دلالة الاستفهام في شعر أديب كمال الدين

المجلد السادس أنموذجاً

 

م. د. فاطمة عبد الزهرة عبد الجليل العيداني

العراق - البصرة

نُشرت في مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية في عددها 4 المجلد 2 الصادر في 1 نيسان- أبريل 2021

 

 

الملخص: حفل المجلد السادس  للشاعر أديب كمال الدين  بتساؤلات  عديدة ،  وردت بأدوات الاستفهام المتعددة حسب الغرض والهدف المرجو من تلك القصائد، و يرجع ذلك الاستعمال ؛ لقوة أسلوب الاستفهام ، وقوة تأثيره، ووفرة مقتضياته ودواعيه ، فقد أفاد شاعرنا مما  امتاز به  هذا الأسلوب من ميزات لتعبير عما يختلج نفسه من مشاعر اختلفت باختلاف المواقف مابين الحيرة والغربة والشوق ، وبيان الواقع المر ، ووجه نظره فيما حوله  من أحداث، ويبدو ذلك جليا في مجموعة (قال لي حرفي) ، فقد وردت فيها حوارات كثيرة  بأساليب استفهامية ؛ لإثارة القارئ ، وتشويقه لمعرفة دواعي تلك التساؤلات ،  وإدراك  إجاباتها ،وان إدراك تلك المعاني يعتمد على قدرة القارئ في فهم النص وتذوق معانيه.

 

 الشاعر أديب كمال الدين في سطور:

هو شاعر ومترجم وصحفي من العراق، ,ولد في عام  1953 في  بابل يقيم حاليا في استراليا ، وقد عُرف بالحروفي ؛ لأنه ركز على الحرف واستنطق السر الكامن فيه ، وركز عليه في قصائده  ، فقد أخلص للحرف ، وأصبح بصمته، وهذا ما قاله : ( لقد أخلصت للحرف فأصبح بصمتي الفنية والروحية التي بسبها أهتم النقد بي ودرسني وأعطاني ألقاباً (الحروفي ، ملك الحروف ، وشاعر الحروف ))([i]) تخرّج في كلية الإدارة والاقتصاد – جامعة بغداد 1976م ، وحصل على بكالوريوس أدب انكليزي في كلية اللغات – جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم الترجمة الفورية من المعهد التقني لولاية جنوب استراليا 2005.

أصدر 24 مجموعة شعرية باللغتين العربية والانكليزية، وصدرت له ستة مجلدات شعرية كاملة آخرها المجلد السادس الذي نحن بصدد دراسته، وقد تُرجمت أعماله الى عدة لغات كالإيطالية والاسبانية والفرنسية والاورديّة والفارسية والكردية، ونال جائزة الإبداع في عام 1999في العراق، كما اُختِيرتْ قصائده من ضمن أفضل القصائد الاسترالية المكتوبة باللغة الانكليزية في عاميّ2007   و 2012. كما صدر عن تجربته الشعرية عدة دراسات نقدية ومقالات واحد عشر كتابا نقديا. وكُتبت في أعماله الشعرية عدة رسائل وأطاريح جامعية في العراق والجزائر وتونس وغيرها من البلدان العربية. ([ii]) والشاعر صاحب رؤية عميقة، وقدرة لغوية في تحميل قصائده دلالات عميقة، والشاعر لا يزال على قيد الحياة، وما يزال يرفد العالم بنتاجه الادبي المتميز الذي ينهل منه الدارسون.

 

مدخل:

 أسلوب الاستفهام من الأساليب الإنشائية، معناه في اللغة: طلب الفهم، فسؤال الفهم، طلب السائل أن يخبره المسؤول عما يسأل، ولذلك ساوى ابن فارس بين معنى الاستفهام والاستخبار ([iii]). أما في الاصطلاح: هو طلب المتكلم من مخاطبه أن يحصل في الذهن ما لم يكن حاصلاً عنده مما سأله عنه ([iv])

ومن تلك الدلالة اللغوية للاستفهام انطلق البلاغيون الى تقسيم الاستفهام الى الاستفهام حقيقي ومجازي.

فالاستفهام الحقيقي يجب أن يصدر عن شاكِ مصدق بإمكان الإعلام، لان غير الشاك إذا استفهم يلزم تحصيل الحاصل وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت فائدة الاستفهام ([v]).

وعلى هذا لا يكون الاستفهام حقيقيا إلا إذا كان لفظه الظاهر موافقا لمعناه عند سؤالك عمّا لا تعلمه، فتقول: (ما عندك؟) و (من رأيت؟)([vi]).

أما الاستفهام المجازي: وهو الذي لا يرمي إثره المستفهم جواباً، بل يود إيصال معاني ودلالات أخرى عند طريق طرحه للسؤال، وقد ذكر سيبويه له معاني كثيرة ([vii])، ((وذلك أن المستفهم عن الشيء قد يكون عارفا به مع استفهامه في الظاهر عنه، ولكن غرضه في الاستفهام عنه أشياء))([viii]).

فالاستفهام المجازي ليس الغرض منه حصول الإجابة من المسؤول عما سُئل عنه، وإنما الغرض منه دلالات ومعاني يفهمها المخاطب من السياق الذي ورد فيه سواء أكانت تقريرا، أو توبيخا وتقريعا أو تعجبا أو استبعادا وغيرها من المعاني ومما تجدر الإشارة إليه إن

الاستفهام وان خرج عن معناه في طلب الفهم، فهذا لا يعني خروجا عن المعنى العام للاستفهام، فالتركيب لا يزال يدل على وجود الاستفهام في أحد معانيه المجازية([ix]).

أما في الشعر ، فليس من شأن الشاعر طلب الفهم عن شيء يجهله ، وإنما يستعمله الشاعر كي يجسد معاناته وتجاربه الشعورية من خلال التساؤلات ، وهذا ما وجدنا في شعر الشاعر أديب كمال الدين ،فالاستفهام كان عنده وسيلة من وسائل اتساع المعنى وإثرائه ، وتنويع الأفكار والصور والمواقف ، فجاء الاستفهام وهو يحمل معاني ودلالات أغنت النصوص بالحوار والصور ،فأضفت عليها روح التشويق والإثارة لمعرفة الإجابات ، وما جال في فكر الشاعر من معاني أراد إيصالها أو البوح  بها  بأسلوب  تقريري حواري استفهامي مع حرفه  ، لان الحرف بحد ذاته يشكل هاجسا شعريا مركزيا في تجربة شاعرنا  ، فهو يمثل دلالة زاخرة بالمعاني ، ومشروع مكثّف لاستقراء الجذور التكوينية لكيان اللغة ([x])، لذا جسد  شاعرنا من خلال تلك التساؤلات عمق تجربته ، وبراعته  في التعبير عما أحس وأدرك خلال مسيرته الشعرية.

ويتم الاستفهام بأدوات تسمى بأدوات الاستفهام، قال القزويني: ((والألفاظ الموضوعة له الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان ))([xi])، وكل أداة مختصة للسؤال عن شيء أو غرض معين، فلكل أداة معنى خاص إضافة للمعنى الأساسي الذي وضعت من أجله، وهو الاستفهام، ولا نريد الخوض فيها، لان دراستنا دلالية، فكتب النحو والبلاغة قد فصلت في بيانها. ([xii])

 

 الاستفهام في شعر الشاعر أديب كمال الدين

 

جاء الاستفهام في المجلد السادس للشاعر بشكل ملفت للنظر، فقد استعان الشاعر بهذه الأسلوب؛ لأجل أشراك القارئ معه فيما يبثه من أفكار أو مشاعر، ففي مشاركة القارئ يجد الأديب لذة المشاركة في البحث عما يجول في نفسه من تساؤلات يبث من خلالها صدق مشاعره ويساعد على تعميمها، فعند مشاركة القراء في تلك التساؤلات يؤكد صدق ما أحس وما أحسه غيره من فقد عزيز أو رثاء الإنسانية، أو عند فقد شخص قد لعب دورا مميزا في الحياة. وكانت له خبرة في واقع الأحداث، فاتخذ منه محذرا من غدر الزمن.

ومن تلك الدلالات  يمكننا القول بأن الاستفهام الذي جاء في شعر شاعرنا ، كان استفهاما تقريريا  أي :((المراد به الحكم بثبوته فهو خبر بأن المذكور عقيب الأداة واقع أو طلب إقرار المخاطب به من كون السائل يعلم فهو استفهام يقرر المخاطب أي يطلب منه أن يكون مقراً به))([xiii])، إلا انه حمل مع دلالة التقرير معاني كثيرة ، جاءت بحسب السياق الذي وردت فيه ، ويرجع ذلك على الطاقة التأثيرية التي يحملها هذا الأسلوب ، ففي الاستفهام الذي يأتي لغرض التقرير فيه معاني ودلالات متعددة ،  فالتقرير هو:  أن يقر المخاطب حقيقة وفي قراره نفسه بحقيقة معينة ، أما لأنها كانت معلومة له أصلا ، أوأاقرها وقت الخطاب ، وكما يقر الله سبحانه الكافرين بصدق ما جاءهم  به  الكتاب والرسل يوم القيامة بعد ما وجدوه حقا . فالإقرار هنا تبعه مشاعر عدة منها الندم والحسرة والشعور بالخزي والخجل عند إقرارهم بتقصيرهم ([xiv]). ومن هنا نرى بان شاعرنا قد استعمل هذا الأسلوب بكثرة، لان إيراد المعاني بأسلوب الاستفهام تشويق وإثارة للتفكير للاهتداء الى معرفة وجه الصواب([xv]).

ومن الدلالات التي لمسناها في استفهامات الشاعر:

دلالات الاستفهام:

أولاً: دلالة التشويق:

استعمل الشاعر أسلوب الاستفهام في البوح عما في جوانحه من الم أو الحزن، من خلال تساؤلات يطرحها على نفسه، أو يطرحها عليه حرفه؛ لأجل إشراك القارئ لمعرفة الإجابات، وتحدث المفاجأة بإجابات غير متوقعة تحمل دلالات كثيرة. ففي قصيدة في زنزانة ذاكرتي.. طرح عدة تساؤلات مع نفسه([xvi])

وثمّة باب

سمّيتُهُ بابَ النّقطة.

أفتحُهُ فيدخلُ عَليَّ البحرُ سريعاً.

أهوَ بحرُ الظلمات؟

أم بحرُ السُّفنِ الغرقى؟

أم بحرُ الضّحكِ الأسْوَد؟

لا أعرف.

لكنّي أعرفهُ بحراً

يدخلُ عَليَّ سريعاً وعنيفاً

كالطلقة!

 

فهذه التساؤلات التي طرحها الشاعر أشبه بالحديث مع نفسه وعلاقته بالنقطة : ((فالحرف والنقطة عنده دالتان هادفتان بعيدتان عن الاعتباطية والعبثية المملة ، فاتخذ أديب كمال الدين الحروف كآلة للتعبير يوصل من خلالها جمال الشكل وعمق الفكرة للمتلقي ))([xvii])، فعلاقة الشاعر بنقطه معروفة فهناك صلة ومحبة بينهما ، فهذه النقطة التي لا تمثل وطنا إلا في وجدان الشاعر ([xviii])، في هذه القصيدة جعل لها بابا يفتحه ليستشرف منه وطنه ، إلا إن البحر يدخل عليه سريعا ، فتلك الاستفهامات التصورية لذلك البحر ، خرج بالإجابة (لا أعرف) مع أن الشاعر لديه خيارات في البحر لمعرفة البحر الداخل ، إلا انه وجد أن من دخل عليه بحرا قد حمل ما تحمله ذاكرته عن البحور التي اقتحمت حياته ، فهو بحر الظلمات الممتلئ بالسفن الغرقى والأماني الضائعة ، والضحك الأسود الذي لا بشارة فيه ، فهكذا كانت التساؤلات قد بينت عمق ما يحمله الشاعر من هموم يحاول البحوح عنها.

 

ونجد ذلك التشويق لإشراك القارئ في قصيدته (ربّما)([xix]).

في الليلة التي وجدتُك فيها

تبيعين للسّحرة

حرفي بدراهم معدودة

هل قام الموتى من القبور؟

-ربّما

هل طعن بعضهم بعضاً بالسكاكين؟

ربّما.

وحين نمتُ مُجهداً كجبلٍ مُنهار

وأفقتُ فلم أجدك بجنبي أبداً

هل تساقطت أذرع الساعات على رأسي؟

ربّما

هل فاضَ الفراتُ حتى غرقتُ

وطاف جسدي؟

ربّما.

وأخيرا: هل أنا حيُّ حتّى الان؟

نعم أعني...................ربّما.

 

ففي هذه القصيدة أتخذ الشاعر من توالي التساؤلات وتكرار الإجابة عنها، بقوله (ربما) وسيلة من وسائل تشويق القارئ واستدراجه لتتبع الأحداث، فقد أضفت تلك التساؤلات على القصيدة تسلل الأحداث الغامضة، وربما مستحيلة الحدوث، وجعل من النص كتلة متماسكة متسللة، مرتبطة بالاستفهام والتساؤل، فعلاقة الشاعر الحروفي مع حروفه علاقة حياة أو موت، فلا ينفك عنها، فهي حياته ، وبها يحيي ، فلا حياة بلا حروفه.

فالاستفهام ب(هل)، والتي اختصت بطلب التصديق، ويكون الإجابة عنها بنعم أو لا أي بإفادة

ثبوت النسبة أو نفيها ([xx])،

إلا أن إجابة الشاعر ب(ربما). فتحت دلالة تلك الاستفهامات ما بين التحقق وعدمه.. فتلاقت رغبة الشاعر في ترك الجواب أشبه بالمفتوح، ليعطي للتشويق مساحة أوسع وأشمل من ترك إجابة محددة.

 

ثانياً: دلالة الحيرة والتردد:

 أراد الشاعر البحوح عما يختلج في نفسه، فجاء البوح على شكل تساؤلات حملت معنى الحيرة، فجسد فيها ما كان يعانيه من الم وغربة

 ففي قصيدة (من القائل([xxi]))  نجد الشاعر قد تسال عن القائل هو أم حرفه في أسلوب حواري تساؤلي كان للهمزة الاستفهامية التصورية الدور الأبرز فيها.

 

لا أتذكر، أأنا الذي قال للحرف

أم الحرف قد قال لي؟

لكنني أتذكر الصّوت جليّا يدمدم:

إن أنكرتني مرّة فلنْ تعرفني ثانية

إن أنكرت أني رأيتُك

تتقلب على الجمر حتّى مطلع الفجر،

 

ويستمر الشاعر في البوح حتى يعاود السؤال مرة أخرى بسؤال حواري مع حرفه:

 

آه أنا لم أنكر شيئا، أي شيء.

لكن، أأنا الذي قال للحرف هذا

أم الحرف قد قال لي كلّ هذا الكلام؟

 

وهذه الدلالة نجدها أيضا في قصيدة

فقط([xxii])

حين تكتب قصيدتك الجديدة

لا تقل: إنني حزين

بل قُل: إنني حاء

وسأفهمك تماماً

ولا تقل: إنّني سعيد

(رغم أنّني أشكُّ بأنّك تعرفُ معنى السّعادة)

بل قُل: إنّني سين

وسأعرف ذلك بسرعةِ البرق.

قلت له: وماذا عن الآخر؟

كيف سيفكُّ هذه الشفرة العجيبة؟

 قال: من الآخر؟

هل تقصد الساذج أم المجنون؟

أم الدّعي؟

أم الحاقد؟

أم الواهم والموهوم؟

مَن؟

 

ونجد تلك الدلالة في قصيدة (اللغز)([xxiii])

 

أيمكنني أن أقول:

إنّني حينَ جلستُ تحتَ ظلِّ الشّجرة

من الشّروقِ إلى الغروب،

كنتُ أكتبُ حرفاً

يقبّلُ امرأةً فاتنة

أو يحلّقُ عالياً كأيّ نسرٍ عظيم

أو يلعبُ بليراتِ الذّهبِ في صندوقٍ عتيق

أو يسجدُ مُبتهلاً بعينين مليئتين بالدموع

أو يصرخُ طالباً النّجدةَ من رمحٍ أسْوَد بطيء؟

أيمكنني أن أقول:

إنّني كنتُ أمارسُ فعلَ الكتابةِ نائماً

فلمّا جاءَ وقتُ اكتمالِ الغروب

انتبهتُ مِن رَقْدَتي

لأجدَ أنّ حرفي قد طار

وطارتْ معه المرأةُ والنّسرُ وليراتُ الذّهب

والدّموعُ والرّمحُ الأسْوَدُ البطيء

 

فتكرار السؤال بالهمزة التي جاءت للتصديق. بأنه يمكن أن يقول ليبوح عما في نفسه من أمنيات في حب أبدي، أو تحليق كالنسر ليتماهى في عالم الوجود، أو يصبح ثريا، أو ناسكا مبتهلاً، أو يصرخ من رمح الموت المترقب له ، ليستمر البوح  بأسلوب طلبي آخر ، وبالأداة نفسها ، ليعلم أن ما كان يكتبه حرفه ما هي إلا أمنيات قد طارت بعد انتباهه. فقد نسج الشاعر من هذا التكرار الاستفهامي تجربته الشعرية، فصار الاستفهام محورا لاستمرار الحوار والبوح المتسلسل بقوله (أيمكنني أن أقول)، فما بين تساؤل الامكان والبوح بعده رسم الشاعر أمنياته وقت الشروق، لتتلاشى منه وقت الغروب.

فهنا ظهرت قدرة الشاعر وبأسلوب استفهامي واضح في البوح عما يختلج في نفسه.

 

 ثالثاً: دلالة التحسر والتوجع والأسى الممزوج بالألم:

 استعمل الشاعر أسلوب الحوار الاستفهامي في رثاء شخصيات اسماها بشخصيات حروفية، فمن خلال تساؤلاته عنها بيّن حجم الأسى، ومرارة الفقد لشخصيات لا تتكرر عبَر التأريخ، وقد عانت ما عانته من الزمان وغدره:

ففي قصيدة :( لم تكن ([xxiv])) والتي يقول فيها:

 

حينَ وجدتُ السيّابَ في البابِ الشّرقيّ

يتوكّأُ على عصاه وحيداً

وبالكاد يمشي.

قلتُ له

وقد اقتربنا من المسجدِ

وتركنا خلفنا نصبَ الحُرّيّة:

كيفَ الحال يا أبا غيلان؟

فقالَ: أعطني سيجارةً أوّلاً.

وبعدَ أن نفثَ دخانَها

أضافَ، بصوتٍ خفيض:

حذارِ من هذا الزّمان

وأكاذيب هذا الزّمان.

 

 

(فأي قتامة ينظر بها الشاعر أديب كمال الدين لهذه الحياة)([xxv])،  وكأن روح التشاؤم قد أصبحت سمة له نتيجة لتكرار الزمن وتعبه واستمرار غدره، فقد بعث في سؤاله عن حال السياب الحزن والأسى على الواقع المرير، وهذا الامر يمكن أن يعود الى الخيبة والنظرة السوداوية وانتشار الظلم والدمار.

وهذا ما نجده في قصيدة (مرارا وتكرارا ([xxvi]))  فقد جاء فيها ليرثي الإنسانية برمتها من خلال التناص مع مقطع لقصيدة لشاعر ت. س إليوت من قصيدة الأرض اليباب أو الأرض الخراب، وفيه استفهم فيها عن الجثة. ففي الحروب والدمار هل تزهر الجثث؟

يقول ت. س إليوت:

هل أورقت الجثّة التي زرعتاها في الحديقة؟

أخاف أن يكون الكلبُ قد أكلها

بعد أن ذابَ الثلج

هو يقول كلاماً مخيفاً كهذا                    

فأرتبكُ

لأنني الوحيد الذي يعرفُ أنّ الكلب

حاول أن يخرج الجثّة من الأرض

مراراً وتكراراً.

 

(فلا تغدو قصيدة (الأرض اليباب) مما يتعلق بأوربا بعد الحرب العالمية الأولى حصراً، إنما هي تشمل العالم المعاصر كما يراه اليوت في الحقبة الزمنية التي أعقبت الحرب، عالم أمحلت فيه الحياة في انتظار عودة الخصوبة)([xxvii]).

أما في قصيدة (خالد جابر يوسف) وهو شاعر عراقي غيّبه الموت إثر نوبة قلبية، من أهم أعماله (بحثاًعن المهب)([xxviii])

فقد استعمل فيها الشاعر أسلوب الاستفهام ب(هل) مرتين عن قلب الشاعر الذي سرقه ملك الموت وسبقه الى واو الوداع.

 

قيلَ لي إنّكَ قد ذهبتَ إلى حبلِ الغسيل

فلم تجدْ حبلَ الغسيل!

هل سرقهُ الجيران؟

بل قيلَ لي إنّكَ لم تجدْ قلبَكَ فوقَ الحبل.

فهل سرقهُ ملكُ الموت؟

ليسَ مُهمّاً أن أعرف الإجابة،

 

فقد استطاع الشاعر توظيف الاستفهام ب(هل) التي تأتي للتصديق، لنعلم الإجابة من تدرج الأحداث بعد تلك التساؤلات، مع الشاعر لا تهمه تلك التساؤلات بقدر ما تهمه الإجابة، ومع ذلك قال عنها غير مهمة، لنصل الى تصديق الإجابة من دون أن يكتبها مطلقاً. وهنا تبرز قدرة الشاعر في توظيف الاستفهام في موضع الرثاء وإظهار الحزن والألم على شخصيات حروفية لن يكررها الزمن.

ونرى ذلك التحسر والأسى قد أفصح عنه في قصيدة التعساء، فقد التقى الشاعر تلك الشخصيات الحروفية، والتي عانت الحزن ك (هاملت والتوحيدي والحلاج و السياب)، ليقول في خاتمة القصيدة، فما ذنبه أنه قد التقى بهم ليرث منهم كل هذا الحزن والتعاسة المتمثل في خيباتهم الكبرى .

قصيدة (التعساء([xxix]))

لم أكنْ سوى هاربٍ ضائع،

سوى صبيّ يبحثُ عن رغيفِ خبز

فلماذا تَحتّمَ عليَّ

أن ألتقي بكلِّ هؤلاء التّعساء

وأرث كلَّ خيباتهم الكبرى؟

 

فدلالة الحزن المرافقة لشاعرنا، أفصح عنها في قصيدة (متى تتوقفُ دمعتُك) ([xxx])

 

قال لي حرفي:

متى تتوقف دمعتُك؟

قلت: لا أدري.

فالدمعة رافقتني كما يرافق المرءُ ظلَّه.

فجاء الاستفهام ب(متى)، فسؤال بها مبهم يتضمن جميع الأزمنة، والأزمنة أكثر من أن يُحاط بها، فإذا قلت (متى) أغنى عن ذلك كلها وهذا ما أراده الشاعر مع أن أجابته كانت: لا أدري، فالحزن في نفسه باقٍ، لأنه على حد قوله خلق من دمعٍ وحنين.

ويبدو أن الآلام الشاعر لا تنتهي، فقد صنع منها حبات دمعِ متحجرة في تسأل عنها

في قصيدة (ماذا صنعت بآلامك الهائلة)([xxxi])

 

قال لي حرفي: ماذا صنعتَ بآلامك الهائلة ؟

قلت: صنعتُ بها حبّات دمعٍ مُتحجرة.

 

رابعاً: دلالة النفي والإنكار:

ذكر كثير من النحاة والبلاغيين أن الاستفهام يخرج الى النفي ([xxxii]) ، وقد استعمل الشاعر الهمزة، وهل في بيان هذه الدلالة، ونجد أن دلالة النفي المشوب بالعتب والانكار واضحة في قصيدة (آلن ديلون) الفنان الوسيم، ففي مشهد تمثيلي قد بدأ بالاستفهام بالهمزة مستنكراً على ذاك الفنان أن يعيروه عينه في مشهد شنق مُخيف، فقد أشاع على النص حالة الفزع والخوف الذي انتهى بالشاعر أن يمثل ويعيش هذا المشهد كل يوم. وكان الشاعر يريد بالتساؤل إنكار تلك النهاية وتصويرها للقارئ، وبالوقت ذاته أراد العتب واللوم على ذلك المصير البشع والمخيف الذي ينتظر الإنسان متمثل بنفسه لما يحمله من هموم والآلام قد مرت بحياته.

والتي يقول فيها:  ( آلن ديلون ([xxxiii]))

أمن العدل يا صديقي آلن

أن تعيرني عينيكَ في مشهدِ شنقٍ مُخيف

عينين عجيبتين

مُذهِلتين

ذاهلتين

وأنت تمشي بقدمين مرعوبتين الى المقصلة

أمن العدل أن تفعل بي هذا في مشهد سينمائي

.

أمن العدل هذا يا صديقي آلن ؟

أمن العدل هذا يا صديقي الجميل؟

فقد استطاع الشاعر أدارة الحوار والتأثير في القارئ بأسلوب استفهامي جمع ما بين الإنكار والعتب على آلن ديلون ، وبيان ما آل إليه هو من وضع حتم علي  أن يمثل مشهد الشنق كل يوم لسبعين عاماً.

ونجد دلالة النفي الممزوج بالألم والتوجع في قصيدة (هل)([xxxiv])

 

لِمَن وُلِدَ مَصلوباً على خشبةِ الحرف،

هل تنفعهُ صَيحةُ الحلّاج وسطَ جلّاديه:

الله الله في دمي؟

لِمَن أبصرَ كلكامش مَقتولاً برصاصةِ قَنّاص

وأنكيدو مَطعوناً بخنجرِ غدرٍ أسْوَد،

هل تنفعهُ وصايا سيدوري؟

لِمَن كُتِبَتْ حياتُهُ برمادِ كُتبِ التّوحيديّ،

هل ينفعهُ أن يحرقَ جسدَه بالنار؟

ولِمَن التقى سرّاً بديكِ الجِنّ

وقرأ عليه مَرثيتَه الكبرى،

هل تنفعهُ كتبُ الجِنّ

وعظامُ الهدهد

ومرايا بلقيس؟

 

خامساً: دلالة التيه و الضياع:

تبدو دلالة التيه والضياع واضحة في بعض قصائد شاعرنا الحروفي، حتى أعلن عن كونه ركب قطار التيه ولن يترجل عنه حتى يصل محطة الضياع، وبدأت القصيدة بسؤال حرفه، باسم الاستفهام (لماذا) للسؤال عن السبب. ويكون الجواب ب (لا أدري)، دافعا لسؤال آخر تعجبي باسم الاستفهام (كيف) ليكون التعجب والتوبيخ له على ركوبه قطار التيه الذي يصل الى محطة الضياع.

قطار التيه ([xxxv])

قال لي حرفي

لماذا تركبُ أبداً القطار الذي لا يصل؟

قلت: لا أدري، ولا أدري أنه لا يصل.

قال: كيف لا تدري وقد أنفقتَ سبعين عاماً

في قطار مرّ بمحطة الطّفولة تائهاً

وبمحطة الشّباب تائهاً

والكهولة تائهاً

حتى وصل أخيراً إلى محطة الضياع؟

 

ونجد الشاعر يبحث عن روحه، في قصيدة (هل تبحث أنت عن نقطتك أيضاً([xxxvi]) ؟

 

قالَ لي حرفي:

أصحيحٌ أنّكَ كلّما ضعتَ وجدتْكَ القصيدة؟

قلتُ: نعم.

قالَ: فإنْ لم تجدكَ القصيدةُ فمَن يجدك؟

قلتُ: أنتَ! نعم أنتَ!

قالَ الحرفُ: لا

فأنا أبحثُ عن روحي،

روحي التي سَمّيتُها نقطتي.

فهل تبحثُ أنتَ عن نقطتِكَ أيضاً؟

 

ففي هذه القصيدة يبدأ التساؤل بالهمزة التي جاءت للتصديق، عن وجوده عند ضياعه، فدلالة السؤال كامنة في سر الوجود بعد الضياع، فالشاعر يجد نفسه في قصيدته التي تعبر عن نفسه، بل هي نفسه، مع ذلك يمكن لا تجده، ويمكن أن يجده حرفه، إلا ان الضياع يمكن في افتراق الحرف عن النقطة، فالنقطة روح الحرف، فالشاعر يعيش إشكالية التعبير عن سر الحرف وسر معنى النقطة، وبالذات سر معنى النقطة، لأنها رمز الكينونة (رمز الإنسان الكامل عند المتصوفة)([xxxvii]). فالشاعر لازال يبحث عن روحه. فجاء الحوار الاستفهامي بالتصديق بالهمزة، وبالتصور (بمن) التي يستفهم بها عن العاقل، لينزل حرفه منزل العاقل الذي يجده بعد ضياعه، فقدرة الشاعر في توظيف الحوار الاستفهامي التراكمي أعطت دلالة الضياع التي يحسها الشاعر وهو يبحث في عالمه الحروفي عن سر وجوده.

ويبدو التساؤل معكوساً في قصيدة (أي ُّ نوع ٍ من الطّيور أنا) ([xxxviii])

 

قالَ لي حرفي:

أيُّ نوعٍ مِن الطّيور أنا؟ أأنا غراب؟

قلتُ: لا.

- حمامة؟

قلتُ: لا.

- عصفور؟

قلتُ: لا.

- بلبل؟

قلتُ: لا.

قالَ: إذنْ، كيفَ لي أن أعرف؟

قلتُ: ولماذا ينبغي لكَ أن تعرف؟

ابْقَ طائراً لا اسمَ له.

وإذا عرفتَ، بالصدفةِ، اسمَك

فاحتفظْ بلونِ ريشته في قلبِك

كما يحتفظُ البخيلُ بليرةِ الذهب.

 

وتبدو تلك الحيرة وضياع في قصيدة (حسناً، ومن أنت؟ )([xxxix])

 

قالَ لي حرفي: مَن أنا؟

قلتُ: أنتَ حرفي.

قالَ حرفي: حسناً، ومَن أنت؟

قلتُ: لا أعرفُ مَن أنا!

حقّاً مَن أنا؟

مَن أنا؟

 

وتستمر حيرة شاعرنا بكثرة تساؤلاته وتنوع الأدوات التي يسأل بها عن نفسه وعن حرفه، فعندما ضاع الشاعر وجد نفسه مع حرفه ونقطته. حتى قال في قصيدة (حرف حياتي([xl]))

حياتي تضيعُ كل ّيوم،

بل كل ساعة،

وأنا مُنشغلٌ عنها

بكتابة قصيدة جديدة.

 

سادساً: دلالة التعجب:

استعمل الشاعر اسم الاستفهام (كيف) لإضفاء معنى التعجب على النص، فالتعجب كما هو معروف يستهدف الشيء الشاذ او غير المعتاد لبيان انه خرج عن المؤلف وانه غير سائغ لدرجة توهم بأن سببه غير مألوف فما من سبب يدعو إليه وكأنّه سببه مجهول ([xli])، وهذا ما وجدناه في قصيدة (دور السكران)([xlii])

كيفَ لي أن أزيح الشّمسَ قليلاً لأمرّ

ولا تحرقني الشّمسُ بضوئها الهائل؟

كيفَ لي وأنا في ذاك الفجر

أترنّحُ كالسكران

من التّعبِ والوحشةِ والخُذلان؟

كيفَ لي وأنا في ذاك الفجر

أمارسُ دورَ السّكران؟

 

وكأنّ الشاعر قد تعجب مما آل إليه، بعد بزوغ الشمس وظهور الضوء الساطع ليعلن له أنه قد مارس دور السكران المثقل بالتعب والهموم ووحشة الغربة وخذلان الأصحاب، فاستفهم متعجباً من ذلك الدور الذي لعبه دون أن يدرك ما آل إليه.

ويتعجب الشاعر في قصيدة (لكثرة ما كتبتُ عن الحب)([xliii]) من كونه لم يزل على قيد الحرف أو الحياة، بعد انتهائه من كتابة كتابٍ شعري، ربما قد كتب فيه حياته، وحبه الابدي لله سبحانه.

كلما انتهيتُ من كتابةِ كتابٍ شعري

دهشتُ كيفَ أنني لم أزلْ على قيد الحرف،

أعني على قيد الحياة.

 

سابعاً: دلالة العشق الإلهي:

 لم نجد هذه الدلالة في كتب اللغة والبلاغة، إلا أن شاعرنا كثير ما تسأل عن شوقه لذات الله، وربما يعود هذا لطبيعة الإنسان أذا أحب شيئاً ذكره، وأكثر من السؤال عنه، وهي أيضاً طريقة الشعراء ومن ذلك قول المتنبي

نحن أدرى وقد سألنا بنجدٍ                    أ قصير طريقنا أم يطولُ

وكثيرٌ من السؤال اشتياقٌ                    وكثير من رده تعليلُ([xliv])

فالشاعر أديب كمال الدين أورد أسئلة لبين مدى حبه لله، فالحب المطلق لله سبحانه يشكل وسماُ صوفياً يتميز به الصوفي عن غيره ، ويتحمل في سبيله الآلام والمصائب ، حتى يتمكن قلبه المحب من الاتصال بالحضرة الإلهية ([xlv]). فالصوفي يقتبس لهيب بواطن الأشياء، ليقتبس من أسرارها، ويلامس كوامنها؛ لأنه لا يقتنع بظواهرها، ويبتغي الوصول إلى أبعادها الما بعدية ([xlvi])

ففي قصيدة كم بلغ حُبك له؟([xlvii]) نجد الشاعر يتساءل عن حبه، بأداة كم، والتي تأتي للسؤال عن العدد، فدلالة الكمية قد انتفت في جواب الشاعر، فجعل نبض قلبه متوقف على ذكره معشوقه، ودمعته الحري تفيض عن ذكره اسمه حتى بللت لحية يعقوب وهو يبكي لفقد ابنه يوسف ليل نهار.

 

قالَ لي حرفي:

كم بلغَ حُبّكَ له؟

قلتُ: كيفَ أصفُ ما لا يُوصَف

وكيفَ أضربُ مثلاً

لحُبِّ مَن ليسَ كمِثْلِهِ شيء؟

قالَ: أرجوك!

قلتُ: أظنُّ أنَّ قلبي

لا ينبضُ إلّا حينَ يذكرُ اسمَه،

وأنَّ دمعتي الحرّى فاضتْ

حتّى بلّلتْ لحيةَ يعقوب

وهو يبكي يوسفَ ليلَ نهار.

 

نجد تلك الدلالة في قصيدة (اثنان) ([xlviii])

 

قالَ لي حرفي:

مَن هلكَ في حُبِّ القائلِ للشيء كن فيكون؟

قلتُ: هلكَ اثنان

رجلٌ لم تكنْ في يدهِ أصابع

فلم يطرق الباب

ولم يعرفْ أنّ بإمكانه أن يؤشّرَ من بعيد

لتنفتحَ لهُ الباب.

ورجلٌ أخذتهُ العزّة بالاستعارة

فتصوّرها قصيدةً يكتبُها كما يشاء

لا كما يشاءُ الذي يقولُ للشيء كن فيكون.

 

سؤال الحرف عن الهالك في حب الله، دفع الشاعر لبيان من الهالك الفعلي بأسلوب بلاغي من شاعر عرف الله سبحانه، فلا يفارق الصوفي بان روحه منفصلة عن عالمها الأول، ثم تعينها في الوجود المادي، فينشأ الايمان لديه بان وجوده في هذا العالم ما هو الا وجود طارئ، وان وجوده الحقيقي يكمن في العودة الى العالم الأول ([xlix]) . فتلك التساؤلات الحوارية مع حرفه بنيّت عمق ذلك الحب الإلهي الذي لا يقدر ولا يحتسب إلا لمن عرف الله سبحانه وذاب في حبه.

 

ثامناً: الدلالات المتداخلة:

وهنا تبرز قدرة الشاعر في استعمال أسلوب الاستفهام، فقد لحظ الشاعر الطاقة التأثيرية الكامنة فيه في بث ما يعتري نفسه من مشاعر متداخلة في مواقف تتكثف فيها المشاعر فيعجز الأسلوب المباشر عن البوح بها.

وهذا ما نجده في قصيدة (أين الذئب، أعني أين الليل)[l]

 قال الليلُ: خذ الناي واعزفْ.

قلتُ له: ماذا أعزف؟

قال: روحك.

فقد تداخل الدلالات في تساؤلات الشاعر، فقد جمع بين البوح والخوف والرعب والوحشة في الغربة في مشهد بين الحقيقة والحلم والكابوس الا أن الشاعر قد أعتاد تلك المشاعر الممزوجة التي يثيرها الذئب المتمثل بليل الغربة والضياع، وكأنّ الشاعر قد ألفه حتى إذا تأخر قليلاً سأل عنه، ليقول في أخر القصيدة :

 

وحين يتأخّرُ قليلاً أسالُ الشّمس:

أين الذّئب؟

أعني أين الليل؟

ولماذا تأخّر عن موعده هذا اليوم؟

 

            نتائج البحث:

           بعد ذلك الإبحار الرائع في حروف الشاعر الحروفي أديب كمال الدين يمكننا القول :

1-   بأن الشاعر قد استعمل أسلوب الاستفهام في عموم قصائده وبأسلوب استطاع من خلاله أن يستفيد من الطاقة التأثيرية الكامنة فيه في حوارات استفهامية شملت القصائد من مقدمتها حتى خاتمتها، وقد وفرّ ذلك له الحرية في إدارة الحوار مما جعل القارئ يتصور ويحس ويتأمل معه في تلك التساؤلات.

2-   وقد خرجت معظم تساؤلات الشاعر عن غرضها الأساسي وهو السؤال الى دلالات عديدة بينت عمق تجربة الشاعر وقدرته على استعمال هذا الأسلوب في التعبير عن تجربته الشعرية، وتجسيد معاناته في غربته، فلم يجد له غير الحرف أنيساً وسائلاً له في حواراته.

3-    أن تلك التساؤلات خرجت لأغراض ودلالات متعددة، لم نستطع الفصل بيها، فهو وأن كان مستفهماً أو راثياً لشخص نجد دلالة الألم والشكوى بارزة في رثائه ممزوجة بكلماته، أما إذا كان شاكياً يريد البوح عما يختلج في نفسه نجد الحزن له سمة، أن كان غرضه التشويق وإشراك القارئ نجد التشويق قد ممزج بمعاناته، لذا يمكننا القول بأن دلالات الاستفهام كانت متداخلة في عموم قصائده، وقد أتخذ الشاعر منه أداة فاعلة في أدارة الحوارات في قصائده، حتى اضحت قصائد استفهامية حوارية مشعة بالحزن تارة والتشويق والعشق تارة أخرى.

4-   استطاع الشاعر ان يستعمل أسلوب الاستفهام في حواراته، بأسلوب قد بيّن قدرته اللغوية، ومعرفته بدلالات الأسلوب وطاقته التأثيرية.

5-   ان أغلب الدلالات التي خرج إليها الاستفهام في قصائد الشاعر لم تذكرها كتب اللغة والنحو، وهنا برزت قدرة الشاعر الحروفي في إبرازها كدلالة العشق الإلهي.



([i])- الجنديل، احمد (2019) الشاعر اديب كمال الدين في ضيافة الزوراء، حوار في مجلة الزوراء، العدد 7051الاربعاء 17 تموز.

([ii])- ينظر: كمال الدين ، أديب (1441ه-2020م) ، الإعمال الشعرية الكاملة ، المجلد السادس ، منشورات ضفاف ، لبنان : 285، وللاستزادة ينظر موقع الشاعر الرسمي : www.adeebk.com

 

([iii])-  ينظر: ابن فارس، أبو الحسن احمد بن فارس بن زكريا ، (2003)، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ، تحقيق : السيد احمد صقر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة (سلسة الذخائر العدد99)، 292.

([iv])-  ينظر: السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الأشباه والنظائر في النحو (1985)، مؤسسة الرسالة، بيروت ، ط1، 7/43.

([v])-  ينظر: الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله (1957)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط1، 2/326-327.

([vi])-  ينظر: الأوسي: قيس إسماعيل، (1988)، أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، المكتبة الوطنية،بغداد، بلا : 309.

([vii])- ينظر: سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي ، (2004)، تحقيق أ.د. محمد كاظم البكاء ، دار البشير ، عمان ، ط1، 477

([viii])- ابن جني، أبو الفتح عثمان، بلا، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، ج2/464،465

([ix])-  ينظر: العماني، عبد الرحمن توفيق، (رسالة ماجستير 2008)، أدوات الاستفهام دراسة إحصائية مقارنة، بإشراف د. محمود عبد الله جفال الحديد، كلية الدراسات العليا الجامعة الأردنية، 6.

([x])-  ينظر: ا. م.د بلاوي، رسول، وحمادي، عبد العزيز، (بحث أب 2017)، رمزية الحروف والنقاط وإيحاءاتها في شعر أديب كمال الدين، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية / جامعة بابل، العدد 34، 234.

([xi])-  القزويني: محمد بن عبدا لرحمن جلال الدين (3 200)، الإيضاح في علوم البلاغة المعاني والبيان والبديع، دار الكتب العلمية، ط1، 131.

([xii])- ينظر على سبيل المثال لا حصر: سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر (2004):3/189، 175. ويوسف، عبد الكريم محمود، (1421ه-2000م)، أسلوب الاستفهام في القران الكريم –غرضه –إعرابه، مطبعة الشام، توزيع مكتبة الغزالي، ط1، ص8-16

 ([xiii])-  السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر (2005)، الإتقان في علوم القران، تحقيق فواز احمد رمزي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ص640.

([xiv])- ينظر: طه، هاجر سليمان (2019م)، طاقة التأثير في أسلوب الاستفهام ماهيتها وأسبابها (دراسة تطبيقية في الخطاب القرآني)، بحث، حولية الأزهر حولية كلية اللغة العربية بنين بجرحا ، ج7، العدد23، 7006

([xv])-  ينظر: بدوي ، احمد احمد ، (د.ت)، من بلاغة القران ، دار النهضة ، القاهرة ، (د. ط) : 165 

([xvi])- كمال الدين، أديب(2020) ، المجلد السادس ، منشورات ضفاف ، لبنان ، ط1. ص186.

([xvii])- بلاوي، رسول (2017)، رمزية الحروف والنقاط وإيحاءاتها في شعر أديب كمال الدين: 232.

([xviii])- ينظر: المصدرالسابق: 240.

([xix])- المصدر السابق :134.

([xx])-   ينظر: بسيوني عبد الفتاح فيود (2004)، علم المعاني دراسة بلاغية ونقدية لمسائل المعاني، مؤسسة المختار، ط2، القاهرة، (دون المطبع). 309.

([xxi])- المجلد السادس :178

([xxii])المجلد السادس174

([xxiii])- المصدر السابق: 108.

([xxiv])- المصدر السابق:21

([xxv])- السعيدي حسن حافظ (15/3/2020) (مقال)، قراءة في المجلد السادس لأعمال الشاعر الحروفي أديب كمال الدين، قصائد القتامة وقصائد التفاؤل، جريدة عراقية تصدر في سدني

([xxvi])- المجلد السادس: 57.

([xxvii])-  لؤلؤة عبد الواحد (1995) ، الأرض اليباب الشاعر والقصيدة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط منقحة ،158-159.

([xxviii])المجلد السادس : 80.

([xxix])- المجلد السادس: 29.

([xxx])- المصدر السابق: 222.

([xxxi])- المصدر السابق: 228.

([xxxii])-ينظر: الزمخشري (د.ت)، الكشاف، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان:2/ 97، وينظر : الاوسي: قيس اسماعيل (1988)، اساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين ، دار الحكمة ، بغداد، 445-446.

([xxxiii])- المصدر السابق: 26.

([xxxiv])- المصدر السابق : 156.

([xxxv])-   المجلد السادس: 207.

([xxxvi])- المصدر السابق : 206

([xxxvii])-  بلاوي رسول (2017) بحث : 240.

([xxxviii])- المجلد السادس : 203.

([xxxix])- المصدر السابق: 216.

([xl])- المصدر نفسه : 237.

([xli])- ينظر : طه ، هاجر سليمان (2019م): بحث : 7015.

([xlii])- المجلد السادس : 165.

([xliii])- المصدر السابق : 98.

([xliv])- شرح ديوان المتنبي للعكبري: 3/ 151-152.

([xlv])- ينظر : شميل ، آنا ماري ،(2006)، الابعاد الصوفية في الاسلام وتأريخ التصوف ، ترجمة محمد اسماعيل السيد ، ورضا حامد قطب ، منشورات الجمل كولونيا ، 14-15.

([xlvi])- ينظر: فيدوح، د. عبد القادر 2016م)، أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفية في شعر أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، طبع في لبنان، ط1، 146.

([xlvii])- المجلد السادس: 201.

([xlviii])- المصدر السابق: 202.

([xlix])- ينظر: الحداد، عباس يوسف (2009)، الانا في الشعر الصوفي، اللاذقية، دار الحوار، ط2، 91

[l])-    المجلد السادس : 181

 

 


نُشرت في مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية في عددها 4 المجلد 2 الصادر في 1 نيسان- أبريل 2021

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home