ديوان المقابلات      

    شعر: أديب كمال الدين 

 

 

مقابلة أولى

*******

 الصوت والصدى

***********

 

أ ـ  الصوت

 

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض

بحديثٍ غامض

عن مدنٍ وشوارع مرّتْ كقطارٍ مزدحمٍ مهمومْ،

عن أصواتٍ ضاعتْ

ونساء يبكين الظلَّ وأحجار الظلّْ.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامضُ عن حرفٍ

غطّى عينيه بقبّعةِ الحلمِ البيضاءْ،

عن حرفٍ ممتلئ بأنينِ الماءْ،

عن حرفٍ محترقٍ مجنونْ.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض

عن أنهارٍ تأتي أو ترحلُ ضاحكةً

بثيابِ الفجرِ، جبالٍ غطّتْ هامتَها بغيومِ الثلجْ،

وطيورٍ قد طارت هاربةً من وقعِ خُطى الصيّادين.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض،

كي ينسى شيئاً أو يتذكّر شيئاً

لينام.

 

 

ب ـ  الصدى

 

مِن أيّ بحارٍ أو وديان أو أشجارْ

يأتي هذا الصوتُ البشريُّ الغامض،

يأتي هذا الحلمُ الأسْوَد

كي يوقظني من صحوي أو نومي؟

*     

مِن أيّ جبالٍ أو أمطارٍ أو أصقاعْ

يأتي هذا الزائر؟

ولماذا يتركني حيناً كالغيمِ العاثرِ، حيناً فستاناً

لعروس مجنوناً بالقُبلات؟

*  

مِن أيّ نبوءاتٍ أو أحجارٍ أو أحداقٍ

يأتي ليشتّت تيجاني، يرميها في الشارع

أو في أمواجِ النهرِ الصاخب،

ليُشتّت ساعاتي، يرميها في الليلِ الموحش

أو يرميها- أبداً- في النارْ؟

 

 

مقابلة ثانية

*******

 ملاحظتان عن الأشجار

***************

 

- أ-

كانتْ أشجاري في الشمس

وأنا أتفيّأُ ظلَّ الراحةِ تحتَ مياسمها

فرحاً فالظلُ ودودٌ والشمسُ الذهبيّة..

تهدي قسطاً من ضوءٍ يحوي

شيئاً من فرحي الأسطوريّ،

جسدي النائم في كرسيّ من ذاكرةِ الأشجارْ.

*

هبّتْ عاصفةٌ زرقاء.

أغمضتُ عيوني:

أتغادرني الأشجارْ؟

الجذرُ الأسْوَدُ يربطُها برنينِ الأرض!

أأغادرها؟

وتجيءُ العاصفةُ الزرقاءُ فيبكي قلبُ الأشجارِ بصمتٍ، لكنّ الأغصانْ

لا تملك أنْ تخفي شيئاً فتضجُّ جميعاً. أغمضتُ عيوني:

ستظلُّ هنا الأشجارْ

تحملُ أحرفَها، خفْقَ الكونِ النائم فيها..

إذ مَن يقدر أنْ ينزع منها حرفاً أو حرفينْ

لتصير "شجاراً" أو "شاراً" ؟

تحت الأشجارْ

ثملاً من شدّةِ حزني صرتُ أغنّي:

يا قلبي، يا لغة الأشجارْ

يا أشجاري، يا لغة القلبْ. 

 

- ب -

شجرٌ مقطوعُ الكفّين.

شجرٌ يحوي بضعَ حماماتٍ في بعضِ سماءْ.

شجرٌ يتبّسمُ طفلاً من مرحٍ

أو طفلاً يخفي صيحاتِ الآه.

ويجالسني.

ويجالسني دوماً.

مرّاتٍ إذ يغضبُ مِن لا جدوى الحلم الضيّق.

في شرفةِ نومي يدخلُ كي ينسى

بعضَ الوقت ويوصدها بالمفتاح ِالأخرس.

فأظلّ وحيداً كالأعمى. 

 

 

مقابلة ثالثة

******* 

 

أغنيتان

*****

 

1.

غربة في الجسد

قد أقامَ بأحداقها الليلُ

ضاحكاً كاللهب.

غربة في الجسد

بويعتْ في غيابِ الجسد.

2.

آهِ عادَ السنونو لأعشاشهِ ضاحكاً كالنسيمِ العليلْ.

آهِ عادتْ طيورُ البحارِ البعيدة

والذئابُ الغريبة.

آهِ عادتْ خُطى العاشقِ، العاشقة

والسنين المريرة،

والمغنّي العجوزْ.

آهِ عادتْ خُطى كلِّ شيء. ولكنني

لم أعدْ منذ مليون عام وحيداً

أشيبَ الرأسِ مُكتهلاً بالعذابِ، إذنْ

فلأغنِّ بصوتٍ خفيضٍ لأسأل

كلَّ شيء يمرّ:

هل تراني أعود؟ لماذا؟ لِمَن؟

 

 

 

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

 

 

الصفحة الرئيسية