محاولة في القهقهة 

  شعر: أديب كمال الدين

  

 

 

 

 

 1.

جيمُ الجُثّةِ والجُوعِ والجلجلة

غريبةٌ على الواقع،

عصيّةٌ على التصديق.

ومعَ ذلك، فنحنُ هنا، للحديثِ عن السين:

سين سلامِ الموتى

سين سقوطِ الأسنان

سين الأسئلةِ التي تبدأُ لكي لا تنتهي.

ونحنُ هنا للحديثِ عن القصيدة

التي لم يكتبها الشاعر

بسببِ السأمِ وجلجلةِ الجيمِ وصليلِ الأسئلة

وقبحِ الوجوهِ التي يلتقيها.

لا سلام،

لا تحيّة، لا صباح الخير

لا توجد غير لا ولا ولا.

والجيمُ تنمو، تتوزّعُ في الشوارع

والوجوهِ التي أدمنت اللاأمل.

هل اللاأمل ممنوع؟

انكسرَ السؤالُ ودخلتُ في الجلجلة.

لا شأنَ لي بما تسألون،

لا شأنَ لي إلّا بما يكتبُ الشاعر

في حروفِ دمه.

لكنّهم سرقوه:

رجالٌ من الشرقِ سرقوا أصابعه

ثُمَّ أعادوها إليه

دونَ إبهامٍ وسبّابة،

رجالٌ من الغربِ سرقوا رأسه

ثُمَّ أعادوه إليه

دونَ عينين،

دونَ أنفٍ وشفتين.

فكيفَ سيكتبُ قصيدةَ حُبّه الكبرى؟

كيفَ سيزرعُ السينَ فتزهر قافيةً من حنين،

تزهر أطفالاً ومواعيد حُبّ؟

كيفَ وهو في الممرّاتِ ضائع:

لا صباح الخير، لا مساء الخير،

لا تحيّة، لا طمأنينة،

لا ولا، سوى القهقهات.

2.

هل سمعتَ بميكائيل أنجلو؟

هل سمعتَ بفان كوخ؟

هل سمعتَ بالسيّابِ الساذج؟

هل سمعتَ بالماغوطِ المُغفّل؟

هل سمعتَ بما لا ينبغي أنْ تسمع؟

لكنني كنتُ أضحكُ حتّى أبكي

وأبكي حتّى أموت

ثُمَّ أولد كي أبكي ثمَّ أموت.

3.

مَن أنتم ؟ – قالَ المقهقهُ – رجالٌ مِن الشرق؟

إذن: أعيدوا إليّ إبهامي وسبّابتي

مَن أنتم ؟ - قالَ المقهقهُ – رجالٌ مِن الغرب؟

إذن: أعيدوا إليَّ رأسي الفقيد،

أعيدوا عينيّ ، أنفي وشفتيّ،

أعيدوا أعيدوا – أنا السيّاب –

أعيدوا إليَّ ماءَ بويب.

وغيلان، أين غيلان؟

وعصاي التي أهشُّ بها على وحشتي؟

وأعيدوا إليَّ لحنَ قصائدي – أنا الماغوط –

ملحّن البارات

وملحّن أناشيد الاندحار

ومايسترو القوافي الجبانة.

ومعَ ذلك، فنحنُ هنا

لا للحديثِ عن القوافي ولا البارات

لا عن بويب ولا غيلان.

نحنُ هنا للحديثِ عن الجيم.

والجيم جُثّتها باقية أحملُها كلّ يوم

أنا الحلّاج حلجتكم بيدي

أنا النفريّ النبيّ

أنا دعبل، والشريف الرضيّ، لكنّني...

فمَن أنتم أيّها الأصدقاء القدامى الجدد؟

كيفَ سنتفاهم بالشعِر

ونحنُ نركضُ خلفَ جيمٍ وسين

وبينهما النون عارية كالمتاهة؟

إذنْ: السينُ سيّدةُ الموتِ تغسلكم في النهاية

والجيمُ ضاعتْ

بنقطتِها عنوان بيتي القديم

وعنوان بيتي الجديد.

ومعَ ذلك، فنحنُ هنا للحديث

لا عن الجيمِ ولا السين.

نحنُ هنا للحديثِ عن القهقهة‍!

****************************************
الشاعر محمد الماغوط يخاطبُ الشاعرَ السيّابَ في قصيدته:

(إلى بدر شاكر السيّاب) المنشورة بديوان ( الفرح ليس مهنتي) قائلاً:

            تشبّثْ بموتكَ أيّها المُغفّل

            دافعْ عنه بالحجارةِ والأسنان والمخالب!

 

 

  

   

 

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home