ديوان الرقصات

 

 شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

   

 

الرقصة الأولى

*********

 

اهبطي

مثل حرفٍ بليغٍ يرومُ المثولْ

بين أيدي السطورْ،

مثل سجنٍ يرومُ الهروبْ،

مثل نهرٍ يمارسُ ألعابَه الغامضة،

مثل مِيتٍ يُعادْ.

وارقصي. ها هنا آسنا يحتفي،

ثلجنا يختفي، عشبنا يرتوي.

ها هنا ريحنا المُبهِجة:

ريحُ مِيتٍ يُعادْ.

 

... دورةً، دورتينْ.

 

أطلقي صرخةً خافتة،

نظرةً خافتة

مثلما الماء إذ يستفيق

من لظاه العميقْ.

... نظرةً ثُمَّ أخرى

... خطوةً ثُمَّ أخرى

... دورةً  ثُمَّ أخرى.

... نظرةً مِن حنينْ.

 

إنني أنحني مثل آسٍ فتيّ،

أختفي في جفونِ العيونْ،

أشتهي أن أكونْ.

إنني أنتشي بالكلامْ

عامراً بالرؤى والجموحْ.

 

 

الرقصة الثانية

*********

 

* انظرِ الآن ماذا ترى؟ 

- ها هي الريح

والعصافيرُ من نومها أقبلتْ وهي تنأى. الدخانْ 

ساهماً كالأسى يرقبُ الآن، خلفَ الوجوه، الزمانْ.

والعيون التي تحتوي ميسمي

لم تكنْ تفهم العشبَ إذ ينحني

وردةً تحتوي شمسَ هذا اللقاء: الجنونْ.

قيل لي إنّها خفقة

للينابيع إذ يفتحُ الفجرُ أجفانه بالضياءْ.

إنّها ميسمٌ للعناقيد إذ ترتوي بالغناءْ.

إنّها رنّة الكأس أو قُبْلة تشتهي أنْ تلفَّ الجسد،

تنحني بين أوراقه شمعةً مِن دموعْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

* انظرِ الآن ماذا يكون؟

- العصافيرُ ذكرى تجول

كلّما أضحكَ الوردُ أعشابَه بالدخانْ.

العصافيرُ ذكرى تجولُ القطاراتِ والأنهر النائمة،

المنافي التي أشعلتْ لونَ أثوابِها.

والعصافيرُ مُذ غادرتْ نخلَها المُنتظر

عانقتها السنين التي أشعلتْ جمرةً بين أجفانها.

 

* أشعلتْها إذن!

- ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تعصفُ

والعصافير قدّامها تركضُ.

ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تركضُ

والعصافير قدّامها تعصفُ.

 

... دورةً ثُمَّ أخرى،

... خطوةً ثُمَّ أخرى،

... نظرةً مِن وجومْ.

 

 

الرقصة الثالثة

********

 

حطّمِ الصوتَ هذا الذي يرتديني دماً غامضاً!

يرتديني لقاءً لنهرٍ عميقِ العذابْ

وانكساراتِ ليلٍ طويلِ الغيابْ.

يرتديني إذنْ؟ حطّمِ الصوت!

 

... نظرةً ثُمَّ أخرى

... خطوةً ثُمَّ أخرى

... دورةً ثُمَّ أخرى.

 

أيْ دمي يا دمي! هل ترى طائراً

ظلّ وقت انهمار السماءْ؟

هل تراني دمي؟ حطّمِ الصوتَ والريح!

إنني أستطيعُ المسافة

أنْ أقول الفضاءْ:

إنني حضنُ طفلٍ بريء،

إنني وحشةُ الأقبية،

إنني قُبْلةٌ هامدة.

 

أطلقي نظرةً مثلما القلب إذ يستفيق

من لظاه العميقْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

إنني أستطيعُ الحقيقة،

أستطيعُ الغناءَ الذي كانَ لي شاهدي المنفرد،

كانَ لي ورقة مُعشبة،

ضحكة الفجرِ عند انعتاق الخيولْ،

بسمة الطيرِ عند اشتداد الشتاءْ

وانحدار البساتين من نومِها كالعروسْ.

فلنغنِّ: الفراقُ الفراقْ

أتعبَ الفجرَ والطفلَ. هذا الفراقُ الفراقْ

أتعبَ الظلَّ والجرفَ والعشبَ. هذا الفراقُ الجَموحْ

أتعب َالماءَ هذا الجَموحْ.

 

... دورةً للهبوطْ،

... دورةً للهبوطِ الثقيلْ،

... دورةً  للحنين الثقيلْ.

 

الرقصة الرابعة

********

 

لم يزلْ وردُنا صابراً والكمانُ الوحيدْ

لم يزلْ راقصاً مثل نبع يتيمْ.

راقصاً مثلما وردة تُشتَهى

وهي سكرى بغصنِ الظلامْ،

مثلما وردة بالغتْ في الكذب

واشتهتْ أنْ ترى أيَّ شيء:

جثّةً أينعتْ أو حنينَ النهارْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

أطلقي صرخةً خافتة،

نظرةً خافتة

مثلما النار إذ تستفيق

من لظاها العجيبْ.

... خطوةً للأنينْ،

... خطوةً للجنونِ البليغْ،

... خطوةً للهدوء المريبْ،

... خطوةً للحنينْ.

 

أطلقي صرخةً مِن سكونْ:

كم تريدين لي أنْ أكون

مثل مرثية انتهتْ واختفتْ؟

كم تريدين لي أنْ أكون الكمان اليتيمْ،

الكمان الذي شجَّ أوراقَه الناتئة؟

كم تريدين لي أنْ أموت؟

 

أطلقي صرخةً مِن وجومْ:

ربّما كي نموت،

كي نواصلَ في ألمٍ لحننا المستديمَ الثقيلْ.

أطلقي صرخةً مِن ربيعْ:

كي نغنّي معاً لحننا الخالدَ المُستحيلْ!

 

 

 

 

 

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

 

 

 

 الصفحة الرئيسية