سُجود

 

 شعر: أديب كمال الدين

إلى: عيسى حسن الياسري

 

 

 

 

1.

حينَ وصلَ الشاعرُ إلى بلاطِ الملك

قال: حرفي مقدّسٌ كسرِّ الفرات

ونقطتي طيّبةٌ جميلةٌ كدجلة.

فقالَ له الملكُ: اسجدْ!

رفضَ الشاعرُ أمرَ الملك

فَطُرِدَ من البلاطِ شرّ طردة.

وحينَ وصلَ الشاعرُ إلى أعداءِ الملك

قال: حرفي عظيمٌ كسرِّ الفرات

ونقطتي زاهدةٌ غامضةٌ كدجلة.

فقالَ أعداءُ الملكِ: اسجدْ!

رفضَ الشاعرُ الأمر

فَطُرِدَ، كذلك، شرّ طردة.

 2.

هكذا انتقلَ الشاعرُ من ملكٍ إلى ملك

ومن سجودٍ إلى سجود

ومن رفضٍ إلى رفض.

انتقلَ، أولاً، إلى ملكِ الشقاقِ والنفاق

ثُمَّ انتقلَ، ثانياً، إلى ملكِ القلاقلِ والفتن

ثُمَّ إلى ملكِ الحرب

ثُمَّ إلى ملكِ الجنس

ثُمَّ إلى ملكِ الأكاذيبِ والترّهات

ثُمَّ إلى ملكِ "الصد مارد"

ثُمَّ إلى ملكِ الواق واق

ثُمَّ إلى ملكِ المنافي السعيدة

ثُمَّ إلى ملكِ المنافي التعيسة

ثُمَّ إلى ملكِ الراياتِ السُود

ثُمَّ إلى ملكِ الراياتِ الصُفْر

ثُمَّ إلى ملكِ الذهب

ثُمَّ إلى ملكِ الرماد

ثُمَّ إلى ملكِ اللصوص

ثُمَّ إلى ملكِ التُيوس

ثُمَّ إلى ملكِ الإذاعة

ثُمَّ إلى ملكِ الخلاعة

ثُمَّ إلى ملكِ العذاب.

وعندَ كلِّ ملكٍ يُطْلَبُ منهُ السجود

فيرفض.

فيُطرَدُ من البلاطِ شرّ طردة.

 3.

لم يكتفِ بعضُ الملوكِ بالطرد

بل أمرَ جلّاديه بسحلِ الشاعر

من البلاطِ حتّى الشارع.

وقامَ بعضُهم بسحلِ الشاعرِ بنَفْسه.

وقام الآخرُ بجلده بنَفْسه.

ثُمَّ قامَ الأخير–

وكانَ أكثرهم غلوّاً وعتوّاً –

بإطلاقِ كلابه السُود

لتنهشَ حتّى الموت

جسدَ الشاعرِ الهزيل.

 4.

حينَ ماتَ الشاعر

التقى بملكِ الحروفِ الذي هشَّ له وبشّ

وقالَ له: لنْ آمركَ بالسجود

بل سأجلسكَ معي على العرش!

رغمَ أنَّ عرشي شديد البساطة!

ثُمَّ نهضَ ملكُ الحروف

وشقَّ قميصَه من الفرح،

فبانت الحروفُ مُشرقةً كالشمس.

وقالَ للشاعر: اخترْ حرفَك!

فاختارَ الشاعرُ العينَ والياءَ والسينَ والألف.

ضحكَ ملكُ الحروفِ وقال:

أيّها الشاعر

لقد اخترتَ أنْ تُصلَب

وأنْ تمشي إلى الجلجلة!

ما أعظمك!

وأنتَ تُصلَب هنا أو هناك

دونما أتباعٍ أو أحبّة،

دونما تلامذةٍ أو مُريدين،

دونما وردةٍ تُعلّقُ على جبينك

أو تُرمى عليك،

دونما أيّ شيء سوى اسمك،

دونما أيّ شيء سوى حرفكَ ونقطتك!

 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home