المعرفة والمنهج العقلي: د.أيمن المصري، المركز الثقافي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2010م: 141.

([302]) أخبار المعنى: 148_ 149.

([303]) إشارات الألوان: قراءة في ديوان " الحرف والغراب" لأديب كمال الدين (3_1): د. أسماء غريب، الخميس_ 28 ايار(مايو) 2015_ السنة الرابعة _ ع 9: 126.

([304]) ينظر: قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، منشورات مكتبة النهضة، ط3، 1967م: 242.

([305]) حاء: 47_ 48.

([306]) المعجم الصوفي: 181.

([307]) ينظر: دراسات في الأدب الجاهلي، منطلقاته العربية وآفاقه الإنسانية، (الفصل الثالث الطفولة ورموزها في التراث والأدب): د. عادل جاسم البياتي، طبع ونشر الدار المغربية، الدار البيضاء_ المغرب، 1986م: 377_ 406.

([308]) النقطة: 31.

([309]) النقطة: 32.

([310]) ينظر البلاغة العربية قراءة أخرى: د. محمد عبد المطلب، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان القاهرة، 1997م: 285.

([311]) ينظر: النقطة : 80.

([312]) نون: 34.

([313]) حاء: 47.

([314]) ينظر: ترسيم الإشارة ودلالة الحروفية في ديوان" إشارات الألف" لأديب كمال الدين: عبد الحفيظ بن جلولي، جريدة اليوم الجزائرية، ع 4765، 14 أيلول_ سبتمبر، 2014م.

([315]) حاء: 147- 148.

([316]) أخبار المعنى: 143.

([317]) النقطة: 34.

([318]) ينظر: علم لغة النص، المفاهيم والاتجاهات: سعيد حسن بحيري، مكتبة لبنان ناشرون، الشركة المصرية العالمية للنشر_ لونجمان، ط1، 1997م: 142. و مقالات في اللغة والنقد: تمام حسن، عالم الكتب، القاهرة_ مصرن ط1ن 2006م: 116_ 120.

([319]) التعريفات: 113.

([320]) إشارات الألف: 137.

([321]) نون: 36.

([322]) ينظر: الرمز الشعري عند الصوفية: 290.

([323]) فصوص الحكم: للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، علق عليه: أب العلّا عفيفي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان: 78.

([324]) رقصة الحرف الأخيرة: 119.

([325]) نون: 116.

([326]) إشارات الألف: 113.

([327]) رقصة الحرف الأخيرة: 97_ 98.

([328]) ينظر: أضِف نوناً: قراءة في "نون" أديب كمال الدين، د. حياة الخياري، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1ن 2012م: 17.

([329]) نون: 15.

([330]) ينظر: النون أي سر نسوي تحت الهلال: وديع العبيدي، مجلة المهاجر الإلكترونية، ع/ 13، كانون الأول، 2005م.

([331]) ينظر: العلاماتية وعلم النص: إعداد وترجمة: د. منذر عياشي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء_ المغرب، ط1، 2004م: 86.

([332]) نون : 32.

([333]) الإنسان والزمان في الشعر الجاهلي: د. حسني عبد الجليل يوسف، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1988م: 115.

([334]) ينظر: المعجم الصوفي: 1037.

([335]) ينظر: حاء: 67.

([336]) النقطة: 74.

([337]) التأصيل الفني للبكائية القديمة في الشعر الجاهلي: د. مريم البغدادي، مجلة أبحاث اليرموك، مج4، ع1ن 1986م: 31.

([338]) إشارات الألف: 108.

([339]) التصوف في الشعر العربي، نشأته وتطوره حتى آخر القرن الثالث الهجري: عبد الحكيم حسان، مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة الرسالة، 1954م: 74.

([340]) إشارات الألف: 143.

([341]) الصوفية في الشعر المغربي المعاصر، المفاهيم والتجليات: محمد بن عمارة، شركة النشر والتوزيع المدارس، ط1، 2000م: 270.

([342]) المصدر نفسه: 282.

([343]) ينظر: مع " الشيخ الأكبر" ابن عربي حاروه: عصام محفوظ، دار الفارابي، بيروت_ لبنان، ط1، 2003م: 107_108.

([344]) حاء: 91.

([345]) ينظر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب: 203.

([346]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 67.

([347]) رقصة الحرف الأخيرة: 33، 35.

([348]) الصورة والرؤية عند وهير بن أبي سلمى: د. عبد القادر الرباعي، مجلة أبحاث اليرموك، مج1، ع 1_2، 1983م: 79.

([349]) مقالات في الشعر الجاهلي: 151.

([350]) التعبير البياني رؤية بلاغية نقدية: د. شفيع السيد، مكتبة الشباب، (د.ت): 155.

([351]) إشارات الألف: 73.

([352]) الرمز في الشعر العربي قبل الإسلام: مؤيد اليوزبكي، اطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الموصل، 1992م: 93.

([353]) الشعر كيف نفهمه ونتذوقه: اليزابيث درو، ترجمة محمد إبراهيم الشوش، منشورات مكتبة متيممة، بيروت، 1961م: 282.

([354]) حاء: 117.

([355]) نون: 47.

([356]) Tzvetan Todorov, Recherche sur le Symbolisme linguistique; Poétique  N18 /1974.; (Le mot d’esprit et ses، rapports avec le symbolique),  p234.

([357]) أقول الحرف وأعني أصابعي: 37.

([358]) مقدمة جبرا لمسرحية عبد الزراق عبد الواحد الشعرية( الحر الرياحي): جبرا إبراهيم جبرا، بيروت، ط1، 1982م: 7.

([359]) كل الطرق تؤدي إلى الشعر: عز الدين إسماعيل، الدار العربية للموسوعات، ط1 بيروت، لبنان، 2006م: 69.

([360]) المعجم الأدبي: 136.

([361]) سحر الشعر: رفائيل بطي، المطبعة الرحمانية، القاهرة_ مصر، 1922م: 85.

([362]) أخبار المعنى: 159.

([363]) توظيف التراث الصوفي في الشعر العربي الحديث من خلال أعمال جبران، عبدالصبور، البياتي، عفيفي مطر، ادونيس: لحسين السماهيجي، دار فراديس للنشر والتوزيع، المنامة_ مملكة البحرين، ط1، 2012م: 21.

([364]) ينظر: تجليات الجمال والعشق: 35- 36.

([365]) أخبار المعنى: 159.

([366]) ينظر: باب حوارات بالأخص الحوار الذي أجراه معه الأستاذ (عبد الغني فوزي) التي أشار فيه إلى سنواته ونقل تجاربها المتراكمة القاسية وكل الأحداث التي وقعت عليه، 17 يناير، 2010م.

([367]) أخبار المعنى: 159.

([368]) أخبار المعنى: 160.

([369]) أخبار المعنى: 160.

([370]) ينظر: محنة الحروفي بين المفارق والصوفي: عبدالمطلب محمود، جريدة العالم البغدادية، 19 نوفمبر تشرين الثاني، 2014م.

([371]) ينظر: أديب كمال الدين عالم من الحروف: 8.

([372]) أخبار المعنى: 166.

([373]) إشارات الألف: 18- 19.

([374]) أخبار المعنى: 169- 170.

([375]) إشارات الألف: 74_ 75.

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home