اعترافات النقطة

 شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 

قالت النقطة:

مرَّ عشرون عاماً

أو ثلاثون

ربّما أربعون.

لم أعدْ أتذكّر الرقم

لكنّني أتذكّرُ أنّني قدتُكَ إلى الهاوية

- أيّها الحرف -

قدتُكَ إلى السعيِر، فجهنّم، فَسَقر

ثُمَّ ألقيتُ بكَ في مهاوي الجحيم.

أتذكّرُ أنّني نسفتُ معناك

وأشعلتُ ذاكرتك

وألقيتُ القبضَ عليك

باسم الحُبّ

ثُمَّ خنتُكَ في أقرب فرصة!

أتذكّرُ أنّني علّمتُكَ كيفَ يطيرُ الطير

بل أنّني خلقتُ منكَ طيراً،

أنّني علّمتُكَ كيفَ يسيرُ النهر

بل أنّني فجرّتُ منكَ نهراً

وفجرّتُ منكَ مِئذَنةً وقبراً

وفجرّتُ منكَ خرافةً للشعراء والمجانين

وعرّفتُ بكَ إذ كنتَ طيناً

فصرتَ أسطورةَ كلّ شيء حيّ

وأسطورةَ كلّ شيء يموت.

نعم، أيّها الحرف،

هلّا تذكّرتني

هلّا تذكّرتَ يوم كنتُ أنفخُ فيكَ الروح،

روحَ اللذّة.

وما كنتَ تعرفُ معنى الروح

ولا معنى اللذّة.

هلّا تذكّرتَ يوم جعلتكَ تتلمّسُ المعنى

وتدخلُ بابَ المبنى

وكنتَ غرّاً غريراً

وكنتُ أفعى!

هلّا تذكّرتَ دمعاً يصبُّ من عينيّ

قربَ باب الذهب.

هلّا تذكّرتَ أنّني وردة

وعطاياي لهب.

وكانتْ بصدري تفّاحة الماء

ورمّانة من عنب

ثُمَّ صلبتُكَ – بالمُكرِ – عندَ بابي

وادّعيتُ عليكَ فضعتَ

كما يضيعُ الرملُ في العاصفة.

هلّا تذكّرت

أنّني بعضكَ الحيّ

أو بعضكَ الجمر

خلّفتُ من بعدِكَ الدهر

يقومُ ويعوي

مثلما الكلب.

وخلّفتُ من بعدِكَ الشمسَ حذاءَ طفلٍ يتيم

والقمرَ يتعرّى عندَ كلّ بابٍ قليلاً

فيطردهُ الناس

ثُمَّ إلى نومِهم يرجعون.

 

 

 


 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home