ماذا ينتظر المثقف العربي

 من تظاهرة الجزائر

 عاصمة للثقافة العربية

 

 

 

 

 

تحقيق: زهرة بوسكين

 


من أبرز السلوكات الحضارية التي تميز الشعوب والدول ممارسة الفعل الثقافي الذي يعكس درجة الوعي والإقبال على استهلاك المفاهيم الفكرية  بكيفيات تتعدد وتختلف،  وتستعد الجزائر على غرار عدة دول عربية سبقتها  لتعيش حدث "الجزائر عاصمة للثقافة العربية" والذي يعتبر أهم حدث ثقافي في تاريخ الجزائر يتوق  إليه  كل  مثقف داخل الجزائر وفي الوطن العربي .
داخل الجزائر علامات استفهام كثيرة تطرح بشأن الحدث خاصة لدى النخبة وخاصة أيضاً والوضع الثقافي في الجزائر تشوبه غيوم جعلت الكثير من الرؤى غير واضحة ولأن الثقافة العربية هي ممارسة شاملة وواسعة  ومصطلح عاصمة للثقافة العربية ينتظر منه الكثير حاولنا أن نعرف ماذا ينتظر المثقف العربي من هذه التظاهرة وتوجهنا بالسؤال إلى مثقفين من مختلف الدول العربية ومن الأسماء الفاعلة في الثقافة العربية وتلقينا عدة انطباعات مختلفة وبالمقابل فضل الكثيرون الصمت أمام هذا السؤال..

 

ما نحتاجه هو أن يكون فعلنا الثقافي الإبداعي يومياً حيّاً وليس مناسباتياً طارئاً

 
الأديب العراقي أديب كمال الدين – عضو نقابة الصحفيين العرب والعالمية     

 


ينظر العرب عموماً إلى الفعالية الثقافية  نظرة لامبالاة في أحسن تقدير، ونظرة دونية في الأغلب . ومثل هذه النظرة، بالطبع، تدعو ليس فقط إلى الأسف بل إلى الرثاء، وبخاصة في قرننا قرن العلم والمعلوماتية والاتصالات الهائلة. وهكذا تكون الدعوة لاختيار هذه العاصمة او تلك كعاصمة ثقافية عربية بمثابة التذكير بالثقافة ودورها الحيوي الخطير في بعث الحياة في الأمم والشعوب، فيسارع المسؤولون في تلك الدولة أو سواها إلى اجراء فعاليات ثقافية شعرية ومسرحية وتشكيلية على عجل ودون تخطيط مسبق واعداد متوازن لتلافي النقص الفادح في الحياة الثقافية اليومية، وحين تنتهي المناسبة يعود كل شيء إلى سابق عهده من الكسل واللااكتراث واللامبالاة !

وإزاء هذه الصورة القاتمة، فإنّ مانحتاجه حقا هو ان يكون النشاط الثقافي المبدع بكل انواعه وأشكاله ممارسةً يوميةً حية وليس مناسباتية طارئة ،ممارسةً حقيقيةً وليس ضحكاً على الذقون، ممارسةً حرةً وليس تكميماً للأفواه والضمائر، ممارسةً فذةً لتأخذ المرأة دورها في الإبداع والفعل الثقافي بعيداً عن النبذ أو التهميش، وتأخذ الأقليات العرقية، كذلك، دورها في الإبداع الثقافي بصيغته المختلفة التي تغني الصورة وتعمّقها، وينعم الطفل بحقوقه الثقافية كاملة غير منقوصة !
كلمتي هذه، كما أعتقد، تعيش في عالم هو عالم الأحلام الوردية قياساً بالواقع الثقافي العربي المظلم، حيث لا يبيع المؤلف العربي، عموما ، أكثر من 1000 نسخة من كتابه، وحيث تُقام المهرجانات وبخاصة الشعرية منها للتزلف إلى الطواغيت والظَلَمة فيأتي شعراء خراتيت من مغارب الأرض ومشارقها ليكذبوا وينافقوا ويقرأوا،  لقاء دولارات قذرة، قصائد مليئة بالأكاذيب والترّهات، وحيث يُحَاسب المؤلف الحقيقي على كلماته بل على أنفاسه وسط عولمة تتنتهج الحرية خلاصاً وعروبة تؤكد على النقيض بقوة وعنف.
مشهد محزن حقاً مهما حاولنا التفاؤل! لأنّ التفاصيل الأخرى المتعلقة بدور المرأة والطفل والترجمة والمسابقات الثقافية تؤكد الصورة قاسية الظلام والظلم للمجتمع العربي الذي لا يفيق من نكبة الاّ لتتلقفه الأخرى بسبب ضعف الفعالية الثقافية وهزالها وتهميش المشاركين فيها بمختلف الصور والأشكال، وحيث ارتضى المثقفون العرب، عموماً، دور الاقصاء والتهميش ليعيشوا في عوالمهم الخاصة أو وسط ثقافة التنابز بالأقاب  بعيداً عن المشاركة الحية في التذكير بفداحة الصورة وارتباك الحال وهزال المستقبل أو المشاركة في بناء الصورة المبدعة لثقافة عربية مبدعة.
ونعود إلى الجزائر الحبيبة، نعود لنحاول أن نشعل شمعة مع المخلصين فيها ممن يتعاطون الفعل الثقافي علّنا جميعاً نستطيع أن نبدد شيئاً من الظلامية الثقافية العربية المتكونة منذ زمن ليس بالقصير أو على الأقل نحاول ذلك لنحوزعلى شرف المحاولة. وهكذا فما أتمناه هو جعل الفعل الثقافي فيها يومياً وليس موسمياً، حيّاً وليس محنّطاً، ذكياً وليس مدّعيا للذكاء.
أي ان تكون المهرجانات الشعرية أداةً لتعميق الحرية وإعلانها، وتكون المعارض الفنية والمسرحيات والكتب المؤلفة و المترجمة والانطولوجيات المنشورة بالمناسبة هذه أو بدونها محكومةً بالأسس الفنية الأبداعية، وتكون المسابقات الأبداعية بأنواعها أداةً للكشف عن المبدعين الأصلاء وليس عن الدخلاء، وتكون المرأة حاضرة ليس بهيئة شبح يُناجى وحلم يُرتجى وسراب بعيد المنال بل بهيئة مليئة بالحياة والحضور لتقدم إبداعها المتميز وفعلها الثقافي الحيّ وأبجديتها ذات الجمال الخاص  بعيداً عن التهميش والنبذ والإقصاء واللامبالاة، وتكون للطفولة مباهجها الثقافية الظاهرة ومشاركتها الواضحة التي تؤسس لمستقبل متطور.
 
هذه هي الخطوط العامة للحلم، أما التفاصيل فليست صعبة التصور وحتى التحقيق لمن امتلك النية الإبداعية الحقة من المخلصين وليس لمن يعمل بروح الموظف الذي يريد أن يرضي أولي الأمر مختلقاً لنفسه الأعذار والتبريرات التي تؤكّد الصورة المؤلمة دون محاولة جادّة لتجاوز الواقع المرير. ما قلته لا يشمل الجزائر وحدها قطعاً بل يشمل الفعل الثقافي العربي كله من مشرق أقطاره لمغربها وجميع المدن العربية التي يتم اختيارها للعب دور العاصمة الثقافية العربية، وإن اختلفت النسبة في حضور المشكلة بين العواصم العربية أو قلّت، ذلك لأنّ الجميع، دون استثناء،  ينتظرون شروقاً وشمساً حقيقيةً بعد ان أتعبهم الظلام والغروب!
ختاماً أحيي مَن يحاول معي أن يضع يده على الجرح الثقافي العربي النازف فيأخذ برأيي لخلق ثقافة عربية حية تقوم من الركود واليأس واليباب والاحباط أو مَن يصحح لي رأيي فلعّلي قلتُ ما لا ينبغي قوله أو ذهبتُ في قولي شطَطَا!

وشارك في الاستطلاع أيضاً:

الشاعرة السورية سوزان خواتمي                                                     

الأديب سليم شاهين                                                             

خالد عويس - روائي وكاتب سوداني مقيم بالإمارات

نورالدين بازين - شاعر وإعلامي مغربي

الشاعر أيمن اللبدي

الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق 

الشاعر التونسي المولدي فروج 

 الشاعر نزيه حسون -  فلسطين

**************************************

صحيفة الحقائق - 23 كانون أول 2006

 

 

الصفحة الرئيسية