حاء

 

   شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 

 

1.

حاءُ الحياةِ حلمٌ ورماد

وتاؤها ألمٌ ونومٌ ونسيان.

2.

هي ذي مدنٌ لا معنى فيها

وأخرى لا شمس فيها

وأخرى لا ماء فيها.

وحينَ نصلُ إلى الشيخوخة

نصلُ إلى مدنٍ لا هواء فيها.

3.

مِن المُحزن

أنْ أكتبَ قصيدتي

قربَ شُبّاكٍ مُقفل

خلفه شجرة تينٍ جرداء.

4.

وصلتْ حياتي إلى الشاطئ الأخير

دونَ أنْ تجدَ خرافتَها المُقدّسة.

5.

يبدو أنَّ هناك خطأ ما في الرحلة.

ربّما كانَ العنوانُ مَكتوباً بلغةٍ مُنقرضة

أو كانَ العنوانُ من دونِ نقاطٍ أو حروف

أو كانَ العنوانُ تنقصهُ الفكاهة.

6.

عجيبٌ هذا الذي يحصل

لقد وُعِدنا بالكثير:

الشمس،

والحُبّ،

والنساء،

والأنهار،

والنار.

لكنْ حدثَ أنْ استُبدِلت الشمسُ بالضباب

والحُبُّ بممارسةِ الجنس

والنساءُ بالثرثرة

والأنهارُ بالرمال

والنارُ بالرعب.

7.

بعدَ أنْ عبرتُ الفراتَ ودجلة

والحدودَ والأسلاك

واللامَ والشين

والخوفَ والطمأنينة

والإفلاسَ والخيانة

والرضا والاحتجاج،

أما آن لي أنْ أستريحَ قليلاً؟

8.

أفهمُ أنْ تتوقفَ عيناي عن الرؤية

ولساني عن الكلام

وأذني عن السمع،

ولكنْ كيفَ يتوقّفُ قلبي عن الحلم؟

كيفَ يتوقّفُ قلبي عن خَلْقِ الحروف؟

إذنْ، يا إلهي، كيفَ يسيرُ الدمُ في جسدي

يا إلهي،

يا إلهَ القلبِ والحلمِ والحروف؟

 9.

الحياةُ مُدوّنةٌ من حروفٍ مُتناثرة

يكرهُ بعضُها بعضاً

ويحسدُ بعضُها بعضاً

ويتآمرُ، في حقدٍ أسْوَد،

بعضُها على بعض.

يا لتعاستي

كيفَ أحكمُ مملكةَ الحروفِ هذه؟

أنا رجلُ المعنى والسلام،

رجلُ الطفولةِ والطير،

رجلُ الفراتِ ودجلة،

رجلُ النقطة. 

10.

هل ينبغي كتابة القصيدة

من الأمامِ إلى الخلف

أم من الخلفِ إلى الأمام؟

من اليمين إلى اليسار

أم من اليسارِ إلى اليمين؟

أم من اليسارِ إلى اليسار؟

من الثلجِ إلى النار

أم من النارِ إلى الماء؟

من الماءِ إلى البحر

أم من البحرِ إلى الأرض؟

من نيويورك إلى بغداد

أم من بغداد إلى الجحيم؟

من الخرافةِ إلى النقطة

أم من النقطةِ إلى الجنون؟

11.

ينبغي على الشاعرِ أنْ يَتعرّى،

يَتعرّى تماماً

ليظهرَ جمالَ طفولته المُعذَّب

وطائرَ أبجديته القريب جدّاً

كغيمةِ تائهةٍ تجلسُ على سطحِ الدار.

12.

احترقتْ حروفي فكانتْ قصيدتي

رجلاً يطرقُ بابَ الجحيم

وهو يطيرُ من السعادةِ والحبور. 

13.

رغمَ أنَّ الموت الأسْوَد

أكلَ نقطةَ الحياةِ بوحشيّةٍ لا تُوصَف،

فإنَّ حاءَ الحياةِ بقيتْ حبيبتي.

 14.

نعم،

حاءُ الحياةِ حُبّ

رغمَ الزلازل والفواجع والحروب.

هكذا قالَ الله.

15.

عجبَ الحروفيّ من هذه الحاء.

فلقد رآها مَرّةً راقصةً أسطوريّة

ومَرّةً رآها توابيت عارية

ومَرّةً رآها ذهباً، وجمراً، ودموعاً، وسكاكين.

فاحتار.

قيلَ له: اخترْ لهذه الحاء كلمةً واحدة

ولا تزدْ.

فقال: حاءُ الحياة......

ومات.

16.

أظنّ الحروفيّ قال:

حاءُ الحياة حُرّيّة.

أو أنّه قال:

حاءُ الحياةِ حريقٌ أو حُطام.

17.

حاءُ الحياةِ حاء

حملها الحسينُ رأساً كرأسه

فوقَ رأسِ الرماح.

وحاءُ الحياة حاء

حملها الحلّاج

مقصلةً من ذهب

ومسامير نار.

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home