المضمون الاجتماعي والمعرفي لـ (مواقف) أديب كمال الدين

 

بقلم: د. صالح الرزوق

 

 

تقدم عموم قصائد (المواقف) للشاعر أديب كمال الدين نوعاً من التأمل في المعارف الخاصة، وهذا يعني أنها تضغط للانتقال من التجربة العامة للذات إلى التجربة العامة لمطلق الوجود. وتحاول أيضا أن ترسم معالم طريق الشاعر وحدود معاناته المضنية، كما أنها تبذل ما في وسعها لتحويل الاجتماعي إلى معرفي.

وكانت لهذه القصائد نفس البنية الروحية التي تؤديها طقوس الذهن المتحول، وهو أساسا الذهن الميتافيزيقي، أو بلغة أوضح الديني، الرباني، وأشير بهذا الخصوص إلى كل ما هو باطني وإشراقي، بمعنى أنه تعرف واستدلال.

ومن هنا نشأت العلاقة المادية التي ربطت الشاعر بالوجدان الصوفي والتي سمحت له بالاحتراق بـ (نقطة النور) التي يكابد الذهن المتصوف من أجلها مشاق الرحلة في الحياة الدنيا، و التي تضع قدمه على أول الطريق إلى المطهر.

لقد كان الشاعر يمتلك (بتعبير المفكر هشام جعيط) إيديولوجيا غامضة للجهاد بوصفه التعبير عن إرادة الله مع ثوابه، ولكنه لم يمتلك توجها رسوليا، أو بالأحرى لم يتوصل إلى مبدأ الدعوة والعمل به كما فعل أبو الطيب جهارا.

من جهة أخرى، كان لذهنية أديب كمال الدين في هذه العجالات الشعرية نفس السلوك الداعم لتجربة الرموز عبر التاريخ، حيث أنها تحول الألم والطاقة السلبية الناجمة عن الجروح ومهما كان مصدرها: سياسة، طبقة، اغتراب، وهلم جرا، إلى حضارة– أداء، ثم إلى معرفة – ثقافة .

ويبين الجدول التالي ذلك من خلال صياغة العقلي بصورة عمل له سند عاطفي ، حيث الرموز الخاصة سرعان ما تنضوي تحت جناح المضمون العريض والشمولي ، وهذا فقط لتعميم الرسالة وتصليب الخطاب:

 

الصورة

المضمون

الاجتماعي

المعرفي

البيت

المسكن

الانتماء

الشخصية

الوطن

الأرض

الأسرة

الالتزام

كربلاء

القلب

التضحية

الإيمان

الاسم

الهوية

الموجود

الجسم المفقود… إلخ

 


ولكن لضرورات الشعر لم تكن هذه القصائد تخلو من روح التهكم على الذات أحيانا، واللوم ثم التقريع الواضح في معظم الحالات. وبهذا الشأن يقول الشاعر في موقف الخطأ:

 

أنتَ خطأ يتكرّر..

ما أن تُشفى من خطأ..

حتّى یتداركك خطأٌ أكثرُ قسوة…

وأكثرُ رماداً.

 

ثم يضيف:

 

كیف یحدثُ هذا ودمعتُكَ لا تفارقُ عینيك؟

كیف یحدثُ هذا وشمسي تُحیطُ بقلبك؟

 

لقد برر هذا الأسلوب وحده (مثلما كان هو المبرر الوحيد لمنشأ القصائد) أن لا نرى الأبعاد المعرفية للاجتماعي فقط، و لكن المفاهيم الدلالية لضنك الاستكشاف أيضا.

وهنا مربط الفرس: التوصل إلى الحكمة الناجمة عن الخبرات بالإستاطيقا وبالموقف.

إنه الحادي لأديب كمال الدين كي يعتمد على مصادره الثقافية بقدر الاعتماد على معاناته، والشرط الجوهري الذي نقل الترنم بالشعر إلى مصاف مشابه للحديث القدسي، بما يعني ذلك من تضمين لمعاناة حمل الأنبياء مشاعلها.

لقد كان أديب كمال الدين بهذا الخصوص يشبه بروميثيوس سارق النار. فقد اقتبس من القرآن الكريم ما يعادل نصف مفردات قصائده، ومن الحديث القدسي هيكليته، ومن التصوف إطاره العام. ووضعه ذلك في موقع قريب من ما يدعوه كولن ويلسون (االرومنسية الثانية)، أو ما يقول عنه جون ماكوري إنه (وجودية إيمانية).

وبالرغم مما سلف لم يتورط في ضياع أوراقه الرابحة، فقد استطاع بأسلوب لطيف ودمث أن يواكب كل تلك المؤثرات ضمن إطار شخصي دامع ومؤنب ، إطار دمج فيه كل أعباء النبوة (من جهة الكشف والوحي وليس التبشير ولا الرسالة). وهذا دليل آخر على أنه تخصص بالتذكير لاستنباط العبرة فقط.

يقول في قصيدة موقف الوحشة:

 

ادخلْ إلى الحفلةِ ثانيةً

یا عابرَ السبیل،

وذكّر الناس..

ذكّرهم بقافي وقرآني،

بزلزلتي وسبحاني.

 

وربما هذا ما يحضنا كي نطبق عليه شروط معنى الموقف في التصوف المشرقي.

1 – استيفاء حقوق المقام السابق.

2 – وعدم القدرة على الدخول في تكاليف وآداب المقام اللاحق.

بين هاتين النقطتين ينصب أديب كمال الدين بشيء من التروي والحكمة خط صراطه. إلى أين سيقوده ذلك؟

هذا هو السؤال….

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home